يوسف افتنا.. هل تنتهي السنوات السبع العجاف؟
جريدة الرأي العام، العدد 40، تونس في 18 جانفي 2018
تجتاز حكومة السيد يوسف الشاهد أهمّ اختبار لها في الذكرى السابعة لثورة الحرية والكرامة. فبعد تراجع موجة الاحتجاجات الاجتماعية وأعمال العنف الليلية التي وضعتها في عين العاصفة، لا يزال شبح الأزمة السياسية يخيّم على البلاد، ولا تزال الحكومة محور الاهتمام. ولعلّنا نختصر المشاغل والزمان بسؤالنا ما مدى قدرة الشاهد في ظلّ المشهد السياسي المتحرّك بسرعة خلال الفترة الأخيرة، على قيادة البلاد للخروج من سبع سنوات يعترف الجميع وتؤكد المؤشرات، أنّها كانت عجافا اقتصاديا واجتماعيا، وفي تنافر مع المكاسب المسجّلة على صعيد الانتقال السياسي الديمقراطي؟
انتصرت الدولة..وانتصرت الثورة
أحيا التونسيون كالعادة الذكرى السابعة للثورة وسط تجاذبات سياسية صارت مألوفة في هذه المناسبة بالذات، وكان المشهد بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة يوم 14جانفي 2018 شاهدا على ذلك، براياته الحزبية ولافتاته وشعاراته وأحجامه واحتكاكاته. وكان الحضور الأمني كالعادة أيضا لافتا ومتحكّما في المشهد بذكاء، ضامنا لحرية التظاهر وحاميا للجميع ومانعا للاحتكاكات العنيفة. وزار رئيس الجمهورية بالمناسبة حيّ التضامن الشعبي وألقى كلمة بالمكان لم تمرّ كالعادة دون أن تثير جدالا. وبالمحصّلة كان إحياء الذكرى السابعة رغم ما قد يسجّل من نواقص، وفاء للشهداء رحمهم الله تعالى وانتصارا للثورة رغم رغبة خصومها في منع العرس أو إفساده. وقد تعزّز انتصار الثورة بانتصار الدولة قبل ذلك، حين أجمع أغلب التونسيين على رفض أعمال العنف والتخريب الني عرفتها بعض المدن ليلا خلال الأيام السابقة لذكرى الثورة، وذادوا عن مؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة وانحازوا للأمن الجمهوري وعزّزوا جهوده في ضبط التجاوزات وعبّروا بجلاء مرّة أخرى أنّهم لا يرون تنافرا بين الدولة والثورة. وكان الموقف الرسمي متناغما مع الموقف الشعبي، حين شدّد المسؤولون في الدولة على أنّ حق التظاهر والاحتجاج يكفله دستور الثورة، شرط أن يكون سلميا ومستوفيا لمقتضيات القانون، وعبّروا عن استعدادهم للاستماع للمحتجّين ومحاورتهم. فقد سقطت دولة القمع نهائيا وهذا مؤشر هام على نجاح الثورة رغم التعثّرات الاقتصادية والاجتماعية التي تستدعي مزيدا من الاهتمام والمعالجة الصائبة.
حكومة مهدّدة..وحزام سياسي أضعف.
تجري الأمور على غير ما تتطلع إليه حكومة الشاهد. ففي الوقت الذي تشتدّ فيه المصاعب وتحتاج فيه البلاد إلى الاستقرار وتحتاج الحكومة إلى دعم استثنائي للمضيّ في محاربة الفساد وإنجاز الإصلاحات المتأكدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي أساسا، من أجل وضع حدّ للمديونية التي بلغت مستوى قياسيا وإعادة التوازن للمالية العمومية وتشغيل محركات الاقتصاد بالسرعة اللازمة وإنعاش الاستثمار، لاسيما في المناطق الداخلية، لتحسين معدل النموّ وامتصاص البطالة ورفع القدرة الشرائية وتحسين مستوى العيش، في هذا الوقت بالذات تسير الأمور عكسيا ويضعف السند السياسي للحكومة.
فالتوافق بين الحزبين الرئيسيين للحكم يمرّ بأصعب مراحله هو الآخر بعد بيان حزب نداء تونس ليوم 6 جانفي 2018 الذي خلّف برودة في العلاقة واستياء. فقد تضمّن البيان دعوة للمنافسة في البلديات، وهذا أمر بديهي، إذ أنّ خوض الاستحقاقات الانتخابية على قاعدة التنافس السياسي النزيه بعيدا عن شيطنة الأحزاب هو الأصل في العملية السياسية، وأنّ حالة التوافق والشراكة بين النهضة والنداء لا تنفي اختلافهما في الكثير من المسائل والقضايا، غير أنّ ما لاقى استياء في صفوف النهضويين، هو ادّعاء النداء بأنّه الضامن الوحيد للمشروع المدني والعصري، وحصر منافسته في حركة النهضة دون سواها. ذلك أنّ احتكار الحداثة والمدنية والديمقراطية، ونفيها عن المنافس ضرب من التكفير الأيديولوجي، وصورة أخرى لاحتكار الهوية والإسلام. إذ تعتبر حركة النهضة نفسها حركة مدنية حداثية وإصلاحية ولا تقبل بمزايدة عليها في هذا الأمر. وترى أنّ الأسلم في هذه المرحلة خاصة، أن يتمّ التنافس في البلديات على أساس البرامج المحلية، وأن يحرص المتنافسون على عدم إفساد مناخ الانتخابات باستعادة خطاب الاستقطاب الثنائي وافتعال التجاذبات. والمؤكد في المحصّلة أنّ ضعف العلاقة بين الشريكين الأساسيين في الحكم يضعف الحكومة ويهدّد الاستقرار السياسي.
ومن جهة أخرى يضعف الحزام حول الحكومة أيضا بانسحابات متتالية أو تهديدات بالانسحاب من وثيقة قرطاج، وتراجع مُخرجات الاجتماعات الأخيرة لمكوّناتها التي دعا إليها رئيس الجمهورية، ودعوة البعض على غرار حركة مشروع تونس، إلى حكومة “تكنقراط” محايدة، احتجاجا على إعلانات النداء بانضمام عدد مهم من وزراء مستقلين إلى صفوفه وتكليفهم إلى جانب مسؤولين آخرين في الدولة ولا سيما في ديوان رئيس الجمهورية، بمهام تنسيق قائمات النداء بالبلديات. ويضاف إلى ذلك التساؤلات عن مستقبل الشاهد في قيادة الحكومة أمام تسريبات عن رغبة بعض الندائيين في استبداله، والمؤشرات غير الإيجابية عن مردود حكومته مقارنة بسابقتها، وتبعات معركته السياسية المعلنة ضدّ الجبهة الشعبية، وضغط الاستحقاقات الانتخابية القادمة وما تلقيه من ظلال على الأجندة السياسية وحرب المواقع والخطابات الانتخابية السابقة لأوانها. وجميع هذه المعطيات أيضا لا تخدم الشاهد في تحقيق ما لا ينفك يعلنه من وعود إيجابية في تحسّن المؤشرات بدءا بالسنة الحالية.
ألم وأمل
سارعت الحكومة إلى اتّخاذ إجراءات اجتماعية هامّة، لمرافقة تداعيات قانون المالية 2018 على الفئات الضعيفة خاصة، والتخفيف من آلام الفقراء والمعطّلين عن العمل وفاقدي السند والتغطية الاجتماعية. وينتشر أعضاؤها في وسائل الإعلام المختلفة لتحسين أدائهم الاتصالي وشرح مواقفهم والردّ على الانتقادات التي تطال سياساتهم من أطراف عديدة، وتأكيد صواب اختيارات الحكومة وعزمها على المضي فيما أقرّته وما تعتزمه من إصلاحات. ويظلّ التفاؤل مشوبا بكثير من الشكوك في مدى قدرة حكومة الشاهد على تأمين مستلزمات خروج لا غنى عنه، ولم يعد يقبل التأجيل، من سبع سنوات عجاف. فهل يكون 2018 عاما “فيه يُغاث الناس و فيه يعصِرون”؟ ليوسف وحده أن يفتنا في سؤالنا وللأيام وحدها أن تكشف حقيقة ما يفتنا.
محمد القوماني
https://scontent.ftun6-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/26733516_1796942066996236_7983830475634381101_n.jpg?oh=fbcd50a7afa7df6d26e8a6f9e24a46f5&oe=5AFF4C7A