حكومة الشاهد 3 التركيبة والأولويات والمطبّات
بات من المؤكّد أن يُعلن يوسف الشاهد في الأيام القريبة تشكيلة حكومته بعد تحويرها وأن يذهب بها إلى البرلمان لنيل الثقة. ويرجّح أن يحظى التعديل الحكومي بالأغلبية المطلوبة، بعدما رشح من معلومات عن الأطراف المشاركة، التي يتم النقاش معها.
وبذلك يوضع حدّ للجدال حول أي الفصول الدستورية يفعـل لجرّ الشاهد إلى البرلمان وحظوط دعم حكومته. فقد طال الحوار حول طبيعة التغيير الحكومي المطلوب، الذي استغرق أكثر من ستة أشهر. وسيكون الشاهد بعد التصويت صاحب أطول فترة زمنية على رأس الحكومة. فما طبيعة هذه الحكومة؟ ومن يشارك فيها؟ وماهي أولوياتها؟ وهل تنه تزكية حكومة الشاهد3 الأزمة السياسية في ظلّ المطبات الموضوعة في طريقها؟
تفيد التصريحات والتسرببات أيضا أنّ ثلاثة أحزاب على الأقل تشارك في عضوية الحكومة المرتقبة. وهي حركة النهضة ومشروع تونس والمبادرة الوطنية. يضاف إلى الأحزاب الثلاثة، كتلة الائتلاف الوطني. ولا يستبعد تأييد أطراف أخرى على غرار حزبي المسار والجمهوري.
وبهذا الحجم من المشاركة تضمن حكومة الشاهد3 تزكيتها في البرلمان. إذ تتوفر كتل النهضة والائتلاف الوطني والحرة على ما يزيد عن 109 من الأصوات المطلوبة لمنح الثقة. فضلا عن أصوات أخرى غير مستبعدة.
كما يبدو الحزام السياسي حول الحكومة متوفرا، خاصة إذا أضيفت للأحزاب الأربعة المتأكدة اطراف أخرى حزبية وغيرها من داخل البرلمان ومن خارجه. بل قد لا تقل حكومة الشاهد 3 تنوعا ودعما عما أطلق عليه”حكومة الوحدة الوطنية”، بعد ما يُعرف بوثيقة قرطاج.
لكن ماذا عساها تفعل حكومة في فترة زمنية لا تتعدى العام؟ وهل يتناسب التغيير الواسع لٱعضاء الحكومة مع مقولة “الاستقرار الحكومي” التي شكلت مرتكزا للخطاب السياسي للأطراف الداعمة لاستمرار الشاهد، في مواجهة الداعين لتغيير جذري أو كلًي.
لذلك يبدو من الأرجح ان يستمر عدد كبير من الوزراء وإن تغيرت حقائبهم. فليست الكفاءة أو البرنامج أو الأداء دافعا للتغيير، بقدر ما أن المحدد هو إبعاد من لا يساندون الشاهد أو قبلوا بإمكانية التخلي عنه في أيّ مرحلة من الأزمة السياسية، وفسح المجال لترضية أطراف مساندة له. هذا فضلا على أنّ الأولوية في السنة الانتخابية تظل للاستقرار وإدارة الأزمات دون هزات. فلا إصلاحات ولا هم يفرحون. وقد بدت سياسة الترضيات وتسكين الأوضاع وتجنب المشاكل مع مختلف القطاعات، أهمّ عناوين قانون المالية لسنة 2019، التي يروّج إلى أنها بداية الانفراج.
وفي مقابل هذه الملامح للحكومة المنتظرة التي يفترض فيها التضامن بين أطرافها، والتفاهم في معالجة الملفات التي لا تقبل التأجيل، تبدو بعض الخلافات المسجلة في أهم الملفات عناوين أزمة مؤجلة وربما صراعات حادة، لن تغيب فيها الخلفيات الأيديولوجية والأجندات الانتخابية الحزبية.
فالعدالة الانتقالية على سبيل المثال التي تعدّ استحقاقا دستوريا وشرطا سياسيا لإنجاح المسار الديمقراطي وتحقيق أحد أهم أهداف الثورة، تبدو الخلافات حولها واضحة للعيان. فمع اقتراب موعد نهاية أعمال هيئة الحقيقة والكرامة بعد نحو شهرين، وما قد يسببه تقريرها النهائي وما ستقره من تعويضات للضحايا،وما ستدفع به من قضايايا أمام المحاكم، وما سيكون لذلك من تداعيات وردود أفعال من جهات معنية مختلفة، يبدو التشنج وسوء التعامل هو السائد بين بعض الأطراف الداعمة لحكومة الشاهد 3، على غرار المشروع وٱفاق ونواب الائتلاف، وبين هيئة الحقيقة والكرامة وخاصة رئستها. كما يخشى ان تكون العلاقة المتشنجة سببا في عدم انخراط مؤسسات الدولة في استكمال مسار العدالة الانتقالية. وقد يكون عدم تنظيم موكب وطني يحضره الرؤساء الثلاثة، لإعلان نهاية أعمال هيئة الحقيقة والكرامة عنوانا لعدم انخراط الدولة في تنفيذ مقررات الهيئة ومتابعتها. ولنا أن نتوقع الٱثار السلبية لمثل هذا السيناريو، وردود أفعال أكثر من ستين ألف تونسية وتونسي معنيين بهذا المسار، في سياق وطني محفوف بالمخاطر ومناخ محتقن على خلفية الأزمة الاقتصادية، في شتاء تونس المعروف بهزاته الاجتماعية.
ولا يستبعد أيضا أن تكون الأجندة المجتمعية وتبعات الخلاف حول الحريات الفردية والمساواة في الإرث، أحد أسباب تصدّع التحالف الحاكم الجديد. فقد بدأ بعض النواب بعدُ، في جمع التوقيعات لمشاريع قوانين ذات صلة بتلك الأجندة التي ستكون مادة انتخابية تغذي الاستقطاب الأيديولوجي.
وأخيرا وليس ٱخرا، هل يصمد التضامن الحكومي في سنة انتخابية يتفصّى فيها الجميع من تبعات الفشل الاقتصادي والاجتماعي خاصة، ولا يجرؤ فيها طرف على تحمل مسؤولية الحكم لا في السنوات الخالية من هذه العهدة الانتخابية ولا فيما تبقى منها؟
تلك مجرد أمثلة عن عناوين ستكون أقرب إلى المطبّات الموضوعة على طريق حكومة الشاهد 3، بما يجعل حصول التزكية ونيل الثقة، محطة مهمة، لكنها غير كافية للجزم بإنهاء الأزمة السياسية وطمأنة التونسيات والتونسيين عن مستقبلهم. فهل يكون الاشتغال على وثيقة مكتوبة بين أطراف التحالف الحكومي الجديد، توثق التفاهمات المبدئية وترسم ملامح البرنامج المشترك وتعزز ثقة الأطراف ببعضها، صمّام أمان أمام تلك المطبات واستفادة لافتة من درس التوافق في التجربة السابقة؟
*مقال منشور بالعدد 79 من أسبوعية الرأي العام، تونس في 25أكتوبر 2018
https://scontent.ftun3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/44674128_10217174125133609_298081188587765760_n.jpg?_nc_cat=101&_nc_ht=scontent.ftun3-1.fna&oh=08e6ae61ec2d12f0e8d2d1f36390ec99&oe=5C71D10D