اللّقاء التشاوري الثلاثي بين النداء والنهضة والوطني: هل يغيّر المشهد السياسي؟

جريدة الرأي العام، العدد 31، تونس في 16 نوفمبر 2017

عرفت بداية الأسبوع الحالي أحداثا سياسية مميّزة، حرّكت المشهد الوطني المترنّح منذ مدة، وكشفت بعض ملامح توازنات حزبية وسياسية جديدة آخذة في التشكّل، ستكون لها تأثيراتها المؤكدة على المشهد الوطني برمّته. نتوقّف عند اثنين منها، وهما اللقاء التشاوري الثلاثي بين النداء والنهضة والوطني وإعلان تأسيس الجبهة البرلمانية الوسطية التقدمية، بين حزبي المشروع وآفاق أساسا ونواب آخرين.

لقاء تشاوري حاسم وواعد لم تكتمل ملامحه

وصف البلاغ الإعلامي الصادر يوم الاثنين 13 نوفمبر 2017 عن اجتماع ممثلين عن أحزاب حركة نداء تونس وحركة النهضة والاتحاد الوطني الحر، ما تمّ بينهم ب “اللقاء التشاوري الأوّل”. ولهذا الوصف دلالته في أنّ الشركاء لا يزالون يتحاورون حول هويّة هذا التشكّل الجديد. وقد كشفت التصريحات الإعلامية لمختلف الأطراف اختلافات وبعض الغموض في هذا الشأن. كما أن وصف اللقاء ب”الأوّل” لا ينفي المشاورات السابقة في ترتيبه والتي أُعلن عنها الأسبوع الماضي. كما تؤكد التمثيلية اتفاقات سابقة للقاء، وخاصة حضور نواب من لجنة المالية لتناول موضوع ميزانية 2018. ومن جهة أخرى سجّل المجتمعون في آخر بلاغهم “انفتاح اللقاء التشاوري على كل القوى الوطنية”. بما يعزّز فرضيّة تطوير المبادرة وعدم اكتمال فصولها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشاورات بين الأطراف الثلاثة تعود إلى مرحلة سابقة واعترتها تقلّبات، من أهمّها تصريحات قيادات من الوطني الحرّ باحتمال اندماجهم في حزب النداء أو انضمام كتلتهم إلى كتلته، ثمّ تغيير الموقف جذريا لاحقا و”تمزيق وثيقة قرطاج” ومهاجمة النداء وحكومة الوحدة الوطنية والتحالف بين النداء والنهضة. بل ذهب سليم الرياحي إلى مهاجمة حركة النهضة بشدّة والدخول في تحالفات تحسب أنها “ضدّ النهضة” على غرار “جبهة الإنقاذ” المجهضة، والتي كان الوطني الحر من أكبر المتحمّسين لتشكيلها، ثم من أوّل المنسحبين منها.
لكن اللافت في اللقاء الأخير الذي التأم بمقر نداء تونس، هو صرامة موقف المجتمعين في إجماعهم “على ضرورة الاتفاق سريعا على انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا للانتخابات وتجاوز كل العراقيل التي من شأنها تعطيل عمل الهيئة وبالتالي تعطيل مسار الاستحقاقات الانتخابية”. وقد تأكد ذلك فعلا بانتخاب الأستاذ محمد التليلي المنصري ب115 صوتا رئيسا جديدا للهيئة مساء الغد الثلاثاء 14 نوفمبر الجاري، بعد الإخفاقات المتتالية التي عرفها المجلس بهذا الشأن خلال الأسابيع المنقضية. وهذه بداية واعدة ورسالة قوية يبعث بها اللقاء الذي أكد أيضا على “ضرورة دعم الحزام السياسي حول اتفاق قرطاج ومخرجاته السياسية عبر عودة حزب الاتحاد الوطني الحر إلى أرضية اتفاق قرطاج بما يقوّي الدعم السياسي المطلوب لفائدة حكومة الوحدة الوطنية”. وهذا ما يؤكد أنّ الهدف العملي من عودة الوطني الحرّ هو تأمين أغلبية للائتلاف الحاكم داخل البرلمان بعد التصدّع الحاصل بسبب مواقف حزب آفاق تونس وبعض الكتل الأخرى المتردّدة مثل كتلة الحرّة لحزب مشروع تونس. لكم ماذا يطلب الوطني الحر في المقابل؟ وهل ستؤثر التفاهمات الجديدة والاختلافات المسجلة بين أطراف الائتلاف في تشكيلة حكومة الشاهد؟ وكيف سيتم التعاطي عاجلا مع ميزانية 2018؟ وهل يتوسّع اللقاء لأطراف أخرى قريبا؟ وهل نحن إزاء مناورة ظرفية لتجاوزات بعض العقبات؟ أم نحن بصدد تشكل تحالف سياسي جديد في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟ وهل يتحوّل اللقاء إلى تنسيقية حاكمة؟ أو إلى جبهة سياسية جديدة؟ تلك الأسئلة وغيرها يطرحها اللقاء القادم المقرّر ليوم الاثنين 20 نوفمبر بمقر حركة النهضة وتجيب عنها الأسابيع اللاحقة.

جبهة برلمانية بلا هويّة ودون المأمول.

يبدو أنّ اللقاء الثلاثي المشار إليه سابقا ضغط على تأسيس “جبهة برلمانية وسطية تقدمية”. تضم أعضاء من مجلس نواب الشعب ينتمون إلى كتل نيابية مختلفة وذلك بغرض “إحداث توازن” في البرلمان وفي المشهد السياسي. والتي تأجل الإعلان عنها مرة أخرى يوم الأربعاء 15 نوفمبر بما يؤكد ولادتها العسيرة.
وتبدو هذه الجبهة متذبذبة وبلا هوية. إذ لا يستقيم أن تكون داعمة للحكومة، كما هو معلوم من بعض أعضائها وكما تقول عن نفسها، وهي في نفس الوقت من أجل خلق توازن مع النهضة والنداء، وهما ركيزة الائتلاف الحاكم. فلا يكون التوازن مع الحكم إلا من موقع المعارضة. لكن ربما يعود الغموض في الهدف إلى إخفاء حقيقة المبادرة في أصلها، والتي تعود إلى مدة بعيدة ويعمل أصحابها، خاصة آفاق والمشروع، تحت مسمّيات مختلفة من أجل خلق أغلبية داخل البرلمان من غير النهضة، قصد إقصائها من الحكم وعزلها سياسيا. ولذلك فإنّ حجم هذه الجبهة حسب التسريبات يعدّ فشلا ذريعا، (أقل من خمسين نائب) والإعلان يبدو دون المأمول بكثير، ولا تأثير له. وليس التشويش على انتخاب الأغلبية لرئيس هيئة الانتخابات والدعايات المغرضة والتشكيك سوى صدى لهذا الفشل.
وينسى أصحاب الجبهة التقدمية أن التحالف الحكومي الحالي صنعه نظام انتخابي ونتائج انتخابات 2014 التي يحلمون باستعادة سياقاتها في أفق انتخابات 2019 في محاولة يائسة لتكرار تاريخ يأبى أن يتكرّر. وها أنّ محسن مرزوق لا يتمالك نفسه في التعبير هذه الأمنية، فيدوّن على صفحته بعد البلاغ الإعلامي للثلاثي “الآن في تونس صارت صورة الموقف السياسي واضحة جدا ومن لم يشهد أو يشاهد فلن يشهد أو يشاهد أبدا
ما سيحصل من هنا فصاعدا سيكون تكثيفا لمسار استقطابي متسارع يشبه ما حصل خلال سنتي 2012 و2013 “.

حلال علينا .. حرام عليكم..

وغير بعيد عن الجبهة البرلمانية التقدمية أعربت أحزاب سياسية وهي حركة مشروع تونس وحزب المستقبل وأفاق تونس والمبادرة الوطنية الدستورية التونسية وحزب العمل الوطني الديمقراطي والجمهوري والمسار وحركة تونس أولا والبديل التونسي وحزب البناء الديمقراطي. عن استغرابها واستنكارها “للقرار الأحادي لحركتي النهضة ونداء تونس بإعادة حزب الإتحاد الوطني الحر إلى دائرة الحكم بالرغم من التتبعات القضائية التي تطال رئيسه والإنعكاسات السلبية على الحرب على الفساد التي أعلنتها حكومة الوحدة الوطنية”. وذلك في بيان مشترك صدر اليوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2017، وجاء فيه أيضا “أنّ إعلان بعض الأحزاب عن توافقها على تعيين رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ، من شأنه المس باستقلاليتها وبرصيد الثقة التي يجب أن تحظى به لدى التونسيين”. وتتجاهل أغلب تلك الأحزاب أنها كانت في جبهة مع “حزب سليم الرياحي” منذ مدة قصيرة وكانت تطلب ودّه، لسان حالها “حلال علينا..حرام عليكم..”. كما يتنكرون إلى أن التوافق بين كتل في البرلمان واتفاقها على تصويت موحّد عمل من صميم الديمقراطية ولا يمسّ من استقلالية المؤسسات الدستورية التي ينتخبها البرلمان.
تتوالى التصريحات والتحاليل بما يؤشر على أنّ المشهد السياسي الوطني مرشّح لتغيّرات هامة في الأفق، لكنّها لن تشكّل تهديدا للاستقرار السياسي ولا تشي بمفاجآت أو سيناريوهات “سريالية”، يروّج لها البعض وتلقى هوى في أوساط مهووسة بالتقلّبات الإقليمية أو غاوية للتهويمات المؤامراتيّة أو الفرقعات الإعلامية. فالحزبان الرئيسيان الضامنان للاستقرار والحريصان عليه، هما أقرب إلى التوافق أكثر من أيّ وقت مضى، ويجدان الاستحسان والدعم الإقليميين والدوليين الضروريين لذلك.

محمد القوماني
https://scontent.ftun3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/23519033_1730232357000541_5899163564332915860_n.jpg?oh=96cc5366923d22ebbcf61a2f3f5107fa&oe=5A96719B

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: