بين حكم خائف ومعارضة يائسة: متى يأذن صبح العرب بالبلج؟

بين حكم خائف ومعارضة يائسة: متى يأذن صبح العرب بالبلج؟

مجلة “الإصلاح” الالكترونية بتاريخ  03 ماي 2013

 

في سنة 2003 تمّ إسقاط نظام صدام حسين بالعراق بالقوّة العسكرية، ودخلت المعارضة على ظهور الدبابات الأمريكية وتحت حماية الحلف الأطلسي لتستلم مقاليد الحكم وتبشّر ببناء العراق الجديد. عراق “اجتثاث البعث” والقطع مع النظام البائد وإشاعة الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي سنة 2013 تُدكّ المدن والقرى السورية على رؤوس أصحابها ويسقط الآلاف من الشهداء والقتلى والجرحى في حرب قذرة تشابهت فيها الأمور بعناوين مضلّلة، بين مؤيد لثورة شعب أعزل على جلاديه الذين لم يترددوا في مواجهة مطلبه المشروع في الحرية، بالعسف والقصف واستخدام نظام دكتاتوري للأسلحة الثقيلة في مواجهة مواطنيه، وبين محذّرين من مخاطر تنفيذ مخطط عدواني صهيوني استكباري  جديد،  ضدّ دولة عربية تتصدّر خط الممانعة والمقاومة، وضدّ نظام يشكل آخر حصون حماية البيضة العربية. وعلى مدى عشر سنوات فاصلة بين الحرب في العراق وسورية، تكثفت ضغوطات داخلية وخارجية على المنطقة العربية في مجملها لإخراجها من وضع الاستثناء الديمقراطي وإصلاح أحوالها المريضة، ومحاصرة خطر الإرهاب المنبعث منها. حتى كادت كل دائرة نفوذ في العالم تقترح مشروعا في هذا الغرض. وكان “الربيع العربي” الذي انطلق من تونس مهد الثورات الجديدة، بهروب المخلوع بن علي في 14 يناير 2011، وشمل دول عربية أخرى وعلى رأسها مصر، عنوانا لنجاح الضغوطات وتتويجا لأحلام الشعوب في الحرية والكرامة ، وتدشين عصر جديد. وبعد ما يزيد عن السنتين من نجاح ثورات “الربيع العربي” في الإطاحة برؤوس الاستبداد والفساد، وبداية الحديث عن “خريف عربي”، نظرا لتوقف مسار الثورات بسرعة وعدم شمولها أغلب البلدان العربية، وتعثّر تجارب الانتقال الديمقراطي في بلدان الثورات،  يتجدّد السؤال لماذا يتغير الحكام عندنا ولا تتغير الحكم؟ ومتى يأذن صبح العرب بالبلج؟

يتغير الحكام ولا يتغير الحكم

ما أسهل علينا نحن العرب، أن نُشخصن قضايانا، فنُشيطن حاكما ما، ونختزل فيه كل إخفاقاتنا وننسب إليه كل الفساد وجميع الجرائم، ونربط كلّ أحلامنا الوردية في التغيير وتدشين وضع أفضل، في التخلّص من شخصه وحلول حاكم جديد مكانه بأي طريقة تيسّرت. لكن ما أصعب أن تتحقق الآمال بمجرد تغيير الأشخاص. فنحن غيّرنا أكثر من مرّة حكّامنا خلال الحقبة الحديثة. استبدلنا “الملوك الخونة ” ب “الضباط الأحرار” أو برؤساء  “جمهوريات” ناشئة، سواء تمّ ذلك عبر الانقلابات أو الوفيات، وهي آليات التداول لدينا التي سادت منذ الخمسينات وإلى حدود الثمانينات، وكنا نسميها “ثورات”، لكن في كل الأحوال تغير الحكام ولم تتغير أوضاعنا نوعيا كما تطلعنا في كل مرة. حكم الماركسيون والقوميون العرب والإسلاميون والليبراليون ومن لا يدخلون ضمن هذه التصنيفات، ولكن أساليب الحكم لم تختلف كثيرا، والحرية والديمقراطية والاشتراكية والوحدة والتقدم… قيم لم تكد تتجاوز الشعار باللسان. وفساد الحكام والتنكيل بالمخالفين وتعذيبهم وتزييف الانتخابات إذا حصلت والتنمية المفقودة والفوارق الاجتماعية المتزايدة …ميزات مشتركة  لأنظمة متضامنة ضدّ شعوبها.

جاء “الربيع العربي” في بداية القرن الجديد مختلفا عن تجاربنا في تغيير الحكام عن طريق انقلابات اتخذت اسم الثورات في النصف الثاني من القرن الماضي. فالثورات الأخيرة، راكمت نضالات شرسة،  تكثفت خلال العقود الأخيرة واتخذت من مقاومة الدكتاتورية عنوانا وأولوية، كما توجت انتفاضات شعبية غير مسبوقة في ربوعنا، وأخص بالذكر الثورتين التونسية والمصرية، لتزامنهما وتشابههما وطابعهما السلمي وسرعة نجاحهما في إسقاط رؤوس الاستبداد والفساد. وبعد سنتين من تلك الثورات، لا يبدو الوضع في مجمله مطمئنا. فقد بدأت أحلام التغيير المنشود تتبدّد بسرعة وتراجعت الآمال العريضة التي تلت الأشهر الأولى من الثورتين، وبات الناس يتحدثون عن عودة أساليب الحكم السابق، وعن تردّي الأوضاع عما كانت عليه. إذ يرتفع منسوب الفساد  ويُهمّش المخالفون ويُقرب المُوالون ويُمجّد الزعيم، ولا ينتج الحكام الجدد إلا حاشية موالية ومضلّلة، وأنصارا تُبّعا، وخطابا سياسيا ممجوجا وفاقدا للمصداقية. وكأن الثورة حصلت ليسعد من جاءوا إلى الحكم ويتواصل شقاء  الأغلبية التي أنجحت الثورة وعلّقت عليها آمالها في عيش أفضل وغد أسعد.

فمع تأكيدنا على مسؤولية رأس النظام عما تؤول إليه الأوضاع، وعلى  مبدإ التداول على الحكم باعتباره جوهر النظام الديمقراطي، حقيق بنا أن نعمّق النظر أكثر في تعقيدات التغيير ومتطلباته، في ضوء المشهد العربي عموما والتونسي خصوصا، لنستفيد من تجارب الماضي ونعي حقائق الأمور بعيدا عن العنتريات والأحلام الوردية والشعارات وتبسيط القضايا إلى حد الإسفاف.

فهل المنشود من التغيير الحكام وراثة الحكم أم تغييره؟ وهل يتحقق التغيير المنشود في البلاد العربية في ظل مؤسسات للحكم موروثة عن الماضي، ومفرغة من مُحتوياتها، تعاني من الترهّل أو التبعيّة للفريق الحاكم؟ وهل تبنى الديمقراطية دون ضمان علاقة توازن بين السلطات في الدولة، وخاصة استقلال السلطة القضائية ودورها الحيوي في ضمان العدل وممارسة الرقابة في التزام الجميع بالقانون؟ وكيف نؤمّن ذلك دون بعث ما يمكن تسميته بقضاء الدولة  العادل من محكمة دستورية  تضمن عُلوية الدستور ومحكمة إدارية لعلوية القانون ومحكمة مالية لضمان الشفافية في التصرف في الأموال العمومية؟ وكذلك بقية الهيئات الرقابية  للانتخابات وللإعلام ولرصد الفساد وضمان الشفافية وغيرها من مؤسسات الرقابة الدستورية؟

وهل تكرّس الديمقراطية في الحكم،  في ظل ضعفها داخل الأحزاب السياسية وفي جمعيات المجتمع المدني التي تفتقر إلى العمل المؤسساتي؟ وهل نقنع المجتمع بالبديل الديمقراطي في ظل عجز السياسيين في المواقع المختلفة عن إعطاء المثال في احترام المبادئ وتغليب المصلحة العامة وكسب المصداقية؟ وهل ينجح التغيير إذا صدقت النوايا وتوفر العزم  لدى الحكام أو المعارضين، في ظل مجتمع مُحتقن، تنعدم فيه ثقافة المواطنة والتعايش، ويتنفس أفراده الاستبداد والانفراد بالرأي، ويضيقون بالنقد والاختلاف، وتفوح رائحة العنف والتنكيل بالخصم في عباراتهم؟

وإذا بدا ذلك متعذّر التحقيق على غرار ما هو عليه الحال اليوم ، هل نستسلم للواقع ونرضى بالموجود خوفا من الفراغ والفتنة، فيقتلنا اليأس؟ أم نقنع بالتغيير الشكلي، فنسلّم مصيرنا لزعماء معارضين، يركبون تذمّر الناس ويؤججون عدم رضاهم، فإذا دقّقت في خطاباتهم وآليات تفكيرهم وتتبعت مساراتهم وممارساتهم، قد لا تقف على فوارق بينهم وبين من ينقدونهم في الحكم سوى اختلاف المواقع؟ باختصار العبارة، هل ثقافة الاستبداد من صناعة حكام مستبدين ولّوا؟ أم هي التي تظل ما بقيت تصنع مستبدّين على الدوام؟

الجرح النازف في العراق

لنأخذ مثالا دالاّ من العراق الذي مازال جرحه ينزف بعد عشر سنوات من سقوط عاصمة الرشيد في 9 افريل 2003، وما زالت تشدنا إليه الأخبار غير السارة التي لا تنقطع، ونسأل هل اختفت حالات التعذيب والتنكيل بالمعارضين باعتبارها أهم عناوين دكتاتورية  حكم صدام حسين؟ ألم يأت الحكام الحاليون للعراق بوعود إنهاء الدكتاتورية والظلم والجرائم ضد الإنسانية وفي مقدمتها التعذيب حتى الموت والقتل الجماعي التي نُسبت لصدام ومساعديه من حزب البعث؟ ألم يُؤسس حكام العراق الجدد شرعيتهم السياسية على أساس أنهم ضحايا “العهد البائد” وأنهم المُؤتمنون على آمال العراقيين في التغيير؟ ألم يصدّع الأمريكيون والأوروبيون آذاننا بتعداد جرائم صدام والتبشير بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العراق الجديد؟

أين نحن الآن من ذلك بعد عشر سنوات من سقوط نظام البعث بالعراق؟ لا شك أن التوثيق الموثوق به لحالات التعذيب حتى الموت  وتشويه أجساد المعتقلين في مراكز الأمن أو الجيش العراقي، والتقارير المتواترة حول هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي تعود فيها المسؤولية المباشرة لحكام العراق الحاليين، تجعلنا نقطع بأن الأمور لم تتغير في الجوهر من زاوية حقوق الإنسان وتطلعات الشعب العراقي إلى حياة كريمة وأوضاع تنسيهم آلام الماضي وذكرياته. فاستمرار التعذيب يؤكد بأن المشكلة ليست في تبدّل الحكّام، بل في جوهر الحكم وطبيعة القيم التي ينبني عليها ومضمون ثقافة المحكومين والقائمين على الحكم. وبالتالي ما قيمة تغيير الحكام، خاصة إذا كانت تكلفته باهظة، إذا لم يسعد المحكومون، وفي الحدّ الأدنى تُضمن سلامتهم وتتمّ حمايتهم من التعذيب والمعاملات القاسية والمهينة، والتي صارت من أكبر الجرائم المُستقبحة في البلدان التي حققت حداثتها وحصّنت مجتمعاتها ضد تلك الممارسات؟

ألم تلجأ إدارة بوش على سبيل المثال إلى البحث عن طرق  وأماكن لممارسة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان ـ غير الأمريكي طبعا ـ خارج التـراب الأمريكي، باستحداث السجون السرية واستعمال المياه الدولية ومعتقل غوانتانمو سيئ الذكر، هروبا من طائلة القانون الأمريكي والرأي العام الأمريكي والآليات القانونية والمؤسساتية الأمريكية التي تحاصر التعذيب وتأخذ على أيدي مرتكبيه. وكان المخلصون من نشطاء حقوق الإنسان، من الأمريكيين والأوروبيين أساسا وراء كشف تلك الانتهاكات. والدرس الذي يهمنا هنا هو الوقوف على أهمية ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع ووضع الآليات الضامنة لحمايتها من الانتهاك والتعويل في كل ذلك بالدرجة الأولى على المواطنين الأحرار المتشبعين بتلك الثقافة والمتمسكين بها في كل الظروف، والمترصّدين لكل من ينتهكها بالتتبع القانوني أمام القضاء وبالعقاب السياسي في الانتخابات.

لقد فشلت الإدارة الأمريكية على أكثر من صعيد في حربها الظالمة ضد العراق، ولعل أكبر فشلها الذي مازالت تكابر في الاعتراف به، هو فشل نموذجها في التغيير وفشل المحافظين الجدد بقيادة بوش الابن ورامسفيلد  في تصدير الديمقراطية وفي نشر حقوق الإنسان في البلاد العربية كما ادّعوا ونظّروا وروّجوا.

لن ينجح التغيير الديمقراطي ولن تتكرس حقوق الإنسان دون النجاح في ترسيخ ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وتأسيس الآليات الضامنة لها في الواقع. ولن نُؤمّن التغيير بالتعويل على شعارات دعاة التغيير ولا على وعودهم ولا حتى على نواياهم الصادقة. إن الضامن الوحيد والمُؤمّن للتغيير المنشود هو الشعب المُسلّح بثقافة التغيير والساهر على تطبيقها، ومؤسسات الدولة التي ترعى ذلك. ولا خوف  بعد ذلك من الحكام، كانوا من كانوا، إذا حكموا مجتمعا ديمقراطيا ترسّخت فيه المواطنة وصارت ثقافة سائدة، وقامت فيه مؤسسات الدولة بدورها بصرف النظر عن الأشخاص الماسكين بها. وصدق من قال قديما: “كيفما تكونوا يُولّى عليكم”.

مؤشرات غير مطمئنة في تونس ومصر

لا نجانب الصواب حين نقول بأن فشلنا على مدى قرنين في إنهاء الاستبداد رغم المحاولات العديدة والتضحيات الكبيرة، كان عنوان فشلنا في تحقيق النهضة والإصلاح. وعليه فإن الثورات العربية الأخيرة التي أطاحت بكثير من رؤوس الدكتاتورية  وأدخلتنا مرحلة ما بعد الاستبداد، إنما تفتح عصرا عربيا جديدا ستتحدّد ملامحه بقدر توفقنا في الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية وفي الصمود في وجه المؤامرات التي تستهدفها من الداخل والخارج، وفي رفع تحدّيات الانتقال الديمقراطي التي يبدو أنها ستطول أكثر مما توقعنا.

أبدى التونسيون من مختلف المواقع والأجيال أقدارا لافتة من الوعي واليقظة والمسؤولية خلال الأيام الحاسمة من الثورة المجيدة وما تلاها من ظروف صعبة بعد انتصارها، وانخرطوا تدريجيا في وهجها وفي مسار إنجاحها. وانتظروا بصبر كبير موعد إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي جاءت تعددية وحرة وشهد لها الجميع بالشفافية. ونظر الجميع بالداخل والخارج إلى انعقاد المجلس وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، والانتقال السّلس للحكم، على أنها عناوين بارزة ومُشجعة على بداية مرحلة ما بعد الاستبداد والفساد وخطوات على طريق الانتقال الديمقراطي الذي تمثل تونس أفضل حالاته العربية.

كان المأمول  بعد تلك الخطوات الهامة، بناء الشرعية السياسية وخلق حالة من الاستقرار وبداية حل المشاكل حسب الأولويات في إطار من الشراكة الواسعة والتعاون على رفع التحديات وإنجاح المسار الانتقالي. لكن بعد ما يزيد عن سنة ونصف عن تلك الانتخاب، تبدو الأمور غير مطمئنة لعموم التونسيين. وليست مظاهر الاستقطاب الإيديولوجي والتجاذب السياسي الحادّين والتنازع حول الشرعية والتوتر الاجتماعي والتمرّد على القانون وارتفاع منسوب العنف والتشدّد الديني وحالات الانفلات الأمني الإعلامي والإداري…، سوى عناوين لتأزّم أوضاع  تزيدها المؤشرات الاقتصادية الصعبة تأزّما، وتتنامي معها المخاوف على مستقبل المجتمع والدولة.

تعدّدت أخطاء الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة، الذي لم يف بوعوده المعلنة في برامجه وحملته الانتخابية،  وكشف عن سذاجة سياسية أو سوء تقدير، حين علّق آمالا عريضة على انتصار الثورة الليبية وعلى وعود الأشقاء والأصدقاء بالدعم المطلوب.  وتآكلت مصداقيته مع مرور الأشهر  و تجديد وعوده بالنتائج المرجوّة في قادم الأيام. عجزت الحكومة على تنفيذ مشاريعها المعلنة في الجهات المحتقنة خاصة، ولم يضطلع المجلس الوطني التأسيسي بدوره التشريعي في توفير الإطار القانوني الثوري لتجاوز عقبات المنظومة القديمة. بل كشف هذا المجلس عن قصور واضح في الاضطلاع بمهمته الرئيسية في كتابة دستور جديد وفي سائر مهامه الأخرى. تفاقم التهريب بأنواعه واستشرى الاحتكار والفساد وارتفعت الأسعار وكثر التذمّر الشعبي من صعوبات العيش وتراجع الخدمات. تعطل الإنتاج في قطاعات حيوية وخاصة في الفسفاط وتضررت ميزانية الدولة، فازدادت المصاعب المالية  وارتفعت المديونية وشحّت القروض. تأزمت العلاقة بالنقابات وخاصة بالاتحاد العام التونسي للشغل في مناسبات عديدة  وتنامى العنف اللفظي والمادي حتى بلغنا الاغتيال السياسي. وتصاعدت المخاوف الأمنية بعد الاكتشافات المتكررة لمخابئ للأسلحة في مناطق مختلفة من البلاد وتم استهداف عناصر من الجيش والأمن الوطنيين على يد إرهابيين. تراكمت التجاوزات في مجال انتهاك حقوق الإنسان، فكان القمع البوليسي على طريقة النظام السابق في أكثر من مناسبة وتأزمت العلاقة بالمعارضة الديمقراطية داخل المجلس التأسيسي خاصة، وكانت المواجهة مع المتشددين الدينيين على أكثر من صعيد، ودخل عنصر الدم مجددا على الخط بعد الثورة. وتواترت أخبار عن عودة التعذيب واستشهد مضربون عن الطعام بالسجون. كما تكرّرت الإخفاقات في السياسة الخارجية ولم تظهر مؤشرات ايجابية نوعية في العلاقة بالجيران.

تأخر مسار العدالة الانتقالية، الذي تتحمل فيه “الترويكا” المسؤولية الرئيسية، ووصفت سياسات السلطة ” بالأيادي المرتعشة” حتى من طرف أنصارها، وازدادت الشكوك حول مسار المصارحة والمحاسبة والمصالحة، الذي يقول به جميع الفاعلين ولا يتقدم في مستوى الممارسة.  وتنامت أزمة الثقة بين الماسكين الجدد بالسلطة وبين خصومهم، من أصدقائهم في المعارضة بالأمس أو من المستفيدين من الحكم السابق.  يتبادل الفريقان تهم احتكار السلطة وعقلية الغنيمة ونزعة الهيمنة غير المشروعة على الدولة من جهة، أو عدم التسليم بنتائج الانتخابات الحرة والتآمر على السلطة الشرعية  وعرقلة عملها من جهة أخرى. وتبدو رهانات الانتخابات القادمة التي لم يتحدّد بعد  موعدها ولا إطارها ولا ملامحها، ألغاما تهدّد المسار الانتقالي، ما لم تتوفر شجاعة وإرادة صادقة من الجميع في تفكيكها.

ومع هذا الكم من الأخطاء في وضع انتقالي لا تخفى مصاعبه، بدا الإعلام في الأغلب، منحازا ضدّ الحكم، وهذا عنصر إيجابي في المشهد و في التوازن  المفقود بين الحكم وبين المعارضة. غير أن مناكفتها للحكم صارت تدفع المعارضة  إلى مجاراة المزاج الغاضب وتأجيجه عبر وسائل الإعلام، ولو بافتعال المعارك أو تغيير المواقف بما لا ينسجم مع المنطلقات والمبادئ. كما أنها لا تتورع إن لزم الأمر عن تحريض المؤسسة العسكرية أو حتى الأمنية في الداخل، والتحريض الخارجي بالنفخ في الأخطاء أو مهاجمة الحلفاء أو تثبيط الشركاء. وهكذا يصير رفض كل ما يأتي من السلطة شغل المعارضة التي لم تطوّر من جانبها أية بدائل.

ولعل مما لا يبعث على التفاؤل في المشهد السياسي الحالي، رغم المكاسب العديدة على صعيد ممارسة الحريات، هو انزياح هذا المشهد  تدريجيا إلى نفس ما كان عليه تقريبا قبل الثورة. إذ نجد “ترويكا” حاكمة منغلقة على نفسها، رغم ضعف التضامن بين مكوناتها، ومعارضة مُشتّتة واحتجاجيّة سلبية دون تأثير حاسم على القرار، رغم  ما للضغط الذي تمارسه  من دور ايجابي في مجريات الأحداث، وفي المقابل نسجل عزوفا متناميا من الأغلبية عن المشاركة،  واستمرار أزمة التنمية السياسية وضعف ثقافة المواطنة والديمقراطية.

وفي ظل هذا الأداء المخيّب للآمال للطبقة السياسية عموما، وخاصّة  “للترويكا” الحاكمة التي يحملها البعض المسؤولية المباشرة في تقوية شوكة القوى المضادة للثورة، يتسلّل أنصار النظام السابق وسط الألغام، فهم أهل الخبرة والمكر والمقدرة، لتنفيذ مخططاتهم. وليس الترويج للفشل الذريع للماسكين بالسلطة بعد الانتخابات، وتحسّر بعضهم علنا عن أيّام المخلوع، والتعبير عن الندم عن الثورة أو عن التصويت للحاكمين الجدد، وتنامي أنشطة الأحزاب المحسوبة عن النظام القديم وتوسّع قاعدتها، وتجرؤ بعض رموز الفساد والاستبداد على العودة إلى الإعلام وربّما تصدّر المعارضة،  ليس كل ذلك سوى مؤشرات على احتمالات عودة النظام القديم، فتسقط الثورة في أيدي من لا ينفكون عن ادّعاء حمايتها.

ولا يبدو الوضع في مصر بعيدا عما هو عليه الحال في تونس. فقد أظهرت الاحتجاجات  الأخيرة، ضدّ “الإعلان الدستوريّ” للرئيس محمد مرسي، في اتّساعها الجغرافيّ والعدد الكبير للمشاركين فيها، ممّن صبّوا جامَ غضبهم على القوى الإسلاميّة، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين، حالة الاحتقان الشعبي وعدم الرضا عن الحاكمين الجدد الذين تم التصويت لهم في الانتخابات بأغلبية مريحة. فقد أدّى عدم التوافق بين القوى التي شاركت في الثورة، سلطة ومعارضة، إلى خلط الأوراق  ونجاح قوى معادية  للثورة أصلًا في اختراقها للمشهد السياسي.

