الانتخابات الايرانية بعيون عربية

الانتخابات الايرانية بعيون عربية

 

جريدة “الموقف” بتاريخ 08 جويلية 2005.

 

انتخب الإيرانيون في دورة ثانية رئيسهم السادس للجمهورية الإسلامية محمود احمدي نجاد خلفا لمحمد خاتمي. وقد أثارت نتائج التصويت تعليقات مختلفة وردود أفعال متباينة في صلتها بالوضع الداخلي بإيران   و بالتداعيات الخارجية لمثل هذا الاختيار في الظرف الدولي الحالي . ونتوقف في هذا المقام عند خمس دلالات للانتخابات الإيرانية الأخيرة نراها اقرب إلى التطلعات العربية في هكذا انتخابات رئاسية .

  1. التداول السلمي على الحكم

لا خلاف في أن التداول السلمي على السلطة يعد احد المبادئ الأساسية للنظام السياسي الديمقراطي والتعبير العملي عنه . وقد شهد نظام الجمهورية الإسلامية بإيران إلى حد الآن ستة رؤساء خلال ربع قرن من الثورة على نظام الشاه . وبقطع النظر عن تقييم أسس هذا النظام الاستثنائي في العالم ومرجعيته  وآلياته ، فانه حريّ بنا التوقف عند دلالة هذا العدد من الرؤساء مقارنة بالبلدان العربية التي لا يكفي فيها ربع قرن لحكم رئيس واحد، علما أن التداول تم في إيران عن طريق انتخابات عامة دون غيرها من صيغ الانقلاب آو التوريث … ولا نلتفت كثيرا في هذا المجال الى القائلين بان التداول يتم في نطاق نفس الدائرة و ضمن خيارات متقاربة ولا يعدو أن يكون تغييرا للوجوه ، لان ذلك غير متوفّر عربيا، ولان مثل هذا التداول لا يختلف عما يجري في اعرق الديمقراطيات في بريطانيا وفرنسا و أمريكيا حيث التداول محصور تقريبا في أحزاب تقليدية لم تعد الفوارق بينها كبيرة .

  1. الرغبة في التغيير

اختار الإيرانيون نجاد – رئيسا شابا – خلفا للرئيس خاتمي الذي انتخب في مناسبتين تحت شعار الإصلاح، وفي منافسة شرسة مع هاشمي رافسنجاني الذي حكم البلاد في مناسبتين أيضا وينظر إليه كرئيس ناجح في الدورتين مما شجعه على إعادة الكرة بعد ترك المسؤولية عملا بمبدأ التداول واحتراما للدستور . وكان اختيار الإيرانيين تعبيرا عن الرغبة في التغيير و ثقة بقدرات الشعب الإيراني. خلافا للأوضاع  العربية التي يتخذ فيها النجاح – وان كان غير حقيقي – مبررا للتمسك بالسلطة و الاستمرار فيها استنادا إلى شرعية التحرير أو النجاح الباهر أو ملء للفراغ و ضمانا للاستمرار، و كأن العقم عن إنتاج رؤساء هو القاعدة في البلاد العربية . علما أن شخصيات ناجحة جدّا  في العالم قد تركت المسؤولية  طوعا      و احتراما للدستور  وفتحا  لآفاق  مغايرة، يكفي أن نذكر  منهم على سبيل المثال و خلال العقد الأخير  مانديلا  وكلينتن  و مهاتير محمد …

 

 3 ـ منافسة حقيقية   

 

  احتاج الإيرانيون دورة ثانية  لحسم أمر الرئاسة بعد تعذر فوز أي من المرشحين في الدورة الأولى . و كانت النسب التي تحصل عليها المرشحون دليلا قاطعا على جدية الترشح و شراسة المنافسة . و لم تكن النتائج محسومة مسبقا لصالح الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني  كما روّج البعض و انتصر عليه نجادي بنسبة %63 . و الفرق بين هذه الانتخابات  وغيرها مما تزعم السلطات في البلدان العربية أنها انتخابات ، سواء كان المترشح واحدا ـ و تلك غرابة لا تستحق تعليقا ـ او المترشحون متعددون و الذين تثبت النتائج التي يحصلون عليها حقيقة هذا التعدّد  ، كما تؤكد الشروط المسبقة الموضوعة للمنافسة  من قبل الفريق الحاكم          و الترتيبات المرافقة للانتخابات أن الرئيس المباشر يختار منافسيه الذين لا يترددون في التعبير عن تأييد اختياراته و الإقرار بجدارته و الترشح دون أدنى رهان انتخابي في الفوز عليه.

 

4 ـ كفاءة مغمورة

المرشح نجاد ، ابن الجنوب الإيراني ، لم يكن رئيسا سابقا و لا زعيما لأحد الأحزاب الفاعلة في إيران ، و لم يكن إشعاعه يتجاوز الساحة المحلية ، و ليس أحد أركان السلطة و لا واحد من أثرياء البلد، و يمكن القول دون تحفظ انه كان شخصية مغمورة قبل ترشحه لرئاسة إيران ، بلد 70 مليون نسمة و منبع ثروة بترولية ضخمة  و موقع استراتيجي هام يشد الساحة الدولية منذ عقود . نجادي هذا يفوز على السيد هاشمي رافسنجاني أحد أركان السلطة بلا ريب ، صاحب المال والجاه، و الإمام الخطيب بأهم جوامع طهران،  رئيس مجلس الشورى  و رئيس الجمهورية في دورتين سابقا  و رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حاليا .  لقد جاءت النتائج مخالفة للتوقعات  . و رغم ما قيل عن احتمالات التزييف أو التلاعب بالأصوات ، فان ذلك لا يبدو مقنعا في التشكيك بالنتائج  اعتبارا لمكانة المتنافسين على الأقل  . فالتلاعب إذا كان ممكنا يفترض أن يكون لصالح رافسنجاني و ليس العكس . و المهم في المقارنة التي نعقدها هو الانتباه إلى هذه الدلالة في الوضع العربي سواء تعلق الأمر بالسلطة أو المعارضة ، حيث الترشح لرئاسة الجمهورية حكر  على الشخصيات الأولى في الأحزاب و حيث المال و الجاه و النفوذ عناصر لا تقبل الهزيمة و حيث الكفاءات المغمورة لا تجد طريقها لعرض برامجها على الاقتراع العام  ، و حيث النخب لا تثق بنفسها أو لا تتجاسر على قلب المعادلات ، و حيث الإحباط يسد الأفاق و يعطل طاقات المجتمع .

 

 5 ـ الشعب ينتصر لقضاياه   

رغم الظرف الدولي الحرج  الذي تمر به إيران  و حيوية ملفها النووي  الذي يفتح على احتمالات جمّة  و يخفي ملفات أخرى ، فان نجادي اختار ان يخوض حملته الرئاسية بأولوية واضحة للأجندة الداخلية مستعيدا شعار الثورة الإسلامية في الانتصار للمستضعفين و مدافعا عن مصالح الطبقات الشعبية وواعدا بتحسين ظروف العيش و مركزا على قوة الشعب و ليس قوة الدولة . و استطاعت شعاراته ووعوده ان تشد انتباه الناس  . فشارك الإيرانيون  بأعداد كبيرة في الانتخابات  مما استوجب تمديد الوقت المقرر للاقتراع . و انتصر الناخبون لقضاياهم  ووضعوا آمالهم في الرئيس الشاب نجادي صاحب النجاح المشهود في إدارة بلدية طهران . و تلك دلالة أخيرة نتوقف عندها في الوضع العربي حيث  يهجر الناس السياسة و لا يجدون بواعث على المشاركة في الانتخابات ، وربما شجعهم على ذلك غياب البرامج المتنافسة و زيف الوعود الانتخابية  و تهميش قضاياهم   الحيوية  و المصيرية. و ربما أيضا انشداد النخب إلى إرضاء الخارج أكثر من الاستجابة لمطالب الداخل و التعبير عن تطلعات المستضعفين و الثقة بهم و التعويل  عليهم .

تلك انتظارات عربية رأيناها في بعض دلالات الانتخابات الإيرانية .      و يبقى السؤال : ترى كم يلزمنا من السنوات ؟ و ما المطلوب من ساستنا  ـ خاصة من المعارضةـ و من جماهيرنا  حتى ندشن عهد انتخابات شعبية حرة و شفافة  تعكس تطلعاتنا  و تحقق آمالنا؟ وان غدا لناظره قريب.

محمد القوماني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة “الموقف” (أسبوعية تونسية) ، العدد320 بتاريخ 08 جويلية 2005.

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: