حوار جريدة الصحافة: المصالحة لا تلغي الحاجة إلى العدالة، وحزبنا لا يتبنّى منطق الأحقاد والاستئصال

جريدة “الصحافة” تونس بتاريخ 10 أفريل 2011

 أجرى الحوار: خليل الرقيق

المصالحة لا تلغي الحاجة إلى العدالة، وحزبنا لا يتبنّى منطق الأحقاد والاستئصال

نشط ضمن الحركة الطلابية في النصف الأول من الثمانينات، بدأ الكتابة عبر مقالات فكرية بمجلة 21/15، وكان عضوا بأسرة تحريرها، انخرط بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وصار عضوا بهيئتها المديرة منذ 1994، كان مؤسسا لجمعية منتدى الجاحظ الثقافية وكاتبا عاما لها الى حدود 2010.
انخرط في تأسيس الحزب الديمقراطي التقدمي سنة 2001 وظل  عضوا بمكتبه السياسي ومحررا ومديرا ماليا بجريدة الموقف وانتخب أمينا عاما مساعدا بهذا الحزب خلال مؤتمر 2006، قبل أن ينسحب مع ثلة من الكوادر في أفريل 2009 ويؤسسوا تيار الاصلاح والتنمية الذي شارك في الانتخابات التشريعية 2009 ضمن قائمات مستقلة تحمل هذه التسمية.
وكان هذا التيار أحد مكونات تحالف المواطنة والمساواة الذي ضم حركة التجديد والتكتل الديمقراطي وحزب العمل الوطني الديمقراطي ومستقلين بعد ثورة 14 جانفي توسعت المجموعة ونظمت حوارات بالعاصمة والجهات أفضت الى وضع أرضية تحدد أهداف حزب الاصلاح والتنمية الذي قدم طلبا للتأشيرة بهيئة تأسيسية ضمت 59 عضوا من 16 ولاية.
عن برامج حزبه وموقفه من مستجدات الساحة الوطنية تحدث السيد محمد القوماني لـ«الصحافة»، فكان الحوار التالي:

تسمية الحزب تحيل مباشرة الى الاتجاه الاصلاحي التنموي الذي ينهض على التغيير المتدرج، هل من فكرة عن الخلفية المرجعية لحزبكم؟
ـ الاصلاح في نظرنا هو الوجه الآخر لسنة التطور في الحياة، وهو بهذا المعنى حركة دائبة ومتجددة، والاصلاح يتخذ مضمونه ومجالاته بحسب كل مرحلة، والاصلاح الذي نراه اليوم يمتد الى مختلف المجالات بدءا بالمجال السياسي وبالثقافة السائدة من أجل تحقيق أهداف الثورة التونسية في الحرية والكرامة والنماء والعدل والرفاه ونحن نعتبر أنفسنا تواصلا مع اسهامات من سبقونا في مسيرة الاصلاح من أجل دعم مكتسبات المجتمع التونسي والعمل على تطويرها والتطلع الى التعبير عن طموحات الأجيال الجديدة ومشاغلهم والانخراط في الحداثة من موقع الابداع لا الاتباع.
وحزب الاصلاح والتنمية حزب سياسي تونسي متجذر في الثقافة الوطنية العربية الاسلامية ويتحرك بروح العصر ولا يرى تناقضا بين الهوية والحداثة. وهو بهذا المعنى يتجاوز الاستقطابات الايديولوجية ويرفض التصنيفات النمطية والتقليدية.
أما في الخلفية الاجتماعية فان حزبنا يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وينحاز الى مطالب الشعب مع الاقرار بمقتضيات اقتصاد السوق المقيد بمسؤولية الدولة في حسن توزيع ثمرات النماء بين الفئات والجهات في ضمان تكافؤ الفرص وتحمّل المسؤولية في دفع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية.
وفي المجال السياسي يستند الحزب الى مبدإ المواطنة وقيم الجمهورية ويعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وضمان استقلال البلاد ودعم مقوّمات دولة مدنية متصالحةمع بيئتها الثقافية والحضارية.
في المجال التنموي يتطلع حزبنا الى تحقيق تنمية عادلة وشاملة تستجيب لطلبات التشغيل وتحارب الفقر وتحسّن مستوى عيش المواطنين وترفع من منسوب كفاءة الأفراد وقدراتهم الابداعية وسعادتهم وتجعل الانسان محور التنمية وغايتها.
طوال مسيرتكم السياسية، تبنيتم رؤية مخصوصة للهوية العربية الاسلامية، وتحدثتم عن طريق ثالث يكون بديلا للائكية وللإسلام السياسي، هل من توضيح؟
ـ حزب الاصلاح والتنمية تأسس قانونيا بعد 14 جانفي لكنّ كثيرا من مؤسسيه كانت لهم إسهامات في الحياة العامة من مواقع مختلفة وأغلبهم ينخرطون من الناحية الفكرية فيما أسميه التيار النقدي في الفكر العربي المعاصر الذي اشتغل على نقد تيارات الفكر العربي الكبرى القومية والاسلامية واليسارية والليبيرالية وأكد على أنّ اختلاف العناوين لا يخفي الذهنية المشتركة التي وصفها المرحوم محمد عابد الجابري بالسلفيّة مع اختلاف النموذج السلف الذي نقيس عليه واعتبر أنّ الفكر الابداعي قد يستأنس بأيّ تجربة ماضية لكنه لا يعمل على استنساخها اذ أنّ القياس على نموذج جاهز يجعل الفكر مستلبا، وفي هذا الاطار تبنينا ما وصفتموه بالخطّ الثالث الذي يرفض الاستقطاب الايديولوجي كما أسلفت ويحاول التحرر من هذا الاستقطاب المبني عادة على زوج مفهومي (إسلام ـ حداثة) (يمين ـ يسار) (إسلامية ـ لائكية)… فنحن نرى أنّ أغلب التونسيين تجاوزوا انقسام النخب حول الهوية والحداثة ويعيشون عصرهم دون توتر مع تدينهم أو تراثهم.
إنّ المطلوب هو تعميق نظرتنا لتراثنا للقضاء على معوّقات التنمية والتقدم في جذورها التاريخيّة والاستئناس بما هو مستنير في ماضينا من أجل تنمية قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان ومن الأفضل اليوم أن نحدد أسس الدولة الديمقراطية والنظام السياسي الذي سيعكسه الدستور الجديد ونستبعد الانقسام الإيديولوجي حول الإسلامية واللائكية فالجميع يقرّ بمدنية الدولة وبمطلب الشعب في القطع مع الاستبداد والمهمّ أن تكون المواطنة أساس الانتماء للدولة وأن تكون الانتخابات التي تكرّس سيادة الشعب أساسا وحيدا لشرعية الحكم.
تخوضون داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة نقاشا حول نظام الاقتراع الخاص بانتخابات المجلس التأسيسي، ويبدو أنّ الأمور تتجه الى إقرار التصويت على القائمات بدل التصويت على الأفراد ـ ما رأيكم؟
ـ أيدنا داخل الهيئة نظام الاقتراع على القائمات مع اعتماد النسبية لأنّه يعطي أكثر جدية للترشحات ويمنح الأحزاب دورها الطبيعي في العملية السياسية ولا يحرم الأفراد من امكانية الترشح ضمن قائمات مستقلة، كما أنّ اعتماد النسبيّة يعطي فرصة لتمثيل أكثر من قائمة في الدائرة الواحدة، هذا اضافة الى أنّ نظام القائمات يمكن من فرض تمثيل النساء أو الشباب ضمن المترشحين ويمكن أن يعطي فرصة للتحالفات وهذه الامكانيات منعدمة في نظام الترشح الفردي.
بدأ الحديث عن الجبهات والتحالفات الانتخابية، فما هو موقع حزبكم ضمن أجندة الاستحقاق المقبل وهل تنوون خوضه ضمن صيغ تحالفية ؟
ـ نحن من حيث المبدإ نقدّم المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، ولذلك نتمسّك بموعد الانتخابات على سبيل المثال بصرف النظر عن استعداداتنا الحزبيّة، وبخصوص انتخابات المجلس التأسيسي يهمّ التنبيه الى أنّ طبيعة المهمة في هذا المجلس مركّزة على الدستور الجديد وعلى منظومة القوانين التي تكرّس الديمقراطية، ونحن نعطي الأولوية لهذه المسائل في أي تحالفات محتملة لأنّ الاختلاف حول الاقتصاد أو البرامج الاجتماعية والفكرية والثقافية سيكون مجاله الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية القادمة أي بعد مرحلة التأسيس التي تختص أساسا بوضع دستور جديد للجمهورية، إنّ حزب الإصلاح والتنمية الذي يستعد لخوض استحقاق 24 جويلية سيكون منفتحا على جميع الأطراف لبحث أفضل الصيّغ التحالفية التي نراها متأكدة في هذه المرحلة والى حدّ الان لم تتبلور تحالفات محددة ولم ينخرط الحزب في أي منها.
بصراحة، هل يتبنّى حزبكم فكرة المصالحة الوطنية مع رموز المرحلة القديمة أم فكرة القطع الكامل مع هذه الرموز ؟
ـ من الأهداف التي نص عليها النظام الأساسي لحزبنا العمل على بناء حياة سياسية تطور مشروعا وطنيا لتونس يبني على المشترك ولا يلغي التنافس، كما اكدت اهدافنا على ضمان مشاركة جميع الأطراف في مسار البناء الديمقراطي الذي لا يقصي أحدا، واستبعاد التنافي والإكراه، وتحصين المجتمع ضدّ جاذبية الاستبداد واحلال التنافس السياسي بدل العداوة ومعالجة مختلف القضايا دون تشنج ايديولوجي او سياسي.
واستنادا الى هذه المنطلقات نحن نتبنى فكرة المصالحة الوطنية التي تنهي ازمة الثقة وعقودا من الاحتراب السياسي والايديولوجي بين أطراف عديدة سياسية واجتماعية سواء بين الأحزاب او بين الأعراف ومنظمة العمال.
وهذه المصالحة لا تلغي الحاجة الى العدالة وتحميل جميع الأطراف مسؤولياتها السياسية والقانونية عما حصل في الماضي وهي محاسبة ومصالحة تشمل من كانوا في الحكم او من كانوا خارجه، ونحن في حزب الاصلاح والتنمية اذ ندعم بعض الاجراءات التي تؤمّن الانتقال الديمقراطي ضدّ رموز الفساد والاستبداد في المرحلة السابقة، فإنّنا لا نتبنى منطق الاحقاد والاستئصال ونعتقد ان المصالحة الحقيقية لا تتوفر شروطها الا بعد قيام سلطة شرعية منتخبة والعمل على تطوير عقد اجتماعي يؤسس لدولة الحقوق والمؤسسات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة الصحافة، الأحد 10 أفريل 2011، العدد6885. السنة 21

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: