دعاها للقطع مع الإسلام السياسي.. محمد القوماني لـ”القدس العربي”: من الصعب تصوّر النهضة دون الغنوشي
تونس – “القدس العربي”: قال محمد القوماني القيادي المستقيل من حركة النهضة، إنه من الصعب تصوّر أفق إيجابي للحركة دون قيادة زعيمها التاريخي راشد الغنوشي، لكنه دعاها -بالمقابل- إلى القيام بعملية مراجعة عميقة وتجديد واسع، والقطع بشكل كلي مع الإسلام السياسي.
وقال القوماني، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “إذا استمر اعتقال راشد الغنوشي وقيادات بارزة أخرى، وهذا مرجّح في ظل استمرار حكم قيس سعيد، فيبدو من الصعب تصوّر أفق إيجابي للنهضة، وخاصة دون قيادة زعيمها التاريخي راشد الغنوشي، الذي لم يوفّق في إعطاء هذا الأفق لحزبه خارج قيادته. وكان عليه أن يفعل ذلك منذ مدة”.
وأضاف “ولا أكشف سرّا حين أذكر أنني شخصيا مع بعض إطارات أخرى في الحزب تقدّمنا بمشروع في الغرض في الذكرى 40 لتأسيس الحركة قبل 25 تموز/ يوليو 2021 ولم نجد التجاوب المطلوب حتى حصل الزلزال. وأعدنا صياغة ورقة جديدة في ظل التطورات لكنها لاقت نفس المصير حتى انتهينا إلى الوضع الكارثي الحالي، والذي أرى جميع السيناريوهات ممكنة في ظله، بما في ذلك حظر الحركة أو الانقسام الذي أراه حصل بعد استقالة جماعية ضمت العشرات، بما فيها قيادات بارزة في الحركة. وفي كل الأحوال يبدو أن حركة النهضة تضرّرت كثيرا ولم تعد بالقوة والجاذبية السابقتين”.
الحركة تحتاج لتجديد جذري
ويرى البعض أن حركة النهضة تحتاج إلى عملية نقد ذاتي ومراجعات سياسية وفكرية عميقة لتقييم تجربتها في الحكم، بما في ذلك تجربة التوافق مع الخصوم السياسيين.
وعلق القوماني على ذلك بقوله “هذا تماما ما دعوت إليه مع قيادات أخرى وعملنا عليه في أكثر من مناسبة لكن بلا جدوى كما أسلفت. ومع أنني لست ممّن يلعنون المستقبل أو يصادرونه، أقدّر صعوبة ذلك بعد كل ما حصل. لكن نظل متشائلين في الحدّ الأدنى”.
وأضاف “ويظل التجديد الجذري لحركة النهضة في رؤيتها الفكرية وعرضها السياسي واولوياتها وتجديد قياداتها وخطابها وصورتها من مستلزمات أيّ نجاح في المستقبل. وربما إعادة التأسيس والاندراج في مشروع وطني محافظ أعمّ، والقطع النهائي مع “الإسلام السياسي” الذي أقدّر أنّ سياقاته تغيّرت كليا كما دعوت إلى ذلك في مقالات عديدة. فلم تعد العَلمنة القسرية للمجتمعات الإسلامية ومحاولة إقصاء الإسلام من الدولة والمجتمعي هي التحدي. وقد تحقق توافق وطني واسع حول الهوية. وباتت مشاكل الاقتصاد والتنمية الشاملة والعادلة ذات الأولوية الشعبية”.
وتابع بالقول “كما تظلّ تجربة مشاركة النهضة في الحكم بحاجة إلى مراجعة عميقة لتجديد العرض السياسي وبناء الثقة مع الشركاء الوطنيين واستعادة ثقة الناخبين. وفي كل الأحوال تظل علاقتي بحركة النهضة جزءا من الماضي، كما عبّرت عن ذلك في تدوينتي السابقة”.
تحول الحركة إلى “حالة أمنية”
ويوضّح الأسباب التي دفعته لمغادرة حركة النهضة بقوله “غادرت حركة النهضة لأسباب عديدة اكتملت عناصرها بمرور الزمن حتى كان القرار الشخصي من خلال تدوينة نشرتها يوم ٩ حزيران/ يونيو الجاري بعنوان “منعرج تاريخي”. وقد أشرت في بلاغ سابق للقرار إلى اتساع الخلاف مع التمشّي الأغلبي في القيادة حول مسألتي “تقدير الوضع العام ببلادنا ومقتضيات التعاطي معه والمعالجة الناجعة لازمتنا المركبة والمعقدة” من جهة و”أوضاعنا الحزبية غير المرضية” واستحقاقات المؤتمر 11 المؤجل من جهة ثانية. وقد كشفت الندوة السياسية بمناسبة تقييم سنة من أداء “جبهة الخلاص الوطني” خلال المسامرة الرمضانية في نيسان/ أبريل جوانب واضحة من هذا التباين”.
ويضيف “فبعد الزلزال السياسي لانقلاب 25 تموز/ يوليو 2021 كنت شخصيا مع بعض القيادات الأخرى، نقدّر بأنّ عشرية الانتقال الديمقراطي تمّت الإطاحة بها في أهم عناوينها لا سيما النظام السياسي وتحكّم الأحزاب وتصدّر النهضة والمنسوب العالي للحريات، وأنّ موازين القوى تغيرت وأنّ مرحلة جديدة بدأت. وأنّ حركة النهضة وعموم الطبقة السياسية يتحمّلون المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع (دون تبرير للانقلاب الحاصل بالطبع) وأنّ حركة النهضة التي غضب منها جمهور هام من الناخبين، عليها أن تسارع بنقدها الذاتي والاعتراف بأخطائها والاعتذار عنها وان تجدّد واجهتها القيادية وعرضها السياسي. وعليها أن تسارع بمؤتمرها 11 المؤجل وتشتغل أكثر على إصلاح صورتها لدى الشعب وأن تستعدّ لمحطات انتخابية قادمة، أكثر من انشغالها بمناكفة السلطة الجديدة بقيادة قيس سعيد”.
لكنه يؤكد أن الأمور الداخلية في حركة النهضة “لم تتغير رغم نزيف الاستقالات. واستمر تدهور صورتها الخارجية وعزلتها إلى حدّ ما. وصارت التحركات الميدانية الاحتجاجية على الانقلاب تستهلك كل جهود الحزب تقريبا. ولم يتمّ الأخذ بعين الاعتبار “الفشل” في غلق قوس الانقلاب خلال سنته الأولى. ودخول البلاد مرحلة جديدة بعد إقرار الدستور الجديد وتحول “الاستثناء” إلى قاعدةّ”.
الحائزون على “نوبّل” غدروا بالديمقراطية
ويضيف “استمرت حالة الإنكار والمكابرة حتى انزلقت الأمور إلى ما يشبه “المواجهة” مع السلطة. وكان من نتائجها خلال الأشهر الأخيرة تحوّل الحركة إلى “حالة أمنية” أكثر منها عنوانا سياسيا. فتعددت الملاحقات والإيقافات وتمّ سجن قيادات بارزة في مقدمتهم رئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي وغلق غير معلن لمقرات الحزب. وهذا ما أشار له بيان الحركة في الذكرى 42 لتأسيسها حيث أقرّ ب “إعاقة عمل الحركة ومؤسساتها” و”تعطّل دورها” و”منع” أو استحالة عقد مؤتمرها الحادي عشر”.
ويتابع بالقول “هذه نتيجة سلبية جدا، أرجّح أنه كان بالإمكان تجنّبها أو التخفيف منها كثيرا. وأحمل الخط القيادي الأغلبي مسؤوليتها، كما أُقرّ بفشلي ومن يشاركونني المقاربة في منع ما حصل. ولما أصبح المؤتمر الوطني 11 كمحطة لتوضيح الرؤى وحسم الخلافات في حكم المجهول، آثرت التعجيل بالاستقالة، راجيا النجاح للقيادة الحالية بعد سجن رئيس الحركة، بقيادة الدكتور منذر الونيسي، التي أقدّر أنها لم تحسم خياراتها وتوجهاتها بعد”.
ويوضح أكثر بالقول إن “الاستقالة من الحزب تأتي في سياق منعرج تاريخي أكبر، يتعلق بالحاجة إلى نقد ذاتي ومراجعات كبرى بعد فشل النخب التونسية عامة والسياسية خاصة في المحافظة على مكسب الحريات والديمقراطية الذي منحته الثورة للجميع. بل تبيّن أن هذا المكسب الذي ناضلت من أجله أجيال بدا بلا ضمانات تؤمّنه وانهار كـ”بيت العنكبوت” بعد انقلاب 25 تموز/ يوليو”.
ويضيف “غدرت بالديمقراطية منظمات وطنية حائزة على جائزة نوبل للسلام وأحزاب وجمعيات وشخصيات محسوبة على الديمقراطية. وهذه المسائل وغيرها مثل تقييم عشرية الانتقال الديمقراطي وأسباب الهوة العميقة بين المجتمع السياسي المنظم والمجتمع المهمش من عموم الشعب، تحتاج إلى فترة تأمل عميق واستنتاجات للمستقبل”.