حوار الحصري نيوز في 14 نوفمبر, 2013 : تعاطي السلطة مع المنظومة النوفمبرية كان خاطئا
محمد القوماني في حوار مع الحصري : تعاطي السلطة مع المنظومة النوفمبرية كان خاطئا
14 نوفمبر, 2013 – 13:01
حوار صباح توجاني
شهدت الخارطة السياسية تحولات نوعية كبيرة بعودة الدساترة الى المشهد السياسي بقوة من باب احزاب تعتبر ان المرجعية الدستورية اساسها الإستراتيجي، في حين تابع التونسيون ظهور الوجوه التجمعية القديمة الى نشرات الأخبار التلفزية والإذاعية بما ينبئ لتحول تام في مكونات الساحة السياسية.
في هذا الحوار نستقرأ معا موقف الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني الذي يرى ان السلطة لم تتعامل جيدا مع المنظومة النوفمبرية واعتبرتها مجسمة في اشخاص عملت على اقصائهم من الساحة.
_س: ماهي قراءتك للعودة القوية للوجوه التجمعية الى المشهد السياسي عبر الجبهة الدستورية بعد عامين ونصف من حل التجمع؟؟
_ج: اولا ارى ان حل التجمع كان مطلبا جماهيريا بالأساس وحله من الناحية القانونية وبالرغم من شكلية العملية، ايجابي إذ انه خفض من حدة الإحتقان الذي كانت تعيشه البلاد غداة الثورة واستجاب لأحد الأهداف التي قامت من أجلها، ولكن الخطأ، حسب رايي اننا دوما نعتقد ان المنظومة القديمة تتمثل في اشخاص . والواقع انها شبكات علاقات في المال وفي الأعمال وفي الإعلام وفي الإدارة وفي القرار السياسي. فالمشكل اذن اننا اتخذنا قرارا قضائيا واداريا بحل التجمع الدستوري الديمقراطي ولكننا لم نقم باي تتبع حقيقي لتفكيك هذه المنظومة لا قضائيا ولا اعلاميا.
فالملاحظ مثلا ان التلفزة الوطنية بثت حلقتين فحسب من برنامج “دولة الفساد” ثم ما عدنا نسمع عن الحقبة السابقة للثورة شيئا ..واليوم لم نعد نذكر الا نشازا كلمتي العهد السابق واخطبوط النظام السابق…ليس هذا مطلوبا من باب التشفي الذي نرقضه، بل ان القطع مع المنظومة التي قامت ضدها الثورة تستوجب ان يفهم الشعب ما الذي كان يقع بالضبط؟ ولذا عندما لا نكشف عن هذه المنظومة من السهل ان يحنّ اليها البعض في ظروف تأزم معين.. عندما ترتفع الأسعار كثيرا مثالا او عند وقوع احداث ارهابية …فالكثير من عموم التونسيين لم يعرفوا شناعة ما كان يجري في ظل تلك المنظومة ..
فاذا كان هناك شخص واحد فاسد دكتاتوري مستبد قد هرب يوم 14 جانفي 2011، فلنترك الشعب يستريح بعد رحيله ولا حاجة لهذا التأسيس الجديد الذي أرهقنا؟، اما اذا كنا نعلم علم اليقين ان المنظومة النوفمبرية ليست منحصرة في بن علي وفي الطرابلسية وعائلة بن علي، وجب تفكيك هذه المنظومة لنقف على الحقيقة كاملة. اذن ما وقع اننا قررنا حل التجمع ولم نفكك المنظومة النوفمبرية باكملها.
_س: بل فتحنا ابواب السجون امام رموز العهد السابق تشفيا …
_ج: اجل هذا ما وقع بالضبط، وفي ظروف غامضة وبدون توجيه تهم واضحة الى قياديي المنظومة وفي غياب ملفات قوية ومتكاملة ولم يقع التصريح بانها محاكمة سياسية او محاكمة لجرائم متعلقة بالتحيل او الفساد المالي او غيرها من التهم. فبامكان نظام جديد ان يحاكم النظام القديم شرط توفر التهم الواضحة وفي وجود ملفات فساد مثلا لا غبار عليها.
والمحاكمة السياسية تظل الأهم، وهي لا تعني بالضرورة أن تأخذ الثورة منحى عنيفا او تشفيا متعمدا وانما تعني فضح منظومة معينة مثلما يفترض ان نصل اليه بعد تطبيق العدالة الإنتقالية الى حد ما.
ما اريد التاكيد عليه انه لم يقع التعامل جديا مع المنظومة القديمة ولم يتم التعاطي بوضوح مع قانون الأحزاب في علاقة بالشخصيات القديمة المورطة في الاستبداد والفساد. هل ان حل التجمع يعني حل هيكل يحمل هذه التسمية وبالتالي كان من حق التجمعيين تشكيل حزب او احزاب جديدة تحمل اسماء جديدة؟ وكأنهم غيروا التسمية فقط، وهذا امر يكاد يكون ممكنا في تونس بعد الثورة، لما يوجد من فراغ قانوني ولما عقب حل التجمع من قصور سياسي في معالجة أشمل وأعمق للموضوع.
_س : ولكن وقع ما تتحدث عنه وتشكلت احزاب من الدساترة القدامى والجدد ؟؟
_ج: هذه احزاب تشمل تجمعيين وغير تجمعيين وقد تضررت ولم تعد نفس الحزب.
_س : الا ترى ان الجبهة الدستورية اصبحت تيارا يمكن ان يصبح قويا ويهدد بالتالي عرش نداء تونس الذي احتضن التجمعيين الذين تشتتوا اثر حل التجمع؟؟؟
_ج: وهل تعتبرين نداء تونس جزءا من المنظومة التجمعية ؟
_س : لا ولكنه رسكلة لعدد هام من التجمعيين الذين التجؤوا اليه في وقت من الأوقات وان الأوان اليوم لينسحبوا منه ويلتحقوا بالجبهة الدستورية الوليدة…
_ج: ارى اننا نعاني من عدة ثغرات في القانون وفي القضاء وفي الإعلام مما افضى الى ضبابية في الرؤية السياسية لكيفية التعامل مع المنظومة القديمة لأنه حسب رايي لا يمكن لأي ثورة بالخصوصية التونسية التي لم تكن راديكالية والتي تعاملت مع وجوه من العهد السابق حتى تتمكن من اخراج البلاد من عنق الزجاجة غداة الثورة، وتحمل فيها المسؤوليات الأولى في الدولة بعد الثورة أسماء عملوا في المنظومة القديمة على غرار السادة فؤاد المبزع ومحمد الغنوشي والباجي قائد السبسي.. لا يمكنها أن تعتمد نفس اساليب الثورات الإيديولوجية في التعامل مع النظام القديم.
وكان على القياديين الثوريين ان صح التعبير وعلى الحكام الجدد ان يعرفوا كيف يستفيدون من خبرة المنظومة الإدارية القديمة ويتوخون منهجا اصلاحيا في ذلك وليس في هذا تعارض مع العمل على القطع مع المنظومة السابقة ومحاسبة رموزها عبر القضاء العادل ..فمرة أخرى أؤكد أن المنظومة ليست أشخاصا.
_س: هذا يجرنا الى الحديث عن التعيينات التي تعيبها المعارضة على حكومة الترويكا التي اضطرت الى تغيير المسؤولين الأولين على راس المؤسسات العمومية باخرين يفتقدون الى الخبرة…
_ج: المشكل يكمن في ان التعامل مع المنظومة القديمة على اساس الأشخاص لم يكن عادلا، لأنه على سبيل المثال نلاحظ أن الأشخاص الذين اظهروا ولاء او عقدوا صفقات مع اطراف سياسية متعددة في الحكم أو في المعارضة، امكن غض النظر عنهم بل اكثر من ذلك، فقد اصبحوا جزءا من المنظومة الجديدة، في الإعلام وصلب الأحزاب وفي عالم المال والأعمال. اذن فالتعامل لم يكن بمسطرة القانون، ان صح التعبير، او مسطرة القضاء .
ثم ان البناء الديمقراطي الجديد والقطع مع الفساد والإستبداد لم يكن ليتم بالقطيعة الكاملة مع منظومة الدولة، فالثورة التونسية في جوهرها كانت اصلاحية، واتخذت هذا التوجه منذ لحظاتها الأولى ،..اذن فلا تستطيع ثورتنا ” ان تاكل الغلة وتسب الملة” بمعنى ان الحكم الجديد ظل غامضا ومترددا. هل هو يمارس استمرارية الدولة واستمرارية الحكم مع تغيير الأشخاص،إذ اعتمد الحكم نفس المنظومة القانونية ونفس المؤسسات تقريبا ونفس الإدارة مع تعويض بعض الأسماء القديمة بأخرى جديدة. ولذلك يبدو للبعض ان الحكم مستمر مع الإنتقام من بعض شخوصه السابقين وهذا غير مقبول وغير منطقي ولا يثمر انتقالا ديمقراطيا ولا عدالة انتقالية.
ثم لنذهب إلى جوهر المشكل لأقول صراحة ان تونس ما قبل الثورة وما بعدها أفصحت بوضوح أن فيها قوتين أساسيتين، احداهما المنظومة الدستورية بمختلف الوانها التي ساهمت في معركة التحرير وفي بناء دولة الاستقلال، ولكنها سياسيا انتهجت خيارا غير ديمقراطي وتعمدت اقصاء خصومها بدءا باليساريين والقوميين وانتهت بالمواجهة مع الإٌسلاميين في الثمانينات والتسعينات وحتى مطلع الألفية. وهذا ما جعل المنظومة الدستورية وبقدر توفقها في جوانب تنموية كثيرة، فانها اخفقت على مستوى البناء الديمقراطي والتنمية السياسية.
ومن جهة ثانية بين الواقع ان اكبر قوة تشكلت في الثلاثين عاما الأخيرة لمواجهة المنظومة الدستورية هي الحركة الإسلامية التي تمثل حركة النهضة عنوانها الأبرز، وان انتصارها في انتخابات 23 اكتوبر 2011 كان أقرب إلى تتويج مسار تاريخي، وكان من المفروض ان يؤدي الوضع الجديد الى نوع من المصارحة السياسية ثم المصالحة على اساس ان هاتين المنظومتين اللتين لدى احداهما تجربة الحكم وبناء الدولة فيما تملك الثانية تجذّرا شعبيا هاما و رصيدا نضاليا معتبرا، ولدى كل منهما اعتراضات جوهرية على الأخرى، وملفات تعود إلى مواجهات الماضي، وأنه بامكانهما التوصل إلى صيغة ما للإستفادة من اخطاء الماضي وبناء علاقة جديدة على أساس الوضوح لا المخاتلة، وعلى المصارحة والمحاسبة العادلة وعلى التعاون في بناء منظومة وطنية جديدة مع باقي مكونات المشهد السياسي، تقطع مع الخيارات الخاطئة ومع الممارسات التي قامت الثورة ضدها وتقوم على أساس التنافس السياسي الذي تظل الانتخابات الحرة والتعديية والنزيهة أساس الشرعية في التداول على الحكم. وما زلت أرى أنه ما لم تحصل تسوية بين المنتصرين في الثورة وبين الخاسرين فيها على القواعد التي أشرت إلى بعضها سابقا ستظل أوضاعنا غير مستقرة وسيظل الحوار الوطني يترنح دون أن يحقق اهدافه.