جبهة الخلاص الوطني: سياقاتها وحظوظ نجاحها

كان لافتا في الوقفة الأخيرة للمعارضة أمام المسرح البلدي يوم الأحد 10 أفريل المنقضي، إحياء لذكرى عيد الشهداء، مشاركة الأستاذ أحمد نجيب الشابي لأول مرة في سلسلسلة التحركات الميدانية المناهضة لانقلاب 25 جويلية، التي دأب “مواطنون ضدّ الانقلاب” على الدعوة إليها منذ 18 سبتمبر 2021، ودأبت حركة النهضة على دعمها والمشاركة فيها. وكان الحدث الأبرز إعلان الأستاذ الشابي خلال كلمته في الحضور، عن مبادرته بالدعوة إلى تشكيل  “جبهة للخلاص الوطني” تعمل على “توحيد الكفاح الميداني وعلى إعداد برنامج الإنقاذ والدفع إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني دون توان ولا إقصاء”. ونروم بهذه المناسبة التوقّف عند السياقات التي أفضت إلى توجيه الأستاذ الشابي هذا “النداء الحار”؟ ومدى حظوظ نجاحه في تشكيل “الجبهة”؟ وفي تحقيق هذه الأخيرة لأهدافها المعلنة؟

لم يتأخر الأستاذ أحمد نجيب الشابي في التعبير عن رفضه للإجراءات الانقلابية التي اتخذها الرئيس سعيد مساء 25 جويلية 2021، وهو لا ينفك منذ ذلك التاريخ عن التصريحات والتدوينات المناهضة للحكم الفردي المطلق ولجميع الانتهاكات للحقوق والحريات. وقد شكل مع شخصيات سياسية وبعض نواب الشعب “اللقاء الوطني للإنقاذ” لغرض توحيد الجهود والضغط من أجل إنهاء التدابير الاستثنائية واستئناف الحياة الديمقراطية. وهو يلتقي بصفة مستمرة ممثلي الأحزاب والمجموعات السياسية والشخصيات الوطنية لنفس الغرض. وصار حضوره لا فتا في بعض المحطات على غرار مساندة المضربين عن الطعام بالمنزه السادس أو جنازة الشهيد رضا بوزيان رحمه الله تعالى أو الوقفات الاحتجاجية أمام مستشفى بنزرت من أجل إنهاء الاحتجاز القسري للأستاذ البحيري أو التضامن مع العميد الكيلاني وكذلك مع النواب المحالين على التحقيق بعد جلسة البرلمان ليوم 30 مارس 2022 وغيرها من المناسبات.

حصلت في الأثناء لقاءات وحوارات معمّقة بين “مواطنون ضدّ الانقلاب” و”اللقاء الوطني للإنقاذ” كان من نتائجها التنسيق الميداني في بعض التحركات المناهضة للانقلاب والسعي إلى بلورة “بديل ديمقراطي” وأهمها “الندوة السياسية والاقتصادية” بنزل المشتل يوم 24 مارس 2022 والندوة السياسية التي تلتها وتم منع انعقادها بإحدى القاعات بنابل يوم 27 مارس. وبعد أكثر من 8 أشهر من التعطيل لدواليب الدولة عن نشاطها العادي، وتعطيل دواليب حياة التونسيين بصفة عامة. وفي ظلّ المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المتعاظمة بسبب الحصار المالي لتونس في ظل الانقلاب وتراجع جميع مؤشراتها وخفض ترقيمها السيادي إلى أدنى الدرجات. وأمام تمادي الرئيس سعيد في تكريس الحكم الفردي المطلق والمضيّ في أجندة فرض مشروعه السياسي الشخصي ورفضه لجميع دعوات الحوار الوطني التشاركي. وبمناسبة ذكرى عيد الشهداء التي ترتبط بمظاهرات مطالبة التونسيات والتونسيين في 09 أفريل 1938 ببرلمان تونسي وحكومة وطنية، وبشهداء ثورة الحرية والكرامة 2010/ 2011، نشر الأستاذ أحمد نجيب الشابي بجريدة “المغرب” نصا سياسيا هاما عنونه ب”بيان 9 أفريل” ضمّنه نداءه/مبادرته من أجل تشكيل  “جبهة للخلاص الوطني”.

يستعرض “بيان 9 أفريل” عناوين ما وصفه بسرقة الرئيس قيس سعيد ل”أحلام التونسيين”  في الديمقراطية بما يمثل “ردّة سياسية”. كما يستعرض مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة. ويخلص من تلك المقدمات إلى حاجة تونس إلى “إنقاذ وطني” تقع مهمته  “على عاتق التونسيين كافة مهما اختلفت مشاربهم وتعددت توجهاتهم”. وذلك يتوقّف على عقد مؤتمر للحوار الوطني وصفه البيان بأنّه  “حوار جامع وناجز لا يقصي أحدا ولا يرتهن مستقبل البلاد بيد أحد”. وذلك من أجل إقرار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا، وتشكيل حكومة للإنقاذ “تتحلى بالكفاءة والمصداقية وتحظى بدعم سياسي عريض”. ولا يستبعد الأستاذ الشابي “إمكانية دعوة البرلمان  إلى الانعقاد للمصادقة على مخرجات الحوار الوطني  وتزكية حكومة الإنقاذ وتنظيم انتخابات مبكرة”. وينتهي إلى أن مؤتمر الحوار الوطني يقع اليوم على كاهل المعارضة مهما كانت خلافاتها.  ويتوجّه إلى كافّة القوى المعنيّة ب”نداء حارّ” للالتقاء على هذه الأرضية، والتعاون على تشكيل  “جبهة للخلاص الوطني” تتولّى الإشراف على إنجاز المهام المطلوبة.

لم يكن “بيان 9 أفريل” للأستاذ الشابي مفاجئا في مضمونه، بل جاء مكثّفا لمعاني ومقترحات يجري  الحديث بشأنها منذ مدة غير قصيرة ويبدو حولها توافق عريض. وهذه أحد نقاط قوة المبادرة التي تكسبها حظوظا للنجاح. فهي مبادرة محكومة برهانات وطنية وغير منحازة لأيّ طرف ولا تقصي أحدا. فضلا على أنّها أُعدّت على نار هادئة كما يقال واستغرقت الوقت اللازم لها. كما تأتي المبادرة في اللحظة السياسية المناسبة بعد توضّح المشهد السياسي الوطني وتعاظم المخاطر الجمّة التي لم تعد قابلة للمزيد، وتأكّد التغيير الذي دقّت ساعته. وهذا عنصر إضافي لصالح المبادرة التي تلبي حاجة ملحّة في الواقع وتملأ فراغا واضحا في الساحة، بما يعطيها حظوظا أكبر للنجاح. ويبقى صاحب المبادرة الأستاذ أحمد نجيب الشابي نقطة قوة وضمانة للمبادرة بما يعطيها مصداقية ومقبولية وفرصا إضافية للنجاح.

فالأستاذ الشابي بعد أكثر من خمسة عقود من النضال السياسي استطاع أن يفرض نفسه شخصية وطنية ويقرن اسمه بمناهضة الاستبداد والدفاع عن الديمقراطية. وهو علم في المجال. وهو من أهم منتقدي عشرية الحكم قبل 25 جويلية ولم يتأخر كما أسلفنا في رفض تصحيح المسار عبر الانقلاب. وهو إن كان غير مبرّئ من العيوب وله أخطاؤه ومسؤوليته على غرار بقية الفاعلين، فإنّه يحتفظ برصيد هام من المصداقية في الدفاع عن الديمقراطية واتخاذ المبادرات الحاسمة والناجحة في كسب معاركها. وأنا أحد الشهود على مبادرته بعد مهزلة انتخابات 1999 بوضع تأشيرة حزبه “التجمع الاشتراكي التقدمي” وجريدته “الموقف” على ذمة الديمقراطيين من مختلف الاتجاهات الأيديولوجية للالتقاء على الحد الأدنى السياسي دفاعا عن الحريات والديمقراطية. وكانت تجربة “الحزب الديمقراطي التقدمي” عنوان صمود في وجه الاستبداد ونجاح في فرض الديمقراطية. وكانت جريدة الموقف المفتوحة لكافة الأقلام الحرة والجريئة عنوان تلك التجربة المتميزة. كما لا ننسى بصمات الأستاذ الشابي في هندسة إضراب 18 أكتوبر 2005 الشهير ونجاحه في تعرية الاستبداد وجمع كلمة أوسع الديمقراطيين ضده. ومن نجاحات مبادرات ما قبل الثورة تتغذى فرص نجاح مبادرة الشابي الجديدة في   تشكيل  “جبهة للخلاص الوطني” رغم تعقيدات الواقع الجديد ومصاعبه بلا شك.

قام الأستاذ نجيب الشابي بواجبه بإطلاق مبادرته في   تشكيل “جبهة للخلاص الوطني”. وننتظر تفاعلات مختلف الأطراف خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة. ونرجو أن تتعالى همم الجميع عن الحسابات الشخصية أو الحزبية أو الأيديولوجية الضيّقة. وأن يكون الكافّة عند مقتضيات اللحظة التاريخية لإنقاذ دولة مهدّدة و خدمة شعب يستحقّ مردودا أفضل من نخبه. “وإنّ غدا لناظره قريب”.

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 252، تونس  في 14 أفريل 2022.

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: