حول استقالة محمد القوماني (2): محاولة في قراءة أعمق تتجاوز الحادثة نحو التحدث
ملاحظة: الجزء الأول كان ضروريا لسببين:
أ) لتعريف الجيل الجديد بالسيد محمد القوماني مناضلا ومفكرا.
ب) لجعل النقاش في مستوى أرفع من مجرد تسجيل مواقف سياسية وأحكام أخلاقية.
2) لماذا غادر القوماني ورفاقه الحزب الديمقراطي التقدمي؟
“مجموعة” القوماني داخل الحزب الديمقراطي التقدمي كانت تمثل ثقلا مهما سواء في انشطة الحزب أو في صياغة أدبياته وخاصة في كسر الحاجز التقليدي بين إسلاميين ويساريين، ولم تكن لتنشأ هيئة 18 أكتوبر لولا نجاح تجربة العمل المشترك الاسلامي اليساري داخل الحزب الديمقراطي التقدمي.
بعد قمة المعلومات ماي 2005 وما تزامن معها من إضراب جوع الثمانية (قبل أن يصبحوا سبعة) بدأت الحركة الديمقراطية/ الحقوقية تتسع ، وبدأت قبضة النظام ترتخي وأصبحت المعارضة أكثر جرأة وأرفع صوتا، تزامن ذلك مع ضغط خارجي افضى الى “تسريح” عدد من جوازات السفر المحتجزة والى تخفيف الملاحقة لأنشطة المعارضة وخاصة التنسيق اللافت داخل هيئة 18 أكتوبر حيث تلتقي رموز إيديوجية كبيرة لم يكن متوقعا التقاؤها.
انتصار تموز جعل النظام العربي كله في صورة المهزوم وأنتجت شعورا عارما بأن الانتصار على الاستبداد ممكن طالما أن رمز البطش والاجرام في المنطقة تلقى هزيمة أمام صمود قوة شعبية مقاومة.
عقل السلطة بدأ يفكر في طرائق “الإحاطة” بخصومه ومنع اتساع جبهة معارضة بدات تتشكل ، بدأ يشتغل على أكثر من مسار وبأسايب متعددة، تزامن التخويف مع الاغراء والتقريب مع التفريق ، واشتغلت عدة أطراف لتخفيف الضغط على السلطة وأساسا على بن علي وهو يستعد لانتخابات 2009 وكان تلقى إشارة خارجية بعدم الترشح فيها.
ثمة شعور لدى السلطة بأن اليسار الذي اشتغل في مفاصل الدولة ضد الاسلاميين قد بدأ يشتغل لحسابه الخاص، لذلك حاول بن علي العودة إلى خزان الهوية يغرف منه ويكتسب من خلاله أصدقاء، كانت دعوة سلمان العودة والقرضاوي الى تونس وقد قالا كلاما جيدا في الوضعية التدينية في تونس، صخر الماطري كان بوابة لمحاولة نسج علاقات في الداخل والخارج على قيم دينية من خلال جريدة الصباح وبنك الزيتونة.
كنتُ كتبتُ مقالا مطولا بعنوان “محمد صخر الماطري يلجم اليسار اليميني” ، اتصل بي يومها الأستاذ منذر ثابت وقال لي حرفيا :
“tu as choisis un bon coin pour déclencher taguerre “(contre la gauche radicale)
كنت قبلها (2006)كتبت في جريدة الموقف مقالا بعنوان “السياسة الدينية في تونس بين التوظيف والتجفيف” اعتبرت فيه أن الدولة لا مشكل لها مع الدين وإنما ثمة طرف إيديولوجي استئصالي تسلل الى مفاصل الدولة وحذرت من مخاطر ذلك على النشأ وعلى الدولة، أحداث سليمان في ديسمبر 2006 أكدت صوابية التحذيرات.(تفاصيل أكثر في كتابي القادم الشعر والجمر)
متاعب السلطة بدأت تظهر جلية: تحركات حقوقية في الداخل والخارج، تحول هيئة 18 أكتوبر الى ورشة لفهم المشهد ولصياغة الرؤى المشتركة، تحركات الحوض المنجمي بعنوانها الاجتماعي، نشاط رموز وطنية معارضة في الخارج، كلها عوامل مشتركة دفعت السلطة يومها الى محاولة تفكيك المشهد بطريقة عكسية لما حصل في 1991.
حكم المحكمة الادارية لصالح امراة متحجبة كانت ضربة “مقصودة” للمنشور 108، وكان رسالة بأنه لا خوف من الذهاب الى المساجد ومن وضع الحجاب، كلمة بن علي في مسجد عقبة بن نافع بمناسبة “القيروان عاصمة للثقافة الاسلامية” في 2008 قال فيها :” تونس دولة عربية إسلامية كما ينص على ذلك الفصل الأول من الدستور”، كتبتُ وقتها بأنها رسالة الى اليسار اليميني بأن يكف عن خطاب التحريض ضد مظاهر التدين، كان بن علي يشعر بأن البلاد تمر بمرحلة معركة الخلافة وأيضا تقترب من انتخابات 2009.
ثمة معطيات سيكشفها التاريخ إن لم يتكلم فيها أصحابها.
تعرضت سيارة محمد القوماني الى براكاج (كتب تفاصيله بالموقف يومها)، هل هو حادث إجرامي أم هي رسالة تحذير؟ جريدة “لكل الناس” نشرت صورا لمعارضين قالت إنهم عملاء الموساد وأن حزب الله وحركات المقاومة سيقتلونهم، نجيب الشابي وجه رسالة لبن علي يذكره بمسؤوليته في حماية دماء التونسيين.
شخصية سياسية مقربة من بن علي قال لي حرفيا:” المعلم يعرض عليك مجلة انت واصحابك” قلت له فلان وفلان وووو معنيون ؟ قال ربما معنيون، قلت له أستشيرهم.
نجيب الشابي كان عازما على منازلة بن علي في انتخابات 2009، لذلك انسحب من رئاسة الحزب وترك المسؤولية للشهيدة مية الجريبي، حركة النهضة أعلنت أنها غير معنية بانتخابات 2009.
هل كانت القناعة لدى النهضة كما لدى مجموعة القوماني أن المعركة مع بن علي في تلك المرحلة إنما هي معركة إصلاحية وليست معركة على الحكم؟ هل اكتشف بن علي بأن الاسلاميين ليسوا خصوما على السلطة وان التصالح معهم أقل كلفة من تركهم يذهبون الى تحالفات مدعومة خارجيا قد تطيح به.
خروج “مجموعة” القوماني ال27 في سنة 2009 من المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي ، وهي مجموعة نوعية نضالا وتفكيرا وكتابة، كان حدثا سياسيا مهما، لا أعلم تفاصيل الخلاف فيه مع نجبب الشابي ولكنني أعتقد بأن أسبابا أكبر كانت وراء ذلك، وأبرزها قد يكون اختلاف في تقدير أسلوب المعارضة وتمديد زمنها، فعادة مخطط الثقافي الفكري غير مخطط السياسي، ف”مجموعة” القوماني يمثلون في الغالب تيارا فكريا معرفيا وليس مجرد خط سياسي يصارع من أجل الحصول على السلطة، وربما يكون مفيدا جدا الاطلاع على نصوص محمد القوماني ورفاقه في تلك الفترة (خمس كراسات في التنمية السياسية).
خاض نجيب حملته الانتخابية لرئاسية 2009 دون دعم معلوم أو ظاهر من حركة النهضة.
بحري العرفاوي
يتبع
*منشور بصفحة الكاتب على الفايس بوك
Toutes les réactions :
3232
مقالات ذات صلة
مراجعات تونسية في السياسة والديمقراطية
2023-06-25