من شتاء داكن إلى ربيع ورديّ: بداية انفراج..

 

هل يتزامن الانتقال الفصليّ، مع انتقال في المشهد السياسيّ، من شتاء قارس وداكن إلى ربيع أخضر وورديّ، ومن أجواء التأزيم والتهديد، إلى أجواء التفاهم والتأهّب للاستحقاق الانتخابيّ نهاية العام، الذي يبدو أنّ رئيس الحكومة أعطى إشارة انطلاق سباقه في برنامج الأحد الرياضي؟   ذلك ما تؤشّر عليه الأخبار الوطنية السارّة التي تتالت خلال الأيام الأخيرة. فقبل أسبوعين تمّ داخل البرلمان حلّ مشكل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات التي تنكبّ حاليا على وضع روزنامة الرئاسية والتشريعية. وفي نهاية الأسبوع الماضي أيضا تمّ الإعلان عن التفاهم بين اتحاد الشغل والحكومة، وبين جامعة التعليم الثانوي ووزارة التربية. فانزاح في آن، شبح الإضراب العام والسنة الدراسية البيضاء. وقد جاءت كلمة رئيس الحكومة يوسف الشاهد المتفائلة مساء الأحد، مهنّئة التونسيات والتونسيين بما تحقّق، داعية الجميع إلى الانصراف للعمل وممجّدة للديمقراطية التونسية.

بعد شتاء صعب في مناخه الطبيعي والسياسي، احتبست فيه الأنفاس في أكثر من مناسبة، ها هي موجات البرد والأمطار والثلوج تنقضي، وتتراجع معها سيناريوهات الإرباك والفوضى، دون علاقة سببية بين الطبيعي والسياسي، بل مجرّد تزامن. وعشيّة استقبال فصل الربيع، وفي ظلّ المؤشّرات السياسية والاجتماعية الإيجابية سالفة الذكر، تتقلّص معوّقات تهديد إنجاز الانتخابات في موعدها الدستوري. ويبقى المؤمّل خلال الفترة القادمة إزاحة بقية العوائق، وفي مقدمة ذلك استكمال البرلمان انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، ليعيّن رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى للقضاء البقية لاحقا وتتركز المؤسّسة رسميا، و إقرار التنقيحات بالمجلة الانتخابية، والتقدّم في التوافقات المختلفة، بما يحقّق الاستقرار الاجتماعي والسياسي الضروريين أيضا لتنظيم الانتخابات.

ليس المهمّ فقط أن تُنجز الانتخابات في آجالها، بل مهمّ أيضا أن تتهيّأ أفضل الظروف لانتخابات حرّة وشفّافة يقبل الجميع بنتائجها، ويشارك فيها العدد الكافي للناخبين بما يمنحها المصداقية، لتكون انتخابات عامّة ثالثة، تنقلنا من وضع ديمقراطية انتقالية إلى وضع ديمقراطية مستقرّة. وإنّ ما تشهده الساحة السياسية من مناكفات حادّة في التصريحات خلال هذه الفترة، وما يُروّج أو يُعدّ من فيديوهات و”فبركات إعلامية”  ووسائل لتشويه الخصوم لا يبعث على الارتياح. وليس حديث البعض عن استعمال “أسلحة الدوسيات” والتنبيه إل مخاطر توظيف أجهزة الدولة في المعارك الحزبية، سوى مؤشرات إضافية عن تخوّفات جدّية من تحريف مسار العملية الانتخابية. وهذا ما يستدعي مبادرات سياسية وحوارات بين المعنيين بالتنافس، لخفض التشنّج الحاصل وبناء الثقة اللازمة بين الأطراف الحزبية الأساسية، مهما كانت درجة الاختلاف بينها. وتقع المسؤولية في ذلك على رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان والأحزاب، وحتى هيئات المجتمع المدني. وإن تعدّدت المبادرات فلا ضير إذا توحّدت في المقصد. و يظلّ التفاؤل بالانفراج حذرا، إذ كلّما اقترب موعد الانتخابات وضغطت الروزنامة، سيكون المشهد أكثر وضوحا، وأشدّ وطأة،  بين جاذبية قوى الذهاب إلى الاستحقاق في آجاله، وجاذبية قوى التـأجيل أو ألإرباك.

وإنّ ممّا يبعث على التفاؤل وتغليب جاذبية الطرف الأوّل، أنّ الأحزاب الأكثر فاعليّة ترفع في نسق سرعتها التنظيمية والسياسية خلال الأسابيع القادمة. فحزب حركة النهضة يبدأ منتصف الشهر الحالي التجديد الهيكلي لمكاتبه المحلية (268) التي تُعدّ عصب الحملة الانتخابية. وأحزاب نداء تونس وتحيا تونس والتيار الديمقراطي يستغرقها الإعداد لمؤتمراتها الوطنية خلال شهر مارس القادم، لتكون محطات لإعلان جاهزيتها للاستحقاق التشريعي والرئاسي. وتلك مؤشّرات على ربيع ورديّ لما في المؤتمرات المحلية أو الوطنية من أجواء احتفالية.

وبالتوازي مع أجواء المؤتمرات، تسخن أكثر فأكثر أجواء المنافسات الحزبية الداخلية على تشكيل القائمات الانتخابية. والأرجح أن يتعبّأ المشهد الإعلامي تدريجيا لمواكبة نسق الإعداد لانتخابات مصيرية في إنجاح المسار الديمقراطي الانتقالي. ولن تكون أجواء الصراع الداخلي على  الترشّح في الأحزاب ذات الحظوظ في النجاح، معزولة عن أجواء نسج التحالفات قبل الانتخابات وبعدها، لضمان حظوظ حكم مستقرّ بعد 2019. وإذا أخذنا بعين الاعتبار خصوصية رمضان المعظم ومرحلة الامتحانات في مختلف مستويات التعليم، خلال شهري ماي وجوان القادمين، وأنّ شهر أوت سيكون على الأرجح موعد تقديم القائمات، إذا استحضرنا ذلك نُدرك كم تبدو الأجندة السياسية ضاغطة، رغم الأشهر التي تفصلنا عن الاستحقاق.

في ضوء ما تقدّم نفهم أكثر أهمّ مُخرجات الدورة الخامسة والعشرين لمجلس شورى حركة النهضة يومي السبت والأحد الماضيين، وهو التأكيد على جعل إنجاح المسار الديمقراطي وتنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في آجالها وفي أفضل مناخ سياسي واجتماعي، في سلّم أوليات الحزب خلال سنة 2019. وفي ضوء ذلك أيضا نفهم ما ختم به يوسف الشاهد كلمته الخاطفة إلى الشعب مساء الأحد حين قال “تحيا الديمقراطية التونسية”، بعد أن صارت عبارة “تحيا تونس” علامة حزبية.

هل يتزامن الانتقال الفصليّ، مع انتقال في المشهد السياسيّ، من شتاء قارس وداكن إلى ربيع أخضر وورديّ، ومن أجواء التأزيم والتهديد، إلى أجواء التفاهم والتأهّب للاستحقاق الانتخابيّ نهاية العام، الذي يبدو أنّ رئيس الحكومة أعطى إشارة انطلاق سباقه في برنامج الأحد الرياضي؟   ذلك ما تؤشّر عليه الأخبار الوطنية السارّة التي تتالت خلال الأيام الأخيرة.

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد95 ، تونس في 14  فيفري 2019.

L’image contient peut-être : 2 personnes, personnes souriantes

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: