أما آن لسجون تونس أن تخلى من نزلائها السيا سيين؟

 

أما آن لسجون تونس أن تخلى من نزلائها السيا سيين؟

جريدة الموقف العدد329

يشن عدد كبير من المساجين السياسيين المحاكمين في قضية النهضة إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ منتصف شهر سبتمبر الماضي للمطالبة باطلاق سراحهم بعد نحو 15 عاما من اعتقالهم. كما يشن عن آخر من الشباب الموقوفين بمقتضى ” قانون الإرهاب ” إضرابات متقطعة عن الطعام من اجل نفس المطلب. ففي سجن المهدية يضرب عن الطعام كل من السادة حمادي الجبالي و عبد الحميد الجلاصي والهادي الغالي وبوراوي مخلوف ومحمد الصالح قسومة و زين العابدين السنوسي وذلك منذ 15 سبتمبر 2005. و في سجن برج الرومي ببنزرت يضرب كل من محمد الحبيب العياشي ومحمد بو عزة. و في سجن برج العامري يضرب عن الطعام كل من السادة العجمي الوريمي ومحمد هذيلي و عبد الرؤوف التونكتي والصادق العرفاوي والصحبي عتيق ومحمد العرباوي ودانيال زروق وماهر الخلصي و رضا البوكادي وتوفيق زاير ورضا السعيدي ونجيب الغربي.وفي سجن 9أفريل بتونس يضرب عن الطعام منذ 20 سبتمبر 2005 كل من السادة نبيل رتيبي ونبيل سليماني و سهيل البلدي وصابر بن مختار حسني. كما بدأ السيد محمد العكروت إضرابا عن الطعام منذ 29 اوت بقسم العزل الانفرادي في سجن صفاقس و لم تتمكن عائلته من زيارته منذ أسبوعين بما يزيد من انشغالها على صحته.

و ان كان من الصعب انجاز إحصاء دقيق لأسماء المضربين بالسجون المختلفة، فان مصادر قريبة من عائلات المساجين تؤكد دخول عدد كبير منهم في إضرابات مفتوحة او متقطعة من اجل المطالبة بتحسين اوضاعهم و إطلاق سراحهم، وان بعضهم مصمم على التضحية بما تبقى من اجسادهم المنهكة بالسجن من اجل تبليغ أصواتهم لرفع هذه المظلمة القاسية المسلطة عليهم بمقتضى أحكام سجنية ثقيلة لم تتوفر لها شروط المحاكمة العادلة . حقا ان المرء ليندهش لحالة بعض هؤلاء المساجين بعد الإضرابات المتكررة عن الطعام على غرار حالة السيد عبد اللطيف بوحجيلة. وان الخشية على حياتهم باتت اكبر من أي وقت مضى بعد أن قضى عدد ليس بالقليل منهم نحبه سواء داخل السجن او بعد الخروج منه . وربما ذلك ما يفسر حملة التضامن الوطني و الدولي الواسعة معهم من طرف جمعيات أو شخصيات بالداخل أو بالخارج. وقد خاض بعض السياسيين والحقوقيين بتونس وباريس ولندن ومدن أخرى ايام28و29و30 سبتمبر إضرابا تضامنيا عن الطعام. ودعا المتضامنون و المضربون من الجمعيات و الشخصيات في بيان مشترك إلى تفعيل الحملة من اجل ” إطلاق سراح معتقلي الرأي و المساجين السياسيين وإخلاء السجون التونسية من نزلائها “. نعم لقد آن الأوان لتأخذ قضية إطلاق سراح المساجين السياسيين حجمها الذي تستحق. لقد أصبح هذا المطلب احد ثوابت الخطاب السياسي لمختلف أطراف المعارضة خلال السنوات الأخيرة و في أجندة مختلف الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان ، و هذا في حد ذاته أمر ايجابي جدا مقارنة بما كان عليه الأمر خلال اغلب حقبة التسعينات ، لكن يبدو انه لم يعد كافيا. فلئن كانت السلطة التي تحتجز هؤلاء المساجين منذ 15 عاما تتحمل المسؤولية الرئيسة في عدم الإفراج عنهم.

و رفضت إلى حد الآن جميع الدعوات إلى إنهاء المظلمة التي طالت وطي هذه الصفحة ، و بدت غير مكترثة بما يحصل في بلدان عديدة ، بما في ذلك أقطار مجاورة لتونس، من عمليات مصالحة شاملة وحل ملفات أكثر تعقيدا، و تجاهلت الاستحقاقات السياسية لمرحلة جديدة يمر بها العالم بأسره. فان هذه السياسة من طرف السلطة تضاعف من مسؤولية المجتمع والأطراف الفاعلة فيه خاصة في حل هذه القضية وحمل الحكم على الاستجابة لمطالبها في الإفراج عن المساجين السياسيين. ولا نبالغ إذا قلنا بان أي صمت أو تردد أو خوف أو حسابات ضيقة قد تؤخر انجاز مثل هذه الخطوة، لن تكون سوء تواطؤ وتشجيع غير مباشر للسلطة في انتهاج نفس السياسة تجاه هذا الملف. فأحزاب المعارضة و جمعيات المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية المستقلة وحتى عائلات المساجين والمساجين المسرحين بإمكانهم ان يفعلوا أكثر في هذا الاتجاه. فقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك بان استمرار وجود مساجين سياسيين بالمعتقلات يعطل الحياة السياسية بأكملها ويشل حركة المجتمع ولا يساعد على تشجيع المواطنين على المشاركة في الحياة العامة،الأمر الذي يرتقي بمطلب إطلاق سراح المساجين وسن قانون العفو التشريعي العام إلى مرتبة القضية الوطنية ذات الأولوية. وهي الأولوية التي تفرض نفسها في قائمة المطالب السياسة الملحة دون أن تحجب بقية القضايا أو تختزلها. وربما يكون من المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن تصعيد السلطة خلال الفترة الأخيرة لإجراءاتها التي تستهدف محاصرة المجتمع المدني و في مقدمة ذلك منع عقد مؤتمري الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و نقابة الصحفيين وشل عمل جمعية القضاة وإخراج هيئتها الشرعية من مقرها. هذا التصعيد و ما يستوجبه من تضامن فعال مع الجمعيات المذكورة ،لا يجب أيضا أن يحجب حقيقة الوضع السياسي المنغلق وحالة الحريات المتدهورة قبل تلك الإجراءات ولا أن يغيب مطلب إطلاق سراح المساجين وإقرار حق التنظم وتحرير الإعلام و غيرها من مطالب الإصلاح السياسي.

وإذا كانت قوى الداخل كلها مدعوة إلى توحيد صفوفها في معركة الحرية المشتركة وضبط أولوياتها وابتكار أساليب جديدة و مناسبة لتفعيل نضالها،فإن هذه المطالب الواضحة وفي مقدمتها إطلاق سراح المساجين،تظل مقياسا لاختبار مدى جدية الضغط الخارجي من أجل الإصلاح في ربوعنا. فما تقوم به بعض الأطراف الدولية من تكثيف للضغط على بعض الأنظمة ووضع رزنامة لإنجاز خطوات بعينها يبدو غير منسجم مع ما تفعله تلك الأطراف مع أنظمة أخرى،بما يكرس سياسة المعايير المزدوجة والمكاييل المختلفة التي تشكك في دوافع هذا الضغط وأهدافه.

إن حالة الانغلاق السياسي ببلادنا الآخذة في التزايد،خلافا لجميع التوقعات،على غرار ما يحصل في المدة الأخيرة من شل لعمل الرابطة بمحاصرة جميع مقراتها و منع أنشطتها وحرمان الأحزاب المعارضة من الفضاءات العمومية وتشديد الرقابة و القيود الإدارية و القا نونية على النشطاء السياسيين و الحقوقيين. كل ذلك قد يجعل من مجتمعنا حقيقة لا مجازا نوعا من السجن الكبير. و امام توسع حركة الإضراب عن الطعام داخل السجون المغلقة التي ما يزال بها المئات من أصحاب الرأي، قد لا يكون أمام المعارضين الصادقين خارجها من سبيل سوى الانخراط في هذا الأسلوب النضالي بتعريض أجسادهم للهلاك شهادة على حالة الاختناق السياسي التي لم تترك لهم خيارات أخرى للإسهام في الحياة العامة و تقديم مقترحاتهم في مختلف المجالات و عرض برامجهم على الرأي العام كما هو الأصل ف العمل السياسي في نظام ديمقراطي.

محمد القوماني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقال منشور بجريدة الموقف (أسبوعية تونسية)، العدد329، بتاريخ 7 أكتوبر 2005

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: