استفتاء 25 جويلية ينهي قوس حكم قيس سعيد

كلّ ما يفعله قيس سعيد وما يقوله منذ 25 جويلية 2021، تدرّج في تصفية ثورة 17/ 14 وليس تصحيحا لمسارها. وبعد عشرة أشهر من مسار انقلابي تمكّن خلاله من الاستحواذ على مختلف السلطات وتكريس حكم فردي مطلق استنادا إلى الأمر الرئاسي 117 اللادستوري. وعشيّة مرور الذكرى الأولى لانقلاب 25 جويلية، يتهيّأ قيس سعيد إلى استفتاء يُجهز من خلاله على  ثورة 17/14 نهائيا، بإلغاء دستور 2014 واستبداله بدستور “قيسيّ” لما يسميه “الجمهورية الجديدة”. وفي ذلك إجهاز بلا شك على الديمقراطية التمثيلية وعلى الحقوق والحريات ومكاسب عشرية الثورة.

لم يترك المرسوم 30 لسنة 2022 شكاّ، في إصرار قيس سعيد على نهجه الانفرادي العبثي في رسم مستقبل تونس دون تفويض شرعي في ذلك. إذ تغيير الدستور بما في ذلك النظام السياسي، لا يمكن أن يدخل في باب التدابير الاستثنائية طبق الفصل 80. والهيئة الاستشارية الموصوفة بالمستقلة، معيّنة ويتحكّم في أعمالها أشخاص عُرفوا بولائهم لقيس سعيد. ومع ذلك تظل هيئة استشارية والكلمة النهائية لصاحب السلطة المطلقة. والمرسوم يحيل على نتائج “الاستشارة” والأمر 117، ويتجاهل تماما مشترك دستور 2014. والمدّة الزمنية الممنوحة لوضع دستور جديد لا تفي بالغرض، وتؤكد بأنّ القرارات جاهزة. وليس استباق حلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتعويضها بهيئة معيّنة سوى مؤشر على نيّة تكريس خيار محدّد مسبقا، على غرار نتائج الاستشارة الالكترونية الفاشلة.

لا يُستبعد إنجاز الاستفتاء، رغم أهمية رفض  الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل  المشاركة في الحوار القيسي، والذي قد يؤثر على مواقف أطراف أخرى مدعوة للمشاركة الشكلية. إضافة إلى اعتذار عميدات وعمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية  والسياسية عن المشاركة “تمسّكا بحياد المؤسسات الجامعية”. فقد لا يكترث قيس سعيد بنسبة المشاركة كما حصل في الاستشارة. والمهم أن تتوّج السنة الانقلابية بفرض وضعية جديدة. ومهما تكن إيجابيات الدستور الجديد أو نواقصه. فإنّ المهم فيه تكريس نظام رئاسي، وغلق قوس دستور الثورة 2014.  وإزاء حالة التمنّع عن المشاركة في الحوار “القيسي”، والانتقادات القوية التي تلقاها الأطراف التي عبرت عن الاستعداد للمشاركة، على غرار عميد المحامين والهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، لا يُستبعد أيضا اتخاذ خطوة شكلية إلى الوراء، بتعديل المرسوم 30 وإدماج بعض أحزاب الموالاة وإرضاء بعض الأطرافـ، لتمرير ما هو جوهري وهو إنجاز استفتاء لتزكية دستور “جمهورية جديدة”.

أقدّر أنّ غلق سنة للانقلاب، سيكون غلقا لقوس الثورة التي سقطت بين أيدي من صنعوها بنضالاتهم عبر أجيال، وفرحوا لانتصارها، وانحازوا إلي أهدافها بعد 2011. كما سيكون أيضا غلقا لقوس حكم قيس سعيد، الذي يستكمل الدور الذي أنيط بعهدته منذ ترشيحه للانتخابات الرئاسية، تحت عنوان “رفض السيستام”. وسيظلّ مروره السياسي موضوعا للدراسة وسيُلقي فوزه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 وانقلابه يوم 25 جويلية 2021 بظلاله على المشهد السياسي خلال المرحلة القادمة. وعلى معارضة انقلاب 25 أن تضغط بأقصى ما بوسعها خلال الأسابيع المتبقية لمنع تنظيم الاستفتاء ووقف تكريس أجندة قيس. ومن ذلك إعلانها القطيعة مع المنقلب الذي أغلق جميع أبواب الحوار الوطني، واعتباره العقبة الرئيسية دون الوصول إلى حلول للخروج من الأزمة وإنقاذ البلاد. والعمل على توحيد كلمة المعارضة وتقديم التنازلات الضرورية وإبداء أقصى المرونة لعقد مؤتمر وطني للحوار لا يقصي أيّ طرف ولا يحظر أية مواضيع ولا يشترط أية قوالب للحلول ويفتح على مرحلة انتقالية جديدة تستأنف المسار الديمقراطي وتصحّحه أيضا.

تبدو الأسابيع القادمة حاسمة في الصراع  بين الانقلابيين وأنصار الديمقراطية، قد نشهد خلالها  تصعيدا للخطاب السياسي ومعركة مفتوحة ضدّ المنقلب ذاته، الذي يصبح استبعاده شرطا للحلّ. وفي ظلّ مثل هذا السيناريو وجب الحذر الشديد من أيّ انزلاق لمواجهة أجهزة الدولة، والحرص على التمسّك بالنضال السياسي السلمي. كما يتأكّد الحرص أيضا على تجميع كلمة المعارضة ووقف أجندة قيس سعيد وغلق قوس حكم “التدابير الاستثنائية”. وقد تكون فكرة “الخيار الثالث” التي ترفض العودة إلى ما قبل 25 وترفض خيار سعيد الانفرادي، التي يطرحها اتحاد الشغل، أرضية للتقارب بينه وبين جبهة الخلاص الوطني وأطراف حزبية ومدنية أخرى، لحسم ميزان القوى كليا وانطلاق حوار وطني فعلي للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي أولا. ولإدارة مرحلة انتقالية جديدة وإنجاز الإصلاحات السباسية والقانوتية الضرورية لتنظيم انتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية، تضمن استمرار المسار الديمقراطي وعدم تكرار أخطاء عشرية ما بعد الثورة.

وإذا حصل المكروه، وتمّ تمرير الاستفتاء القيسي بالقوة، فإنّ الأزمة المركّبة والمتراكمة ستستفحل وتطول بعض الوقت. لكن حكم قيس سعيد في كل الأحوال سيغلق بسرعة قبل استكمال دورته الرئاسية. وإذا لم تطح به المعارضة الآخذة في التوسّع والنضج، ستعصف به الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستظهر نتائجها أكثر فأكثر مع مرور الأشهر، ولا تملك حكومة قيس سعيد أيّة معالجة لتداعياتها. وبعد قيس سعيد، سيكون العمل صعبا والتفاوض أصعب، على مقتضيات إصلاح أوضاعنا التي ستصبح الحالة الانقلابية قاعدة فيها وليست استثناء.

يكون من المفيد والضروري أن تعرب جبهة الخلاص الوطني، خلال الندوة الصحفية لإعلان تأسيسها وهيكلتها، نهاية هذا الشهر، عن موقفها الرافض كليا لأجندة قيس سعيد بما في ذلك استفتاء 25 جويلية. وأنها لن تشارك فيه وستعمل على إيقافه.  وتبدأ حملة سياسية لمقاطعته والتحذير من التورّط فيه. وأن تتقدّم نحو بقية الطيف الذي لم تقبل أطرافه إلى حدّ الآن الانخراط في جبهة الخلاص الوطني،بمقترحات لتوحيد المواقف وبناء الثقة وإنجاز المؤتمر الوطني للحوار.

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 257 تونس  في 26 ماي 2022

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: