راشد الغنوشي مترشّحا ونائبا بالبرلمان
تأكّد قرار المكتب التنفيذي لحركة النهضة ترشيح زعيم الحزب راشد الغنوشي للانتخابات التشريعية ليوم 06 أكتوبر 2019 على رأس قائمة دائرة تونس الأولى. وقد أثار هذا الخيار اهتماما داخليا وخارجيا، وتباينت الآراء في تقديره وشرح دوافعه وغاياته. فما هي عناصر المفاجأة في القرار؟ وما الذي تغيّر في رؤية النهضة لدورها في الحكم؟ وأيّة إضافة لترشّح الغنوشي وعضويته بالبرلمان التونسي القادم؟
مفاجآت الغنوشي..
ليست المرّة الأولى التي يُحدث فيها الغنوشي المفاجأة في المشهد السياسي التونسي. والمفاجأة أحد عناصر العملية السياسية. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، فاجأ زعيم النهضة أنصاره وخصومه والمتابعين سواء، حين أُعلن عن لقاء باريس بينه وبين الباجي قائد السبسي في 15 أوت 2013، إبّان الأزمة السياسية الحادّة والخصومة بين الرجلين. وفاجأ المشاهدين حين طلع عليهم في أوت 2017 على “قناة نسمة” برابطة عنق لم يتعودوا عليها قبل ذلك، مما خلّف تعليقات وتحاليل استمرت لأشهر، كانت أبرزها رسالة تهيئ الغنوشي لخوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة. وفي ظلّ التوافق الشهير بين “الشيخين” الذي استمرّ أربع سنوات وحكم المعادلة السياسية في محطات ومواقف مميّزة، طلع الغنوشي على وسائل الإعلام إثر إعلان توقّف محادثات قرطاج2، في 28 ماي 2018، معلنا تمسّك حركة النهضة بالاستقرار الحكومي وعدم مجاراة الباجي قائد السبسي في رغبته في تغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وأنّ النهضة لا تتنازل إلا من أجل المصلحة الوطنية. وكان ذلك التصريح بداية علاقة جديدة بين الزعيمين، لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على المشهد السياسي إلى اليوم. وحين تكثّف الحديث عن احتمالات ترشح الغنوشي إلى الانتخابات الرئاسية وألمح إلى ذلك في حديثه على “قناة حنبعل” منذ أقل من شهر، كانت المفاجأة بقرار ترشّحه إلى الانتخابات التشريعية. ولا عجب في أن تكون مفاجآت الغنوشي محلّ تعليقات ومتابعات وهو الزعيم الذي “يملأ الدنيا ويشغل الناس” كما يقال، ويقود أهمّ حزب سياسي في البلاد بعد الثورة، شكّل إلى حدّ الآن تجربة لافتة في تطوير مرجعيته وخطابه وتموقعه وأدواره داخليا وإقليميا ودوليا.
قيادات النهضة في مؤسسات الدولة..
يأتي قرار حركة النهضة بدفع زعيمها إلى منافسات الانتخابات التشريعية ليوم 06 أكتوبر القادم، ضمن خيار بدأت تتّضح عناصره منذ مدة. فقد عبّرت وثائق الندوة السنوية الثالثة لإطارات حركة النهضة نهاية جوان المنقضي، عن التطلع إلى إنهاء المرحلة الانتقالية بعد نحو تسع سنوات، وإرساء دعائم حكم مستقر بعد انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية. وأكدت المداولات والتوصيات على ضرورة انتقال حزب النّهضة من مشاركة في الحكم قامت على توافق سياسي عام إلى مشاركة يجب أن تقوم على تعاقد وطني على أساس أولويات وبرامج، واعتبار القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة ذات الأولويّة والمقصد الأساسي للمشاركة. وهذا ما يستدعي توضيح رؤى الحزب وتأكيد مواقفه في تلك القضايا ومراعاة مصالح النّاس قبل مراعاة العلاقات بين الأحزاب، إذ لا يمكن للتوافق مستقبلا أن يكون على حساب نجاعة الحكم.
كما أكّد رئيس الحزب في خطابه بالمناسبة أنّ حركة النهضة “ستعمل من خلال وجودها في الحكومة وفي إطار برنامجها الاقتصادي والاجتماعي الجديد على توفير كل شروط الانتقال من اقتصاد الريع إلى اقتصاد المنافسة أو من اقتصاد الرُخص إلى اقتصاد التساوي في الفرص (…) وستستند مشاركة النهضة في الحكومة القادمة إلى شراكة سياسية تقوم على تعاقد برنامجي واضح يمثل الاجتماعي الاقتصادي محوره، وعلى أساس أجندة وطنية تخرج بنا من عمومية التوافق إلى وضوح الشراكة”.
ومن أجل إعطاء الحكومة القادمة التي قد تشارك فيها النهضة، أكبر قدر من الدعم السياسي لإنفاذ الإصلاحات المتأكدة، وتطبيق البرامج المعلنة، تدفع الحركة بعدد كبير من أهمّ قياداتها في المكتب التنفيذي والمكتب السياسي وبمجلس الشورى وبالجهات، يتقدّمهم زعيمهم الغنوشي، إلى قبّة البرلمان، التي يُفترض أن يجتمع تحتها مختلف القيادات السياسية الوطنية، على غرار التجارب الديمقراطية العريقة. كما أنّ مشاركة القيادات الحزبية في الحكم ووجودهم بمختلف مؤسسات الدولة، من شأنه أن يخفّف من مصاعب المزاوجة بين الحزب والدولة ومشاكل الانسجام بينهما في ضوء دروس تجربة السنوات الماضية.
الغنوشي مترشّحا ونائبا عن الشعب..
يأتي قرار ترشيح الغنوشي على رأس قائمة النهضة بأهم الدوائر الانتخابية بالعاصمة، حاملا لدلالات عديدة. فهو تكريس لمخرجات المؤتمر العاشر للحزب في التخصّص في العمل السياسي. وهو تصحيح لتقديرات الكثير من أنصار الحزب أن وجود الغنوشي بالبرلمان قد يضعف من مكانته وينال من منزلته المعنوية. فهو يريد أن يعطي الدليل على أنّه رئيس حزب سياسي، لا يستنكف عن تحمّل المسؤولية في الدولة من أي موقع كان. إضافة إلى في ترشحه من تجسيم فعلي لمصالحة الدولة مع الثورة، وتثمين دور البرلمان في النظام السياسي لدستور الجمهورية الثانية، وما تضيفه الشرعية الانتخابية العامة إلى الشرعيته الحزبية للزعيم السياسي.
وحين ينزل الغنوشي خلال الحملة الانتخابية إلى مختلف أحياء دائرة تونس الأولى، لا سيما الأحياء الشعبية بسيدي حسين السيجومي وبجبل الجلود وبأزقّة المدينة العتيقة، سيقف مباشرة على أوضاع التونسيات والتونسيين، ويستمع إلى مطالبهم واحتجاجاتهم، ويتعرّف عن قرب عن أحوالهم وتطلعاتهم، ويتعهّد أمامهم بمعالجة مشاكلهم ويكون مسؤولا أمامهم ومخاطبا مباشرا لهم، أثناء الحملة الانتخابية وعلى امتداد العهدة النيابية. وتلك تجربة ميدانية غير مسبوقة، رغم مشاركة الغنوشي الجزئية في الحملات الانتخابية للنهضة في ما مضى. إضافة إلى ما تعطيه مشاركة زعيم الحزب من الزخم الانتخابي بدائرته وبالدوائر الاخرى أيضا، وما يجنيه الحزب من مقاعد إضافية من مشاركته.
وحين يصير الغنوشي نائبا للشعب بالبرلمان التونسي ففي الأمر أبعاد أخرى. فهو دعم إضافي للحكم، حين يضع خبرته وتجاربه وعلاقاته الممتدة ورصيد ديبلوماسيته الشعبية السابقة في خدمة الدولة التونسية. وتكون أدواره في القرار والسياسات معلنة، بعد أن كانت مخفية. وهو ضمانة أكبر للتوافق والتحالفات والتعاهدات التي يبرمها حزب النهضة مع شركائه في البرلمان. وهو عنصر استقرار للحكم من خلال قيادته لكتلته، دعما لرصيدها في الانضباط والحضور والتضامن بينها. وقد تتطوّر أدوار الغنوشي بالبرلمان بحسب النتائج التي سيحصدها حزب النهضة. إذ قد يكون رئيسا للبرلمان، وتلك منزلة هامة في الدولة، وتتويج لمسيرة الغنوشي السياسية.
احتمالات..
إنّ ترشّح زعيم النهضة راشد الغنوشي للبرلمان، واحتمال رئاسته له، لن يصادر احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية أو احتمال أن يكون على رأس الحكومة. وفي كلّ الأحوال والسيناريوهات التي ستسفر عنها نتائج الانتخابات وتفاهمات التحالفات، فإنّ دخول الغنوشي وعدد هام من قيادات النهضة، إلى مؤسسات الدولة، خطوة نوعية وإضافة غير مسبوقة في التجربة السياسية التونسية.
محمد القوماني
*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 117 ، تونس في 25 جويلية 2019
https://scontent.ftun11-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/67606001_570763233454825_4544890188823789568_n.jpg?_nc_cat=111&_nc_oc=AQlBCI9-CQ6LkEnyrCAwBnmDl1kisKJzk8oGwRXQFP4EE9dUCA06SxPU4JDYhbqH8ng&_nc_ht=scontent.ftun11-1.fna&oh=61ba9237832a3de59e5a9f1514dce751&oe=5DAEAE9A