هل أقنع مورو مرشّحا لرئاسة تونس؟
من مكر التاريخ فعلا أن تتيح ثورة الحرية والكرامة لمورو وغيره من المقصيين زمن الاستبداد، فرصة عرض قدراتهم وبرامجهم وطلب أصوات الناخبين، وهو ما كانوا يعملون من أجله لكن ربما يستبعدون تحققه في قائم حياتهم. وإنه فعلا مكر التاريخ، وإنها العدالة الإلهية بتعبير المؤمنين، أن تُرشح حركة النهضة بعد خمسين عاما من وجودها، أحد أبرز مؤسسيها الأستاذ مورو للتنافس على رئاسة تونس. فمورو الذي عرفت علاقته بحزبه، فترات من التوتر، والقرب والابتعاد، والرضا والانتقاد، يقدمه رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي عن نفسه في هذا الاستحقاق الرئاسي لأول مرة، ويزكيه مجلس شورى النهضة بنسبة ترتقي إلى الإجماع، لا يمكن أن يُعدّ ذلك إلا ضربا من العدالة الإلهية في تكريم الرجل وإنزاله ما يستحق من مرتبة اكتسبها ببلائه ولم تهد له. لكن هل كان الأستاذ مورو المرشح لرئاسة تونس مقنعا في مسعاه مع انطباق حملته الانتخابية؟
كشف عبد الفتاح مورو عن ثقافة واسعة وعميقة ومعرفة لافتة في مجالات عديدة، من خلال الترويج بمناسبة ترشحه لرئاسية 2019، لعدد هام من الفيديوهات التي تؤرشف لمحاضراته على منابر مختلفة في تونس وفي الخارج، وتبين عن قدرات فائقة في الخطابة والإقناع، وعن نزعة عقلانية وروح منفتحة، وعن فهم مستنير لنصوص الإسلام وتعاليمه، وخطاب في غاية التسامح والتواصل مع المختلفين. كما أبان في محاضراته السابقة، وفي لقاءاته الجديدة بمناسبة الترشح لرئاسية 2019، التي اعتمد فيها دائما المشافهة والارتجال، عن ذاكرة قوية وتملّك للتاريخ وللمعطيات، ومزاوجة بين التراث والحداثة، والانفتاح على ثقافات شعوب مختلفة قديمة وحديثة. كيف لا وهو المحامي والمثقف والخطيب المغرم بجمع المخطوطات والتحف، والمسافر في أرجاء العالم الذي زار أغلب دوله، وفاجأ جمهوره في ميلانو بإيطاليا وكافة المتابعين له، يوم افتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية بالخارج، حين أعلن أنه أقفل الرحلة عدد 460 بعد الثورة. وهو شخصية عامة يعرفها التونسيون، والمتابعون من الخارج، عبر مسيرة نصف قرن من الأنشطة المتنوعة في القضاء والمحاماة والعمل التوعوي والسياسة وغيرها. وهو الذي طاف أرجاء تونس وتعرف عن خصائص جهاتها وأهلها، يحق له اليوم أن يتقدم لقيادة البلاد. فكم تبدو المعرفة والخبرة والمؤهلات الذاتية مطلوبة ومرجحة في اختيار الأنسب لرئاسة الجمهورية. وقد اختار مورو شعار “اختر الأقدر.. لتونس أفضل”.
لم يكن الأستاذ مورو مسرفا في خطاباته ووعوده في الحملة الرئاسية، وهو المتكلم المفوّه. فقد كشف في لقاءاته الإعلامية وخطاباته إلى حد الٱن، عن التقيد بأدواره الدستورية والمهمة المناطة بعهدته إذا اختاره التونسيون رئيسا لجمهوريتهم في هذه المرحلة. فهو القانوني الحريص على ضمان احترام الدستور واستكمال إرساء مؤسساته وفي مقدمتها المحكمة الدستورية. وهو السياسي الوفاقي الذي يتوثب لجمع كلمة الأحزاب في القضايا الوطنية وتكثيف الحوار وتسهيل بناء الثقة بينهم. وهو الحريص على تعزيز دفاع تونس وأمنها بدعم المؤسستين العسكرية والأمنية وإنشاء جيش رابع للمهام المعلوماتية الجديدة، حماية لمعطيات تونس والتونسيين ودفاعا عن حظوظهم ومصالحهم في عالم يتجه أكثر فأكثر إلى الرقمنة. وهو الذي يتطلع في السياسة الخارجية إلى تثببت علاقات تونس التاريخية والانفتاح أكثر على إفريقيا، التي أهدتها تونس اسمها التاريخي، وتريد أن تكون عاصمة لها مستقبلا، في المعرفة والاستشفاء والصناعة والسياحة وغيرها.
كما أنّ الأستاذ مورو الذي أكد على أنه سيكون مرشّحا ورئيسا لكافة التونسيات والتونسيين دون استثناء، لم يتردد في توضيح مستقبل علاقته بحزبه الذي رشحه وبعائلته، في ضوء تجارب الماضي المؤلمة، فقال أنه يحب النهضة ويحب أهله، لكن حبه لتونس أكبر. ولذلك سيدخل قصر قرطاج إذا تم انتخابه وحده، ويترك حزبه ومصالح عائلته خارج أسواره. ولن يصطحب مورو الرئيس إلى قرطاج إلا ذكرى من المرحومة والدته، ولباس المحاماة التي يعتز بها، وعلم فلسطين الذي يفتخر بأن ذكر دستور تونس اسمها، وتظلّ أولوية في الدفاع عن القضايا العادلة.
تلك هي العناوين الكبرى لبرنامج مورو الرئاسي، والتي جاءت مجزأة في تدخلاته. لكن هل يقنع مورو الناخبين بهذا الخطاب في ظلّ مزاج شعبي سلبي وأزمة ثقة بالسياسة والأحزاب خاصة؟ وهل يساعد التداخل بين الزمنين الانتخابيين الرئاسي والتشريعي، والتداخل في الصلاحيات بين رأسي السلطة التنفيذية، والخطابات الشعبوية لبعض المترشحين، على تفحص مثل خطاب مورو وإقناع الناخبين به؟
تبدو الحملة الانتخابية مهمة جدا وحاسمة في التمييز بين المترشحين الذين يعكسون التنوع الفكري والسياسي في المشهد التونسي، لكن أجواء الحملة الرئاسية غي أيامها الأولى تبدو غير مناسبة لا للمترشحين ولا للناخبين أيضا.
محد القوماني
*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 122، تونس في 05 سبتمبر 2019