ولعل هذا المقتطف من دراسة أعدتها “وحدة تحليل السّياسات” في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات”، تكاد تتطابق مع ما بينّا في الحالة التونسية. تذكر الدراسة أنّ “القوى السياسيّة المعارضة من يساريّة وقوميّة وليبراليّة وغيرها، والتي اجتمعت تحت سقف ما بات يُعرف بـ”جبهة الإنقاذ الوطني”، تبنّت سلوكًا سياسيًّا شبيهًا بذلك الذي اعتمده الإخوان المسلمون، فسرعان ما دخلت هذه القوى على إثر نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة (مُحفّزة بما عكسته تلك النتائج من تراجع شعبيّة الإسلاميّين) في لعبة المعارضة المُطلقَة للتيّار الإسلاميّ. لقد ارتكبت هذه القوى السياسيّة الخطأ نفسه الذي سار عليه الإخوان المسلمون، متناسيةً أنّ شروط المرحلة الانتقاليّة تختلف جذريًّا عن شروط اللعبة الديمقراطيّة في ظلّ نظامٍ سياسيّ ذي مؤسّسات ديمقراطيّة ناجزة. وأصبح أسلوب المناكفة يطغى على سلوكها السياسيّ. ولم تقم هذه القوى بتطوير برنامجِ عملٍ واضحٍ للمرحلة الانتقاليّة يُبنى على أساسه مدى تقاطعها أو افتراقها مع سياسات الرئيس مرسي وتيّاره السياسيّ(…)

تكمن المشكلة في أنّ الأحزاب المصريّة المعارضة بدأت من نهاية عمليّة التحوّل الديمقراطي وليس من بدايتها. وكأنّ وظيفة المعارضة هي المعارضة فحسب، ووظيفة الأغلبيّة هي تمرير إرادتها فحسب. لقد تغلب التنافس الحزبيّ على المسؤوليّة الوطنيّة المشتركة في إنجاح التحوّل الديمقراطيّ، إذ جرى التخلي عنها.”

وفي ظل حكم خائف من محيطه الداخلي والإقليمي والدولي، وحريص على تمسكه بالحكم بما يقتضيه ذلك من تنازلات أو ترضيات أو تردّد في القرار أو تنكّر لاستحقاقات الثورة، وفي ظل معارضة يائسة من قلب موازين القوى شعبيا وغير واثقة من تغيير الحكم عبر الانتخابات، تضيق الآفاق، ولا يتحمّل الطرفان المسؤولية الوطنية في الإنقاذ وتغليب المصلحة العامة، فتزداد المخاوف من سيناريوهات حسم الصراع المفتوح والعاري من أجل الحكم، بطرق غير ديمقراطية وعلى حساب الشعب والوطن، فيبحث كل طرف عن سند قوي  له في الداخل أو في الخارج، بما يفسح المجال واسعا لصفقات غير نظيفة في الداخل، أو لحشر أنوف أطراف خارجية في المعارك المحلية.

لابدّ من نقاش معمّق في مضمون الديمقراطية وآلياتها، خاصّة في المرحلة الانتقالية، حتى نصحّح المسار. فاستقطاب المشهد السياسي بين حكومة ومعارضة نراه غير صحّي في سياق تأسيسي، يقتضي شراكة لا تطمس التعددية وحق الاختلاف.  فالأطرف الحاكمة مهما كانت شرعيّتها، لا يمكن أن تستأثر بالمرحلة لوحدها. والشرعية الانتخابية غير كافية لممارسة السلطة. إذ لا يمكن الحكم بمنطق الأغلبية في غياب دستور وعقد اجتماعي وسياسي واتفاق بين جميع الأطراف على قواعد إدارة الحكم.  كما أن الأطراف السياسية التي اختارت المعارضة مبكّرا وصنعت حاجزا بينها وبين الحكومة، تتحمل المسؤولية في المشهد الاستقطابي السلبي ومخاطره. فمن كان شريكا في الثورة، عليه أن يدافع عن حظوظه في المشاركة السياسية ويواصل إسهامه في إنجاح المرحلة وتحقيق أهداف الثورة. فالديمقراطية تكليف ومراقبة وليس تفويضا مطلقا لأي طرف. والتوازن ضروري للمجتمع في كل الأحوال. وليس بإمكان طرف، ولا من المصلحة في شيء، أن يعمل على إلغاء غيره.

نحو وعي عروبي جديد

قد تختلف تقييماتنا للفكر القومي العربي ولما آلت إليه الأيديولوجية القومية من مآزق، لعل أبرزها الإخفاق في تحقيق الوحدة بين أنظمة حملت نفس الراية القومية، فضلا عن خلق قوميات مضادة للعروبة في الكيان العربي نفسه.  لكن أحسب أننا لن نختلف في الحاجة إل تفكير عروبي، أي تفكير باللغة العربية وفي فضاء عربي وبأفق يتطلع إلى حلول لمشاكلنا في إطار عربي، بعد تأكّد فشل المقاربات القُطرية للتنمية والديمقراطية والأمن القومي. وفي المقابل تأكّد تشابه أوضاعنا العربية وترابط مصالحنا. فنحن على سبيل الذكر لا الحصر، نكاد نكون استثناء في العالم، في مجال التنمية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ونحن تجمعنا روابط التاريخ والجغرافيا، والمسار. وقد كشفت ثورات “الربيع العربي”  روابط وصل في الوجدان واللغة والمشاكل والحلول. حتى كادت أن تكون الثورة المصرية نسخة مكبّرة لنظريتها التونسية، بل سندا لها وشرطا لنجاحها. ولما تلقاه التجربتان في الانتقال الديمقراطي من مصاعب متقاربة.

ففي ظل الخيبات المتتالية بدءا بنكسة 1967 وانتهاء بسقوط بغداد واحتلال العراق سنة 2003، وتراجع تأثيرات الأيديولوجيات اليسارية والقومية والإسلامية، اكتسحت الساحة السياسية والثقافية والإعلامية مفاهيم ومُفردات مثل السلام  والاعتدال والتسامح والاستقرار والإرهاب وتقدير موازين القوى والواقعية والعولمة ونهاية الأيديولوجيات  والنضال المدني والمجتمع الدولي… و كلها كلمات حق قد يراد بها باطل. وغابت في المقابل مصطلحات ومفردات أخرى، مثال المشروع القومي والعدو والجهاد والتحرير والوحدة والاستقلال الوطني والثقافة الوطنية وطبيعة المعركة  والسرطان الصهيوني… وهي جهاز مفاهيمي لئن احتاج إلى المراجعة والتطوير فانه لا تُعدم فوائده.

وكان من نتائج ” الثقافة الجديدة ” الخلط في المفاهيم و تشويه الوعي  وفقدان البوصلة أو ضياعها في أوساط النخب أو الرأي العام وتراجع الوعي بطبيعة المشروع الصهيوني، إلى حد حصر الصراع بينه وبين فصائل من المقاومة الإسلامية، والجنوح إلى سياسات قُطرية قاصرة لا تلبث أن تتحول إلى جزء من مخطط العدوّ. فتغذى الإحباط و دبّ الوهن وضعفت الإرادة وضاعت الأهداف الإستراتيجية وغلبت الفردية وجنح الناس إلى الخلاص الفردي وضمُر الشعور القومي والإسلامي. وكانت الآلة الإعلامية المعادية تشتغل في الأثناء عبر بثّ الفُرقة والطائفية وتغذية الاحتقان والتشكيك في الذّات و شلّ الإرادة و تعميق الفجوات وتشجيع الاستقطاب و التطرف والنزعات الاستئصالية… و نجح العدو في ضرب بعضنا ببعض، وربما صار القبول بالتطبيع مع الكيان الصهيوني أسهل من التقريب بين الفر قاء الإيديولوجيين والسياسيين من الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين. فلا عجب بعد ذلك أن تنتصر القُطرية ويضيع الحلم القومي وتبتعد آمالنا في الوحدة في مرحلة تكثفت فيها التكتلات بأنواعها. وضاعت في الأثناء فلسطين وأطلّ الاستعمار برأسه من جديد وتكرّر التدخل العسكري الأطلسي في ربوعنا،  وعجز الموقف الرّسمي والشعبي عن إيقاف الانحدار.

لقد راكم الفكر العربي المعاصر منذ هزيمة 1967 من الإنتاج والنقد وحقق من التقارب بين مختلف توجهاته ووضع من المشاريع ما يجعلنا نتطلع إلى مستقبل أفضلن ونتفاءل و لا نتشاءم.  فهل تنجح نخب هذه المرحلة في مراجعة المشهد العربي والاعتماد على الإنجازات المحققة، لتصوّب وعيها وتتصدى للاختراق الإعلامي الصهيوني وتحدّد أولوياتها، وتجمع كلمتها وصفوفها على برنامج عملي مشترك وترعى الاختلاف النظري والتعايش الديمقراطي بينها، وتستنهض الهمم وترقى لمواجهة التحديات؟ فصمود المقاتلين في الثغور من صمود المثقفين في المواقف.

الثورة تحتاج إلى ثقافة جديدة

مع الأسف، مازالت خطواتنا متعثرة على طريق النهضة بعد ما يزيد عن القرنين، ولم نُوفّق في الاستئناس بتجارب غيرنا رغم الدعوات المُبكرة لرواد الإصلاح.  لقد  شكّل عصر الأنوار في أوروبا مرحلة نوعية بجعل المواطنة حقا إنسانيا يتمتع به الجميع على قدم المساواة، حين أسّس روّاد التنوير الاجتماع السياسي على فكرة التعاقد وجعلوا المواطن عضوا في الدولة  التي تربطه بها علاقة حقوق وواجبات. وجعلت الثورة الفرنسية المواطنة حقا قانونيا بإعلانها حقوق الإنسان والمواطنة، وترسّخت هذه المواطنة في أوروبا وأمريكا عبر الأجيال، بتطوير منظومة حقوق الإنسان وتغيير القوانين باطّراد، باتجاه مزيد من التحررية وضمان المساواة والكرامة. أما في منطقتنا العربية فيبدو أن مفهوم الغَلبَة، الضارب بجذوره في القرون الخوالي، ظل يؤسس الاجتماع السياسي في الدول الحديثة بدل مفهوم التعاقد. فالحاكم يستمدّ مشروعيته من قهر خصومه وغلبتهم وبسط نفوذه على الأغلبية التي وصفها الكواكبي بقوله: “عليهم يصول و بهم على غيرهم يجول” . وكان من الطبيعي أن تغيب المواطنة أو تضمر في ظل حكم الغلبة. وتلك من أهم معوقات الديمقراطية وحقوق الإنسان في ربوعنا وإحدى الفوارق النوعية بين أوضاعنا السياسية ونظيرتها في المجتمعات الديمقراطية. وهي فوارق تشمل السلوك المُواطني للحكام والمحكومين في آن. وقد بات من المؤكد التوقف عند التكلفة الباهظة لضمور المواطنة، وإعطاء الأولوية لتفعيلها، كشرط لا غنى عنه في رفع التحدّيات المختلفة وتحقيق التغيير المنشود.

لقد جربنا التغيير بالبداية من الأعلى واستهداف رأس السلطة  والتعويل على قوة الدولة أكثر من الاهتمانم بتطوير المجتمع، وكانت النتائج مخيبة للآمال على مدى عقود، فهل نعي الدرس ونعدّل البوصلة ونجرّب مداخل ثبت نجاحها ولو في ربوع أخرى؟ هل حان الوقت لمراجعة عميقة لمناهج التغيير التي دأبنا عليها وروّجنا لها طويلا، وللفكر السياسي الذي قادنا في السابق، فنستبعد التنافي والإقصاء والإكراه ونحلّ التنافس السياسي بدل العداوة. ونعتمد الإصلاح الذي ينطلق من مرتكزات إيجابية في الواقع لمعالجة السلبيات، ويستبعد النقض واستئصال الخصم والبدائل الشمولية. ونتوخى التدرج والمرحلية والواقعية ونبحث في الممكن ونتفهّم تعقيدات الواقع وصعوباته، ولا نقع تحت إغراءات  الفرضيات الذهنية القصوى. ونعمل بجاذبية الديمقراطية ونتحرك بروح التجديد والتطوير ومُراكمة الايجابيات والاستفادة من الأخطاء والمراهنة على المستقبل بتمكين الشباب وإعطائه الأولوية في الاهتمام والتكوين وتحمل المسؤولية في القيادة واتخاذ القرارات.

إن للعاملين على الإصلاح في ربوعنا، من داخل الحكم أو من خارجه، آفاقا رحبة في التطوير وكسب تحدّي التغيير، وإنّ لهم في تجارب الانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي الناجحة في إفريقيا الجنوبية  وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية وفي أوروبا الشرقية وفي أماكن مختلفة من العالم أمثلة للاستئناس وليس للقياس، في تغيير الواقع نوعيا ودون هزات لا يتطلبها واقعنا ولا يتحملها، وفي بناء مُعجم خاص بالانتقال بين الفاعلين السياسيين، وتوخي المرحلية وبناء الوفاقات عبر الحوار الوطني ووضع الآليات الضامنة للتطبيق والحامية للمكتسبات.

انهزم “الحداثيون” في منافسة “الإسلاميين” في الانتخابات التي تلت الثورات، لكن  الحداثة انتصرت. فقيم الحداثة  السياسية من مدنية ومواطنة وديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها اخترقت التيار الإسلامي المنتصر، على مستوى الخطاب على الأقل. بما يعني أن الأغلبية صوتت للتمسك بالهوية وللوعي بمتطلبات الحداثة أيضا. بما يجعل المصالحة التاريخية على هذا الصعيد ممكنة جدا. مصالحة لا تستند إلى مقاربات  وتصنيفات منتهية الصلوحية، بل  تستند إلى معجم جديد في الانتقال الديمقراطي. معجم يؤسس لمرحلة ما بعد الصراع المحموم بين محاولات “العَلمنة” و”الأَسلمة”. مرحلة  يتجدّد فيها الفكر والوعي ويكون فيها الإسلام الثقافي إطارا جامعا، تغتني منه جميع الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية ولا تتنازع حوله ولا يحتكره طرف دون الآخرين. ويتعزز فيها خط الممانعة والمقاومة الذي مهّد لثوراتنا المجيدة الأخيرة. وتكون فيها الثورة الثقافية إيذانا  بتجاوز الأزمة وبانبلاج صبح عربي  جديد.

منشور بمجلة الإصلاح، العدد 29، بتاريخ 03.05.2013

بين حكم خائف ومعارضة يائسة: متى يأذن صبح العرب بالبلج؟” (مؤشّرات غير مطمئنة في تونس ومصر)، منشور بالعدد 11 من مجلة “الإصلاح” الالكترونية بتاريخ  03 ماي 2013.

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: