خلاص وطني أم تأسيس جديد؟

تسارع الزمن السياسي باتجاه الحسم

تعدّدت المؤشّرات خلال الفترة الأخيرة على أنّ رئيس سلطة الأمر الواقع قيس سعيد يسارع نسق خطواته باتجاه فرض مشروعه السياسي عبر سياسة المرور بقوة، قبل الذكرى الأولى لانقلاب 25 جويلية. وفي المقابل تصعّد المعارضة خطابها وأعمالها باتجاه استئناف المسار الديمقراطي وغلق قوس الانقلاب قبل أن يغلق عامه. وقد جاءت التسريبات المنسوبة للمديرة السابقة للديوان الرئاسي نادية عكاشة التي حظيت باهتمام واسع، ووجهت ضربة موجعة لصورة الحكم في قرطاج، لتزيد في إرباك الوضع وتضاعف من مؤشّرات مناخ يوحي باقتراب تغيير ما دقّت ساعته. ولذلك تبدو الأسابيع القادمة حاسمة في المشهد التونسي الذي يتسارع زمنه السياسي.

فمن جهة تمّ في ندوة صحفية يوم 26 أفريل الماضي إعلان مسار تأسيس “جبهة الخلاص الوطني” من قبل بعض أطراف المعارضة، بقيادة الأستاذ أحمد نجيب الشابي،  في أفق توسيعها وهيكلتها وتعميق مقترحاتها من أجل تسريع عقد مؤتمر للحوار الوطني لا يقصي أحدا ولا يرتهن لموافقة أي طرف. تلتها ندوة طارئة استباقية للجبهة يوم 05 ماي للتحذير من اتجاه سلطة الانقلاب إلى حلّ الأحزاب السياسية واستهداف قيادات المعارضة بالقمع.

ومن جهة أخرى جاء خطاب اللاءات الثلاث للرئيس قيس سعيد في غرة ماي ليلة  عيد الفطر، حاسما في استعداء المعارضة وتخوينها، باستدعاء معجم الصراع العربي مع العدوّ الصهيوني، ومعلنا مسار تأسيس “جمهورية جديدة” يقطع مع دستور 2014، يتخلله “حوار وطني” للموالين فقط دون المناوئين. وهو ما أكّده  قيس سعيد في كلمته من مقرّ وزارة الداخلية مساء الخميس 05 ماي، في ردّ فوري ومباشر على الندوة الصحفية لجبهة الخلاص الوطني. وهذا ما اعتبره المتابعون دعما لتحركات حراك 25 جويلية ليوم الأحد 08 ماي، المستهدف للمعارضة والمحرّض عليها. ولم يمنع الفشل الميداني للتحرّك في عدد محدود جدا من الولايات وبالعاصمة، رغم نزول وزير الداخلية ووالي تونس نفسيهما للساحة، وقياسا على حجم الدعاية التي سبقته والدعم المادي غير الخافي، لم يمنع ذلك من تبنّى قيس سعيد لمطالب التحرك، وإعطاء تعليماته في هذا الاتجاه، لوزيرة العدل ليلى جفال  التي استقبلها مساء الإثنين 09 ماي.

شكّلت جبهة الخلاص الوطني منتدى للحوار، يشتغل على محورين. محور اقتصادي اجتماعي لوضع ملامح برنامج للإنقاذ يُعرض على الحوار الوطني وتتعهده حكومة كفاءات اقتصادية يتم التوافق على تركيبتها ويزكيها البرلمان الذي وضع نفسه على ذمة الحوار الوطني. ومحور ثاني سياسي يشتغل على الإصلاحات الدستورية والقانونية المطلوبة لإعداد البلاد لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها. والتي ستكون من مخرجات الحوار الوطني ويزكيها البرلمان أيضا لتأمين الانتقال المؤسساتي. كما تنظم الجبهة في الأثناء مظاهرة يوم 15 ماي الجاري تعمل على أن تكون أكبر من تحرّك حراك 25 جويلية قبل أسبوع، وتحسم معركة الشارع السياسي نهائيا لصالح المعارضة. كما تعقد الجبهة اجتماعات بعدد من مراكز الولايات وتجري في الأثناء اتصالات بأحزاب وشخصيات وفاعلين مختلفين لتعزيز الجبهة أو تطويرها قبل الإعلان الرسمي عن تأسيسها نهاية شهر ماي.

من جهته أعلن قيس سعيد عزمه على تشكيل لجنة وطنية لتأسيس جمهورية جديدة، مفتوحة لمن ساندوا مسار 25 جويلية. وستتفرّع عن اللجنة العليا لجنتان، إحداهما للإصلاحات الدستورية والسياسية والثانية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. علما أن اللجان المذكورة ستكون استشارية وستبني مقترحاتها على نتائج الاستشارة الإلكترونية التي كانت المشاركة فيها في حدود 500 ألف تونسي. وهي بالتالي محدودة الزمن والمهام. إذ يفترض أن تنهي أعمالها خلال أيام قليلة لتتم الصياغة النهائية في آجال مبكّرة تسمح بعرض النتائج على الاستفتاء المقرّر ليوم 25 جويلية 2022. وقد استبق قيس سعيد الاستفتاء والانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17ديسمبر 2022، بحلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتغيير قانونها الأساسي وتنصيب تركيبة جديدة لها.

هكذا يبدو الطريقان متقاربين في الاهتمام، لكنهما متوازيين شكلا ومتعارضين هدفا. فإمّا “خلاص وطني”، يُجمع عليه المعارضون للحكم الفردي المطلق، بغلق قوس الانقلاب وتصحيح المسار عبر حوار وطني ومخرجات تضمن عدم تكرار أخطاء عشرية ما بعد الثورة، وتفتح آفاقا لتجاوز الأزمة المركبة والمتراكمة، ويلمس فيها عموم الشعب حلولا لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية. وإمّا “تأسيس جديد” بترسيخ الانقلاب، وتأبيد الاستبداد  وتكريس الحكم الفردي المطلق. إذ يعدّ الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021، (الدستور المؤقت)، الذي يختزل السلطات جميعا بيد رئيس الدولة” والذي لا تعقيب على “مراسيمه”، عنوان “الجمهورية الجديدة”، التي ستكلّف لجنة يعيّنها قيس سعيد بصياغة دستورها. ويُستفتى الشعب حول هذا  “الدستور”، بصرف النظر عن نسبة المشاركة، تحت إشراف “هيئة للانتخابات” عيّن قيس سعيد أيضا أعضاءها.

فباستبعاد الرئيس قيس سعيد لخيار الحوار الوطني الجامع والنهج التشاركي والسياسة الإدماجية، وإصراره على خطاب تقسيم التونسيين واستعداء مخالفيه وشيطنتهم، والمضي في فرض مشروعه الأحادي، من جهة. وبإصرار المعارضة على الدفاع عن مكاسب ثورة الحرية والكرامة في الحقوق والحريات ورفض الانقلاب عليها والخضوع لحكم فردي مطلق، من جهة أخرى. يبدو الوضع متّجها لمواجهة سياسية باتت شبه مؤكدة، وتيسارع الزمن السياسي لتونس باتجاه الحسم.

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 255 تونس  في 12 ماي 2022

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: