المعارضة تفتح معركة حرية الإعلام

المعارضة تفتح معركة حرية الإعلام

جريدة الموقف بتاريخ2 أفريل2004

 

” طالبين حقوقنا ، حق الإعلام ..واجب ، حق التعبير .. واجب ، إصلاحات سياسية لا إرهاب ولا فاشية …” تلك شعارات رفعها جمع من قادة أحزاب المعارضة و جمعيات المجتمع المدني المستقلة ، ونشطاء سياسيون و حقوقيون و نقابيون تنادوا للتجمع أمام مبنى الإذاعة والتلفزة بشارع الحرية بتونس العاصمة منتصف نهار يوم السبت 27 مارس 2004 وقد واجهتهم قوات كبيرة من الأمن ” المدني ” و أجبرتهم بالقوة على التفرق .

وكان عدد من الأحزاب و الجمعيات  ( 5أحزاب  و9 جمعيات  ) وكذلك  بعض الشخصيات الوطنية المستقلة قد وقعوا نداء مشتركا لهذا التجمع السلمي من أجل المطالبة بتحرير الإعلام السمعي والبصري . و قد تقرر هذا التحرك الجماعي بعد التجمع الأول وبنفس المكان الذي دعا إليه الحزب الديمقراطي التقدمي يوم الجمعة 13 فيفري 2004 في إطار إطلاق حملة وطنية من أجل حرية الإعلام بتونس . و قد أجمع المتدخلون في الندوة الصحفية التي عقدت بمقر جريدة الموقف عقب تجمع السبت على أن احتكار وسائل الإعلام المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية من قبل الحكومة والتجمع الدستوري الديمقراطي يعد المشهد الأكثر دلالة على الانغلاق الإعلامي والسياسي . وان تحرير هذا القطاع هو المدخل لأي انفراج في الأوضاع باتجاه التعددية والديمقراطية . و قد أثبتت المناسبات المختلفة وآخرها تغطية أشغال الإعداد للقمة العربية التي كانت من المقرر أن تحتضنها تونس يومي 29 و 30 مارس الجاري  تخلف قطاع الإعلام ببلادنا و عدم استجابته لتطلعات المجتمع التونسي و نخبه في عصر الثورة في عالم الاتصال.  فعلى سبيل المثال لا الحصر كشفت الفيضانات التي عاشتها تونس شتاء هذا العام و حجم الكارثة التي حلت ببعض  مناطق البلاد عدم مواكبة و سائل الإعلام للأحداث بل تورطها في الزيف و التضليل .  كما ظلت بيانات أحزاب المعارضة و الجمعيات المستقلة محجوبة عن التونسيين و ممنوعة من التداول العمومي رغم كل الاحتجاجات باستثناء ما يلاقي منها هوى في السلطة أحيانا. بل يفاجأ التونسيون مرات ببلاغات أو مقالات مقروءة أو مسموعة ترد على بيانات أو مقالات أخرى لا يتداولها  الإعلام الداخلي . ومازالت منابر الحوار ـ على قلتها ـ تعزف لحنا واحدا و تكرر أراء الحكومة و تثمنها دون أدنى مشاركة للرأي الآخر .

والجمهور التونسي الواسع لا يجهل وجوه المعارضة والمسؤولين عن الجمعيات المستقلة واصحاب الفكر ممن لا يجارون السلطة فقط، بل يجهل حتى وجوه أغلب أعضاء الحكومة وأصحاب القرار في بلادنا . و إذا كان أمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي على سبيل المثال لم تتح له خلال 10 سنوات سوى خمس دقائق بالتلفزة التونسية  ـ أغلبها أثناء الحملة الانتخابية بالطبع ـ  فما بالك بعموم   التونسيين.

وفي الوقت الذي كانت فيه الفضائيات المختلفة تبث برامج حوارية متنوعة حول القمة العربية الأخيرة ـ قبل وبعد قرار تأجيلها ـ بدت التلفزة التونسية و كأنها غير معنية بالحدث ، ولم  تنجح هذه التلفزة حتى في بث مباشر بيان وزارة الخارجية التونسية المتعلق بتأجيل القمة .  و هذا لعمري أبلغ دليل على رداءة الأداء . ولم يخف بعض المعلقين و الصحافيين ممن واكبوا قمة تونس المفاجأة تشكياتهم من شحّ المعلومات و تذمرهم من طريقة التعامل مع الإعلاميين .

وحين ينادي بعض التونسين من أجل تجمع سلمي ورمزي حول مبنى الإذاعة و التلفزة للتعبير عن احتجاجهم عن هذا الوضع  الكارثي للإعلام ببلادنا و تمكينهم من تسليم رسالة إلى مدير المؤسسة  يرفض حقهم في التجمع دون تسليم وثيقة في الغرض من قبل السلطات المعنية و يمنعون حتى من حق المرور أو التنقل  بشارع الحرية أو الطرق المؤدية إليه  و تتم إهانتهم و الاعتداء عليهم لفظيا وماديا و يجبرون بالقوة على التفرق من قبل أشخاص لا يحملون زي الشرطة و لا يدلون بما يفيد صفتهم و ما يمكن المتضررين من تصرفاتهم من التظلم ضدهم .

إن إصرار السلطة على إنكار الحقوق المشروعة والاستمرار في سياسة الإحتكار والإنغلاق لن يجدي معهما سوى إصرار الأحرار من التونسيين على المجاهرة بطلب الحقوق و الاستمرار في سياسة الإحتجاج السلمي الذي يتجاوز البيانات و مقرات الأحزاب والجمعيات حتى ينجح النشطاء في كسب التأييد الشعبي لمطالبهم ويحملون الحكومة على الاعتراف بحقوقهم و تغيير طريقتها في حكمهم خاصة وان بلادنا تستعد لإستحقاقات سياسية هامة و في مقدمتها الإنتخابات العامة الرئاسية والتشريعية المقررة لنهاية هذا العام .

وحتى لا تكون الإستجابة في مجال الإعلام شكلية وزائفة ـ كما هو شأن في مجالات أخرى ـ نقول بإختصار ووضوح أن تحرير الإعلام  لا يكون  بمنح مزيد من الرخص لمن تضمن الحكومة ولاءهم السياسي المسبق بل بإلغاء كل سلطة تقديرية يخولها القانون الحالي لوزير الداخلية أو لغيره في هذا المجال ، و تمكين كل الراغبين في إصدار صحف أو مجلات أو إنشاء محطات إذاعية أو تلفزية وفق كراس شروط عادل ، و إخضاع وسائل الإعلام العمومية وفي مقدمتها مؤسسة  الإذاعة والتلفزة إلى مراقبة هيئة وطنية مستقلة و تعددية مشهود لها بالكفاءة والموضوعية .

محمد القوماني

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* جريدة الموقف (أسبوعية تونسية) العد258 بتاريخ2 أفريل2004

 

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: