رئيس جديد لكتلة النهضة في مفتتح دورة برلمانية ثانية
تعقد الكتلة النيابية لحركة النهضة جلستها السنوية العامة لانتخاب رئيسها يوم الأحد القادم 04 أكتوبر 2020. ويبدو شبه مؤكّد أنّ الأستاذ نور الدين البحيري لن يجدّد ترشّحه ممّا يجعل للكتلة رئيسا جديدا في الدورة البرلمانية الثانية للفترة النيابية 2019/2024 التي تنطلق دستوريا اليوم الخميس. وقد تمّ تحديد غرة أكتوبر 2020 تاريخا مرجعيا لضبط حجم الكتل والذي سيتم اعتماده في تجديد هياكل المجلس وحصّة كل كتلة. وهو ما سيتمّ إعلانه في جلسة عامة يوم 16 أكتوبر 2020. ويهمّنا بمناسبة الجلسة الانتخابية لكتلة النهضة، التوقّف عند تقييم أدائها السياسي خاصة واستشراف آفاقها وتحالفاتها وأدوارها، في ضوء حصائل الدورة المنقضية وانتظارات الدورة الجديدة وتغيّر رئيسها ومستجدات البيت النهضوي.
تضمّ كتلة حركة النهضة الحالية المنبثقة عن انتخابات 06 أكتوبر 2019 نخبة من قيادات الحزب وإطاراته، من بينهم رئيس الحركة وأحد نوابه ورئيس المكتب السياسي ونائب رئيس مجلس الشورى وأعضاء بالمكتب التنفيذي أو مجلس الشورى أو المكتب السياسي أو مكاتب مركزية أو كتاب عامين جهويين سابقين أو قيادات شبابية أو كفاءات علمية وخبراء من اختصاصات مختلفة.
وتضطلع الكتلة بأدوار سياسية متقدمة، سواء من خلال وظائف النواب المتعدّدة في البرلمان أو الجهة، لا سيما تزكية الحكومة وإقرار ميزانية الدولة وقانونها المالي ووضع التشريعات ومراقبة السلطات والهيئات، والمشاركة في المجالس الجهوية وفي اللجان ومباشرة قضايا المواطنين، أو من خلال الاحتكاك بنخبة من القيادات السياسية من أحزاب مختلفة والتفاعل معهم تأثيرا وتأثّرا.
وفي مشهد برلماني متشظّ وبالغ الانقسام أفرزته انتخابات أكتوبر 2019، ورغم أن الكتلة الحالية للنهضة هي الأقلّ عددا مقارنة بالتأسيسي والفترة النيابية السابقة، فقد سجلت نتائج سياسة هامة لا سيما في علاقاتها ببقية الكتل جعلتنا في موقع الأغلبية. إذ تعزّزت كتلة النهضة في خطوة غير مسبوقة، بنائبين مستقلّين منذ البداية، أثبتا مبدئيتهما وووفائهما وانسجامهما مع الأغلبية المتحزبة. كما نسجت تحالفات منذ الجلسة الافتتاحية مع كتلتي قلب تونس والكرامة، رغم مخلّفات مناكفات الحملة الانتخابية وجدّة العلاقات بين النواب، ونجحت بفضل ذلك في فوز مرشّحها برئاسة مجلس نواب الشعب. وقد صمد هذا التحالف وتعزّز لاحقا بكتلة المستقبل ونواب مستقلين وصار أغلبية معلنة. وهذا ما جعل حزب النهضة لأوّل مرة، يخرج من مواجهة التحديات والاستحقاقات منفردا.
وكانت مبادرة لائحة سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ من أغلبية برلمانية واضحة تضم النهضة، مما اضطره إلى التعجيل بالاستقالة، عنوانا بارزا على طريق تشكّل أغلبية برلمانية ووجود كتلة النهضة ضمنها، رغم كل المكائد لعزلنا. كما مكّن التحالف البرلماني الأغلبي من استعادة النهضة للمبادرة السياسية، وأثّر في خيارات المشيشي وحكومة غير المتحزبين. وإذا أحسن التحالف البرلماني التنسيق بين مكوناته وضبط الأولويات وإدارة الحوار مع بقية الكتل، فإنّه مؤهل لأدوار متقدمة في رسم المشهد السياسي القادم.
وقد أفضت اللقاءات بين مكونات التحالف خلال الأسابيع الأخيرة استعدادا للدورة البرلمانية الثانية إلى الاتفاق على إحكام التنسيق والتعاون لضمان أغلبية مريحة داعمة لحكومة المشيشي، وقادرة على تأمين أولويات برلمانية يراها التحالف، على غرار تنقيح القانون الأساسي المتعلق بالمحكمة الدستورية وانتخاب بقية الأعضاء الثلاثة الراجعين بالنظر إلى المجلس وتسهيل إرساء المحكمة لاحقا، ومشروع قانون لحماية القوات الحاملة للسلاح في مواجهة الإرهاب، ومراجعة المرسوم 116 دعما لحرية الإعلام، وتعديل القانون الداخلي للمجلس وقانون الانتخابات، إضافة إلى القوانين الأخرى التي يقدّرون أهميتها الاقتصادية أو غيرها، أو تستعجل الحكومة النظر فيها. ويبدو أنّ هذا التحالف الواعد، توجّه مهمّ سيستأثر بدعم النهضة خلال السنة البرلمانية الجدبدة قصد إنجاحه وتعزيزه، في مقابل تحالف أو تحالفات أخرى، لكتل أكّدت التجربة أنها في خصومة أيديولوجية وسياسية مع النهضة لا تنفع معها المخاتلات والتكتيكات والالتقاءات الهشة.
فقد خاضت كتلة النهضة ما بين 13 نوفمبر 2019 و30 جويلية 2020 معارك ضارية تحت قبة البرلمان، استطاعت ان تحسمها لصالحها في أوضاع صعبة جدا. ولا نبالغ حين نقول بأنّ المحصّلة كانت إيجابية في مواجهة كتلة النهضة برئاسة نور الدين البحيري لأجندة الكتلة الفاشية برئاسة عبير موسي. فقد فشلت عبير ومن والاها في تعطيل المجلس وكانت حوصلة الأشغال في آخر جلسة أقوى دليل. وسقطت لوائح الإرباك طبق الفصل 141 بفضل العلاقات الجيدة لكتلة النهضة مع بعض الكتل والنواب المستقلين، رغم التقاطعات والتباينات المعقدة في المواضيع ذات الصلة. وجاء إسقاط لائحة سحب الثقة من رئيس المجلس الشيخ راشد الغنوشي في آخر اجتماع بالدورة تتويجا وتأكيدا للجهود المبذولة في الطريق الصحيح لتحالفات الكتلة وعلاقاتها البرلمانية والسياسية. وسيبقى يوم 30 جويلية 2020 محطة بارزة في معارك الكتلة التي تابعها الكثيرون بالداخل والخارج وكانت مؤثرة فيما تلاها من استحقاقات وأبرزها تشكيل الحكومة الجديدة وتمريرها بالبرلمان.
لن تتغيّر علاقة كتلة النهضة السيئة بكتلة الدستوري الحر الفاشية، لما تظهره الأخيرة من إصرار على العداوة، ولما نعلمه من اخراطها في أجندة استئصالية داخلية وخارجية. أما بقية الكتل النيابية مهما كانت المناكفات الأيديولوجية أو السياسية معها، فالأرجح أن تحرص كتلة النهضة أكثر على مدّ الجسور معها وبناء الثقة، لضمان استقرار برلماني وتفاهمات تساعد على إنجاز الأولويات التشريعية. وقد تساعد العلاقات الشخصية الحسنة بين النواب على خدمة أجندة تحسين العلاقات بين الكتل وبناء التحالفات. وقد يكون التجديد في رئاسة كتلة النهضة مساعدا على ذلك. فقد كان البحيري، بخبرته ودهائه المعروف وعلاقاته الممتدّة، وبرمزيته، عنوان معارك حاسمة في الدورة المنقضية، استطاع قيادة كتلته إلى كسبها. وقد يكون الرئيس الجديد للكتلة عنوان مراجعات أو تصحيح علاقات، أو تعزيز تحالفات، في سياق قد يختلف.
لم يكن موعد صدور جريدتنا مناسبا لتفصيل القول في المشهد البرلماني الجديد الذي يرجّح أن تحصل تغيرات لافتة في أحجام كتله وفي تسمياتها مطلع الدورة الجديدة، وفي تحالفاتها لاحقا. ولئن تحتفظ كتلة النهضة بالمرتبة الأولى،ب54 نائب، بما يؤهلها لمواقع هامة في هياكل المجلس، فإنّ المتابعة تنشدّ إلى جلستها العامة الانتخابية، والتي من الأرجح أن ينحصر التنافس على الرئاسة فيها بين النائبين عماد الخميري وفتحي العيادي، والتي ستكشف جانبا مهما من تداعيات عريضة ال100 التي أمضاها 13 نائبا من الكتلة. وقد لا يكون المهمّ فقط في هذه الجلسة التي يشرف عليها رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحزب الشيخ راشد الغنوشي، التنافس على رئاسة الكتلة ونتائجه، بل أيضا الحوار الذي يبني على مخرجات الأيام البرلمانية الأخيرة من 18 إلى 20 سبتمبر في تقدير الموقف السياسي ورسم اتجاهات الحزب والكتلة.
محمد القوماني
*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 175، تونس في 01 أكتوبر 2020
مقالات ذات صلة
25 جويلية: جمهورية مغدورة.. وذكرى حزينة..
2023-07-25