حكومة سياسية: لماذا؟ وما هي حظوظ تشكيلها؟

        دعا بيان الدورة الـ 50  لمجلس شورى حركة النهضة المنعقد يومي 3 و4 جويلية 2021 إلى “تكوين حكومة سياسية قوية في المرحلة القادمة تكون قادرة على مواجهة القضايا الراهنة وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب”. وتأتي هذه المبادرة تفاعلا ما تمّ تداوله  خلال الأيام  الأخيرة داخل حركة النهضة أو خارجها، من دعوة لقياداتها إلى أخذهم بزمام الأمور وتحمّل مسؤولياتهم في تحمّل أعباء الحكم مباشرة، بمقتضى نتائج انتخابات  2019 أو مغادرته بوضوح، أمام تفاقم الأزمة المركبة والمتشابكة وترنّح المشهد السياسي في سلبية من الجميع باتت تثير الحيرة. وعلاوة ما أحدثته هذه الدعوة من جدال داخل النهضة وخارجها، وما خلّفته من ردود أفعال أوّلية، لا يستبعد المراقبون أن تكون لها تداعياتها القريبة على المشهد السياسي، سلبا أو إيجابا. فما هي خلفيات هذه الدعوة وأسبابها؟ وما هي حظوظ نجاح تشكيل حكومة سياسية في المرحلة القريبة القادمة؟

        أمام استفحال الأزمة الصحية والتزايد المفزع في عدد الوفيات والإصابات، وضغط استحقاقات الدّين العمومي الخارجي في شهر جويلية الحالي وأوت القادم، وإزاء ما أظهرته حكومة مشيشي من ضعف في استراتيجية مواجهة الوباء المستفحل وتأخّرها في الاصلاحات الاقتصادية المتأكدة، ومصاعبها في تعبئة الموارد اللازمة لتغطية العجز في ميزانية الدولة. وفي ظلّ ترنّح الأزمة السياسية مع تأخّر الحوار الوطني، وما صار يكتنفه من غموض، ارتأى أعضاء مجلس شورى حركة النهضة بعد التداول في الأزمة المركبة والمتشابكة بمختلف وجوهها، وبمشاركة قيادات مركزية وجهوية،  أنّ أحد أبواب الخروج المناسب من هذه الأزمة يكون عبر تكوين حكومة سياسية، تتحمل المسؤولية فيها الأحزاب، استنادا إلى نتائج الانتخابات التشريعية لسنة ،2019 وتعيد الأمور إلى نصابها بالانسجام الكامل بين الأغلبية في باردو والحكومة في القصبة. فالحكومة الحالية تعاني منذ أشهر من شلل بسبب تعطّل التحوير الوزاري، وأبانت عن ضعف واضح في التصدّي للأولويات الوطنية الصحية والاقتصادية.

         أثارت الدعوة تكوين حكومة سياسية تساؤلات في داخل النهضة وخارجها، لما بدا فيها من طابع المفاجأة، اعتبارا لتأكيد حركة النهضة خلال الفترة الأخيرة على استمرار دعمها لحكومة المشيشي، وأيضا لما يكتنف تفاصيل هذه المبادرة من غموض في التنزيل في الواقع بتعقيداته السياسية المعلومة. ويبدو أنّ هذا التوجه الذي أقرّه مجلس الشورى، قد عُهد إلى المكتب التنفيذي ترتيب تفاصيله، بتكثيف الحوار مع شركاء النهضة الأساسيين سيما حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة والكتلة الوطنية، والانفتاح في الحوار على بقية الفعاليات من كتل داعمة للحكومة الحالية مثل تحيا تونس والإصلاح او كتل معارضة على غرار الكتلة الديمقراطية. إضافة إلى انفتاح الحوار على قرطاج وعلى المنظمات الاجتماعية الكبرى وأطراف سياسية غير ممثلة بالبرلمان.

        ولا تخفى خلفيات هذه المبادرة التي تحمّلت فيها النهضة مسؤوليتها باعتبارها الحزب الأول في البرلمان والأعرق في الساحة الحزبية، وإزاء اكتفاء مختلف الأطراف بالنقد والانتظار. ولا تتعارض هذه المبادرة مع الدعوة إلى الحوار الوطني التي بادر بها الاتحاد العام التونسي للشغل، والتي تستمرّ حركة النهضة في دعمها، لكن لا يزال توقيت تفعيلها متوقفا على إرادة رئيس الجمهورية، الذي قدّمت إليه ولم يعبّر إلى حدّ الآن بوضوح عن مدى قبوله لها أو رفضه. ولم يفصح عن توقيتها وصيغ تفعيلها. وكان آخر تصريح للناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن السؤال عن مستقبل الحوار الوطني جوابه عند رئيس الجمهورية حاليا.

         عبّرت بعض الأطراف السياسية على غرار حزب قلب تونس وحزب تحيا تونس عن قبول مبدئي بالتوجه إلى حكومة سياسية في انتظار ان تتضح تفاصيلها وآليات تنفيذها. كما أبدت بعض الأطراف الأخرى رفضا على غرار  كتلة الإصلاح التي  اعتبرت ذلك مستحيلا، أو احترازا  مثل حركة الشعب والتيار الديمقراطي، بسبب تصريحات قيادات من النهضة بأنّهم يرون مشيشي رئيسا لها. وفي المقابل رأى بعض المتابعين في بيان شورى النهضة الأخير تخلّيا عن مشيشي واستعدادا أكبر للانفتاح على قرطاج وحزامه السياسي من حركة الشعب والتيار الديمقراطي. ولذلك فإنّ المبادرة التي حرّكت السواكن يظلّ مستقبلها رهين تفاصيلها والنجاح في إدارة حوار بصددها.

        ومن جهة أخرى، وفي ظلّ صعوبات التفاهمات السياسية بسبب المناكفات الحادة بين الأطراف، بدأت التداعيات السلبية للدعوة لحكومة سياسية على البرلمان الذي قرّرت فيه كتلة الإصلاح “مقاطعة اجتماعات مكتب المجلس واجتماعات رؤساء الكتل إلى حين اتخاذ قرار بمتابعة النواب الذين مارسوا العنف على زملائهم قضائيا”. احتجاجا منهم على ما لم يعجبهم في تعامل رئيس مجلس نواب الشعب ومكتبه مع ما حصل من عنف داخل الجلسة العامة خلال الفترة الاخيرة. ويضاف الموقف الجديد لكتلة الإصلاح إلى موقف الكتلة الديمقراطية التي تواصل مقاطعة التصويت بالجلسات العامة احتجاجا على عدم حضور رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى المجلس في حوار مع النواب. ولا يخفى على المتابعين أن  هذه المواقف المقاطعة تصبّ في نهاية المطاف في حساب كتلة الدستوري الحر، التي جعلت من تعطيل أعمال المجلس منذ انطلاق الفترة النيابية  وترذيله هدفا رئيسيا لها، والتي أحدثت هرجا ومرجا غير مسبوقين بمناسبة مصادقة المجلس على مشروع قانون  اتفاقية مقر صندوق التنمية القطري.

        وقد تتوسع التداعيات السلبية سريعا إلى القصبة، إذ تثير بعض الأطراف تساؤلات حول مستقبل علاقة النهضة بفريق رئيس الحكومة هشام مشيشي بعد الانتقادات النهضوية التي طالت بعضهم، وحول مستقبل مشيشي نفسه الذي تشترط بعض  الأطراف التي لا يخفى تنسيقها مع قرطاج رحيل المشيشي كبداية لأيّ حلّ للأزمة السياسية. وتزايدت التأويلات والتهويمات بعد اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، الذي لم تنشر تفاصيله.

        هذا علاوة عن تعقيدات العلاقة بين الأطراف المعنية بالتشاورات حول الحكومة السياسية. فرئيس الجمهورية قاطع في استبعاد حزبي  قلب تونس وائتلاف الكرامة الحليفين الرئيسيين لحركة النهضة. وقصر قرطاج مستمرّ في التنسيق الواضح مع حركة الشعب في مختلف الملفات وفي مقدّمتها العلاقة بحركة النهضة وبالاتحاد العام التونسي للشغل، ويتقاسمان القناعات والتكتيكات. ولا يخفى على المتابعين تموقع حركة الشعب في صفّ “المعادين” لرئيس البرلمان ولحركة النهضة، بسبب إصرار قادتها على استدعاء العداء الأيديولوجي مع النهضة، واتهامها على غرار عبير موسي وكتلتها، بأنّها فرع من جماعة الإخوان المسلمين بمصر.

        يقول المثل التونسي ” تغيير السروج فيه راحة”. لكن هل تتحمّل تونس المرهقة صحّيا واقتصاديا وماليا فراغا جديدا في الحكومة باستقالة رئيسها أو إقالته؟ في ظلّ عدم التفاهم بين مراكز السلطة في قرطاج والقصبة وباردو، وفي ظلّ أزمة الثقة والحديث عن سيناريوهات الانقلاب أو الانهيار وإدارة التوحّش؟

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 213، تونس  في  08 جويلية 2021    

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: