حوار العرب القطرية: الإعلام كان الحلقة الأضعف .. وتونس تستحق انتخابات أفضل من تونس
حوار العرب القطرية بتاريخ 25 أكتوبر 2009
محمد القوماني الوجه البارز لقائمات “الإصلاح والتنمية” للعرب
الإعلام كان الحلقة الأضعف .. وتونس تستحق انتخابات أفضل من تونس –
حاوره – محمد الحمروني
هو ناشط سياسي بارز، خاض تجارب فكرية وسياسية مختلفة كان آخرها مشاركته مع مجموعة من رفاقه ضمن الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض. وقبل بضعة اشهر من الآن أعلن خروجه من التقدمي بعد أن وصلت التجربة كما قال الى نهايتها. أصدر مع جملة من رفاقه عدة نصوص حول التنمية السياسية ضمنوها خلاصة رؤيتهم لسبب العطالة التي تصبغ الحياة السياسية التونسية والحلول التي يرونها ممكنة. فاجأ الجميع بإعلانه الدخول في الانتخابات التشريعية بثلاثة قوائم قبلت منها اثنان منها واحدة في العاصمة تونس. وفي هذا الحوار يقدم محمد القوماني فكرة عن مشاركة مجموعته في هذه الانتخابات وعن أهم الصعوبات التي تعرضت لها وغيرها من القضايا ذات الصلة .. وهذا نص الحوار.
لو تعطينا فكرة عن قائماتكم وعن مشاركتها هذه في الانتخابات ؟
قائمات الإصلاح والتنمية التي تقدمت للانتخابات التشريعية المقررة ليوم الأحد 25 من الشهر الجاري ضمت شخصيات سياسية من نشطاء المجتمع المدني (نقابيون وحقوقيون وسياسيون) كانت لهم آثارهم الواضحة خلال العقدين الأخيرين في تحمل مسؤوليات متنوعة في المجتمع المدني .. وعزموا على المشاركة في هذه الانتخابات بعد أن نشروا نصوصا سياسية تحت عنوان “نصوص في التنمية السياسية” عبروا فيها عن مقاربتهم لتطوير منظومة المشاركة السياسية في تونس ونسق الإصلاح السياسي والأجندة التي يمكن أن يتخذها من اجل أن يكون متساوقا مع بقية مسارات التنمية في البلاد.
هذه الانتخابات وجدناها فرصة لنتفاعل مع الناس حول هذه الأفكار ولكي نمارس مواطنتنا مقتنعين بان تفعيل المواطنة هو البوابة الرئيسية لتفعيل دولة الحقوق وتطوير المشهد ببلادنا. ونحن نعتبر أن الانتخابات هي اكبر محطة تشد فيها أنظار الناس ووسائل الإعلام المحلية والدولية إلى تونس ولم نرد أن نكون بعيدين عن هذا الوضع. وأخيرا أردنا أن نشارك في هذه الانتخابات لكي نكون طرفا في المشاركة وطرفا في تقييمها فيما بعد.
أنت قدمت المجوعة التي تشارك في الانتخابات باسم “الإصلاح والتنمية” وكأنها مجموعة من الأنفار الذين ينتمون إلى مشارب مختلفة بينما يعلم الجميع أن النواة الصلبة لهذه المجموعة تلتقي على خلفية ثقافية موحدة باعتبارها تنتمي إلى التيار الإسلامي التقدمي؟
الإصلاح والتنمية فيها الكثير من العناصر لم تكن لهم أية صلة بمجموعة الإسلاميين التقدميين سابقا وخاصة الوجوه الشابة التي دخلت الحياة العامة بعد أن انتهت تجربة الإسلاميين التقدميين بسنوات، فهؤلاء لا علاقة لهم بالتجربة السابقة ومنهم من له ميولات ماركسية ويسارية وانضموا إلى هذه التجربة بعد أن التقينا في الحزب الديمقراطي التقدمي واتفقنا على مقاربتنا لأسباب تعطل الحياة السياسية وأزمة المعارضة والطرق المطلوبة لتعامل أفضل مع الملف السياسي في تونس، على أن هذا لا ينفي أن بعض الوجوه معروفة بتجربتها الإسلامية التقدمية السابقة وأنا واحد منهم وافخر بأنني كنت ضمن تيار يتبنى أفكارا تجديدية في الساحة الإسلامية وهذا عزز رصيدنا السابق ولكننا الآن نتقدم بصفتنا تيار سياسي وبصفتنا شخصيات تعمل على تطوير مشروع سياسي يجعل الإصلاح السياسي من أولياته ويهتم بقضايا المجتمع وهموم الناس …
كيف تقيمون مشاركتكم في هذه الانتخابات؟
نحن أعلنا منذ البداية أن مشاركتنا رمزية في هذه الانتخابات، ولذلك اكتفينا بالتقدم بثلاث قائمات واحدة في الجنوب لم تتمكن من الحصول على الوصل النهائي ولم تتمكن من المشاركة، وقائمتان أخريان واحدة في العاصمة حيث الثقل الإعلامي والسياسي وخاصة أننا اخترنا دائرة تونس 1 ، المدينة الرئيسية للعاصمة، وقائمة ثانية في زغوان ترأسها احد الشبان المشاركين في هذه التجربة. وعندما نقول إن هذه المشاركة رمزية فلا يعني ذلك أنها شكلية لان رهاننا الأساسي ليس انتخابيا ولكنه رهان سياسي وفق الأهداف التي المحنا إليها سابقا .. ونحن أردنا أن نشارك بجدية فدخلنا إلى المعترك بعد أن حصلنا على الوصل النهائي واعددنا برنامجا للحملة الانتخابية وتقدمنا للإدارة بالوثائق المطلوبة من اجل حجز حصتنا في وسائل الإعلام وفي المعلقات .. عموما تمكنا إلى حد ما من المشاركة بما توفر لدينا من موارد مالية محدودة وموارد بشرية متواضعة لكن مع ذلك نعتبر أن مشاركتنا كانت جدية مثلما قررنا منذ بداية الحملة.
صحيح أننا وجدنا بعض الصعوبات التي نتفهمها ولكننا لا نبررها ونعتقد أن مستوى حرية التعبير في هذه الانتخابات كان دون ما يستحقه التونسيون ولا يعكس ما تزخر به تونس من تعددية فكرية وسياسية وإمكانات وطاقات تقنية، ويمكن القول أن الإعلام كان الحلقة الأضعف في هذه الانتخابات، فلم نشهد حوارات سياسية بين المرشحين للرئاسية ولم تحصل حوارات بين المرشحين للانتخابات التشريعية، ولم ينفتح التلفزيون عدا عن التدخلات التقليدية والمملة للمترشحين (5 دقائق لكل مترشح) .. ونحن نأسف لمستوى التضييق الذي حصل في هذه الحملة.
يبدو ان هذا التضييق كان عاما وشمل الجميع حتى الموالاة؟
هذا التضييق لم يكن خاصا بنا.. كان عاما وشمل حتى الأحزاب البرلمانية والأحزاب المحسوبة على السلطة التي تعرضت هي أيضا للتضييفات خلال تقديمها للترشحات أو خلال الحملة الانتخابية. هذا التضييق مرده إلى الصراع بين جاذبيتين في المجتمع كما في السلطة .. بين جاذبية التسلط وجاذبية الديمقراطية. في رأيي هناك اتجاهات داخل السلطة مازالت محترزة ومحافظة زيادة عن اللزوم من التعددية الفعلية والتنافسية السياسية وهي تحاول أن تضع عراقيل مختلفة مستندة إلى القانون أحيانا، ومستندة إلى تقييمات خارجة عن القانون في أحيان أخرى.. وهنالك في السلطة وفي الإدارة من يريد الجذب نحو احترام أكثر للقانون واحتراما أكثر للتعددية الفعلية وللمنافسة السياسية، وبين الجاذبيتين تفاعلنا بمرونة مع جاذبية الشد إلى الوراء وتفاعلنا بايجابية مع جاذبية التشجيع على التعددية والمشاركة. فكنا مرنين ولكنّا أيضا كنّا حازمين في أن نمارس دورنا كمرشحين كاملي الحقوق في هذه الانتخابات.
كيف تقيمون هذه الانتخابات بالمقارنة مع الانتخابات التي جرت سنة 2004؟
نحن عبرنا قبل الانتخابات عن أملنا في أن تكون انتخابات 2009 أفضل من سابقاتها، وان تمهد لانتخابات أكثر تنافسية في الانتخابات القادمة المنتظرة في2014 ، ولكن هذا مأسوف عليه عمليا في نهاية هذه الحملة نرى أن هذه الانتخابية كانت أدنى من سابقاتها وان درجة التضييق والرقابة وحصر مجالات المنافسة كانت أكثر من الانتخابات السابقة. ناسف لهذا ولكن سنعمل على تطويره من خلال تقييم هذه الانتخابات بعد أن تنتهي، وهذا رهين إرادة سياسية للسلطة وان يثق المسئولون أكثر بمنافع الانفراج السياسي والمشاركة في التعددية .. ولكنه رهين أيضا في ان تلعب النخب دورا اكبر وان يعود المواطنون إلى الساحة العامة وفي نفس الوقت هذا رهين تغييرات على القوانين المنظمة للحياة العامة بدءا بالمجلة الانتخابية التي تنظم الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية والتى تحتاج في نظرنا إلى مراجعات جذرية من اجل أن تعطي أكثر مصداقية لحياد الإدارة ومن اجل أن تشرك المتنافسين في الانتخابات في بعض الإجراءات والقوانين. وربما تأكد أكثر من أي وقت سابق الحاجة إلى هيئة وطنية ذات مصداقية ومستقلة تشرف على الانتخابات لان الدور الذي لعبه المرصد الوطني للانتخابات كان دورا ايجابيا في بعض وجوهه، لأنه حاول أن يذلل بعض الصعوبات، ولكن تبقى صلاحيات هذا المرصد محدودة جدا ويجب تمكينه من سلطة القرار بما يجعله أكثر مصداقية واستقلالية.
انتم طرحتم أنفسكم كبديل لعض الأطراف الموجودة على الساحة فما الذي يميز طرحكم ؟
نحن نختصر تميزنا في الساحة السياسية في ثلاث مستويات. فنحن تميزنا في خطابنا الذي بلورناه في جملة من النصوص سميناها نصوص في التنمية السياسة أكدنا فيها على ضرورة أن نقطع مع منطق التنافي في الساحة السياسية، ومنها منطق البديل ومنطق أن شرعية أي طرف لا تقوم إلا بنسف شرعية الطرف الآخر أو المقابل.. نحن نعتقد أن تونس تتسع للجميع وان الأطروحات المختلفة يمكن أن تتعايش في إطار من التعددية والتنافسية، نحن إذا ضد التنافي والإقصاء المتبادل.
كما أننا نحن نتميز أيضا بتمشينا السياسي الإصلاحي الذي يرفض منطق النقض، أي أن يأتي طرف سياسي على أنقاض طرف آخر، فنحن نعتبر أنفسنا جزء من عملية الإصلاح التي بدأتها تونس منذ الاستقلال ونحن ندعم المكتسبات التي تحققت ونعمل على تطويرها فتمشينا إصلاحي بهذا المعنى.
إضافة إلى ذلك فنحن تميزنا بأسلوبنا القائم على طمأنة مختلف الأطراف السياسية بدعم الثقة بينها، وهذه الثقة تُكتسب بالخطاب وبالمنهج وبالحوار الوطني بين مختلف الأطراف ثم العمل قدر الإمكان على خفض التوتر الإيديولوجي بين أطراف العملية السياسة وخاصة بين السلطة وبعض الأطراف المعارضة أو بين أطراف المعارضة. فضلا على أننا ننطلق في تجربتنا من اعتزازنا بانتمائنا العربي الإسلامي ونعتبر أنفسنا تواصلا للخط التنويري داخل ثقافتنا العربية الإسلامية .. ونحن نعتز بحركة التحديث والإصلاح التي حصلت في تونس ونعمل على أن نكون حلقة من حلقاتها وفي ذات الوقت نتبنى مقاربة لما سميناه ديمقراطية تونسية المنشأ.. نعم الديمقراطية قيم كونية ولكننا يمكن أن نتفهم خصوصياتنا ونبحث عن الآليات التي تطور منظومتنا الداخلية.
كيف تردون على من يقولون إن السماح لكم بالمشاركة كان نكاية في بعض الأطراف السياسية، أو لملئ الفراغ الذي تركه إقصاء الأحزاب الكبرى من العاصمة؟
نحن نعتبر أن مشاركتنا حق ونحن عملنا أن نستوفي كل الشروط التي تمكننا من المشاركة.. الشروط القانونية وحتى السياسة، إذن هذا حقنا، وما تحتسبه السلطة من رسائل هذا يهمها. ثم إننا جزء من المعارضة الجدية التي تحدثنا عنها وبقدر وفائنا لمبادئنا نتميز بنوع من المرونة، وربما حجْز بياننا الانتخابي طيلة الحملة الانتخابية، اكبر دليل على وفائنا والتزامنا بالقيم الديمقراطية وبنهجنا في المعارضة ولكنها معارضة مرنة وربما هذا ما يسفه كلام بعض الأطراف على أن مشاركتنا هي لملئ الفراغ أو المزايدة على بعض الأطراف الأخرى.