على خلفية تفعيل المنشور 108: هل الطائفية في وضع الحجاب أم في منعه؟

على خلفية تفعيل المنشور 108

هل الطائفية في وضع الحجاب أم في منعه؟*

جريدة “مواطنون” أكتوبر 2010

تشهد بعض المؤسسات التربوية منذ افتتاح السنة الدراسية 2010/2011، حملة منع للتلميذات المتحجّبات من الالتحاق بأقسامهن، بإيقافهن في المداخل أو مضايقتهن بالساحات بتعلّة تطبيق المنشور 108. وقد يمتدّ المنع أحيانا للموظفات والمدرّسات. وبقطع النظر عن الموقف الشخصي من غطاء الرأس المسمّى بالحجاب )دينيا أو حضاريا أو ذوقيا…(، ومن منطلق  حقوق الإنسان أساسا، نرى من المهم التوقف مجددا عند هذا المنشور وهذا المنع المتكرر لإبداء الملاحظات التالية:

ـ إن حرية اللباس استنادا إلى مرجعية حقوق الإنسان التي نصدر عنها، حق شخصي مكفول لكل فرد. وإن أي اختلاف أو نقد أو اعتراض على لباس ما يظل ممكنا ومكفولا، استنادا إل نفس المرجعية، التي لا تبرر بأي حال من الأحوال فعل المنع، فضلا عن امتداد الأيدي لنزع غطاء رأس من على رأس صاحبته.

ـ إن المنشور 108 الذي يعود إصداره إلى مطلع الثمانينات والذي ينتهك الحق الشخصي في حرية اللباس، تبينت مُخالفته الصريحة لدستور بلادنا ولقانون الوظيفة العمومية، وكان محل انتقاد جهات عديدة بالداخل والخارج وتسبب في إحراجات غير خافية للمسؤولين بالدولة وللقائمين بتطبيقه. وقد أصدرت المحكمة الإدارية (محكمة الدولة) حكما صريحا ببطلانه حين أنصفت، في قضية عُرضت عليها، مُدرّسة ضد وزارة التربية والتعليم التي أطردتها من عملها تعسفا استنادا إلى المنشور 108. واعتبرت قرار الطرد باطلا.

ـ إن السياق السياسي والاجتماعي لإصدار المنشور 108 قد تغير كليا بعد نحو ثلاثة عقود. وأن ما يصطلح عليه بالحجاب الذي ينتشر اليوم بمجتمعنا أكثر من أي وقت مضى، تأكد لكل المتابعين والدارسين خُلوّه من أي دلالات سياسية أو مذهبية معينة، وأنه خارج تحكّم أو توجيه جهات محددة فكرية أو سياسية في السلطة أو في المعارضة. وبالتالي فإن منع الحجاب بتعلّة النزعة الطائفية في حمله، كما هو الأساس في المنشور108، لا مبرر ولا أساس له. ذلك أن المتحجّبات لا جامع بينهن سياسيا أو فكريا أو اجتماعيا ولا حتى ذوقيا. وأن الأشكال تعددت والمقاصد اختلفت. وأن ما يُوصف ب”التدين الجديد” ظاهرة مختلفة عما يُعرف ب”الإسلام السياسي”. وعليه فإن منع الحجاب بات تكريسا للطائفية، باعتبار جمعه لتونسيات تحت طائل المنع والاضطهاد، مما يجعل منهن جهة مُستهدفة لا جامع بينها غير الاستهداف بالمنع والتضييق.

ـ إن الحجة الأخرى في تبرير المنع باعتبار الحجاب لباسا “غير تونسي”، تبدو أكثر تهافتا. فهذا معيار فضفاض لا أساس موضوعي له. ذلك أن “تونسية” اللباس غير مؤكدة لا للنساء ولا للرجال من التونسيين ولا هي مطلوبة أصلا. فالأقمشة المستوردة والتصاميم والعولمة في اللباس تصنيعا وتسويقا، لا تترك مجالا للحديث عن اللباس التونسي. هذا فضلا عن الاختلافات الناشئة عن مقاربات الهوية والحداثة والموقف الحضاري عموما.

ـ إن ما أُنجز في تونس من طرف السلطة خلال الفترة الأخيرة، على طريق خفض التشنج حول الهوية أو معالجة بعض القضايا بما فيها الدينية بغير الأساليب الأمنية والقانونية المعهودة، يجعلنا ننتظر موقفا أكثر وضوحا وصرامة باتجاه إنهاء متاهات المنشور 108 وما يفتحه من إمكانية للتجاوزات والتوترات التي نحن في غنى عنها ولا مبرر لها. وذلك عبر قرار شجاع يلغي هذا المنشور وسيلقى كل الترحيب والارتياح والإشادة  في الداخل والخارج.

محمد القوماني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مقال منشور بجريدة  “مواطنون” ( تونسية) عدد أكتوبر 2010، ص7.

 

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: