هل يسير الفخفاخ على خطى سلفه الشاهد؟
انتصرنا على كوفيد 19 ويحقّ للشعب الاحتفال بالنصر وللحكومة الاستثمار في هذا النجاح. وجدنا الأوضاع الاقتصادية في أسوإ أحوالها وضاعفت تداعيات الحرب على كوفيد 19 في سوئها وقد نسير للأسوأ. نرفض اقتراح حركة النهضة توسيع الحزام السياسي للحكومة ولراشد الغنوشي أن يفعل ما يراه صالحا به وبحزبه. تلك الرسائل الثلاث الأساسية التي أفصح عنها حوار رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مساء الأحد 14 جوان 2020، الذي تناسب مع دعوات تحريضية خارجيّة ضد تونس وضدّ برلمانها ورئيسه، ومع فشل الاعتصام المزعوم من اجل إسقاط النظام السياسي القائم، وهو الحدث الذي لم نجد له صدى في حوار رئيس الحكومة يومها، الذي بدا في خطابه كما في سلوكه السياسي أشبه ما يكون بسلفه، ممّا حدا بنا للتساؤل هل يسير الفخفاخ على خطى الشاهد؟
نوافق رئيس الحكومة في رسالته الأولى ونثمّن معه جهود الحكومة في الحرب على كوفيد 19 وننحني تحية لكلّ من تصدّروا الصفوف الأولى خاصة من الإطارات الصحية، وعملوا للمصلحة العامة دون حسايات، ولا نبخس مختلف الفاعلين والمشاركين حقوقهم وفضلهم مهما كانت مواقعهم، وإن كانت الحرب لم تضع أوزارها بعد. ولو اقتصر الحوار على هذا الجانب لكان كافيا وجامعا، سواء في تقييم ما حصل أو في استحضار مصاعب مواجهات التداعيات، والتي ستكون أهمّ.
وخلافا لهذه الرسالة كان خطاب رئيس الحكومة جداليا إلى أبعد حدّ في رسالته الثانية والثالثة. إذ يفهم من حديثه في الوضع الاقتصادي، أنّ حصاد المرحلة السايقة كارثي، وأن الأمور في مجملها كانت تسير في الاتجاه الخاطئ، وأن تضاعف نسبة المديونية أكبر عنوان للفشل. وأنّ الحكومة الحالية ستغيّر الأمور إيجابيا. وكنت أتابع تقييم الفخفاخ الضمني والسلبي لفترة حكم سلفه يوسيف الشاهد، وأتذكّر أنّ الأخير كثيرا ما ردّد خطابا مشابها وظلّ إلى آخر فترة حكمه يحاول إقناعنا بتغيّر المؤشرات إيجابيا.
أمّا عن المستقبل فاكتفى السيد الفخفاخ بإعلان قرار جكومته وقف المديونية الخارجية عند مستواتها الحالية، وعدم الاستعداد للزيادة في الأجور تحت أيّ ظرف، بل هدّد باحتمال نقص الرواتب والجرايات إذا فشلنا في النهوض الاقتصادي وساء الحال أكثر. وتستمر حكومة الفخفاخ في غلق أبواب الانتدابات في الوظيفة العمومية، ممّا يجعل الاحتقان الاجتماعي مرشحا إلى مزيد التصاعد. وفي انتظار خطاب الفخفاخ بالرلمان يوم 25 جوان 2020 في تقييم 100 يوم من عمل حكومته، وفي انتظار تفاعلات المنظمات الاجتماعية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، تظلّ الإعلانات التي أطلقها الفخفاخ في حوار مساء الأحد، مثيرة للمخاوف والجدال، رغم طابعها الفضفاض.
وتبقى الرسالة السياسية حول مستقبل الائتلاف الحاكم أهم ما في الحوار، وكأنه تمّ لهذا الغرض اساسا. فغير بعيد عن تداعيات الحرب على كوفيد 19، ترى حركة النهضة أنّ صعوبات المرحلة القادمة غير الخافية، تزيد في تأكيد خيارها في حكومة وحدة وطنية لا تستبعد إلاّ من رفض المشاركة فيها. فما أحوج البلاد إلى جهود الجميع في معالجة أولويات اقتصادية واجتماعية متفق عليها. كما أنّ التجاذبات الحاصلة بالبرلمان بين أحزاب الائتلاف الحاكم خلال الفترة الأخيرة والحاجة إلى ضمان اوسع أغلبية لتمرير مراسيم الحكومة في فترة التفويض ومشاريع قوانينها القادمة، إضافة إلى متطلبات إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المتأكدة، كلها عوامل تزيد في دعم مقترح توسيع الحزام السياسي للحكومة وتعهّد التضامن بين مختلف مكوناتها.
وقد عبّر رئيس الحكومة بوضوح وبنوع من الحدّة عن رفض مقترح حركة النهضة في التوسيع، وكان جازما في رفض انضمام حزب قلب تونس خاصة، دون أن يقنع في تعليل رفضه. إذ لا تخضع مصالح البلاد العليا للأهواء والرغبات الشخصية، ولا يبدو حزب قلب تونس مختلفا سياسيا، عن أحزاب أخرى مشاركة في الحكومة على غرار حركتي تحيا تونس ونداء تونس، في علاقة بتأييد الرئيس قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية وفي الاتجاهات العامة لخطابه الانتخابي.
ويخشى كثير من المتابعين أن تكون دعوة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى إلياس الفخفاخ بتوسيع الحكومة، شبيهة بدعوته في الفترة النيابية السابقة يوسف الشاهد إلى عدم الترشح لرئاسة الجمهورية مادام رئيسا للحكومة. وقد أضرّ عدم حسم الموضوع وتلك العلاقة الناتجة عن ذلك، بصورة النهضة وبأداء الشاهد في رئاسة الحكومة، وبتفويت فرصة التوافق معه على مرشح غيره لرئاسة الجمهورية، وهو خيار كان يمكن أن يكون حاسما في تلك المسابقة.
هل يسير الفخفاخ على خطى الشاهد في صرف جهوده إلى مشروعه السياسي الشخصي على حساب أولويات مهامه كرئيس للحكومة؟ وهل يختار التمنّع مع حركة النهضة في مقترحها في التوسعة دون قطيعة ويمضي في خياره غير عابئ بها؟ وهل تكرّر النهضة أسلوبها المُنتقد في عدم حسم الأمور في إبّانها؟ هل يملك الفخفاخ خيارات جدية في استبدال النهضة إذا صعّدت من ضغوطها؟ وماهي مساحات الضغط وأدواتها المتاحة لحركة النهضة؟ وهل تتحمل البلاد مثل هذا العناد من رئيس الحكومة في معاملة شريك رئيسي في الحكم؟ وهل يقتضي موقعه إدارة حوار أعمق مع المجتمعين حوله في الائتلاف الحكومي أم الانحياز إلى وجهة نظر أطراف والاستخفاف برأي طرف آخر؟ وهل يمكن عمليا فصل الأغلبية البرلمانية عن الأغلبية الحكومية في نظامنا السياسي شبه البرلماني؟ وهل تبدو أغلبية ضرورية للحكم مؤكدة لأيّ طرف في المشهد الحالي بمجلس نواب الشعب؟
ستكون الأجوبة على هذه الأسئلة حاسمة في قراءة المشهد السياسي في قادم الأسابيع. وفي كل الأحوال تبدو بلادنا مرة أخرى على صفيح ساخن يهدّد استقرارها السياسي والاجتماعي في مرحلة هي أحوج فيها إلى الاستقرار من أيّ وقت مضى. وقد لا تنفع أنصاف المواقف في الحالات التي تحتاج إلى الحسم.
محمد القوماني
*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 161، تونس في 18 جوان 2020
مقالات ذات صلة
25 جويلية: جمهورية مغدورة.. وذكرى حزينة..
2023-07-25