حوار جريدة التونسية في 14 نوفمبر 2013: حظوظ نجاح الحوار ضئيلة

حوار التونسية مع الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية

تونس في 14 نوفمبر 2013

حاورته صباح التوجاني

أكد الأمين العام لحزب الغصلاح والتنمية محمد القوماني أن حزبه لا يوافق على الحوار أو لا يأمل  منه نتيجة ايجابية، لا لأنه لا يؤمن بالحوار وغنما لأن حركته ترفض المخاتلة في الألفاظ وإقرار خطة غير قابلة للتنفيذ وبالتالي المشاركة في عملية غير واضحة.

وأوضح القوماني في حواره مع “التونسية” بأنه حتى لو افترضنا أنه تم استئناف الحوار حول المسار الحكومي، فستظل أمامه عقبات كثيرة أولها يتعلق بتركيبة الحكومة الجديدة ، هل سيتولى المرشح توافقيا لرئاستها تشكيل حكومته أم سيتم توزيع الحقائب الوزارية عبر المحاصصة الحزبية، وربما حصص المنظمات الراعية أيضا حتى إن قيل أن الوزراء مستقلون.

حول تعليق الحوار الوطني وإمكانية استئنافه في القريب العاجل قال السيد محمد القوماني:

اعتبر أن تعطّل الحوار أو تعليقه في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين  04 نوفمبر  كان أكبر دليل على أن الحوار انطلق بدون توفير شروط نجاحه. فتوقفه  بعد أكثر من 10 أيام من انطلاقه رسميا يوم 24 أكتوبر وبعد شهر من جلسته الافتتاحية ، يجعله حوارا غريبا. فالأطراف المشاركة فيه والأطراف الراعية له تؤكد من جهة أن هنالك حوارا وأنهم بصدد تطبيق خريطة طريق دقيقة لا تقبل التعديل  وهم في ظاهر الأمر يوهموننا أن الحل يتوقف على أسابيع وأيام قليلة، لكننا نفاجأ في كل مرة بأن تلك الأطراف  تتعمد إيقاف “العدّاد،”  مما يوحي بأن المدة  التي سيستغرقها الحوار قد تكون طويلة . وها نحن فعليّا أمام ثلاثة مسارات معطلة تماما. وقد تكون الصعوبات في المسارين الانتخابي والتأسيسي أشدّ تعقيدا من المسار الحكومي، رغم التركيز المبالغ فيه على هذا الأخير.

والحقيقة أننا في صلب حزب الإصلاح والتنمية عندما رفضنا التوقيع المسبق على وثيقة خارطة الطريق يوم 5 أكتوبر الماضي، ليس لأننا لا نوافق على الحوار أو لا نأمل في نتيجة ايجابية منه، بل بالعكس نحن على قناعة بان الحوار هو السبيل الأوحد لحل الأزمات، بل لأننا رفضنا المخاتلة في الألفاظ وفي إقرار خطة غير قابلة للتنفيذ ورفضنا أيضا المشاركة في عملية غير واضحة.

فنحن كحزب كنا نرى أن خارطة الطريق التي اقترحها الرباعي الراعي للحوار واستمدها من مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل، غير قابلة للتطبيق في صيغتها الحالية من حيث الآجال التي حددتها ومن حيث الآليات التي من شانها إيصال المشاركين إلى الأهداف المرسومة.

كما نعيب على هذه الخارطة افتقارها للعدالة ولضمانات بناء الثقة. لأن الرباعي الراعي للحوار كان يرمي إلى إدارة تفاوض بين طرفين، أعني الحكم والمعارضة، و لم يهدف إلى رعاية حوار وطني بأتم معنى الكلمة. فالحوار الوطني يقتضي أساسا وفي المقام الأول تمثيلية سياسية وجمعياتية واسعة وهذا ما لم يحصل، إذ شاركت فيه الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي وبالتالي فتمثيليتها محدودة. والغريب أن اغلب الأطراف تعتبر أن  انتخابات 23 اكتوبر 2011 قد اهترأت، ولكنها تعتمدها كمقياس للمشهد السياسي. بالإضافة إلى أن جدول الأعمال إن صح التعبير أو خارطة الطريق ستتناول قضايا تتعلق بالاستحقاقات القادمة وبالانتخابات أساسا، وهي مسالة تهم كافة الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس التأسيسي وخارجه. ولو كانت هذه الأحزاب قادرة على التوافق والحل لفعلت ذلك داخل المجلس ولم تحتج إلى هذه الصيغة.

كما انه من المفترض أن يؤدي الحوار إلى اكبر وفاق ممكن، فالغاية من تنظيمه التوصل إلى حل وفاقي، لكن كيف السبيل إلى ذلك وهو قبل انطلاقه خلق معارضة آلية له، باعتبار الثلاثة أحزاب التي رفضت التوقيع على خارطة الطريق فتم إقصاؤها من المشاركة في الحوار. وأحزاب أخرى إمّا رفضت المشاركة بهذه الصيغة أو لم تدع أصلا. إضافة إلى المعارضة المعلنة في صفوف نواب المجلس التأسيسي.

والصعوبة الثانية التي تعيق الحوار عن تحقيق أهدافه نراها على مستوى الآجال أو الأزمنة المحددة لتفعيل بنود الخارطة الجاهزة مسبقا، والتي أكدنا أنها غير قابلة للتطبيق. والدليل أن المهمتين الأساسيتين للحوار خلال الأسبوع الأول لم تتحققا على مدى عشرة أيام كاملة، فلم تتشكل هيئة مستقلة للانتخابات ولم يتم التوافق حول شخصية رئيس الحكومة الجديد.

لقد أمضينا قرابة السنتين ونحن نبحث عن شخصية مستقلة لترأس الهيئة العليا للانتخابات بعد أن صار الرئيس السابق كمال الجندوبي محل خلاف بين الأحزاب السياسية وفي الأخير لم يتم التوافق بشان اختيار اسم معين ترضى به كل الأطراف…فهل يُعقل أن ينجح المتحاورون في ظرف أسبوع لا غير في التوافق حول شخصية رئيس الحكومة الجديد؟؟؟

ثم إن الغاية من تغيير الحكومة الحالية غير واضح في خارطة الطريق وغير متفق عليه بين الأطراف المتحاورة، فهناك من يعتقد أن حكومة السيد علي العريض هي حكومة “فاشلة” على جميع المستويات ولا بد من استبدالها بحكومة “إنقاذ وطني” مشكلة من كفاءات وطنية وهذا يستوجب توفر مواصفات معينة في الحكومة وتفويضا شعبيا غير متوفر في حالتنا هذه. إلى جانب أن “الإنقاذ” عملية تستغرق زمنا طويلا قد يطيل المرحلة الانتقالية عاما أو أكثر. لأنه من الخيال بل من المغالطة، أن نتوقع إمكانية إنقاذ البلاد في أربعة أو ستة اشهر، وحتى في ثمانية.

وفي المقابل تعتقد “الترويكا” وأساسا حركة النهضة انها مستعدة طوعيا للتنازل عن الحكومة التي وصلنا إليها عبر الانتخابات، من اجل حكومة محايدة تؤمّن تنظيم انتخابات يقبل الجميع بنتائجها، وربطت استقالة حكومتها بالانتهاء من المسارين الحكومي والتأسيسي بمعنى أن يصبح لتونس دستورها الفعلي وان تتشكل الهيئة العليا للانتخابات وتحدد موعدها نهائيا.

وهنا نقطة الخلاف بين الجبهتين جبهة الترويكا وجبهة المعارضة التين تختلفان من حيث الغاية من تغيير الحكومة الحالية، ولذلك تعطل الحوار عند نقطة الشخص المرشح باعتبار أن الشخصية هي التي تختزل الرؤية …

_س: هل تعتقد أن الصعوبات التي يجدها المسار الحكومي في طريقه قابلة للحل في قادم الأيام؟

_ج: حتى لو افترضنا أن الحوار بشان المسار الحكومي تم استئنافه، فستظل أمامه عقبات كثيرة أولها يتعلق بتركيبة الحكومة الجديدة هل سيتولى المرشح توافقيا لرئاستها  اختيار تشكيلة حكومته أم سيتم توزيع الحقائب الوزارية عبر المحاصصة الحزبية، وربما حصص المنظمات الراعية أيضا… وحتى إن  قيل أن الوزراء مستقلون.

وإذا قام رئيس الحكومة باختيار أعضاده بنفسه، فكيف السبيل إلى ضمان الدعم السياسي لهذه التشكيلة والحال انه لا احد من الأحزاب شارك في تشكيلها ؟؟؟ ربما يكون الجالسون إلى طاولة الحوار اليوم هم أول من سيعارض حكومة “الكفاءات المستقلة” التي سيختارها رئيس الحكومة المنتظر. ولنا المثال في تجربة ما سمي بالوزارات “المحايدة” في الحكومة الحالية.

وفي جانب أخر، لابد ان تتوضّح منذ البداية علاقة الحكومة الجديدة بالمجلس التأسيسي ، فهل ستُعتمد هذه الحكومة بحساب النصف زائد واحد ولا تسحب منها الثقة إلا بمصادقة الثلثين كما تنص على ذلك تفاصيل خارطة الطريق؟؟؟وهو حساب يتعارض مع القانون المؤقت للسلط العمومية الذي نسميه الدستور الصغير .

وتغيير الدستور الصغير لن تتراض فيه الأطراف وخاصة منها تلك التي تملك الأغلبية إلا بحسب الاتفاق على نوعية هذه الحكومة، فإذا كانت الأغلبية مطمئنة إلى شخصية رئيس الحكومة قد توافق على مبدأ الثلثين، أما إذا لم يتوفر لديها الاطمئنان إلى رئاسة الحكومة، فسوف تصر الأغلبية على إخضاعه إلى رقابة صارمة من المجلس التأسيسي وتتمسك بالنصف زائد واحد في سحب الثقة. وكذلك الشأن بالنسبة إلى الأحزاب المعارضة. ولذلك اكرر بان المسار الحكومي تعترضه عراقيل عديدة لا يمكن القفز عليها وتجاوزها قبل إيجاد حلول لها.

_ س: كيف السبيل إلى التخفيف من هذه العراقيل وبالتالي دفع المسار الحكومي نحو حل وفاقي يرضي كل الأطراف ؟؟؟

_ج: التخفيف من هذه العراقيل يبدأ بالوضوح على مستوى موعد الانتخابات. صحيح أن تاريخ تنظيم الانتخابات مسؤولية الهيئة المستقلة للانتخابات، ولكن بالحد الأدنى وجب أن تحدد كل الأطراف السقف الأقصى الذي ستعمل تحته على غرار أن نقول أننا سنذهب إلى الانتخابات في ظرف يتراوح بين أربعة  وثمانية اشهر على أقصى تقدير…وهي فترة ممارسة الحكومة الجديدة للسلطة وتكون بذلك كل الأمور واضحة.

وعلينا مصارحة بعضنا البعض، ففترة ثمانية اشهر مثلا غير كافية لمراجعة جميع التعيينات والتسميات في المؤسسات العمومية، باعتبارها مربط الفرس واحد ابرز طلبات المعارضة، علينا أن نحدد المراكز أو المؤسسات التي يجب أن نعيد النظر في التعيينات على رأسها، ومن واجبنا أن نتفق هل من حق رئيس الحكومة الجديد مراجعة كل الخطط الوظيفية خطة خطة…وعلينا تحديد هذه الخطط لأنه من غير المعقول أن يعيد النظر في ألاف التعيينات.

فتقديري الشخصي في هذه النقطة بالذات أن اغلب التسميات هي في حقيقة الأمر ترقيات استحقها أصحابها ضمن السلم العادي للترقيات في  الإدارة التونسية، أما إذا كان الأمر متعلقا بتعيينات وظيفية يرى البعض انه بالإمكان أن تؤثر على سير الانتخابات بالرغم من وجود هيئة عليا للانتخابات وفي حضور رقابة دولية وإعلامية شديدة، يفترض وقتها أن نحدد هذه الخطط الوظيفية بكامل الوضوح، ولا نتركها موضع ريبة وتجاذب مُضمر في شخص رئيس الحكومة.

فمسالة التعيينات هي في الأصل تعبير عن  أزمة ثقة ولابد من التحاور بشأنها وإيجاد أرضية تفاهم حولها بما ييسر المرور إلى توافق حول شخصية رئيس الحكومة الجديد، وهنا أؤكد أن المعايير التي وضعها المتحاورين لاختيار رئيس الحكومة الجديدة على غرار أن تكون  لديه خبرة ويتمتع بالنزاهة ولديه التجربة ومنحاز للثورة… كلها مقاييس من الصعب أن تتوفر في شخص لم يعمل في الحقل السياسي سابقا سواء في عهد بن علي أو بورقيبة…ثم هنالك سؤال ملح هنا : لماذا نجد وزراء اشتغلوا مع السيد الباجي قائد السبسي تم ترشيحهم في حين لا وجود لأي وزير مستقل من  حكومة الترويكا الحالية في قائمة المرشحين؟؟؟

_س : يستشف من تصريحاتك الإعلامية أنك غير متفائل بنتائج الحوار الوطني حتى لا أقول بأنك رافض له من الأساس ؟؟

_ج: أنا من دعاة الحوار قبل الثورة وبعدها وخلال الأزمات السياسية كنت من أول المنادين بالحوار. ولديّ قناعة راسخة كشخص وكحزب انه لا بديل عن الحوار لحل الأزمات ، لكن حقيقة نريده حوارا وطنيا حقيقيا، فما نشهده اليوم لا هو حوار ولا هو وطني. فهو ليس حوارا لأنه يقال أن هنالك خارطة طريق مطلوب الموافقة عليها، والحال أن الحوار يقتضي توفر أرضية للتحاور بشأنها على أن تفضي إلى خارطة طريق في النهاية لا أن تكون الخارطة منطلقا.

وحتى في ظل وجود خارطة طريق يجب أن يتولى المشاركون مناقشتها وتكون لهم فرصة تنقيحها أوتعديلها حتى تصبح قابلة للتطبيق، لا القبول بها قبل الانطلاق في الحوار ..ونحن في حزب الإصلاح والتنمية رفضنا المخاتلة والمشاركة في حوار نرفض أن تصدر نتائجه مسبقا….

ثم إن للحوار أبعاد أخرى، فالأطراف المشاركة في جلساته وعلى مدى شهر أكتوبر مثلا لم تتوقف يوما عن تبادل الاتهامات بما يتنافى مع الحوار ، فعلى سبيل المثال، كيف يتهم احد الأطراف المتحاورة حكومة الترويكا بضلوعها في الإغتيالات السياسية ثم يرضى بالجلوس معها على نفس طاولة الحوار ؟؟ هل هذا معقول ؟؟؟ فانا شخصيا لو يكون لي ادني شك في تورط الحكومة في الاغتيالات السياسية لن اجلس قبالتها ولن أتحاور معها وهو ابسط ردة فعل …

ثم هناك من يقول بان نوايا انقلابية متعددة الإتجاهات،  تسيطر على البعض في هذا الحوار  وهذا ما نراه تشنجا غير مبرر ومعجما لا يساعد على الحوار.

ومما تجدر ملاحظته في هذا السياق أن البعض يجالس حكومة الترويكا ويتحاور معها مساء بعد أن كان خرج في مظاهرة صباحا للضغط على ذات الحكومة وحاول دفعها إلى الاستقالة دفعا…شخصيا اعتبر هؤلاء غير راغبين في الحوار … فللحوار معجمه الخاص به ومناخه، وهذا ما أراه غير متوفر سواء في جلسات  الحوار ذاته أو من خلال تصريحات القادة المشاركين فيه.

لقد صرحت عقب تعليق الحوار أن ” الأحزاب الكبيرة” قد انتقلت من استراتيجية المخاتلة، أي المضمر والمعلن، إلى مرحلة اللعب بالمكشوف. بمعنى أن الحوار الوطني عندما وصل مرحلة الأشخاص المرشحين لرئاسة الحكومة بانت حقيقة نوايا كل طرف، واتضحت البواعث الشخصية والحزبية  لدى كل جهة.

وفي الأخير ، أقول أن الحوار يجب أن يجرى حول طاولة الحوار وليس في أماكن أخرى. لذلك أردنا ان تكون تمثيليته حقيقية لا ان ندعو أحزابا تبحث عن ادوار، وهو أمر من حقها، ولكن تكتشف أن الحوار يدار خارج قاعة الحوار بمعنى أن الإتفاقات الكبرى لا تتم على مائدة الحوار وان هناك ربما تدخلات أجنبية او صفقات او ما شابهها او حتى مجرد حسابات…اذن فالحل لن يأتي عبر الحوار الوطني باعتبار الية القرار فيه غير واضحة. فكيف يتوافق حزب لديه 90  نائبا بالمجلس التأسيسي مع حزب لديه نائب او اثنان لا غير؟ وبأي منطق يتوافق طرف يشك في صدق نوايا البقية ؟؟؟

_س: خبراء القانون الدستوري يعيبون على الحوار افتقاره إلى سند قانوني يعطي شرعية وإلزامية لقراراته..

_ ج: أريد أن أعلن هنا أنني فكرت جديا في الاعتراض قانونيا ضد هذا الحوار ولكني لم أجد له سندا قانونيا ارتكز عليه، ولاحظي أن خارطة الطريق وتصريحات بعض الزعماء لا تدل على عقلية قانونية ولا مؤسساتية، فبعضهم قال بانه بالإمكان حل كل المشاكل في ظرف أسبوع، وبالتالي وحسب قوله سننهي صياغة الدستور ونشكل الحكومة الجديدة ونضع الهيئة المستقلة للانتخابات في سبعة أيام فقط…وفي هذا التصريح تجاهل واضح للقانون المؤقت المنظم للسلط العمومية وللقانون الداخلي للمجلس التأسيسي، حتى لو افترضنا تعديلهما .. فإما أن من صرح بهذا الكلام يتجاهل كل هذا أو انه يعتبرها أمورا شكلية.

فكيف نتصور أن يتم تعيين شخص على راس الحكومة وينطلق هذا الأخير في تشكيل حكومته والحال انه غير مكلف رسميا بذلك من قبل رئيس الجمهورية؟ وكيف يترأس الحكومة الجديدة ورئيس الحكومة الحالية لم يستقل بعد وإنما عبر عن نيته الاستقالة؟

ثم كيف نتحدث عن حكومة يجب ان تستقيل او لا تستقيل والحال انها ليست طرفا في الحوار الوطني ؟ فالمشاركون في الحوار والذين يتحدثون باسمها يتجاهلون ان للحكومة رئيس هو المسؤول الأول والوحيد عن حكومته، ولذا وجب ان يكون حاضرا في الحوار او على الأقل يعين من يمثله فيه. كما الاحظ هنا غياب مؤسسة رئاسة الجمهورية عن هذا الحوار وهي التي سيكون لها شان في المرحية التي تلي التوافق بشان رئيس جديد لحكومة الكفاءات المستقلة.

ولكل هذه الإعتبارات التي ذكرتها فان رؤيتي للحوار الوطني استلهمها من الواقع ومن القوانين السارية، فقد اكدت منذ الأيام الأولى ان الحوار الوطني لا يؤمّن فرص نجاحه، بل ان مكابرة الرباعي الراعي له في اشتراط التوقيع المسبق على خارطة الطريق وسده الطريق امام مشاركة احزاب اخرى في جلسات الحوار من خارج المجلس التاسيسي ونبرة خطاب بعض اطراف الرباعي، يجعل من المنظمات الوطنية الأربع خصوما لأطراف اخرى وغير محايدة. واذن كيف يمكن لرباعي منحاز ان يسمي نفسه راعيا للحوار ويجعل نفسه حكما  بين الأطراف بل يعلن نفسه وصيّا على القرار الوطني ؟؟؟؟

فأنا لا اتردد في وصف تصريح السيد الحسين العباسي بعزم الرباعي على تعيين رئيس جديد للحكومة في حال عدم الإتفاق على شخصية لخلافة علي العريض، انتقالا من الإنحياز المفضوح الى اعلان الوصاية على القرار الوطني. فمن فوض الرباعي قرار تعيين رئيس حكومة جديد لتونس؟؟؟

وفي كل الأحوال ومهما كانت التوافقات، لا بد من العودة الى الآليات القانونية ولا بد من احترام المؤسسات القائمة. وعلينا أن نتذكر  أن  انتقال السلطة غداة الثورة تم الحرص عل أن يكون  وفق القانون ….فنواميس الدولة وقوانينها المؤسساتية لا بد من احترامها بشكل دقيق….إذ لا احد فوق القانون ولا يتأسس البديل الديمقراطي في تجافي مع القانون.

_س : واذا تمعنا في بنود خارطة الطريق وجدناها في تناغم غريب مع الطلبات الأولى للمعارضة ولاعتصام الرحيل غداة اغتيال السياسي محمد البراهمي..؟؟؟

_ج: بل اكثر من ذلك بكثير…فخارطة الطريق هي في مضمونها تطوير لورقة وضعها الإتحاد العام التونسي للشغل سماها المبادرة بعد حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي، وهي ورقة تستند الى اعتبار ان حكومة الترويكا مسؤولة عن الأوضاع ولابد بالتالي ان تستقيل. اذن فمسالة استقالة الحكومة التي هي مربط الفرس بالنسبة لهذه الوثيقة مطروحة في غير السياق الإنتخابي…ومن هنا جاء الأسبوع الفارق بين االمسار التاسيسي والمسار الحكومي بما ينبئ بوجود ازمة ثقة حقيقية.

ولذلك اؤكد ان الحوار انطلق في اجواء غير مناسبة ودون تحضير كاف، إذ كان المفروض ان يسبق الحوار بخطوة جريئة بعد الإغتيالات السياسية  وبعد تنامي ظاهرة الإرهاب ضد مؤسسات الدولة وضد المدنيين، كان علينا كسياسيين خاصة ان نقول بان تونس هي احوج من اي وقت مضى الى المصالحة الوطنية، وان نرفع نداء حارا ومخلصا من اجل تحقيق ذلك.

وانا مازلت أرى بأن الفرصة لم تفت، وإني على قناعة بان المصالحة الوطنية التي تقوم على مصارحة سياسية واضحة تحدد المسؤوليات، وتزيل المخاوف وتبني عناصر الثقة المتبادلة وتؤسس لقواعد التعايش السلمي والتنافس السياسي بعيدا عن التعادي والتنافي، لا تستوجب في هذه المرحلة ان نستكمل مسار العدالة الانتقالية وتحصين الثورة وغيرها من المسائل التي تظل ضرورية في هذا الباب. فتونس ما بعد الثورة سجلت حدوث أخطاء في الرؤية وفي التقدير وفي الأولويات وفي السياسات..وتم تجاهل أطراف مؤثرة أو محاولة اقصائها كما تمت استعادة معارك الماضي وصوره من الجميع… واثبت الواقع أن الدولة لا تسيُر بالأمنيات وأن المعارك السياسية لا تحسم بالإرادات.

حان وقت تصالح الجميع مع الجميع وتصالح الجميع مع الوطن. الآن على الجميع ان يعترف للجميع انه لا أحد يمكنه شطب مخالفيه ولا اقصاءهم، خاصة من القوى المتجذرة في نسيج المجتمع او الدولة، وأن بلدنا يحتاج إلى حد ادنى من الوضوح ومن الوفاق الوطني ومن التعاون  الذي بمقدوره منح القوة للدولة والدعم السياسي للحكومة لتتمكن من مواجهة الإرهاب وتسخير الطاقات لمواجهة التحديات الكبرى التي سيفشل كل طرف بمفرده في رفعها سواء كان منتخبا او غير منتخب.

_س : كيف ترون الحل لإعادة المسار التاسيسي الى سيره الطبيعي في ظل هذه التراكمات ؟؟؟

_ ج: المسار التاسيسي الذي عليه المهمات الرئيسية في المرحلة الإنتقالية، يعاني هو الأخر غموضا على مستوى علاقته بالشرعية التوافقية فقد سمعت نوابا من المنسحبين من المجلس يؤكدون انتهاء الشرعية الإنتخابية ولا شرعية الا للشرعية التوافقية …وهذا يعني اوتوماتيكيا الغاء انتخابات 23 اكتوبر 2011 وبالتالي لم يعد في المجلس التاسيسي وجود لأغلبية ولا اقلية، وهو امر مرفوض من وجهة نظر ديمقراطية…

_س : ولكن قيادات صلب حركة النهضة لا تؤمن اليوم الا بالشرعية التوافقية …

_ج: هذا من باب المخاتلات ومما اعتبره شخصيا كلاما غير مضبوط لأن الإنتخابات بالنسبة الينا داخل حزب الإصلاح والتنمية وحتى صلب الإئتلاف الوطني لإنجاح المسار الديمقراطي نعتبرها مرجعية وطنية. فلا يمكن الغاء مرجعية انتخابية الا بتنظيم انتخابات جديدة ، والشرعية التوافقية واجواء الحوار الوطني من شانهما تعزيز الشرعية الإنتخابية.

فالمجلس التاسيسي يظل مرجعية وطنية الى حين الإنتخابات الجديدة، بالرغم من ان الأقلية المنسحبة منه تريد ان تفرض شروطها والأغلبية التي تسمي نفسها “مرابطة” لا تريد ان تتخلى عن شروطها ناهيك وان هناك اطراف في المجلس جد مؤثرة بالرغم من عدم مشاركتها في الحوار مثل “كتلة الدفاع عن سيادة الشعب” التي تم تاسيسها مؤخرا والتي تضم حركة وفاء والمؤتمر وعددا من النواب الآخرين إضافة  الىنواب تيار المحبة  وبعض المستقلين…

_س: كيف تنظر الى هذه الكتلة التي يقال بانها تحتل المركز الثاني بعد كتلة النهضة في المجلس وبالتالي سيكون لها ثقلها وتاثيرها في سير اعمال المجلس ؟؟

_ج: من البداية كنا نعتقد انها ستكون معارضة جديدة لمبادرة الرباعي الراعي للحوار…وللنهضة في بعض مواقفها. فالكتلة ترى ان حركة النهضة قامت بتنازلات مخلة بمسار الثورة ….

_س : ولكن قياديي الكتلة الجديدة هم اساسا من اصدقاء النهضة او من القريبين منها ؟؟؟

_ج: ربما كانوا كذلك في السابق ولكن اليوم تبدي هذه الكتلة  معارضة قوية للنهضة لأن اهم شعار ترفعه الكتلة الجديدة هو المحاسبة وتطبيق القانون والصرامة وتحقيق اهداف الثورة وهي تتهم النهضة بانها تراخت وتساهلت مع المخطئين ومكنت بذلك المنظومة القديمة من رسكلة نفسها واتاحت لها العودة الى الساحة السياسية.

_س: رؤيتك لقادم الأيام على ضوء ما حدث وعلى خلفية ما وقع في المسارين التاسيسي والحكومي ؟؟

_ج: بصراحة أمالي ضعيفة في أن ينجح الحوار الوطني بالصيغة الحالية. ولكني أتفاعل مع  ما قاله السيد الحسين العباسي يوم اعلن عن تعليق الحوار من ان “الحوار يحتاج ان نصلّب عوده قبل ان نستانفه”، ومع انني لست ادري ما يقصده بالضبط، الا انني اقترح على السيد العباسي ومن ورائه الرباعي الراعي للحوار ان تصليب عود الحوار يتم بامرين اثنين. الوفاق السياسي الواسع في المقام الأول بفتح باب المشاركة وبدون مقاييس مجحفة لأطراف سياسية اخرى في الشوط الثاني من هذا الحوار. وثانيا بتعديل البوصلة بوضوح وتوضيح مرجعية هذا الحوار وتدقيق أهدافه.

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: