حكومة ربع الساعة الأخيرهل تنجح؟
أبقى مجلس شورى النهضة قراره معلّقا بشأن حكومة الفخفاخ، في دورته 38 الاستثنائية مساء الثلاثاء 18 فيفري 2020، وفوّض للمكتب التنفيذي مواصلة المفاوضات. كما ظلّت تصريحات أحزاب وكتل برلمانية مفتوحة على احتمالات مختلفة بين التأييد والرفض. ويضطرّ رئيس الحكومة المكلّف إلياس الفخفاخ إلى استنفاذ مدّة الشهر التي يمنحها له الدستور دون إمكانية التمديد، وها هو يقدّم تشكيلته في الربع ساعة الأخير، تحت الضغط العالي، دون أن يكون متأكّدا من الحزام السياسي الكافي الذي يضمن لها نيل الثقة بالبرلمان. وفي انتظار الخبر اليقين حول التشكيلة النهائية، التي لم تتأكد إلى حدّ كتابة هذا المقال، يحقّ لنا التساؤل عن حظوظ نيل حكومة الفخفاخ لثقة البرلمان؟ وحظوظها في الانسجام والاستمرار؟ والأهمّ من ذلك هل تنجح في إدارة البلاد وفي الوفاء بوعودها المعلنة في مذكرة التعاقد الحكومية؟
قد يكون من حسن حظّ حكومة الفخفاخ أنّ العوامل الموضوعية بالأساس، تدفع باتجاه تمريرها. فمن جهة يُستبعد الذهاب بالفصل 89 من الدستور إلى أقصاه، بسيناريو حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكّرة، باعتباره “أبغض الحلال”. فهو مُكلف سياسيا وماديا. يطيل عمر حكومة الشاهد الضعيفة عددا وأداء والمثيرة للجدال. ويجعل البلاد محكومة بالمراسيم الرئاسية والسلطة التنفيذية تعمل بلا رقابة برلمانية. وهو سيناريو محفوف بالمخاطر، بسبب احتمالات ضعف المشاركة، وإعادة المشهد المتشظّي بالبرلمان، وصعوبات إنجاز الانتخابات في موعدها، لعوامل عدّة.
ومن جهة ثانية تستدعي الظروف الإقليمية المعقّدة والخطيرة، والأوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، تعجيلا بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة جديدة قادرة على إنفاذ الإصلاحات المتأكدة وتحسين عيش الناس والاستجابة لتطلعاتهم ومطالبهم التي لم تعد تحتمل التأجيل في عشرية ثورة الحرية والكرامة.
لكن من جهة أخرى، مهما كانت نتائج مفاوضات ربع الساعة الأخير مع مختلف الأطراف المكوّنة لحكومة الفخفاخ، وخاصّة مع حركة النهضة التي تأكّد أنّها الطرف الحاسم في مآلات المفاوضات، فإنّ الغموض وحدّة الاختلافات والتأجيل المتكرّر للتقديم الرسمي للتشكيلة والمناكفات الحادّة بين الفرقاء السياسيين، وانشغال الرأي العام والإحالة على سيناريوهات غير مطمئنة، كانت كلّها عناصر لا تبعث على الارتياح لمستقبل هذه الحكومة.
فقد بشّر إلياس الفخفاخ في أوّل إطلالة إعلامية له بعد التكليف، بأنّه يتطلّع إلى حكومة منسجمة. وكان ذلك من مبرّرات استبعاد الدستوري الحر وقلب تونس في الانطلاق. لكن ها أنّ مسار تشكيل الحكومة تخلّلته مناكفات حادّة وتجاذبات بين أطراف الحوار، لا سيما بين التيار الديمقراطي وحركة الشعب من جهة وحركة النهضة وائتلاف الكرامة من جهة أخرى، ممّا انزلق بالخطاب إلى مستويات غير مسبوقة وخلّف جراحات لن تندمل بسرعة وعمّق أزمة الثقة بين الأطراف، بما يجعل الانسجام متعذّرا والتضامن مفقودا بين مكوّنات الحكم، في الانطلاق على الأقلّ. وهذا ما يؤثر ضرورة على قدرة حكومة الفخفاخ على الاستمرار وضمان الاستقرار السياسي.
ولا يخفى على المتابعين، التقارب المسجّل في مسار التشكيل الحكومي بين حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، بما يرشّح هذه المكوّنات إلى تشكيل أغلبية برلمانية مؤكدة، قد تتعزّز ىعناصر أخرى. وهذا تطلّع مشروع لضمان استقرار مجلس نواب الشعب وتسهيل أدائه التشريعي في ظلّ التشرذم الذي أفضت إليه نتائج انتخابات 2019. لكن هذا التقارب الثلاثي سيصطدم بالمعطى الحكومي الجديد، الذي يجعل النهضة في الائتلاف الحزبي الحاكم، ويجعل قلب تونس والكرامة في موقع المعارضة. وهي حالة غير طبيعية سياسيا، ولا تقبل الاستمرار طويلا. كما أنها حالة مرشّحة للتطوّر إمّا باتّجاه انصهار الثلاثي في الحكم في تعديل حكومي محتمل لاحقا، أو تحرّكه باتجاه إرباك حكومة الفخفاخ وربما سحب الثقة منها.
وحين ننبّه إلى المخاطر التي تُحدّق بالاستقرار الحكومي، للأسباب التي أثرنا أو غيرها، فإنّ المهمّ في ذلك، ليس تداعياته على الأحزاب ومصالحها، بل تأثيراته على الأداء الحكومي في مواجهة استحقاقات المرحلة. فحجم المديونية الذي يرهق المالية العمومية، ومحدودية إمكانيات الحكومة في الاستجابة للمطالب الضاغطة في التشغيل وتحسين الخدمات في الصحة والتعليم والنقل والمرفق العمومي، وتنامي الجريمة المجتمعية ومخاطر الفوضى والاستعصاء عن الحكم، و”المراهقة السياسية” و”الشعبوية” وغموض المستقبل السياسي، التي تضعف فرص الدولة التونسية في دعم صداقاتها الخارجية وجلب الدعم والاستثمار، عناصر قوية تشكّك في مدى قدرة حكومة الفخفاخ على الإنجاز والنجاح. فالتوجّهات المعلنة في مذكّرة التعاقد الحكومي، والأولويات والإجراءات المزمعة، ظلّت قريبة من العموميات ولم تفصح إلى حدّ الآن عن خصوصية فارقيّة لحكومة الفخفاخ مقارنة بسابقاتها.
ظلّت حركة النهضة إلى ربع الساعة الأخير متمسّكة بخيارها في حكومة وطنية، لا تستبعد إلاّ من رفض المشاركة فيها، وتراه الأنسب والأصلح عاجلا أو آجلا. وأمام التطوّر المسجّل في مسار المفاوضات والتعديلات المدخلة على تركيبة الحكومة المعلنة مساء السبت الماضي، تتّجه النهضة إلى المشاركة في حكومة الفخفاخ ومنحها الثقة بالبرلمان. وفي انتظار خطاب رئيس الحكومة المكلّف ووعوده في جلسة نيل الثقة، وتفاعلات نواب الشعب، مع المضمون المعروض وسير المُقترحين لعضوية الحكومة، نرجو للسيد إلياس وفريقه التوفيق. وتظلّ أعييننا على الأداء وتقييمنا متوقّف على النتائج في الواقع، بما يحسّن عيش عموم التونسيين ويرفع من شأن دولتهم.
محمد القوماني
*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 145، تونس في 20 فيفري 2020
مقالات ذات صلة
25 جويلية: جمهورية مغدورة.. وذكرى حزينة..
2023-07-25