سيناريو انقلابي في تونس لا حظوظ له

كتب موقع عربي 21 منذ مدّة قصيرة عن انقلاب وشيك في تونس قد يكرّر ما حصل في 7 نوفمبر 1987. ودوَن بعض المهووسين بالإسلام السياسي، خلال الفترة الأخيرة، على غرار الدكتورة ألفة يوسف والأستاذ عماد بن حليمة، ما يفيد قرب حصول حملات قمعية تستهدف حركة النهضة أساسا، بناء على معلومات لديهم. وتُتداول بمواقع “الفايس بوك” خاصّة، إشارات ومعطيات وتحاليل وأسئلة حول تحرّكات سياسية وأمنية، تحيل على تخوّفات من سيناريو انقلابي محتمل حصوله بتونس لمنع الانتخابات البلدية المقرّرة ليوم 6 ماي القادم، أو لوضع حدَ لمسار الانتقال الديمقراطي. تُرى ما جديّة المعلومات والتحاليل والتوقّعات في هذا الصدد؟ وهل من حظوظ نجاح لسيناريو انقلابي محتمل في تونس اليوم؟

لا نسمع ولا نقرأ عن سيناريوهات انقلابية في فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا أو غيرها من الديمقراطيات العريقة. ولذلك فإنَ تعلّق هذا السؤال أو الاحتمال ببلادنا والترويج له، دليل واضح على أزمة الثقة بتجربتنا الديمقراطية الفتيَة. من جهة أخرى، يتمّ الحديث عن سيناريو انقلاب في تونس، ولا يضيف المروّجون لهذا السيناريو أنّه عسكري كما هو معروف عن الانقلابات. وهذا راجع للسمعة الحسنة التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية ببلادنا، والتي حمت الثورة ولم تنقلب عليها، يوم “كانت السلطة ملقاة في الشارع”، كما قال الجنرال رشيد عمار ذات مرّة. ويطرح سيناريو الانقلاب أسئلة عديدة من بينها، هل يقدر طرف على تنفيذ انقلاب لا يسنده الجيش؟ ثمّ لماذا يتمّ الترويج للانقلاب على حركة النهضة، من طرف خصومها أو حتى بعض أنصارها، والأصل أن الانقلاب يحصل على رئيس الدولة والحكومة، والحال أنّ النهضة حزب مشارك في الحكم، ولا يمسك بأيّة رئاسة من الرئاسات الثلاثة؟ ممّا يجعلنا نستنتج دون عناء أنّ للموضوع أسبابا وأبعادا أخرى، أرجحها الاستثمار في الإحباط والتخويف والتيئيس، للنيل من شعبية حركة النهضة انتخابيا.

يبدو التخوّف من السيناريو الانقلابي مُتفهّما في السياق التونسي، فمن اكتووا باستبداد وفساد حكم بن علي، ولم تترسخ الديمقراطية والعدالة في واقعهم، ولم يهنؤوا منذ 2011 ولم يتوقّف التآمر على ثورتهم، يحقّ لهم أن يشكّوا وأن يكونوا يقظين. و”اللّي يتلكع بالشربة يولّي ينفخ على السلاطة” كما يعبّر عن ذلك المثل التونسي العاميّ أبلغ تعبير. وممّا يعزّز هذا التخوّف، ما حصل ببلدان شقيقة عرفت ثورات متزامنة مع تونس على غرار مصر، وكذلك ما حصل لبلدان تصنّف داعمة لثورات الربيع العربي على غرار تركيا وقطر. فمن تجرؤوا على دعم انقلاب على ديمقراطية راسخة بتركيا وعلى حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أبهر الشعب بنجاحاته فانتخبه لثلاث مرات متتالية، وساندوا أو صمتوا على قصف الطائرات للبرلمان ومحاولة اغتيال الرئيس أردوغان المنتخب ديمقراطيا، ومن فكّروا في زعزعة حكم مُستقر في قطر، البلد الذي ينعم فيه مواطنوه بأعلى مستويات العيش في العالم، من فكّروا في دعم محاولات قذرة وفاشلة من هذا القبيل، لن يُستغرب منهم العمل على زعزعة استقرار تونس أو محاولة إفشال مسارها الديمقراطي الناجح وسط أوضاع إقليمية مضطربة. لذلك لا نهتمّ كثيرا بمعطيات ذات صلة، تُؤوّل بعقل موغل في التفسير المؤامراتي ما يبدو عاديا في عالم السياسة، على غرار زيارة وزير الداخلية التونسي السيد لطفي براهم للمملكة السعودية وما حظي به من استقبال، أو ما تزامن مع ذلك من زيارات دبلوماسية إقليمية. كما لا نهتمّ بفحص معلومات متداولة في السياق، لا أدلّة قاطعة عليها، ولا نملك من جانبنا التأكد من صحّتها. ونرى أنّ الأهمّ من ذلك التساؤل عن حظوظ نجاح سيناريو انقلابي مُحتمل في بلادنا بخصائصها الجديدة وفي السياقين الإقليمي والدولي الحاليين؟

لا مجال لقياس وضع تونس الديمقراطية اليوم، على وضعها الاستبدادي سنة 1987. فقد وجد بن علي الأجواء الداخلية مهيّأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فسوّق لانقلابه على بورقيبة “العجوز”، على أنّه إنقاذ لتونس و”تغيير مبارك”، فلقي الاستحسان أو الصمت داخليا. كما وجد الدعم الإقليمي والدولي الذي تكشّفت بعض تفاصيله لاحقا. أمّا الحكم الحالي فهو مهما كانت صعوباته، فإنّه يعبّر عن إرادة شعبية من خلال انتخابات حرّة وتعدّدية، ويحظى بسند أحزاب كبرى ذات رصيد شعبي، ويجد سندا إقليميا ودوليا غير خافيين، رغم وجود متآمرين عليه. وقد استند انقلاب 7 نوفمبر 1987 على مادّة في الدستور، كما استند التغيير بعد الثورة وفرار بن علي على مادة دستورية في نقل السلطة، وفي ذلك مؤشر على ميراث تونسي في رسوخ الدولة، وسلمية الحكم، لا نظير له في تجارب أخرى. ويبدو التونسيات والتونسيون بعد الثورة، أحرص على التزام الدستور وصيانة المكسب الديمقراطي الذي سقاه الشهداء رحمهم الله تعالى بدمائهم الزكية. كما تبدو الأحزاب والمجتمع المدني أكثر قدرة على مقاومة سلمية لأيّ نزعات في السطو على الحكم بالقهر. ولا ننسى أيضا تقاليد المؤسسة العسكرية التونسية ذات الاختلاف الجوهري في تاريخها وأدوارها عن نظيراتها في أغلب البلدان العربية. فشتّان مثلا بين حكم العسكر العريق بمصر، والحياد السياسي الإيجابي للجيش التونسي. بل إنّ في الاختلافات التي لا تخفى في وجهات النظر بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية، أو الاختلافات داخل المؤسسة الأمنية ذاتها، عناصر توازن وضمانات لإحباط أية سيناريوهات انقلابية محتملة. وإنّ في تعزيز المسار الديمقراطي بانتخابات محلية بعد أقلّ من شهرين، قطعت شوطا مهما على طريق إنجازها، ولاشيء يؤشر على احتمال تعطّلها، الذي سيكون مكلفا جدا على البلاد، داخليا وخارجيا، كما في الاستحقاقين الانتخابيين التشريعي والرئاسي المقررين للسنة القادمة، ضمانات إضافية في مواجهة أية انتكاسة لا قدّر الله.

لهذه الاعتبارات الداخلية، التي نضيف إليها فشل مخطّطات الإرهاب وسيناريوهات الإرباك والعنف والجريمة، واحتراق مراكب المتآمرين ببلادنا. ولاعتبارات إقليمية ودولية أخرى، منها خاصّة حاجة جيران تونس إلى استقرارها، وحاجة شركائها الأوروبيين والأمريكيين إلى ذلك أيضا، ومنها بصفة عامة المصاعب التي تمرّ بها تجارب أخرى في التآمر والإرباك، وما خلّفته من تداعيات خطيرة جدا على المنطقة والعالم بأسره، لهذه الاعتبارات جميعا نقدّر أنّ سيناريو انقلابي محتمل بتونس لا حظوظ له في النجاح. ومثلما تخطّى التونسيون حواجز ومخاوف سنة 2011 على انتخابات المجلس الوطني التأسيس، وسنة 2014 في المصادقة على الدستور وتنظيم انتخابات حرة للمرة الثانية، سيتخطون الحواجز والمخاوف الجديدة مرة أخرى لينجزوا بنجاح الانتخابات البلدية وما يليها من استحقاقات.
محمد القوماني
* نشر بجريدة الرأي العام، العدد 48، تونس في 15 مارس 2018

https://scontent.ftun3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/29249629_1857885524235223_8255030095030038953_n.png?oh=dd08e5fb832f3ec591b641b0d9551d8b&oe=5B3F79D1

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: