محمد القوماني للقدس العربي: «النهضة» التونسية تحولت إلى حزب اجتماعي والهوية الإسلامية لم تعد أولوية
تونس – «القدس العربي»: قال عضو المكتب السياسي الجديد لحركة «النهضة» والأمين العام السابق لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني إن انضمام شخصيات يسارية وليبرالية مؤخرا إلى الحركة يؤكد أن شعار «فصل السياسي عن الدعوي» الذي تبنته مؤخرا في مؤتمرها العاشر لم يكن مجرد «مكياج» لتجميل الحركة الإسلامية، مشيرا إلى أن أوليات النهضة تغيرت كليا في الفترة الأخيرة، حيث تحولت إلى حزب اجتماعي يركز على القضايا المتعلقة بالديمقراطية والتنمية وتحقيق المصالحة السياسية، ولم تعد المسائل التوعوية الدينية أو الهوية العربية الإسلامية تشكل أولوية بالنسبة لها.
وأضاف في حوار خاص مع «القدس العربي»: «ما حصل مؤخرا من انضمام شخصيات جديدة يسارية وليبرالية للمكتب السياسي لحركة النهضة، يؤكد أن شعار فصل السياسي عن الدعوي الذي تبنته الحركة في مؤتمرها العاشر الأخير لم يكن مجرد مكياج لتجميل صورة الحركة، وإنما هي خطوة أولى لتطبيق توصيات المؤتمر، ومن بينها الانفتاح على الأوساط الأخرى خارج الحركة، وأتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة انضمام شخصيات جديدة إلى الحركة.
وكان «النهضة» كشفت قبل أيام عن تركيبة مكتبها السياسي الجديد، الذي ضم 35 عضوا، من بينهم شخصيات يسارية وليبرالية ومستقلة ونواب غير إسلاميين داخل الحركة.
واعتبر القوماني أن حركة النهضة تغيرت في جوانب كثيرة «من خلال المراجعات التي حدثت لها بعد محنة السجون والملاحقات الأمنية والهجرة، وهي بعد الثورة استفادت من تجربتها في الحكم وانتبهت إلى الملاحقة الفكرية التي حصلت لها، وعقدت مؤتمرها العاشر في شهر أيار/مايو، وانتهت إلى توصيات جديدة في مقدمتها التخلص من طابعها الشمولي عبر الفصل بين الدعوي والسياسي، والتموقع كحزب وطني في الوسط الاجتماعي التونسي العريض، يجمع فئات مختلفة وينفتح على قادة الرأي والنخب باختلافاتها، وهي تقدم نفسها الآن كمن خرج من موقع الاجتجاج والمعارضة إلى موقع من يريد أن يشارك في الحكم ويبني مؤسسات ما بعد الثورة، ولذلك نجد مؤخرا أن اهتماماتها تغيرت كليا، فهي لم تعد تهتم بالمسائل التوعوية الدينية ولا بقضية الهوية العربية الإسلامية كأولوية، بل صارت تهتم أساسا بالديمقراطية والتنمية ومقاومة الإرهاب وتحقيق المصالحة السياسية».
وتعتبر حركة النهضة أكبر حزب سياسي ما زال محافظا على تماسكه في تونس، لكنها تواجه انتقادات كثيرة تتعلق بتحالفها مع حزب «نداء تونس» الحاكم، حيث خرج مؤخرا عدد من القياديين البارزين داخل الحركة لينتقد هذا التحالف، الذي اعتبروا أنه لم يحقق أي مكاسب سياسية للحركة.
وعلق القوماني على هذا الأمر بقوله «أعتقد أن اتجاه الحركة للتحالف مع النداء ودعوتها إلى قيام الحياة السياسية على أوسع توافق سياسي ممكن، جاء بعد استخلاص التجربة من حكم الترويكا، فالنهضة حظيت بعد انتخابات 2011 بمساندة شعبية واسعة لكنها لم توفر لها القاعدة السياسية الكافية للحكم، وهي انتبهت إلى أن المرحلة الانتقالية والتصحر السياسي الذي حصل في مرحلة الاستبداد وأيضا الاستقطاب والمناكفات الإيديولوجية الحادة في تونس وأزمة الثقة وغيرها، تجعل من المتعذر أن ينفرد حزب وحيد في إدارة البلاد». وأضاف «ولذلك حاولت في البداية أن تتحالف مع التكتل والمؤتمر لإعطاء صبغة ائتلافية، وليست فردية، للحكم، وانتبهت بعد ذلك إلى قوى تنتمي إلى المنظومة الدستورية القديمة إضافة إلى قوى ليبرالية ويسارية توحدوا في «نداء تونس» وشكلوا عنصر توازن مع حركة النهضة، وهي فتحت أيديها لهذا الإئتلاف والتعايش، وقد نجحت النهضة مع النداء في تأمين التوافق حول حكومة الوحدة الوطنية، حيث شاركت 9 أحزاب و3 منظمات وطنية في الحوار الوطني حول الحكومة، كما قبلت شخصيات كانت ترفض سابقا العمل مع النهضة، أن تكون طرفا في حكومة تعتبر النهضة أحد أبرز مكوناتها، وهذا تطور سياسي كبير، وسنعمل (داخل الحركة) على ترسيخ هذا الاختيار مستقبلا لخدمة للمشروع الوطني في البلاد». وكان القوماني قرر مؤخرا العودة إلى صفوف حركة «النهضة»، بعد سنوات طويلة في العمل السياسي بدأها مع حركة «الاتجاه الإسلامي» التي شكلت نواة لحركة النهضة، وانتقل لاحقا إلى الحزب الديمقراطي (ليبرالي علماني شكل لاحقا نواة لحزب الجمهوري) قبل يؤسس فيما بعد حزب الإصلاح والتنمية الذي قرر حله في 2015، وهو ما يجد فيه البعض مسيرة سياسية متناقضة. إلا أن القوماني أوضح الأمر بقوله «انتمائي سابقا إلى ما كان يعرف بالاتحاه الإسلامي كان في مرحلة الشباب، حيث كنت أنظر للحزب على أنه حركة احتجاجية فكرية واجتماعية ضد التغريب الثقافي والتهميش للفئات المحرومة الذي كان موجودا آنذاك، ولكن خلال انفتاحي على التيارات الأخرى بدأت أتفطن إلى أن الاتجاه الإسلامي يغلب عليه المنحى التقليدي والمحافظ في الفكر العربي وأن المسألة الاجتماعية غير حاضرة كثيرا في اهتماماته، وقد تأثر حينذاك ولفترة طويلة بما سمي باليسار الإسلامي أو الإسلاميين التقدميين في تونس».
وأضاف «واول تجربة سياسية في حزب معترف به كانت في الحزب الديمقرطي التقدمي، وبعد تجربة الإصلاح والتنمية انتهيت أنا وأصدقائي إلى أن المنافسات الانتخابية والسياسية تحتاج إلى أحزاب ذات قدرات مادية وبشرية واسعة مثل النهضة، وبعد فشلنا في انتخابات 2011 و2014 رغم أهمية الأفكار التي كنا ندعو إليها، وأدركنا أن مشهدا سياسيا يضم مئتي حزب لا يشجع على الاستمرار، وقد بذلنا جهودا كبيرة للتوحد مع أحزاب أخرى وبناء الحزب الوسطي أو الحزب الاجتماعي الديمقراطي ولكن كل المحاولات باءت بالفشل. والآن يبدو أن المشهد يتجه لبناء أحزاب قوية لأن البناء السياسي الذي وضع في دستور 2014 يقتضي منافسة حزبية في الانتخابات وكتل كبيرة في المجلس».
وتابع القوماني «أنا متأكد من أن المســألة الاجـتماعية في تونــس لم تحسم داخل الأحزاب، فأحزابنا ما زالت مؤسسة على خلفيات فكرية عامة وليست خلفيات اجتماعية، وليس صحيحا أنـه يـوـجد في تـونس أحزاب تمثل طبـقات اجــتماعية مـعينة من الفـلاحين أو الـعـمال أو غـيرها».
حسن سلمان