حوار جريدة الصحوة في 11 أوت 2015: الأمور آلت الى كارثة في عهد النداء

 

حوار جريدة الصحوة  11 أوت 2015

حوار: منير بلغيث 


إن كانت الامور قد تدهورت في مدة سنتين في عهد الترويكا فإنها آلت الى كارثة في عهد النداء

  • الطرف الفاعل في الحكم اليوم هو جزء من المنظومة القديمة المرسكلة
  • قرار الطوارئ أسبابه اجتماعية وسياسية أكثر منها أمنية وهو لا دستوري
  • تراجع منسوب الحراك الاجتماعي ليس مرده الإعلان عن حالة الطوارئ بل بفعل أجواء الصيف
  • السياسة المتبعة تغذي الارهاب ولا تقضي عليه
  • أغلب القوى السياسية متفقة على أن مشروع المصالحة ضد العدالة الانتقالية وهو تكريس للإفلات من العقاب
  • أنا لا أتردد في تحميل النهضة المسؤولية الرئيسية لما آلت اليه البلاد، خاصة في موضوع العدالة الانتقالية

 

أجريت معه حوارا وهو رئيس لحزب سياسي وطرف في المعادلة الحزبية للبلاد، واليوم إلتقيته، بعد أن اعتزل الممارسة الحزبية وفضّل أن يكون ناشطا سياسيا، لأسأله عن آخر المستجدات المحلية وعن توقعاته المستقبلية للبلد، فكان هذا الحوار الشامل معه:

  • تم حل حزبكم بصفة رسمية الاسبوع الماضي، هل مازلتم مقتنعون بهذا القرار؟ وما هو مستقبلكم السياسي بعد هذا القرار؟

نهاية الاسبوع الماضي قدّمنا رسميا إعلاما لرئاسة الحكومة بحل حزب الاصلاح والتنمية وبتصفية ممتلكاته وفق مقتضيات القانون وهي خطوة أتت لإضفاء الطابع الرسمي على قرار اللجنة المركزية المنعقدة في 22 مارس الماضي، وأسبابها كنا قد تعرضنا لها في حوار سابق، ولعل أهم سبب هو المناخ السيئ التي تجري فيه العملية السياسية حيث أصبحت اليد الطولى لأصحاب النفوذ ورؤوس الاموال وهي التي تتحكم في العملية السياسية برمتها، فأفسدت العمل السياسي وقضت على العمل الطوعي عند المواطن.. وأعيد القول أن الزوارق الحزبية أثبت عدم قدرتها على المواجهة والمنافسة في خضم اختلال موازين القوى على الساحة السياسية، وبعد نحو ستة أشهر من هذا القرار تبين لنا أننا كنا على صواب وأن الرافعة للأحزاب الاجتماعية صعب أن تتحد وستظل مجهوداتها مبعثرة كما هي الآن، فكل الدلائل تقول بأن تونس لا تعيش منافسة حزبية جدية.

  • تقييمكم وبشكل إجمالي لعمل الحكومة منذ تسلم الحبيب الصيد لمهامه ؟

لم يعد خافيا على أي متابع أن الامور منذ الانتخاب والى الآن صارت الى الأسوأ على جميع المستويات، على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي والمناخ العام للبلاد. فاذا كانت الاوضاع تدحرجت في عهد الترويكا على مدى سنتين فإنها تراجعت في أشهر قليلة وهي على أبواب الانهيار في ظل حكم بقيادة نداء تونس، وتصريح رئيس الجمهورية الذي عقب عملية سوسة الارهابية كشف بما لا يدعو للشك الحالة المتدهورة التي وصلت اليها الاوضاع في البلاد، فقد قال بالحرف الواحد أنه لو تكررت عملية أخرى مثل عملية سوسة فإن البلاد ستنهار، وهو تصريح لا يجب أن يصدر عن القائد الاعلى للقوات المسلحة والمتصدر لأعلى هرم السلطة، فعدد شهداء المؤسسة الامنية ارتفع والارهابيون أصبحوا قادرين على القيام بعمليات نوعية تضرب أماكن سيادية كما وقع في باردو وضرب عصب الاقتصاد التونسي والموسم السياحي في ذروته.. وأمام افتقادها لأي حلول لم تجد الحكومة أمامها سوى المعالجة الامنية بإعلان حالة الطوارئ وعودة القبضة الامنية الحديدية كما كانت في عهد بن علي بقوانينها ورجالاتها وهي لن تحل المشاكل بل ستزيدها سوءا.

  • البعض يقول منذ أن تسلم النداء زمام الامور لم يعد للدستور أي فاعلية، بعد عودة تركز السلطة لدى رئاسة الجمهورية، ما قولكم في هذا؟

الطرف الفاعل في الحكم والذي أفرزته الانتخابات، للأسف، هو جزء من المنظومة القديمة المرسكلة، والتي لا تؤمن في الحقيقة بقيم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والتفريق بين السلطات وكل ما جاء به دستور 2014، لذلك منذ فوز النداء في الانتخابات بدأنا نشاهد فرض رغبتهم الجامحة في عدم احترام الدستور وإعادة مركزية رئاسة الجمهورية وآليات حكم العهد السابق. واختيار رئيس حكومة “محايد” في ظاهره إعطاء رسالة إيجابية أن النداء لا يحتكر الحكم، ولكن في الحقيقة هو محاولة إخضاع رئاسة الحكومة الى قرارات رئاسة الجمهورية.

  • حالة الطوارئ التي تم التمديد فيها كيف تقيمون نتائجها؟

إعلان حالة الطوارئ جاء خلافا لرغبة الحكومة ورغبة مجلس الامن القومي، يعني أن رئيس الدولة امتنع عن هذا الامر ثم تراجع عن ذلك وفي خطوة أحادية الجانب أخذ هذا القرار وهو إضعاف للحكومة.. وقرار الطوارئ لم ينجح رئيس الجمهورية في توضيح أسبابه، ويبدو أن أسبابه إجتماعية وسياسية أكثر منها أمنية، وأنا أسميته قانون الطوارئ لتمرير القرارات الصعبة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وقد رأينا البعض منها في مشروع المصالحة المالية والبقية ستأتي في علاقة بهذا المشروع، والقرار في حد ذاته والتمديد فيه لا دستوري، ففي غياب المحكمة الدستورية لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذ مثل هذا القرار والتمديد فيه.

  • منذ أن تم الاعلان عن حالة الطوارئ والبلاد تعيش حالة استقرار أمني واجتماعي هكذا يدعي مؤيدو الطوارئ، فكيف تردون عليهم؟

حسب رأيي تراجع منسوب الحراك الاجتماعي ليس مرده الإعلان عن حالة الطوارئ بل بفعل أجواء الصيف والاجواء الصيفية المعروفة في تونس. للتذكير بن علي كان يعتمد نفس الشيء لتمرير بعض الخطابات ضد المعارضة والزيادة في الاسعار مستغلا الصيف والاجواء الخاصة به وهي ظرفية مؤقتة سنرى مع حلول الخريف وفصل الشتاء إن كانت حالة الطوارئ هي وراء خمود الاحتجاجات أم لا، ثم إن الطوارئ كان موجودا في عهد الترويكا وتم إلغاؤه وهو لم يحل المشاكل في حينها فهل بإمكانه اليوم حلها؟ في حالة وحيدة يمكنه ذلك إذا تمت إعادة المنظومة الامنية القديمة بكل سلبياتها للعمل وهي نتائج غير مضمونة لأن التعدي على الحرية الشخصية والتضييق من الحريات بحجة الاستقرار الامني يمكن أن يتولد عنه نتائج عكسية وينفجر الوضع من جديد.

  • المعارضون لكم يقولون إن كل الاجراءات المتخذة فرضتها ضرورة الواقع وللحد من الارهاب؟

الادعاء بأن إعادة القبضة الامنية فرضه واقع الاحداث هو ادعاء باطل لان العمليات التي وقعت في عهد النداء أخطر بكثير من عهد الترويكا وهي أشد ألما من سابقاتها وبالتالي الى حد الآن لم يثبتوا أنهم أكثر صرامة في التعامل مع الظاهرة الارهابية علما أن المعالجة الامنية وحدها أثبتت عدم نجاعتها في القضاء على الارهاب، وأنا دائما استحضر النموذج الامريكي الذي أراد القضاء على طالبان في أفغانستان فنراه يتخبط في مواجهة هذه الظاهرة بل كانت نتائجه عكسية بظهور تنظيمات أكثر تطرفا من طالبان .

  • تقييمكم لقانون الارهاب الذي تمت المصادقة عليه أخيرا؟

إقرار هذا القانون المعدل من جهة هو عودة للمنظومة القديمة، ولن يساعد حسب اعتقادي في الحد من الظاهرة الارهابية ونحن نعلم أنه في الفترة التي سبقت كان يطبق قانون 2003 الذي وضعه بن علي فهل استطاع القضاء على هذه الآفة؟، ومن الناحية الاخرى أنا أعتقد أن المصادقة عليه من قبل من عارضوه في عهد بن علي هو عبارة عن سقوط أخلاقي لهذه النخبة التي كانت تدعي أنه قانون سيء الذكر وأنه يخدم الاجندات الامريكية وينتهك حقوق الانسان فأعيد صياغته محافظا على نفس بنوده بنفس التعريفات ونفس المضامين، بل تضمن أشياء أشد قسوة من قبل وذكر حكم الاعدام في أكثر من مناسبة. لذلك أعتبر إقرار قانون الارهاب بالصيغة التي هي عليه الآن لا يضمن التوازن بين الصرامة الامنية وحقوق الانسان ويطلق يد المؤسسة الامنية والقضائية لتنتهك حقوق الانسان، خاصة أن الامن حسبما يتردد الى مسامعي لم يغير من أساليبه القمعية في الملاحقة والايقاف.

  • يرد عليكم البعض أنكم تمارسون المعارضة من أجل المعارضة فأنتم ضد قانون الارهاب وحالة الطوارئ وتعافي الامن، فماهي المقاربة الناجعة حسب رأيكم لمقارعة آفة الارهاب؟

أكبر هزيمة للإرهاب كانت في انتصار الربيع العربي لان الثورات السلمية أعطت رسالة للقاعدة والتنظيمات العنيفة أن التمشي السلمي يمكن أن يغير الانظمة، لكن الانقلاب الذي حصل ضد الاخوان من شأنه أن يغذي الحركات العنيفة مجددا، فما فعله السيسي في رأيي الشخصي هو أكبر دعم للإرهاب، كما أن السكوت على أكبر مجزرة ارتكبت في حق المدنيين وهي اعتصام رابعة وغيره هي رسالة لصالح تأجيج  العنف.. في تونس ما قيل أن الارهابيين عددهم قليل وأن لا حاضن لهم تكسر مع الوقت وتبين لنا أن عدد التونسيين الذين يتبنّون الارهاب والعنف عددهم بالآلاف ولهم حاضنة  فكرية واجتماعية ولذلك يجب أن يصاحب المعالجة الامنية والعسكرية سند شعبي، فنحن اليوم نرى أن المعالجة الامنية تتصاعد لكن غير مدعومة شعبيا، ثم وجب وضع آليات للمعالجة الثقافية والفكرية والمقصود بها كيف نواجه الفكر التكفيري بالحجة والبرهان وهنا نلاحظ غياب شبه كلي للدولة فأين برنامج تكوين الخطباء، وأين الفضاءات الثقافية لتلاقي الشباب وتبادل الافكار وأين …؟،فأنا لم أرى أي رؤية لمعالجة فكرية وسياسية خارجة عن فكرة الاستئصال وخارجة عن إطار السب والتحقير والازدراء، ثم أنا أرى أن السياسة المتبعة تغذي الارهاب ولا تقضي عليه باتباع أسلوب الخطاب العدائي وأسلوب استفزاز الناس في دينهم مثل قول “خمارتنا أفضل من  مساوئ مساجدكم” ولما تتم مهاجمة الشباب المتدين والسلفي وأخذهم بجريرة أفعال لم يرتكبوها وهو يغذي بطريقة غير مباشرة الارهاب، والتقارير تقول أن الذين يدخلون الى مراكز الايقاف يخرجون أكثر نقمة على الجهاز الامني ويتعاطفون مع المتطرفين دينيا.

  • ونحن نتحدث عن الارهاب وقعت مؤخرا عملية إرهابية صهيونية لا تقل بشاعة عن الارهاب المسلط علينا من طرف الجماعات التكفيرية لكن لم نرى ردود فعل ترتقي الى مستوى هذه الجريمة البشعة، فما مرد ذلك حسب تقديركم؟

إرهاب الكيان الصهيوني هو إرهاب عنصري ومعلوم وكنا ننعتها بأنها دولة إرهابية وما قام به مستوطنوها مؤخرا ليس غريبا بل الغريب والذي يدعو للقلق هو الصمت العربي الرسمي والشعبي الذي لم يسبق له مثيل، ونحن للأسف نصنّع في دولة عربية إرهابية كما نشاهد أن الارهاب يمارس في أكثر من دولة عربية وعوض أن يتم توحيد الصفوف لمواجهة هذا العدو المشترك نجحت إسرائيل في أن تجعل الصراع عربي-عربي وبغض النظر عن القضية الفلسطينية فالمواجهة الدموية بين الحركات التكفيرية وبين إرهاب الدولة كان أكبر مستفيد منه هو إسرائيل الذي تراجع اهتمام العرب بالاحتجاج عليها، فللأسف أنت اليوم تلاحظ أنه أصبح يصرح للملأ أن الحركة الفلانية أسوء من الكيان الصهيوني.

  • قانون المصالحة كبقية مشاريع القوانين أثار لغطا كبيرا كيف تقيمونه أنتم كملاحظ وناشط سياسي ؟

ما صرح به محسن مرزوق مؤخرا بأن المصالحة التي يعمل عليها نداء تونس هي أشمل من المصالحة المالية تؤكد ما صرح به رئيس الجمهورية في عيد الاستقلال بأنه ينوى التسريع في المصالحة والتي قدم فيها مشروع قانون مبدئيا جاء لهدفين: أولا لتقويض مبدأ العدالة الانتقالية وليكافئ رجال أعمال ساهموا في تمويل  الحملة الانتخابية للنداء وقائد السبسي ثانيا، وبالتالي هذا القانون يفرغ قانون العدالة الانتقالية من مضمونه الاساسي ويجزئها في مسائل مالية وغيرها، ثم إن مشروع المصالحة يقترح إحداث هيئة تابعة لرئاسة الحكومة تعتني بملفات الفساد المالي، هذه الهيئة أولا اعتدت على الحق التشريعي لمجلس النواب، ثم إنها تعوض فعليا هيئة الحقيقة والكرامة في مهامها، ثم إن مجرد اعتراف أحد الفاسدين بما اقترفه لا يسقط التتبع العدلي له وحق المصادرة عنه، وهي أكبر خدمة نقدمها للمفسدين للإفلات من العقاب، ويبدو أن أغلب القوى السياسية متفقة على أن مشروع المصالحة ضد العدالة الانتقالية وهو تكريس للإفلات من العقاب.

  • البعض يتهم النهضة بأنها وراء الانتكاسة التي عرفتها الثورة التونسية، فهل تشاطرون هذا الرأي؟

أنا لا أتردد في تحميل النهضة المسؤولية الرئيسية لما آلت اليه البلاد، خاصة في موضوع العدالة الانتقالية الذي تأخر كثيرا عن موعده، وثانيا وضع قانون فيه الكثير من الثغرات والمدة الطويلة التي أخذه لإصداره، وهيئة الحقيقة والكرامة التي انتخبت في إطار المساوات السياسة، وبالتالي فالنهضة هي المسؤولة عما يحدث في البلاد والانتكاسة التي شهدها الانتقال الديمقراطي. وبالتالي أعود لأقول إن كانت الامور قد تدهورت في مدة سنتين في عهد الترويكا فإنها آلت الى كارثة في عهد النداء.

  • في الختام، أنتم تقرون بفشل ما يسمى بثورات الربيع العربي؟

تقديري الشخصي أن ثورات الربيع العربي كانت ثورات حقيقية رغم خصوصيتها وفتحت آفاقا جديدة أمام العرب ليخرجوا من حالة الاستبداد التي دامت لقرون ويدخلوا عصر الديمقراطية، لكن للأسف هذه الثورات تم وأدها إما من قبل أصحابها أو من قبل من وصلوا للسلطة وأظهروا عدم قدرتهم على إدارة شؤون البلاد أو من طرف النخب العربية التي التهت بالمناطحات الفكرية وأغرقت بلدان الربيع العربي بمشاكل غير حقيقية لا تهم المواطن في شيء.. في الحقيقة ما حدث سنة 2011 من موجة الثورات العربية، فتح على العرب أبواب صراع دموي طويل بين التكفيرين وأنظمة الاستبداد الاستئصالية والبديل عن هذه الثورات كان العنف والذي نشاهد نتائجه الوخيمة يوميا من إراقة دماء الابرياء بدون مبرر.

 

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: