الحزب الشيوعي الصيني ليس يساريا!
جريدة الرأي العام، العدد 35، تونس في 14 ديسمبر 2017
ينصّ دستور جمهورية الصين الشعبية ضمن المبادئ الرئيسية للسياسة الصينية التي تتصدره على أنّ “الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الحاكم الوحيد في الصين” و”هو مؤسس جمهورية الصين الشعبية” وأنّه كان “وسيظل قائد الشعب الصيني”. ويعود تأسيس الحزب الشيوعي الصيني إلى عام 1921، في حين يعود تأسيس جمهورية الصين الشعبية إلى عام 1949. ويحدّد الحزب هدفين مستقبليين له أوّلهما “إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل” عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب، وثانيهما “إنجاز بناء دولةٍ اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديمقراطية ومتحضرة ومتناغمة وجميلة” عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية. وفي مفارقة لافتة ضمن المقدّمات النظرية لدستور الحزب الشيوعي الصيني (القانون الأساسي) المعتمد في المؤتمر الوطني التاسع عشر بتاريخ 24 أكتوبر 2017، والذي جعلناه مرجعا في هذا المقال، تتمّ الإشارة إلى “معارضة الميول الخاطئة اليسارية واليمينية كافّة، والاحتراس من اليمينية، إلاّ أنّ الأهمّ هو الوقاية من اليسارية”. تلك الإشارة التي عزّزت لدينا حرص الحزب على “صيننة” الماركسية، وجعلت من أفكار الأمين العام للجنة المركزية للحزب ورئيس الجمهورية الحالي شي جين حول “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد” بصمة تعزّز رسالة المؤتمر19 التي تمّ الترويج لها في “مؤتمر الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية” المنعقد مطلع هذا الشهر ببيكين. ومن خلال هذه المفارقة نحاول التوقّف عند بعض علل أوضاعنا الحزبية التونسية في ضوء التجربة الصينية.
مرونة النظرية وتطويرها المستمرّ
كثيرة هي الدراسات والمقالات التي تناولت جمود “أيديولجيات” الأحزاب التونسية اليسارية واليمينية منها، التي أعاقت فهمها للواقع وأوقعتها في أخطاء قاتلة دفعتها إلى الانقسام والهامشية، وجعلت البعض منها يتخلى عن النظرية كليّا بدعوى “نهاية الأيديولوجيا” التي تم الترويج لها في بلادنا. فعلى العكس من ذلك يشدّد قادة الحزب الشيوعي الصيني الذي يقود الصين في نهضته الحالية الشاملة، على أهمية النظرية باعتبارها من شروط النجاح. إذ أنّ أفكار شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، “هي وراثة وتطوير للماركسية اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وأفكار “التمثيلات الثلاثة” الهامة ومفهوم التنمية العلمية، وهي أحدث المنجزات لصيننة الماركسية، وبلورة لخبرات الممارسات والحكمة الجماعية للحزب والشعب.” وكمثال عملي على التطوير الجوهري للنظرية يقول الشيوعيون الصينيون “إن التناقض الاجتماعي الرئيسي في بلادنا هو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة واللا كافية. وسيبقى الصراع الطبقي قائما في نطاق معين ولمدة طويلة بسبب العوامل المحلية والتأثيرات الدولية، وقد تزداد حدته في ظروف ما، إلاّ أنّه لم يعد تناقضا رئيسيا.” كما ينص دستور الحزب على ضرورة “تحرير العقول والبحث عن الحقيقة من الوقائع ومواكبة العصر والتحلي بالواقعية والبراغماتية”. ومن هنا الحرص على “دمج النظرية بالممارسة الواقعية والبحث عن الحقيقة من الوقائع والحكم على الحقيقة وتطويرها من خلال الممارسة”.
ومن أجل بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية “يجب إكمال والتمسك بالنظام الاقتصادي الأساسي المتّصف بإبقاء القطاع العام مسيطرا وبتطور الاقتصاديات المتعددة الملكية سوية”. كما “يتعين إصلاح النظام الاقتصادي الذي يقيد تطور القوى المنتجة إصلاحا جذريا، والتمسك بنظام اقتصاد السوق الاشتراكي وإكماله؛ وينبغي إدخال إصلاحات على الهيكل السياسي ومجالات أخرى تكيفا مع ذلك” إذ “لا يمكن تطوير الصين والاشتراكية والماركسية إلا بتطبيق الإصلاح والانفتاح”. كما يؤكد دستور الحزب. ومن هنا نفهم انفتاح الصين على القطاع الخاص الذي بات يشكّل نحو 80 بالمائة من اقتصادها، واعتماد مبدأ “دولة واحدة ونظامان” منذ عودة هونغ كونغ وماكاو إلى أحضان الوطن الأم، والذي يحظى بنجاح معترف به عالميا.
الطريقة الذاتية المبتكرة في التنمية
خلافا لتشديد جزء هام من قياداتنا الحزبية ومثقفينا في مواقع التأثير والقرار على “العالمية” واتخاذها ذريعة للتنكّر لثقافتنا الوطنية وموروثنا الحضاري العربي الإسلامي وخلق حالة من الانقسام الثقافي في مجتمعنا، والحال أنّنا على هامش العالم واقعيا، خلافا لذلك يشدّد القادة الصينيون التي تتهيأ بلادهم لقادة العالم في المستقبل القريب، على أهمية التمسك بالذاتية والاغتناء من الثقافة الصينية العريقة والتلاؤم مع خاصيات البلاد في ابتكار الطريقة الأنسب للتنمية التي يشدّدون على أنّهم لا يستوردونها ولا ينوون تصديرها. فالاشتراكية الصينية ستتكلّل “بكل تأكيد بالنصر النهائي على ضوء التمسك بالمبادئ الأساسية للماركسية اللينينية وسلوك الطريق الذي اختاره الشعب الصيني طواعية ويتلاءم مع الأحوال الواقعية الصينية”. كما يجب “ترسيخ المثل العليا المشتركة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتطوير الروح القومية المتمحورة حول الوطنية، وروح العصر المتمحورة حول الإصلاح والابتكار، وغرس مفهوم القيم الجوهرية الاشتراكية وتطبيقه، والدعوة إلى تعميم المفهوم الاشتراكي للشرف والعار، وتقوية روح احترام الذات القومية والثقة الذاتية القومية والتقدم بالاعتماد على النفس، ومقاومة التأثير المفسد للأيديولوجيات الرأسمالية والإقطاعية المتفسخة.” ولذلك شدّد تقرير الأمين العام على أنّ الثقافة تعتبر روح أي دولة وأمّة، “وتنهض الدولة كلما نهضت ثقافتها، وتقوى الأمة كلما قويت ثقافتها. وإذا لم تكن للأمة الصينية ثقة تامة بثقافتها ولم تشهد ازدهارا ثقافيا، فلن تتحقق نهضتها العظيمة”.
فعاليّة التنظيم وانضباط الأفراد دون تضخّم الهياكل
تعاني أحزابنا السياسية من ضعف قاعدتها الشعبية وتضخّم هياكلها القيادية حتّى صرنا نتندّر بالحديث عن “جنرالات بلا جنود”، في ظلّ عدم التقيّد بالقوانين الأساسية وعدم احترام دورية المؤتمرات، وفي ظلّ مرسوم غير دقيق وغير متطوّر في تنظيم الأحزاب أصلا. كما تراجعت بصورة مفزعة ثقافة العمل الطوعي دون مقابل والتضحية والانضباط الحزبي والتثقيف السياسي والسعادة بخدمة الغير، وشاعت التقاليد السيئة في التنافس والتموقع والانتهازية واستغلال النفوذ، وكادت الأحزاب أن تتحوّل إلى شركات، وصار المال السياسي الفاسد أحد التهديدات الوطنية. والدرس المستفاد على هذا الصعيد أنّ الحزب الشيوعي الصيني، وهو أكبر الأحزاب في العالم عددا، الذي يبلغ أعضاؤه 89.5 مليون وتوجد به نحو 4.5 مليون هيكل حزبي قاعدي، يعقد مؤتمره الوطني مرة كل خمس سنوات وينتخب اللجنة المركزية (200عضو ) التي تنتخب بدورها المكتب السياسي من 25 عضوا واللجنة الدائمة للمكتب السياسي من 07 أعضاء فقط من بينهم الأمين العام للجنة المركزية للحزب.
وينصّ دستور الحزب على خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص. “إذ أنّ أكبر خطر يواجه الحزب بعد توليه الحكم هو الانفصال عن الجماهير” .والتمسك بالمركزية الديمقراطية، “وضمان تطبيق وتنفيذ قرارات الحزب بسرعة وعلى وجه فعّال”. وإدارة الحزب لشؤونه وأعضائه بصرامة وإبراز الانضباط في المقدمة، وتعزيز الحسّ التنظيمي والانضباطي، “وتعزيز الرقابة على الهيئات والكوادر القيادية الحزبية خاصة الكوادر القيادية الرئيسية، ومكافحة الفساد، “ومعاقبة مقترفيه بعدم التسامح مطلقا”. كما “يحظر الحزب كل أشكال عبادة الفرد”. وفي الوقت نفسه، “يجب مراعاة حماية هيبة جميع القادة الذين يمثلون مصالح الحزب والشعب”.
ومن هنا نفهم الانضباط في السلوك الفردي الذي لا يخطئه الزائر للصين في مختلف المواقع. فالحزب الشيوعي الصيني “يقود الشعب في تطوير الثقافة المتقدمة الاشتراكية. ويعمل على بناء الحضارة الروحية الاشتراكية، وتنفيذ مبدأ الجمع بين حكم الدولة وفقا للقانون وحكمها بالفضيلة، والارتقاء بالمزايا الأيديولوجية والأخلاقية والمستويات العلمية والثقافية لدى الأمّة برمّتها.” ويعمل على “استئصال مختلف الظواهر الاجتماعية القبيحة، سعيا وراء جعل شعبنا شعبا يتحلى بالمثل العليا والأخلاق الحميدة والثقافة والإحساس العالي بالانضباط” كما “يعمل الحزب ويعزز المعالجة الشاملة لأوضاع الأمن العام، وينزل حسب القانون ضربات حازمة على كافة الأنشطة الإجرامية والمجرمين الذين يضرون بأمن الدولة ومصالحها.”
كم نحن أولى بما قال شي جين بينغ في تقريره للمؤتمر 19: “يجب علينا تنفيذ مشروع البناء الأخلاقي للمواطنين بعمق، ودفع البناء المتعلق بالأخلاق الاجتماعية والأخلاق المهنية والفضائل العائلية والأخلاق الشخصية، وتشجيع الناس على التقدم الجاد وعمل المعروف، والبرّ بالمسنّين، وحبّ الأهل، والولاء للوطن والشعب. وينبغي لنا تقوية الأعمال الأيديولوجية والسياسية وتحسينها، وتعميق الأنشطة الجماهيرية لبناء الحضارة الروحية.” ومن قبل يُنسب إلى الإمام محمدعبده قوله: “في فرنسا مسلمون بلا إسلام وفي مصر إسلام بلا مسلمين.”
محمد القوماني
https://scontent.ftun3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/25152339_1760475447309565_1856112728755942860_n.jpg?oh=0af9589d4a9164dbf609644ba74f1cee&oe=5AD103D6