يريدون المعارضة ديكورا في الانتخابات الرئاسية
يريدون المعارضة ديكورا في الانتخابات الرئاسية
جريدة الموقف بتاريخ 7 ماي 2004
أطلق الحزب الديمقراطي التقدمي عريضة وطنية من أجل مساندة حقّ أمينه العام الأستاذ أحمد نجيب الشابي في الترشح للإنتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها نهاية هذا العام، وذلك تمسّكا بمبادئ النظام الجمهوري وبحقّ الشعب التونسي في انتخابات حرّة ونزيهة، وبحق كل الكفاءات الوطنية في الترشّح للمناصب العامة، واعتبارا إلى أن حريّة الترشح شرط لحريّة الانتخابات ومقياس لنزاهتها، وحتى تكون الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 تعددية بحقّ وموعدا للتداول السلمي على الحكم. فما خلفية هذه المبادرة وما هي الرهانات التي تستهدفها والآفاق التي تفتحها؟
مفارقة
إنها لمفارقة حقا أن تونس التي عرفت أول دستور في البلاد الإسلامية منذ نحو قرن ونصف القرن، وعرفت حركة إصلاحية مميزة، وشهدت حركة نقابية مبكرة، وظهرت فيها أول رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان في إفريقيا، وأقرت التعددية الحزبية منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي ومضى على نظامها الجمهوري نحو نصف قرن. إن تونس بهذا المجد الفكري والسياسي، مازالت نخبها السياسية المعارضة في مطلع الألفية الثالثة، وبعدما شهده العالم من تغيرات سياسية بإتّجاه الديمقراطية. تونس هذه مازلنا نطالب فيها بحقّ الترشّح الحرّ لمنصب رئاسة الدولة وحق الكفاءات الوطنية في عرض برامجها على الإقتراع العام. هذا هو واقع الأمر قبل أقل من ستّة أشهر من الانتخابات الرئاسيّة المقررة ليوم 24 أكتوبر 2004.
إن المعارضة لا تتوقع رهانا انتخابيا حقيقيا بالمناسبة، ولا انتخابات حرّة ونزيهة، ولا تنتظر تغييرا في أعلى هرم السلطة وإنما تريد أن تفرض حق الترشح الحرّ والمنافسة من خارج الإطار الذي تضبطه السلطة لحدود هذه المنافسة مسبقا.
إقصاء
كان التونسيون يتطلعون إلى تداول سلمي على الحكم في موفى سنة 2004 حسب التعديلات التي أدخلت على الدستور سنة 1988 ومن أهمها إنهاء الرئاسة مدى الحياة والتي حرمت التونسيين من التنافس والتداول على هذا المنصب لأكثر من عقد من الزمن. لكن السلطة تراجعت عمّا أقرته وعادت لتعدّل الدستور من جديد في 26 ماي 2003 ومن أهم ما جاءت به التعديلات الأخيرة إلغاء الفقرة التي تحدد ولايات رئيس الجمهورية بثلاث فقط، ونقل شروط الترشح لهذا المنصب من المجلة الانتخابيّة إلى الدستور والقاضية بتزكية 30 نائبا أو 30 رئيس بلدية للمترشّح. وبعد فترة قليلة من هذا التعديل اقترحت الحكومة قانونا دستوريا استثنائيا يسمح لقيادات الأحزاب المعارضة ” البرلمانية ” بالترشّح لرئاسة الجمهوريّة دون التزكية المطلوبة في الفصل 40 من الدستور. وأعتبرت السلطة ذلك توسيعا لمجال المشاركة وتشجيعا للمعارضة و ” خطوة عملاقة باتجاه انتخابات رئاسية تعددية “، وكان واضحا لجميع المتابعين أن هذا الإجراء حصر مجال المشاركة في أطراف اختارت السلطة أن يكونوا منافسين لها، وأقصت حزبا قانونيا معيّنا من المشاركة وهو الحزب الديمقراطي التقدمي، كما صادر حقّ التونسيين من خارج قيادات الأحزاب المعنية بالترشّح، وبذلك تكون السلطة قد اختارت مرش؛ها واختارت أيضا منافسيه.
إختيار
وجه الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي رسالة أولى إلى أعضاء البرلمان يدعوهم فيها إلى عدم الموافقة على اقتراح الحكومة بخصوص القانون الدستوري الاستثنائي القائم على الاقصاء ويقترح عليهم الاحتكام إلى الإرادة الشعبية باشتراط تزكية 7500 مواطن من 10 ولايات على الأقلّ لأي مترشح لرئاسة الجمهورية لضمان جديّة الترشحات، وذلك عملا بتجارب كثير من البلدان حديثة العهد بالديمقراطية. وفي رسالة ثانية إقترح الأمين العام على النواب منحه التزكية المشترطة في الفصل 40 من الدستور في انتظار إصلاحات دستورية تلغي ما تم إقراره في 26 ماي 2003 وتستجيب لتطلعات التونسيين في الديمقراطية والتداول السلمي على الحكم. وبعد هذين الاختبارين يطلق الحزب الديمقراطي التقدمي العريضة الوطنيّة المشار إليها في مطلع هذا المقال ليختبر ” نواب الشعب ” مجددا وفي مقدمتهم ” نواب المعارضة ” في رفض الإقصاء وفي تدارك مسار سياسي ستكون له عواقب لا تقل نتائجها عن الانسداد الذي عرفته تونس في عهد الرئيس الراحل وما انتهت إليه من وضع البلاد أمام مخاطر جاءت السلطة الجديدة واعدة بتداركها. كما تختبر العريضة الرأي العام التونسي وفي مقدمته نخبه الحيّة في مختلف القطاعات في مدى تمسكها بالحقّ والدفاع عنه والمجاهرة برفض الأحادية والإقصاء والتطلع إلى حياة سياسية تعددية وديمقراطية مازالت السلطة ترفضها وتتجاهلها إلى حدّ الآن.
آفاق
من هذا المنطلق لا تبدو الدعوة إلى تكتيل المعارضة الديمقراطيّة وراء مرشح ” قانوني ” للانتخابات الرئاسية القادمة صائبة ولا مستجيبة لنوع التحدّي وطبيعة الرهان الذي تطرحه هذه الانتخابات. فالسلطة لم تغفل ” ثغرة ” قانونية، بل سدّت جميع المنافذ التي تتوقع منها ما يفسد برامجها وحصرت بدقّة حدود المنافسة لمرشحها وتركت ما أرادت أن تبقيه منها مفتوحا على القياس. ولأن الانتخابات لا تطرح رهانا انتخابيا، وهذا ما يقرّه جميع الديمقراطيين، ولأن كل الدلائل قبل ستّة أشهر من هذا الاستحقاق تؤكد أن هذه المناسبة لن تختلف كثيرا عن سابقاتها. فإن الأفق الذي يمكن أن تفتحه هذه الانتخابات للمرحلة التي تليها هو اختبار مدى استعداد السلطة للقبول بالمنافسة وجعل الانتخابات الرئاسية تعددية بحقّ، وذلك بطرح بدائل محتملة لتونس على مستوى الأشخاص والبرامج من خلال ترشيح كفاءات وطنيّة متعددة ومتضامنة من الرجال والنساء، وتقديمها للرأي العام الداخلي والخارجي وملء الفراغ الذي تريد السلطة أن تحدثها حولها. فهذه الانتخابات يمكن أن تكون أوّل مناسبة تطرح فيها المعارضة نفسها كبديل في مستوى الرئاسية من دون أن تنخرط في ” بيعة ” أو تكون ” ديكورا “. وحتى في صورة إصرار السلطة على إقصائها بقوّة الأجهزة والقانون فإنها تكون قد دشنت عهدا جديدا مع التونسيين وأعني منهم النخب بالخصوص، وتلك بداية لا يستهان بها. أما موضوع كسر العزلة بين المعارضة الديمقراطية والجماهير الواسعة فأحسب أنه لا يعود إلى أسباب ” قانونية ” أو إلى إستغلال ” موعد انتخابي ” بل يرجع إلى أسباب أعمق في مقدمتها المسألة الاجتماعية وهذا موضوع يتجاوز إطار الاستحقاق الانتخابي القادم.
محمد القوماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة الموقف (أسبوعية تونسية) العدد 263 بتاريخ 7 ماي 2004