حوار جريدة الضمير في 31 جانفي 2014:العجب أن تلوّح بعض الأطراف بمعارضة الحكومة منذ تشكّلها.

العجب أن تلوّح بعض الأطراف بمعارضة الحكومة منذ تشكّلها.

حوار جريدة الضمير مع محمد القوماني

الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية

 

 

تونس في 31 جانفي 2014

حاورته أمينة قويدر

ما هو تقييمك للدستور الجديد ؟

الدستور الجديد الذي تم اعتماده في المجلس الوطني التأسيسي بأغلبية عريضة يعدّ تحقيقا فعليا لأحد أهداف الثورة. فهو  مكسب نوعي بما تضمنه  خاصة من تثبيت لأهم الحقوق والحريات وتجريم للتعذيب ولتزوير الانتخابات وتأكيد مرجعية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وتحقيق استقلالية السّلط الثلاث وتكاملها وضمان التداول السلمي على الحكم عبر الانتخابات الحرة والتعددية ووضع آليات للتعديل والرقابة وعلى رأسها المحكمة الدستورية، والاتجاه إلى تكريس اللامركزية واعتماد سلطة محلية وجهوية منتخبة. وهو بهذه التوجهات يعدّ أيضا صمّام أمان ضدّ مخاطر عودة منظومة الاستبداد والفساد. ولعل الوفاق الواسع حول هذا الدستور يؤكد استجابته لتطلعات النخبة التونسية بمختلف توجهاتها وخاصة في تثبيت تجذّر الشعب التونسي في هويته العربية الإسلامية وانفتاحه في آن على مكاسب الحداثة. وبصرف النظر عن بعض النواقص والتناقضات في بعض الفصول التي تبدو مفهومة في سياق المرحلة وتعكس الاختلافات في المجلس التأسيسي وفي النخبة، فإننا لا نبالغ حين نقول بأن دستور الثورة مثّل خطوة نوعية مقارنة بدستور الاستقلال  1959ويعدً مفخرة إضافية لتونس. ولا يفوتني أن أعبّر عن ارتياحي واعتزازي بهذا الدستور وتهنئة كافة التونسيات والتونسيين به.

ولعله من المهم الإشارة إلى أنّ الدستور وحده يبقى غير كاف، إذا لم يتم تنزيله في قوانين وسياسات وفيّة لما تضمنه من مبادئ واتجاهات، وما لم يُحمى بيقظة شعبية دائمة، وما لم يتحول إلى ثقافة مشتركة وممارسة جماعية.

بعد تشكيل حكومة جديدة والمصادقة على الدستور، قراءتك للمرحلة السياسية القادمة؟  

بعد المصادقة على الدستور وانتخاب هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وتزكية حكومة غير متحزّبة وغير معنية بالترشح للاستحقاقات القادمة، يمكن القول أن البلاد وضعت فعليا على سكة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي نصّ الدستور في أحكامه الختامية على أن لا تتجاوز السنة الحالية 2014، وأننا بهذه الخطوات خرجنا من أجواء الأزمة السياسية الحادة التي خيمت على البلاد منذ أكثر من سنة. ومن المأمول أن تنعكس النجاحات السياسية ايجابيا على الأصعدة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تتراجع التجاذبات حول السلطة التنفيذية تدريجيا، لتنصرف الأحزاب لعقد التحالفات السياسية والاستعداد للاستحقاقات الانتخابية، بما يتضمنه ذلك من انتقال في مواضيع الصراع بين الأحزاب المتنافسة ومجالاتها. غير أن هذا التفاؤل لا يستبعد استمرار الصعوبات والمخاطر، بما يجعل اليقظة مطلوبة من الجميع وبما يستوجب أداء مميّزا من الحكومة الجديدة التي أنصحها مجددا بتقريب جميع الأحزاب منها مع المحافظة على استقلاليتها، وأن تستحضر دوما جمع كلمة التونسيين وتعزيز الوحدة الوطنية وأن تتجنب المغامرات غير مضمونة العواقب وأن تكون واقعية في خطابها وبرامجها وتعمل على مصارحة الشعب وكسب ثقته.

هل باتت سياسة التوافقات بكل ما تحمله من تنازلات و ضغوطات، المخرج الوحيد لأزمة الصراع السياسي؟

التوافقات تظل مطلوبة دوما وخاصة في مراحل الانتقال الديمقراطي التي لم تقم فيها المؤسسات الجديدة ولم يتبلور فيها العقد الاجتماعي ولم يتم تحديد قواعد التنافس السياسي بمشاركة جميع الأطراف ورضاها، غير أن التوافق لا يجب أن يكون بديلا عن الشرعية الانتخابية والتنافس الديمقراطي الذي يجعل الشعب فعلا مصدرا للسلطة ورقيبا على الحاكمين من خلال الرجوع إليه دوريا عبر صناديق الاقتراع وإعطاء كل مواطن صوتا مساويا لأي ناخب آخر، مهما كان موقعه،  في مكافأة أو معاقبة أو منح الثقة لمن يتقدمون  للمسؤولية.

ولذلك بقدر ما نؤيّد سياسة التوافقات، فإنّنا لا نجعلها الأصل،  ولا نغفل على عيوبها ونواقصها، وخاصة لا نساير بعض الأساليب الخاطئة التي قد تنحرف بسياسة التوافق عن مقاصده النبيلة أو تجعل منه تحيّلا أو وصاية على الإرادة الشعبية.

كما نرفض التوافقات التي  تغيب فيها الشفافية أوتجنح إلى الترضيات على حساب المصلحة الوطنية أو تُعقد فيها صفقات من وراء ظهر الشعب وعلى حساب استقلال القرار الوطني.

ثنائية حكم ومعارضة هل ستنهي بشروع حكومة جمعة في عملها، وما رأيك فيمن يلوّح بمعارضة الحكومة منذ تشكّلها ؟

ثنائية حكم ومعارضة هي الأصل في نظام تعدّدي ديمقراطي، غير أن هذه الثنائية قلنا مرّات عديدة أنها ليست الصيغة المناسبة لمرحلة تأسيسية. فمن كان شريكا في الثورة، عليه أن يدافع عن حظوظه في المشاركة السياسية ويواصل إسهامه في إنجاح المرحلة وتحقيق أهداف الثورة. وأحسب أن عدم استحضار هذه الخصوصية في المرحلة الماضية جعل بعض الأطراف السياسية لا تتحمّل مسؤولياتها بالقدر الكافي في البناء، خاصة تلك الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، باعتبارها شريكة في السلطة اعتمادا على أن المجلس يعدّ السلطة الأصلية ومصدر بقية السلط. فالديمقراطية تكليف ومراقبة وليس تفويضا مطلقا لأي طرف.

ومع حكومة السيد مهدي جمعة التي أعلنها الرباعي الراعي للحوار الوطني، حكومة وفاق، تتأكد الحاجة إلى دعم هذه الحكومة وإسنادها سياسيا، خاصة من الأحزاب والمنظمات التي شاركت في الحوار الوطني وأمضت على خريطة الطريق. والعجب أن تلوّح بعض الأطراف، على غرار الجبهة الشعبية،  بمعارضة هذه الحكومة منذ تشكّلها.

غير أنه لا يجب أن ننسى أن بعض الأطراف الأخرى التي لم تشارك في الحوار الذي رعاه الرباعي أو كانت رافضة له، من حقها أن تعارض حكومة السيد مهدي جمعة. كما أن المعارضة التي تظل حقا ليست مطلوبة لذاتها، ولكن لا يملك أحد مصادرته، خاصة إذا ظهرت دواعي لمعارضة الحكومة، التي تظل تعمل تحت مراقبة المجلس التأسيسي والأحزاب وسائر المواطنين. وبالتالي لن تنتهي ثنائية حكم ومعارضة في هذه المرحلة. وقد يكون المطلوب العمل على تكريس هدنة اجتماعية عاجلة وحالة من الاستقرار تمهيدا للانتخابات، وليس مصادرة حق المعارضة.

حضرت الجلسة الممتازة لختم الدستور بباردو  وحفل التسليم والتسلّم بين الحكومتين المتخلية والجديدة بدار الضيافة بقرطاج، هل تصف لنا أهم ما استحضرته في المناسبتين؟

في الجلسة الممتازة لختم دستور الجمهورية الجديد الذي نال مصادقة الأغلبية الساحقة من نواب المجلس الوطني التأسيسي شعرت بالسعادة تغمرني خاصة في اللحظات التي تلت ختم الدستور من الرؤساء الثلاث وقام الجميع لترديد النشيد الوطني والهتاف بالوفاء للشهداء. فهذا الدستور الذي تعانق النواب بعد المصادقة عليه وفرح به عموم التونسيين وأشادت به أطراف عديدة بالخارج، مثّل مكسبا عظيما لتونس كما أسلفت القول. كما أننا في حزب الإصلاح والتنمية وفي الائتلاف الوطني راهنا على إنجاح المسار الديمقراطي وقد كنت مرتاحا جدا لما قطعناه من  خطوات هامة على هذا الدرب بالمصادقة العريضة على الدستور.

أما حفل التسليم والتسلّم بين الحكومتين فقد رأيته تقليدا ايجابيا يعمّق الشعور بأننا نتقدم فعلا في تكريس الديمقراطية والتداول السلمي على الحكم الذي تكرّر مع خمس حكومات بعد الثورة. لكن خصوصية هذا الحدث أن أعضاء الحكومة المتخلية كانت تعلو وجوههم الابتسامة وتظهر عليهم علامات الارتياح وهم يصافحون أعضاء الحكومة الجديدة وسائر الضيوف. وهذا أمر لافت حقّا.                                          

 هناك حديث عن إمكانية تحالف في المرحلة القادمة بين النهضة و نداء تونس، إضافة إلى أحزاب أخرى لم تستبعد إمكانية التحالف مع النهضة، كيف ترى ذلك، خاصة وأنّ حزبكم تجمعه مع النهضة جبهة الدفاع عن الشرعية وهل تقبلون أن يتحالف حزبكم مع هذه الأطراف؟

هذه مجرّد إمكانات ذهنية كما أشرت في سؤالك، أراها مستبعدة في الواقع. والأصل أن نداء تونس جاء لخلق التوازن السياسي فما الفائدة من تحالفه مع الطرف المنافس له، وماذا ستكسب البلاد من هذا التحالف؟

وما أراه مفيدا وممكن التحقق هو أن تُبنى الثقة بين النهضة ونداء تونس وبين سائر الأحزاب، وأن يتوارى منطق التنافي وخطاب الإقصاء، وأن تتم تسوية على أساس التنافس الديمقراطي والاحتكام لشرعية الانتخابات. وقد يكون التحالف واردا في الحكم، حسب نتائج الانتخابات القادمة، أما قبل ذلك فلا أرى التحالف ممكنا بين الأحزاب المتباعدة في الرؤى.

ومن جهتنا في حزب الإصلاح والتنمية نرفض خلط الأوراق، وقد اخترنا أن نكون في تحالف مع حركة النهضة وأحزاب أخرى للدفاع عن الديمقراطية وعن الانتخاب ضد الانقلاب، وأن نراهن على إنجاح المسار الديمقراطي.  وسنضلّ منحازين للثورة وعاملين على تحقيق أهدافها ويقظين لمنع عودة النظام القديم. ونرفض التحالف مع من لا نراهم في صفّ الثورة أو مع من لا نشاركهم اختيارات جوهرية. وأعتقد أن التحالفات الانتخابية لم تتشكل بعد. وأن سيناريوهات ما بعد الانتخابات يصعب التكهّن بها الآن.

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: