محلل سياسي: حركة النهضة لا تفصل بين الإسلام والسياسة وإنما تميز بينهما

يثير المؤتمر العاشر لحركة النهضة، الذي يمثل لحظة فارقة في تاريخ العمل، عددا من الإشكاليات، في علاقة بمستقبل “الإسلام السياسي” في تونس، وفي تركيز مصالحة حقيقية بين حركة النهضة والشعب التونسي الذي يتخوّف جزء منه، خاصة العلمانيين المنادين بفصل الدين عن الدولة، إحداث تغيير جوهريّ في نمط العيش، وهو ما قد يحدث شرخا وانقساما بين جهات تونس.
وتساءلت النخب التونسية عن حقيقة إعلان نهاية “الإسلام السياسي” في تونس، عقب اختتام فعاليات المؤتمر العاشر لمؤتمر حركة النهضة، بين مؤكد وبين معتبر أنّ هذا الإعلان مجرّد “وهم”.
وحتى نقف على مجمل الإشكاليات المطروحة، من خلال ما تناولته لوائح المؤتمر من قرارات جريئة في لوائحه، فقد أكد الكاتب والمحلل السياسي محمد القوماني أنّ رئيس الدولة تردّد في الحضور، لكنه جاء “ليثمّن الجهود المبذولة من طرف حركة النهضة، سواء في التوافق الوطني أو في تطوّرها الفكري والسياسي، حتى أصبحت تونسية قلباً وقالباً، وتدرّجت نحو أن تصبح حزباً مدنيّاً وطنيّاً”.
وتابع القوماني مشيرا إلى تأكيد راشد الغنوشي على المصالحة الوطنية التي تهدف إلى الشراكة والوحدة الوطنية وركوب الجميع سفينة تونس مطمئنين، مؤكداً أنّ عصر “المصالحات الكبرى” يجب أن يشمل المنطقة الكبرى، كما سمّاها، في إشارة إلى ليبيا، وربما يشمل أقطارا عربية أخرى، وأساسًا مصر، وهو ما يثبت أنّ الغنوشي منخرط في مسار إصلاحي استراتيجي وليس مجرّد تكتيك كما يشير إلى ذلك بعض المشككين.
حزب سياسي وطنيّ
وحول التحوّل إلى “حزب سياسي وطني يقطع مع الشمولية العقائدية واحتكار النطق باسم الدين” كما أشار إلى ذلك الرئيس السبسي في كلمته، أوضح المحلل السياسي محمد القوماني أن السبسي، هنا، يقرّ حالة واقعة في حركة النهضة منذ مدّة، ستتركز أكثر في المؤتمر العاشر، لأنّ النهضة ومنذ تأسيسها في 1981 ذكرت في بيانها التأسيسي أنها “لا تحتكر النطق باسم الإسلام” لكنها ظلت عملياً تمارس نوعاً من الخطاب العقائدي الذي لا يعطي مصداقية لهذا الإعلان، وبقيت لفترات طويلة تتحدث عن “أسلمة المجتمع” و”بناء الدولة الإسلامية” و”تحكيم الشريعة”.. وهذا الأمر بدأت حركة النهضة تتخلى عنه تدريجيا خاصة بعد محنة التسعينيات وهي الآن مصرّة على حسمه بشكل حاسم في إحدى لوائحها التي سمّتها “سبل إدارة المشروع”، أي الفصل بين الدعوي والسياسي.
واعتبر القوماني أنّ هذه العبارة “غير مناسبة” لأن حركة النهضة تخلت منذ مدة عن اعتبار تونس “أرض دعوة” و”اعتبار المجتمع جاهليا يحتاج إلى دعوة جديدة إلى الإسلام، وهي تقول الآن بأنها “حزب سياسي يدافع عن الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ويسهم في التنمية وحلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية..”.
وغيّرت حركة النهضة من معجمها بشكل جذري وهي الآن تغير حتى من رؤيتها الفكرية السابقة، وهي بالتالي تتغير كما قال الغنوشي من “حركة إحيائية عقائدية” إلى “حركة احتجاجية” في تسعينيات القرن الماضي، من أجل الحرية والديمقراطيات، إلى “حزب سياسي وطني” يريد أن يسهم في بناء الدولة الوطنية، وقد أراد السبسي مباركته والدفع به إلى الأمام.
لا فصل بين الإسلام والسياسة
وحول القول بنهاية “الإسلام السياسي” في تونس، يرى القوماني أنّ “أيّ تحولات عميقة في أي حزب تجابه عادة بتمنّعات من قبل أطراف داخل ذلك الحزب”، ولذلك فقد لاحظ أن قيادة حركة النهضة، بما في ذلك الرعيل لهذا التحولّ التاريخي الذي سموّه “الانعطافة الاستراتيجية” كانوا حذرين في إعلان هذا التحوّلات أي أنهم يقولون نحن لا نقطع مع القديم وإنما نتطور، وبالتالي فحركة النهضة تدخل مرحلة أخرى مختلفة عمّا عرف سابقاً بـ”الإسلام السياسي”، لأنّ أهم فكرة كانت لدى حركة الإسلام السياسي للإخوان المسلمين هو “تكريس الإسلام كنظام للحياة”، ومن خلال مقولة “الدولة الإسلامية”، و”المجتمع الإسلامي” و”البديل الإسلامي”.
وأشار إلى أن حركة النهضة، و”علنيّاً” وفي خطابها تخلّت “كلّياً” على هذا المعجم وأصبحت تركز على التنمية والديمقراطية والعدالة والوحدة الوطنية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، وهي مصطلحات مشتركة مع بقية الأحزاب السياسية الأخرى بالرغم من أنها قد تختلف في المضمون.
نسخة جديدة
وبالتالي فإنّ المؤتمر العاشر لحركة النهضة، بحسب المحلل السياسي محمد القوماني، إمّا أنه سيخرج حركة النهضة في نسخة جديدة من “الإسلام السياسي” إذا اعتبرنا أنها حافظت على مرجعيتها الإسلامية وقالت صراحة “إنها لا تفصل بين الإسلام والسياسة وإنما تميّز بينهما” ولا تضفي أي قداسة على أفكارها أو برامجها من خلال مرجعيتها وإنما تتنافس من خلال جدوى ما تقدمه، معتبراً أنه تطوّر مهمّ على مستوى المضمون ويعني نسخة جديدة من الإسلام السياسي أو أنّ حركة النهضة تدخل في مرحلة، مثلما تعرضت إلى ذلك في كتابي الأخير “ما بعد العلمنة والأسلمة”، ويبدو أنّها استخلصت بأنّ نزعتها إلى أسلمة المجتمع على غرار جماعات أخرى في البلدان العربية والإسلامية ، لم تنجح لأنّ الأسلمة مرفوضة، والمطلوب هو التجديد وإصلاح مجتمعاتنا وليس إدخالها إلى الإسلام من جديد، كما أنّ نزعات العلمنة القسرية على الطريقة الغربية باءت هي الأخرى بالفشل، واليوم، يقرّ الجميع بأهمية الهوية العربية الإسلامية وأنّ الحداثة يجب أن تكون متساوية مع هويتنا، وهذا ما يقصده الرئيس السبسي بأنها دولة مدنية في بلد مسلم وهو ما يوشي به الفصل الأول من الدستور التونسي.
وبالتالي، يقول القوماني إن المرحلة الجديدة، في تونس، وخارجها، من بقية البلدان العربية، ستتجه إلى “عمل خارج سياقات العلمنة والأسلمة” التي ردحت لها الساحة الفكرية والساسية لمدة تتجاوز القرن، لكنّ هذا التحول لن يحصل بين عشية وضحاها، ولا بد من الاشتغال الجدي عليه، وبالطبع ستعارضه أطراف من اليمين ومن اليسار، ولكنه سيكون الخطّ الغالب مستقبلاً.
وأوضح الأستاذ محمد القوماني أنّ هناك من يشكك في مصداقية حركة النهضة ويعتبرون ما تعلنه مجرد خضوع للإكراهات أو “تكتيك”، وهؤلاء لم يغادروا في الحقيقة منطق الاستقطاب والتنافي وإقصاء حركة النهضة أيديولوجيا وسياسيا، وهؤلاء لا بدّ أن يراجعوا مواقفهم وأن يشجعوا أي اتجاهات إيجابية والاختبار الحقيقي يكون من خلال الممارسة.
عادل الجبالي- التقرير

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: