أعترف وأنصرف (10)

تونس في 01 سبتمبر 2022

بين حدّي الأمر القرٱني “عليكم أنفسكم…” (المائدة 105) وتعبير المرحوم محمود درويش “من أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟”.(لاعب النرد). أنا المخضرم، بين تجارب مختلفة منذ أكثر من أربعين عاما من التلمذي إلى التقاعد، في إصرار على جمع مستعص بين السياسة والفكر، يهمّني في خاتمة سلسلة تدويناتي الأخيرة التي دعوت فيها الطبقة السياسية ومختلف الفاعلين، إلى النقد الذاتي، اعترافا وانصرافا، أن أسجّل عن نفسي أنّني:

أعترف بصفتي أحد الفاعلين السياسيين من مواقع مختلفة، قبل انضمامي إلى حركة النهضة نهاية 2016 وبعده، بمسؤوليتي بحجم مشاركتي، وبوجعي ألما عمّا ٱلت إليه أوضاع بلادنا العزيزة وتجربتنا الديمقراطية الفتيّة، وخوفا ممّا يتهدّدها من مخاطر.

تنتابني مشاعر متضاربة، بين الغضب والسخط من جهة عن أداء السياسيين، وخطابات الجحود والشخصيّة التونسية “المُستنفِرة” على حدّ توصيف عالم الاجتماع محمود الذوادي. وبين مشاعر الارتياح والمحبّة من جهة أخرى لخطابات التقدير والتشجيع.

لا أتردّد شخصيّا عن الاعتذار عن أي قرار خاطئ شاركت فيه. واعتذر خاصّة عن المشهد بالبرلمان، خلال الدورتين الأخيرتين اللتين كنت فيهما عضوا به. وقد حرصتُ قدر الإمكان على النأي بنفسي عن مظاهر الترذيل به، وكرّرت التحذير من عواقبها.

وبكل تواضع وموضوعية، تشهد مداخلاتي الشخصية الموثّقة بالجلسات العامة، وبلجنتي المالية والتنمية الجهوية اللتين تشرّفت بعضويّتهما، وأنشطتي الجهوية بمختلف معتمديات دائرة باجة التي ترشحت عنها، وكذلك مقالاتي الأسبوعية وتصريحاتي الإعلامية، أنّني لم أتأخّر ولم أتلعثم في التعبير عن مشاغل الناس والدفاع عن مصالحهم والانحياز للصالح العام، بعيدا عن أيّة نزعة حزبوية أو فئوية أو عائلية، علاوة عن شبهات مخالفة القانون أو بيع الذمة أو غيرها. وأتحدّى من يطعن في ذمّتي في علاقة بأدائي لمسؤوليتي نائبا عن الشعب.

وأنصرف اليوم متشائلا، بكلّ عزم وإصرار على الوفاء لقناعاتي، للقيام بالمراجعات الضرورية.

أستحضر غضب الناس عن الطبقة السياسية، ولا أكترث بالإساءات. وأتأمّل في تجربة الماضي وأخطائها خاصة. وأستفيد من خبرتي في التمرّس على التعاطي مع المعادن البشرية. وأبني على الفرز الديمقراطي والمبدئي بعد انقلاب 25 جويلية.

وتبقى جميع الاحتمالات ممكنة لأَختار لاحقا المواقع المناسبة التي أُسهم من خلالها في الشأن العام، والاجتهاد فيما ينفع الناس. وبما لا يعطّلني في ٱن على أن أستردّ نفسي. ومن قبل قال السيد المسيح عليه السلام: “فَمَاذَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ لَوْ رَبِحَ العَالَمَ كُلَّهُ وخَسِرَ نَفْسَهُ”؟ (إنجيل القدّيس متّى)

مشاركة

    مقالات ذات صلة

    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: