محمد القوماني لـلملاحظ

محمد القوماني لـ”الملاحظ”: “حالة القطيعة الكاملة للحزب مع السلطة غير طبيعية”

نشر في 5 ماي 2009

 عرف الحزب الديمقراطي التقدمي عديد الانقسامات والانسلاخات ولعل آخرها إعلان 27 من أعضاء وقياديي الحزب استقالتهم منه وهو ما يمثل تطورا خطيرا وسابقة لم نر لها مثيلا في أحزاب معارضة أخرى، ومن بين المستقيلين أربعة أعضاء من المكتب السياسي للحزب، و11 عضوا من اللجنة المركزية و4 أعضاء من المكتب الوطني للشباب الديمقراطي و3 أعضاء من جامعات تونس وبن عروس، وخمسة أعضاء من المجلس الوطني.

وفي هذا الحوار التقت “الملاحظ” السيد محمد القوماني أحد الأعضاء الأربعة للمكتب السياسي الذي تحدث عن أسباب الاستقالة الجماعية وعن الوضعية داخل الحزب.

ما هي خلفية هذه الاستقالات في هذا التوقيت تحديدا؟

جاءت هذه الاستقالات كما بيّنا في الرسالة التي سلّمناها إلى الأمينة العامة، بناء على اعتبارات ثلاثة، أوّلها الوقوف على عدم نجاعة التمشي السياسي المعتمد من طرف الحزب الديمقراطي التقدمي،  وافتقاده للعناصر التي ترتقي به  إلى الفعالية في الإصلاح السياسي الذي انتمينا من أجله لهذا الحزب. وثانيها وصول الوضعية الداخلية للحزب إلى حالة تعطل فيها التواصل، واهتزت علاقات الثقة وانعدم فيها التعايش الايجابي وإمكانيات العمل المثمر. وثالثها استبعاد تصحيح المسار سياسيا وتنظيميا  بعد استنفاذ جميع المحاولات في هذا الاتجاه خلال ثلاث سنوات، والتأكد من عدم وجود إرادة في التجاوز والتطوير. وكانت آخر المحاولات مطلع شهر أفريل المنقضي، من خلال الرسالة التي وجهها خمسة أعضاء من المكتب السياسي إلى اللجنة المركزية، أشارت بوضوح لا لبس فيه إلى الممارسات الحاصلة والأجواء السائدة التي تضعف روابط الانتماء للحزب  وتمس من صورته، ودعت إلى اتخاذ إجراءات عملية توفر مناخا ايجابيا وتعيد الثقة وتنسّب الاختلاف وتضمن الحيوية الفكرية التي يتميز بها الحزب، لكن الفريق النافذ أساء فهم طبيعة تلك الرسالة أو تجاهلها،  فلم يعطها حظها من النقاش في اجتماع اللجنة المركزية المذكور ولم يتخذ أي إجراءات عملية لتنقية الأجواء ولم يشر إلى الموضوع لا في بيان اللجنة المركزية ولا في الندوة الصحفية، فاستخلصنا النتائج من جهتنا، وكان قرار الاستقالة بعد ثلاثة أسابيع تقريبا.

ولكن ما علاقة ذلك بالانتخابات العامة التي يستعد الحزب لخوضها؟

الانتخاب لحظة هامة جدا في تاريخ الأحزاب،  وكما يُقبل البعض على الأحزاب  في تلك المناسبة  قد يغادر آخرون. ونحن عبّرنا منذ أكثر من سنة في نصوص داخلية واجتماعات حزبية  وتصريحات  صحفية عن اعتراضاتنا على خطاب الحزب وخطته  ورهاناته في الانتخابات الرئاسية  والتشريعية القادمة. وربما زاد ذلك في توتر العلاقات. وأمام الإصرار على المضي في تلك الاختيارات دون أية مراجعة، رغم الأسباب العديدة التي تدعو إلى ذلك، وحتى لا نجبر على تنفيذ سياسات غير مقتنعين بمنطلقاتها ولا بخطابها ولا بأهدافها ولا بجدواها، ولا نُحمّل نتائج فشلها لاحقا، ولا نتّهم بتعطيل الفريق الآخر، قررنا الانسحاب في هذه المرحلة، أي قبل حوالي 5 أشهر من موعد الانتخابات.

يرى البعض أن هذا الموقف يأتي ضمن حسابات سياسية غير بعيدة عن أطراف سياسية محددة؟

نحن نجزم من جهتنا باستقلالية قرارنا وبالدواعي الداخلية الصّرفة لتفاعلنا مع سياسات الحزب الذي كنّا نشكل جزءا من قيادته وكوادره. وكل المتابعين يعرفون جيدا مسار الاختلاف الذي أدى إلى هذا الانسحاب، خاصة منذ الوثيقة النقدية التي قدمناها في المؤتمر الأخير للحزب نهاية سنة 2006والتي قيّمنا فيها المسار واقترحنا تعديلات في التّمشي السياسي والخطاب، كما قدمنا مقترحات في البناء التنظيمي والمؤسساتي لتحسين الأداء. ومنذ ذلك التاريخ، و نحن نتفاعل مع الرأي الآخر داخل الحزب، مدّا وجزرا، ونعمل بوسائل مختلفة لإيجاد توافق حتى نضج قرارنا بالانسحاب.

هل من الصدفة أن كل أو جل المستقيلين من ذوي مشرب عقائدي وفكري واحد؟

أشرنا في نصّ الاستقالة إلى أن الموقعات والموقعين عليه، انتموا إلى هذا المشروع في فترات مختلفة ومن تجارب متنوعة. كما أنهم يتمسكون بالمنطلقات التي تأسس عليها الحزب الديمقراطي التقدمي في ضرورة توحيد الجهود وإعطاء الأولوية للبرنامج السياسي على الانتماءات الفكرية. وأنهم يؤكدون قناعتهم بأهمية التوافق على رؤية سياسية من شأنها أن تؤمن تحقيق الديمقراطية، وعدم الاكتفاء بالاتفاق على شرعية هذا المطلب وحيويته. وأضيف هنا أن جل المستقيلين تعارفوا داخل هذا الحزب وأن أعمارهم متباعدة وتجاربهم ومشاربهم السابقة مختلفة. وانه إذا كان من جامع بينهم في الحاضر وفي المستقبل الذي يتطلعون إليه، فهو عزمهم على المساهمة الايجابية والفعالة في الإصلاح الذي تحتاجه بلادنا. وان الحوار الممتد داخل التقدمي منذ سنتين، أنضج تقاربهم وبلور ملامح رؤية سياسية صارت تجمعهم، عبروا عنها في نصوص مُطوّلة حرصا على الوضوح، حملت عنوان “نصوص في التنمية السياسية”، أكّدوا فيها على ضرورة مراجعة مفردات الخطاب السياسي لدى المعارضة  وأساليب عملها  وعلاقتها ببعضها وبالسلطة. بالتأكيد على طابع المنافسة في السياسة  وليس صراع الوجود، والمشاركة بدل القطيعة، والبناء على المشترك بدل التنافي، وتجنب السوداوية في الخطاب، والإقرار بالانجازات المُحققة، والوقوف على النواقص، وتوخي التدرج والنجاعة، وتعزيز الثقة وطمأنة مختلف أطراف العملية السياسية، حتى يتمّ تسريع نسق الإصلاح السياسي بما يفضي إلى تفعيل المواطنة وتوسيع مجال المشاركة والمنافسة وتجديد المؤسسات وتحقيق ديمقراطية تونسية المنشأ.

وقد يكون من المهم في هذا الإطار أن أشير أيضا إلى قصور التصنيفات الإيديولوجية التي تعود إلى ما قبل نهاية الحرب الباردة، عن استيعاب المشهد الحالي، وعن الحاجة إلى مقاربات جديدة تسهّل التفاهم والتوافق ولا تعطلهما.

هل تعتقدون أن الحل مع قيادة نجيب الشابي تكون بمثل هذه القطيعة؟

نحن نحرص قدر الإمكان على عدم تشخيص المسائل. وقد أكدنا على الطابع السياسي للاختلاف، وهذا ما تقرّ به القيادة الحالية. وحين تجمعت لدينا عوامل الانسحاب كان قرارنا في هذا الاتجاه، وهو ما لم يوافقنا عليه أصدقاء آخرون، لديهم اعتراضات مطابقة أو قريبة مما عبرنا عنه في نص استقالتنا. لكنهم خيروا الاستمرار داخل التقدمي، ونحن بقدر ما نجدد قناعتنا بما اخترناه، نحترم ما يراه غيرنا.

ماهي علاقتكم بالسلطة؟

نحن كنا ننتمي إلى حزب سياسي معارض في حالة قطيعة كاملة مع السلطة، وقد انتقدنا هذه العلاقة التي نعتبرها غير طبيعية، ودعونا إلى الحوار مع السلطة والى اعتماد رؤية سياسية بالمواصفات التي أشرنا إليها سابقا وختمنا بها نص استقالتنا. ونحن اليوم مستقلّون، نأمل أن يجد خطابنا صداه لدى السلطة ولدى المعارضة أيضا بجميع أطيافها. لأنه بالحوار والتوافق على أجندة وطنية للإصلاح نؤمّن أفضل مستقبل لبلادنا ولأجيالها. ونحن نعتقد أن تونس تتوفر على جميع شروط البنية التحتية للانتقال الديمقراطي (دولة قوية، عدم وجود صراع اثني أو طائفي، نمو اقتصادي، نخب مثقفة ومنفتحة، أسرة نواتية تحررية، اقتصاد ليبرالي، طبقة وسطى واسعة، نسبة تمدن عالية…).

هل تفكرون في الالتحاق بتنظيم أو حزب سياسي آخر؟

لا نية لنا في ذلك حاليا. ونحن إذ نعبّر عن تقديرنا لجميع التنظيمات السياسية ببلادنا، فإننا نشدّد  في هذه المرحلة على ضرورة  إطلاق حوار وطني واسع وهادئ وعميق حول المشهد السياسي الحالي وحول أسباب ما تُجمع عليه جميع أطراف المعارضة، من ضعف في أدائها و تشرذم في صفوفها. ونحن سنساهم بدورنا في هذا الحوار وسنتفاعل مع جميع احتمالاته واستخلاصاته النظرية والعملية.

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: