أفق حركة 18 أكتوبر بعد قمة المعلومات: آذن صبح تونس بالبلج
أفق حركة 18 أكتوبر بعد قمة المعلومات
آذن صبح تونس بالبلج
جريدة “الموقف” بتاريخ 18 نوفمبر 2005
لا نكشف سرا إذا قلنا أنّ قادة الأحزاب و الجمعيات الذين دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام يوم 18 أكتوبر الماضي، قد خطّطوا لتحرّكهم و اختاروا التوقيت المناسب في علاقة غير خافية بموعد استضافة تونس للجزء الثاني من القمة العالمية لمجتمع المعلومات . و لا ضير أن تستعدّ المعارضة للاستفادة من هذا الحدث الذي سيجعل تونس محطّ أنظار العالم و في موضوع وثيق الصلة بمطالب المجتمع التونسي و الحركة السياسية و الحقوقية . فالطرف الرّسمي التونسيّ عمل جاهدا منذ مدة بعيدة على استثمار هذه الاستضافة للدعاية السياسية و إظهار مدى رضى المجتمع الدولي على الأداء التونسي و مكافأته على ذلك . و هو لا ينفكّ يفاخر عبر و سائل الإعلام المختلفة بانجازاته في مجال تطوير الإعلام و الاتصال و تيسير و صول المعلومات بأنواعها و بأحدث التكنولوجيات للمواطن الكريم . و كان على المعارضة إن تتحرّك من جانبها و بإمكاناتها المحدودة جدا-مقارنة بإمكانيات الدولة – لتكشف الحقيقة و تسلّط الأضواء على واقع الحرّيات بتونس و خاصّة حرية الإعلام و الاتّصال . و تستفيد من حدث القمة لافتكاك مكاسب في هذا المجال و تحسين وضع حقوق الإنسان . لقد كانت استعدادات السلطة منصبّة على الإعداد المادي و الاتجاه بالقمّة إلى الطابع الاحتفالي. و كانت اهتمامات المجتمع المدني مركّزة على مضمون القمة و أهدافها ، و كان موقفها موحّد ا منذ البداية على أنّ إطلاق الحريات الفردية و العامة و توسيع مجال الإعلام و الاتصال و إقرار حرية التنظم الحزبي و الجمعياتي و إنهاء المحاكمات السياسيّة و إطلاق سراح جميع مساجين الرأي ، هو الطريق الوحيد لإثبات جدارة تونس باحتضان هذه التظاهرة العالمية .
و قد جاء إضراب 18 أكتوبر تكملة و توافقا مع كل الجهود التي بذلها المجتمع المدني خلال الاجتماعات التحضيرية المختلفة لهذه القمة.
و قد استطاع هذا التحرك الرمزي، البسيط في ظاهره العميق في دلالته، أن يخلق الحدث و أن يجلب الاهتمام و أن يخرج الإعلاميين من تحت قبة قصر المعارض بالكرم و من الخيام التي أعدتها لهم السلطات ، ليزوروا المضربين بالمكتب الصغير للمحامي العياشي الهمامي بنهج المختار عطية .
و ليغطّوا تحركهم و لينقلوا مطالبهم الثلاث في تحرير الإعلام و إقرار حرية التنظم و إنهاء معاناة المساجين السياسيين و سن قانون العفو التشريعي العام . و لا نبالغ إذا قلنا أن الإضراب قد حقق هدفه في علاقته بالقمة، خاصة بعد تراجع الأمل في عقد قمة المواطنة ، التي دعا إليها عدد من الجمعيات غير الحكومية في تونس و الخارج ، بسبب رفض السلطات منح فضاء لهذه التظاهرة أو السماح بها في أي فضاء خاصّ .
و ربما سيكون على المضربين أن يفكروا جيدا بإمكانية تعليق إضرابهم بالتزامن مع نهاية هذه القمة . و هنا يطرح السؤال الكبير حول الآفاق السياسية لهذا التحرك بعد تعليق الإضراب ؟
لم يكن موعد القمة و ما يتيحه من مناسبة نادرة من التغطية الإعلامية الهدف الرئيسي للمضربين عن الطعام فيما أرى و أفهم . فحركة 18 أكتوبر في جوهرها عمل و طني كفاحي و حركة سياسية من أجل تجاوز حالة الإحباط التي أصابت المجتمع المدني بتصعيد السلطة لإجراءاتها ضدّه ، و من أجل تجاوز حالة التشتت التي عليها المعارضة و جمعها على حد أدنى مشترك في وحدة ميدانية لا مجال فيها للإقصاء ، و من أجل خلق حالة نهوض سياسي حقيقي و ضاغط للتأثير في ميزان القوى السياسي و الضغط على السلطة من أجل الاعتراف بمطالب المجتمع المشروعة و الاستجابة لها .
و هنا أيضا يمكن القول بأن الإضراب قد حقق نجاحا ربّما فاق المأمول، قياسا بالظروف الصعبة التي تعمل فيها المعارضة . و قد استطاعت أعمال المساندة في العاصمة و الجهات و بالخارج و في مختلف القطاعات و من طرف أهم الأحزاب و الجمعيات الفاعلة ، أن تجعل منه حدثا نوعيا و تخلق حوله زخما ميدانيا و فكريا و سياسيا و عاطفيا بالغ الدلالة ، بما يرشح حركة 18 أكتوبر لتكون منعرجا في تاريخ المعارضة التونسية وكفاحها من أجل الحرية و الكرامة . وهذا النجاح الهام على المستوى السياسي قد يشكّل عنصرا إضافيا للتفكير في تعليق الإضراب عن الطعام في هذه المرحلة، و الانصراف إلى تفعيل الزخم الذي خلقه بصيغ عملية أخرى . ربّما يكون تأسيس هيئة سياسية وطنية لمتابعة حركة 18 أكتوبر، و التي يشكّل المضربون الثماني نواتها الأساسية، ضمانا للاستمرارية في اللقاء و العمل على ذات الأرضية التي انطلقت منها حركة 18 أكتوبر المجيدة . و في انتظار ما قد يقرّره المضربون لمستقبل تحرّكهم، و ما قد تتوافق عليه الأطراف السياسية و الجمعياتية و الشخصيات المستقلة المساندة بالعاصمة والجهات و بالخارج ، يظل الأمل كبيرا و التفاؤل أكبر في قدرة النخب التونسية على كسب معركة الحرية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا. بعد نضال أجيال متعاقبة و تضحيات أطراف متباينة، قد يكون آن الأوان لنضجها و اجتماعها و تعاهدها على ضمان الحرية للتونسيين جميعا بمختلف أطيافهم ، القوميين و الإسلاميين و الشيوعيين و الليبيراليين و الدستوريين و غيرهم ممّن لا يدخلون في هذه التصنيفات أو غيرها .
و ما ذلك على التونسيين بعزيز، إذا صدقت العزائم و علت الهمم . فقد آذن صبح تونس بالبلج .
محمد القوماني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “الموقف” (أسبوعية تونسية)، العدد335 بتاريخ 18 نوفمبر 2005