الشعوب لا تثق في مشروع الشرق الأوسط الكبير

 

الشعوب لا تثق في مشروع الشرق الأوسط الكبير

جريدة الموقف بتاريخ  4جوان 2004

بالرجوع إلى نصّ وثيقة مشروع ” الشرق الأوسط الكبير ” نتبين أن المقدمات التي يتأسّس عليها هذا المشروع تعود إلى المعطيات والإحصائيات التي تضمنها تقريرا التنمية العربية لسنة 2002 وسنة 2003 واللذان أعدهما خبراء عرب بالتعاون مع منظمّة الأمم المتحّدة. وتلك الإحصائيات كما جاء في نصّ الوثيقة كانت ” مُروّعة ” وتعكس ” أن المنطقة تقف على مفترق طرق ” وأن النواقص الثلاثة التي حدّدها التقريران وهي الحريّة والمعرفة وتمكين النساء من الحقوق، تخلق ظروفا ” تهدّد المصالح الوطنيّّة لكلّ أعضاء مجموعة الثماني ” كما ورد في نصّ المشروع، وذلك اعتبارا لما تخلّفه الأوضاع المشار إليها ( سياسيا واقتصاديا ومعرفيا واجتماعيا ) من تهديد لاستقرار المنطقة وما تسببه من ” زيادة في التطرّف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة “. وأكدّت الوثيقة على أن تلك المعطيات المحبطة لا تنسجم إطلاقا ” مع الرغبات التي يعبّر عنها سكّان تلك المنطقة” وأنها ” تمثل نداءات مقنعة وملحّة للتحرّك في الشرق الأوسط الكبير”.

 

ولا يملك أيّ مطلع موضوعي على أوضاع التنمية بالبلاد العربية والمشار إليها في مقدمة وثيقة  ” الشرق الأوسط الكبير ” إلا أن يساند الدعوة إلى إصلاح النواقص التي حدّدها تقريرا التنمية العربية وهو ما ” يشجع الديمقراطية والحكم الصالح، وبناء مجتمع معرفي، وتوسيع الفرص الاقتصادية ” كما اقترحت الوثيقة. فالمشروع في ظاهره يبدو مقبولا وإيجابيا في مقدماته وأهدافه ومستجيبا لتطلعات شعوب المنطقة ونخبها خاصّة. ولا يشكّل ” مشروع  “استعمار جديد ” ولا تقسيما جديدا للعالم كما يُروّج البعض.

 

يبدو مشروعا للولايات المتحدة التي طالما اكتوت شعوب المنطقة بسياساتها المؤيدة للأنظمة الديكتاتورية سرّا وعلانيّة، والحريصة على إجهاض أي مشاريع صادقة للوحدة والتنمية في البلاد العربيّة، يبدو مشروعا لها أن تغيّر سياساتها وأن تتطلّع إلى رعاية مصالحها ومصالح الدول الثماني القريبة لها عبر سحب تأييدها للاستبداد وإعلان دعمها للحريّة والديمقراطيّة والتنمية.  فقد يكون دعم الديمقراطيّة أنسب اليوم في المنظور الاستراتيجي الأمريكي لضمان المصالح.  خاصّة بعد أن تغيّر وجه العالم بانتهاء الحرب الباردة وكشف الاستبداد عن مخاطره وتداعياته الرهيبة في الداخل والخارج.

لكن لماذا اختارت الولايات المتحدة تسمية ” الشرق الأوسط الكبير ” التي تضمّ البلدان العربيّة زائد إسرائيل وتركيا وإيران وباكستان وأفغانستان ؟ وهي تسمية غير متعارف عليها.

ولماذا لم تشمل هذه الخارطة كامل العالم الإسلامي ؟ ولماذا تستبعد تسمية العالم الإسلامي ؟ وكل الدول المعنية إسلامية ما عدا إسرائيل، التي تشكّل كيانا استيطانيا في قلب العالم الإسلامي وتريد الولايات المتحدة أن تضمن له التطبيع المستحيل مع شعوب المنطقة وتجعل له اليد الطولى عسكريا واقتصاديا بين دول الشرق الأوسط الكبير ؟ فإسرائيل هي البلد الوحيد في ” الشرق الأوسط الكبير ” الذي صنّف بأنّه حرّ كما جاء في الوثيقة. وهو على ما يبدو النموذج، في المشروع المزعوم. فضلا على أن هذا الكيان لا يعاني من ذات النواقص المشار إليها فلم إذن يقع إقحامه في المشروع !؟ وعدم إقحام ماليزيا وأندونيسيا على سبيل المثال ؟

وإذا كانت الوثيقة تنصّ على اعتبار أن القوّة الدافعة للإصلاح الحقيقي في الشرق الأوسط الكبير يجب أن تأتي من الداخل فما هي الرهانات العمليّة لإنجاح المشروع ؟

لا يبدو النظام العربي الرسمي _ وهو أوّل المعنيين بالمشروع _ مستعدّا للتفاعل الإيجابي مع المشروع في بعده السياسي خاصّة وفي تطلعّه إلى دمقرطة هذا النظام. لأنّ الديمقراطية شرط لنجاح بقيّة مشاريع التنمية التي تضمّنها المشروع والتي قد تستفيد منها الأنظمة الحاكمة. وإنّ الضغوطات الاقتصادية التي قد تمارسها الولايات المتحدة على الأنظمة العربيّة للقبول بالمشروع والعمل به لن يخرج عن أحد إحتمالين.

الاحتمال الأوّل :  هو الاستجابة الشكليّة الزائفة للمطالب على نحو ما تدّعيه بعض الأنظمة من إقرار التعددية الحزبيّة وتنظيم انتخابات دوريّة ودعم حقوق الإنسان في التشريعات وخصخصة بعض  قطاعات الإعلام لجهات موالية… وتلك سياسات لن تغيّر من حقيقة الأمور شيئا.

الاحتمال الثاني :  هو التعنّت في رفض المطالب تحت شعارات عديدة منها الخصوصيّة، ورفض الإملاءات من الخارج وغيرها. وقد برهنت التجربة العراقيّة والليبيّة أنّ الأنظمة الدكتاتوريّة تذهب بعيدا في التضحية بمصالح شعوبها من أجل الاستمرار في السلطة مدى الحياة. وأن تلك الشعوب تكون المتضرّر الوحيد من أيّ ضغوطات اقتصادية أو ” عقوبات “.

 

وإذا استبعدنا الأنظمة الحاكمة فإنّ الرهان يفترض أن يكون على المجتمع وقواه الحيّة، وهنا تبدو الحقيقة مرّة مع الأسف، فالمجتمع المدني في البلاد العربية مشلول أو مُدمّر بفعل عقود الاستبداد. والقوى الديمقراطيّة في الداخل، ذات المصلحة في التغيير والإصلاح، إمّا ضعيفة ومشتّتة ولا تمثّل أيّ ثقل يرشّحها لقلب موازين القوى ( وهذا حال المعارضة العلمانيّة عموما ) وإمّا منهكة بسبب سياسات الاستئصال ومذبذبة في أولوياتها أو في علاقة عدائيّة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة ( وهذا حال المعارضة الإسلاميّة عموما ). هذا إضافة إلى التنافر بين الفريقين وعدم ثقتهما ببعضهما، وعدم ثقتهما مجتمعين بأيّة وعود أمريكيّة نتيجة الماضي في دعم الاستبداد، ونتيجة سياسات الإدارة الأمريكيّة الحاليّة في تأييدها اللامشروط للإرهاب الصهيوني ولسياسات الليكود خاصّة، أو فيما تفعله قوات الاحتلال من جرائم يوميّة بالعراق يكذّب الإدّعاءات الأمريكيّة في الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان.

وأمام هذا الأفق المسدود، قد تلجأ الإدارة الأمريكية، كما في المثال العراقي، إلى معارضين تحتضنهم وتدخلهم على ظهور الدبابات إلى بلدانهم ” منتصرين ” على أنظمتهم، ولكن معزولين شعبيّا ومنبوذين، وهؤلاء إن قدر لهم أن يحكموا فلن يكون حكمهم سوى فصلا جديدا من الاستبداد.

إنّ الأفق المسدود لمشروع ” الشرق الأوسط الكبير ” كما أسلفنا، لا يسقط ولن يسقط حاجة البلدان العربية خاصّة إلى إصلاحات جذريّة متأكّدة وفي مقدمتها الاصطلاحات السياسية باعتبارها الشرط الأول لأي إصلاحات أخرى.

 

ولئن تبدو صورة الأوضاع قاتمة ولا تبعث على التفاؤل سواء تعلّق الأمر بالمستوى الرسمي أو الشعبي، بالدولة أو بالمجتمع، بالحكم أو بالمعارضة، فإنّنا لا نستبعد أن تكون للعوامل الخارجيّة تأثيرها في تعجيل التغيّرات القادمة في منطقتنا. وهذه التأثيرات التي لم يعد بالإمكان تفاديها أو تجاهلها قد تكون عوامل مساعدة على تحقيق تطلّعات الشعوب، كما قد تكون عناصر تشويش وإجهاض لأيّ تطلّعات صادقة في الإصلاح والتغيير.

وهذا وذاك أحسب أنّه متوقف على درجة وعي النخب وتعاطيها مع ملفّ الإصلاحات في هذه المرحلة بالذات.

محمد القوماني

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* جريدة الموقف (أسبوعية تونسية) العدد 267   بتاريخ  4جوان 2004

 

 

 

 

 

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: