تعدّ الأصول الخمسة للمعتزلة، باعتبارها أصولا للدّين لديهم وتعبيرا عن مواقف سياسية من الصراع الجاري في عصرهم من جهة أخرى ـ  كما سنبينّ ذلك من خلال البحث في النشأة السياسية للمعتزلة ومن خلال  تحليل هذه الأصول ـ مثالا تاريخيا شاهدا على علاقة التداخل من جهة  والتمييز بين الدين والسياسة من جهة  أخرى، التي ما زالت تثير جدالا واختلافا بيننا إلى اليوم.

فقد رشّحت الظروف الموضوعية التي أحاطت بنشأة تيار العدل والتوحيد في مرحلة أولى ثم ظهور فرقة المعتزلة في مرحلة ثانية، القائلين بحرية الإنسان وقدرته، وبتفسيق فاعل الكبيرة، إلى أن يلعبوا دورا سياسيا متقدما في مواجهة حكّام بني أمية الذين كانوا يُشيعون القول بالجبر ويتعلّلون به لتبرير ما يأتونه من أعمال مُستنكرة، ويشجّعون على “الإرجاء”حتى يفلتوا من إدانة المعارضة.

ولا شكّ أنّ الأحداث التاريخية التي تدور حولها المواقف السياسية للفرق الإسلامية لم يعد لها تأثير اليوم، وعليه فإنّ الدراسات المعاصرة لتلك الأحداث لا يجب أن ترهن الفكر السياسي الإسلامي لمعارك الماضي، وتكون غايتها اتّخاذ مواقف صارمة مع أو ضدّ هذا الطرف أو ذاك، على غرار ما نزال نعاينه  اليوم من انقسام طائفي للمسلمين بين “سنّة” و”شيعة” وتغذية المعارك الجديدة بالشحن التاريخي، واستعادة القديم، بل يجب أن تكون أحداث الماضي مدخلا للدراسات العلمية للتاريخ وزاوية نقرأ منها الحاضر في الماضي، حتى ندرك واقعنا في تاريخنا ونعالج مشاكل الأمّة وتحديات اللحظة المعاصرة ضمن وعي تاريخي يقضي على معوّقات تقدمنا في جذورها التاريخية ويمنحنا رؤية مستقبلية لمشاغلنا الآنية.

ونحرص في هذه المقاربة على البحث في تاريخ الأفكار وصلتها بالواقع الذي صيغت فيه بما يساعدنا على كشف العلاقة العضوية  بين العقائد النظرية والمواقف العملية وإبراز خصوصية العلاقة بين الإسلام والسياسة. لذلك لن نهتمّ كثيرا بالمقولات النظرية والحجج العقليّة والنقليّة في بيان “الأصول الخمسة” التي تشكّل أركان العقيدة لدى المعتزلة، بل سنعمل على تتبّع الملابسات التاريخية والدوافع العملية لتلك الأصول بما يجعلنا نخلص إلى ما ألمحنا إليه في العنوان من أنّ الأصول الخمسة للمعتزلة صياغة دينية لمواقف سياسية.

تحميل الكتاب

%d مدونون معجبون بهذه: