محمد القوماني: لا قانون للتوبة في تونس والمطالبون بتعديل الدستور يكررون سياسات بن علي
جريدة «القدس العربي» بتاريخ 12 جانفي 2017
حاوره حسن سلمان
تونس – «القدس العربي»:
نفى عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» التونسية محمد القوماني وجود «قانون للتوبة» في تونس، مشيراً إلى أن جميع الأطراف في البلاد متفقة على محاربة الخطر الإرهابي «لكن ثمة من يحاول تضخيم ملف العائدين من بؤر التوتر».
وأكد، في المقابل، أنه لا يمكن سحب سمة المواطنة من أي تونسي مهما ارتكب من أعمال عنف، متهماً السياسيين والحقوقيين الداعين إلى تعديل الدستور وتسليم التونسيين لجهات خارجية باستنساخ سياسات نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
كما أكد، أن حركة «النهضة» الإسلامية كانت صارمة منذ البداية فيما يتعلق بخيارها السلمي، وهذا ما دفعها لفصل عدد من قياداتها في منتصف التسعينيات بعد إثبات وجود علاقة تربطهم بعدد من الحركات المسلحة في العالم، مشيراً إلى أن الحركة ترفض «الانخراط المزدوج» وتُلزم أعضاءها بعدم الانخراط في حركات أخرى سلمية أو عنيفة داخل البلاد أو خارجها.
وقال القوماني في حوار خاص مع «القدس العربي»: «عودة الإرهابيين من بؤر التوتر يفترض أن يكون موضوع إجماع في تونس لأن جميع الأطراف متفقة على ضرورة محاربة الخطر الإرهابي بكل الوسائل المتاحة وفي مقدمتها قانون مكافحة الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه مؤخراً، لكن بعض الأطراف السياسية تجعل منه (عودة الإرهابيين) موضوع انقسام وخلاف لتحقيق بعض الأهداف السياسية على حساب المصلحة الوطنية، وتصريحات رئيس الجمهورية ووزيري الدفاع والداخلية تؤكد أن الحكومة التونسية تملك كل المعطيات عن الإرهابيين (العائدون والموجودون في بؤر التوتر) وتملك القدرة على مواجهتهم المواجهة الأمنية والقضائية المستوجبة، ورغم أن بعض الأطراف تحاول تضخيم عدد هؤلاء الإرهابيين، إلا أن حركة النهضة تعتمد أكثر على التصريحات الرسمية لأعضاء الحكومة حول هذا الأمر».
وأضاف «الدستور التونسي في الفصل 25 يتيح للتونسيين العودة إلى بلادهم ويمنع تغريبهم، وبالمناسبة هذا الفصل هو مادة دستورية قديمة موجودة في دستور 1959 وكانت مضمنة في الفصل 11 من دستور ما قبل الثورة، إذاً ليس في الأمر أي جديد، ومن ناحية الأعراف الدولية والدبلوماسية فهؤلاء الإرهابيون يشكلون خطراً ليس على تونس فحسب بل على جميع الدول الأخرى، ونحن لا نرضى بأن يمارسوا عمليات إرهابية أو غيرها خارج تونس، وفي حال ارسلت بعض البلدان لتونس بعض مواطنيها المتهمين بالإرهاب فلا تملك الحكومة التونسية إلا قبولهم، فضلا عن أن تونس أصدرت برقيات تفتيش ضد عدد كبير من هؤلاء الإرهابيين وهي تسعى لجلبهم، سواء لمحاكمتهم على جرائمهم أو للحصول على معلومات منهم (حول التنظيمات الإرهابية)، وأود الإِشارة إلى أن كل إرهابي تونسي خارج البلاد يشكل خطرًا عليها، ولذلك لا بد من التعامل مع هؤلاء أمنياً وقضائياً للتخفيف من خطرهم».
وفيما يتعلق بحديث البعض مؤخراً عن قانون لـ«التوبة» عن بعض المقاتلين العائدين، قال القوماني «أعتقد أن هذا «القانون» هو مجرد اختلاق من بعض الأطراف السياسية لأني، شخصياً، لم أسمع أي طرف في تونس طرح هذا الموضوع، وحركة النهضة واضحة (في هذا لمجال) على لسان رئيس حركتها وبياناتها الرسمية، فهي تطالب باليقظة والحذر ومعاملة هؤلاء الإرهابيين أمنياً بالدرجة الأولى وقضائياً وفق ما تقتضيه قوانين البلاد، وأنا أستغرب، حقيقة، التصريحات التي يطلقها بعض السياسيين والحقوقيين الرافضين لعودة التونسيين المتهمين بالإرهاب، حيث يطالب بعضهم بتعديل الدستور أو محاكمة الإرهابيين على أراض غير تونسية، وأعتقد أنه من غير المنطقي أن يتبرأ طرف سياسي من مواطنيه مهما كانوا وأن يسلمهم لجهة خارجية وهذا لم يحصل في أي بلد في العالم وهو يمس من الدستور وسمة المواطنة التونسية التي لا يمكن نزعها بمقتضى الدستور».
وأضاف « هؤلاء (السياسيون والحقوقيون) كانوا يدافعون عن شروط محاكمة عادلة للشباب المتهم بالعنف قبل الثورة أي خلال حكم بن علي وكانت لديهم تصريحات في هذا المجال استناداً إلى مبادئ حقوق الإنسان، فهل يرون اليوم في النظام السوري الحالي شروطاً للمحاكمة العادلة حتى يقترح بعضهم أن يحاكم هؤلاء في بؤر التوتر؟ والأمر العجيب أيضاً هو محاولة وضع الدستور مرة أخرى على القياس (تفصيله على المقاس)، فمن أكبر الأشياء التي نلوم بها نظام بن علي هي تعديله للدستور حسب الأهواء، وهؤلاء يريدون مرة أخرى استنساخ تلك الممارسات (لنظام بن علي) نفسها، فلذلك حركة النهضة تتمسك بمبادئ حقوق الإنسان ومقتضيات القانون وهي بالطبع تدرك جيداً الخطر الإرهابي ولكنها تطالب بالتصدي له بالوسائل القانونية المتاحة للدولة وموقفها منسجم تماماً مع الحكومة والجهات الرسمية، كما أسلفت».
وكان رئيس حركة «النهضة» الشيخ راشد الغنوشي تحدث قبل أيام عن فصل الحركة لقيادات كبيرة على علاقة بحركات مسلحة في أفغانستان وصربيا وغيرها، وهو ما دعا بعض النشطاء إلى المطالبة بمساءلة الغنوشي قضائيا بهدف «مصارحة» التونسيين حول هذا الأمر.
لكن القوماني أكد أن تصريح الغنوشي «ورد في سياق حديثه عن ماضي الحركة قبل الثورة وتحديداً في منتصف التسعينات حين كانت جاذبية العنف والمقاومة المسلحة تستثير بعض الأطراف الإسلامية، وهو أكد أن الحركة كانت صارمة وواضحة بأن خيارها في مواجهة الاستبداد هو المواجهة السلمية فقط، وأن كل من يفكر في أن يدعم حركات عنيفة أينما كانت لا مكان له في حركة النهضة، وعلى هذا الأساس قال إن حركة النهضة لا تسمح بالانخراط المزدوج، يعني أن المنخرطين بها غير مسموح لهم الانخراط في صفوف أي حركة عنفية أو سلمية داخل البلاد او خارجها».
وأوضح أكثير بقوله «عندما كانت الحركة سرية فصلت بعض العناصر لتأكيد خيارها السلمي وربما لو لم يتم الحسم في هذا الأمر لما استطاعت الحركة أن تنال ثقة الكثير من العواصم الأوروبية خاصة التي احتضنت هذه القيادات المهاجرة (من النهضة)، كما أن تكريم الغنوشي بجائزة غاندي لنشر قيم السلام خارج الهند هو اعتراف دولي آخر بهذا التوجه السلمي لحركة النهضة».
وحول التصريحات المثيرة للجدل لصهر بن علي، بلحسن الطرابلسي والتي أكد فيها أن عائلته تعرضت لـ»مظلمة» كبيرة، قال القوماني «المتهمون بالفساد والاستبداد في المنظومة القديمة، وفي مقدمتهم عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي والذين يصفهم التونسيون بالطرابلسية، عليهم شبهات كبيرة باستغلال النفوذ وبالفساد المالي والاستحواذ على أملاك الدولة والتونسيين وإفساد مناخ الأعمال قبل الثورة، وعلى رأس هؤلاء بلحسن الطرابلسي الذي كوّن ثروة طائلة واستفاد من نفوذه باعتباره صهر الرئيس الأكبر، وما صرح به لقناة «التاسعة» لم يكن مقنعاً، فقد حاول أن يتبرأ تماماً من شبهة الفساد، وعموما نحن نريد منه أو من غيره من المتهمين أن يعودوا إلى تونس ويمثلوا أمام القضاء وأن يواجهوا التهم المتعلقة بهم، ونحن الآن ندعم الاتجاه السائد حول استقلال القضاء وخاصة فيما يتعلق بتركيز المجلس الأعلى للقضاء الذي سيكرس فعلياً هذه الاستقلالية».