الثورة المهدورة والمواطنة المتعثّرة

الثورة المهدورة والمواطنة المتعثّرة

مجلة الإصلاح  الالكترونية في 08/24 / 2012

 

إذا كانت الديمقراطية العنوان الأبرز للحداثة السياسيـــة، فتُوصف المجتمعات الغربية الحديثة بالمجتمعات الديمقراطية، فإنّ المواطنة تعدّ أساس الديمقراطية وجوهر هذه الحداثة السياسيـــة، ولا نجد مفهوما أفضل منها لاختزال النقلة النوعية في الحكم من “الرعيّة” التابعة والخادمة للحاكم في الأنظمة السلطوية القديمة، إلى الإنسان/المواطن صاحب الحقوق والواجبات في دولة تعاقدية مدنية يتساوى فيها الجميع أمام القانون. ومن هذه الزاوية تبرز المواطنة كأحد المؤشرات على الفوارق النوعية بين أوضاعنا السياسية نحن العرب وثقافتنا المدنية ونظيرها في المجتمعات الديمقراطية. وهي فوارق تشمل السلوك المُواطني للحكّام والمحكومين في آن. فإلى أيّ مدى نجحت الثورات العربية الأخيرة على الاستبداد، في تدشين عصر سياسي جديد، تُكرّس فيه الديمقراطية وتكون فيه المواطنة أساس الانتماء للدولة وقاعدة التعامل في العلاقة بين الحكّام والمحكومين ؟ في هذا السياق تتنزل مقاربتنا في تتبّع مسار المواطنة المتعثّرة في ربوعنا، وأولوّية تفعيلها في هذه المرحلة، حتى تصير ثقافة المُواطنة موجّها للسلوك الفردي، وأساسا لعلاقة الفرد بالدولة وقاعدة للحكم وللعلاقات الاجتماعية.

في دلالة المواطنة

 

أن تكون مواطنا، يعني ببساطة أن تكون عضوا في دولة ديمقراطية مؤسسة على علاقة تعاقدية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات الأساسية وأمام القانون ويكون فيها الحاكم منتخبا ويكون فيها للفرد المحكوم الحق في تدبير شؤونه الخاصة وتدبير شؤون مدينته ومجتمعه، بإبداء رأيه بحرية واتخاذ المبادرات التي تهدف إلى تحسين وضع الجماعة محليا ووطنيا، والمشاركة في الحكم باعتباره ناخبا أو مُرشحا لسلطة يخضع لها المجتمع لمدة محددة ويكون للناخبين حق مساءلة تلك السلطة أو مقاضاتها أو عزلها إذا لزم الأمر.

ولا تتحدد المواطنة من خلال علاقة الفرد بالدولة فقط، بل أيضا من خلال حياة جماعية قائمة على روابط ثقافية وتشريعية وسياسية تقوم على تلازم الحق والواجب، وتقترن بتطور الإنسان وسعيه الدؤوب نحو مزيد من الحرية والمساواة والكرامة. والمواطنة بهذا المعنى، مفهوم ديناميكي يتطور بتطور المجتمعات ووعيها بحقوقها وتطويرها لمنظومة المشاركة السياسية، وتغيير القوانين باطراد، باتجاه مزيد من التحرّرية وضمان المساواة والكرامة، وبترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان عن طريق التنشئة الاجتماعية والتوعية المستمرة التي تساهم فيها الأسرة والمدرسة، والمنظمات الأهلية والهيئات الحزبية وكل الفاعلين في المجتمع.

في تأصيل المواطنة

لئن حاول البعض تأصيل مفهوم المواطنة في تراثنا، بردّه إلى  صحيفة المدينة أو إلى أية إحالة أخرى،  فإني أميل إلى اعتباره مفهوما حديثا غربي المنشأ، ولا أرى في ذلك أيّ تعارض مع العمل على تبيئته واستخدامه بدلالته الأصلية. ومن جهة ثانية فإننا حين نستحضر هذا المفهوم للمواطنة في سياقه الغربي وبأبعاده المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية، النظرية والعملية، يذهب البعض إلى الجزم بانعدام المواطنة في ربوعنا وغُربة هذا المفهوم عن بيئتنا الثقافية، ويرون أن المطلوب إحداث تغييرات عميقة في الثقافة والممارسة السياسية من أجل تأسيس المواطنة. وهذا القول بالتأسيس في موضوع المواطنة، كما في مواضيع أخرى عديدة، يصدر عن رؤية في التغيير تقوم على الدعوة إلى إلغاء الوضع القائم وبناء الجديد على أنقاضه. وبصرف النظر عن مدى واقعية هذه الرؤية، أرى من المهم الإشارة إلى أن الرؤية الإصلاحية التي أصدر عنها في هذه المقاربة، تقوم على تطوير الواقع باتخاذ مرتكزات فيه ودفع الأمور تدريجيا في الاتجاهات التي نرومها. لذلك أرى في موضوع الحال أن المطلوب ليس تأسيس المواطنة في واقعنا، بل تفعيلها. فالمواطنة كامنة في الدساتير والنصوص القانونية التي تنظم الدولة والمجتمع، وحاضرة في الخطابات المتداولة، ولكن المشكلة تظل في ضمور هذه المواطنة في الممارسة أو في إفراغها من محتوياتها.
ومن جهة أخرى، فإني أذهب إلى أن تأصيل المواطنة في ربوعنا، لن يتحقق بجدال نظري حول أصل المواطنة، بل يبدو رهين دينامكية سياسية تعمل بجاذبية الديمقراطية، باتجاه تطوير الثقافة المدنية ومنظومة المشاركة السياسية، وذلك بمساهمة نشطة لمؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة والإعلام . كما يتوقف على دفع قوي للتنمية السياسية وإعادة تأهيل الفاعلين السياسيين في الحكم وفي المعارضة.

 

تكلفة ضمور المواطنة

يبدو أن مفهوم الغَلبَة، الضارب بجذوره في القرون الخوالي، ظل يؤسس الاجتماع السياسي في الدول العربية الحديثة بدل مفهوم التعاقد. فالحاكم يستمدّ مشروعيته من قهر خصومه وغلبتهم وبسط نفوذه على الأغلبية التي وصفها الكواكبي بقوله: “عليهم يصول و بهم على غيرهم يجول” . فلا عجب في  أن تغيب المواطنة أو تضمر في ظل حكم الغلبة.

كان من الطبيعي أن تضمر المواطنة في دولة ما بعد الاستقلال رغم وجهها الحداثي، ولا تستفيد بلادنا، وسائر البلدان العربية، من كل طاقاتها، في ظل ثقافة الغلبة.  فلم يساعد تعطّل التنمية السياسية على تحقيق تقدم نوعي على صعيد تفعيل المواطنة، فساد نظام الحزب الواحد وتقلصت فرص المشاركة السياسية، وعرفت العديد من الطاقات والفئات الإقصاء أو التهميش. لكن الأخطر من ذلك أنه ممّا ساهم بقوة في غياب المواطنة أو ضمورها في ربوعنا وممّا ضاعف جاذبية التسلط في مجتمعاتنا، أن مفهوم الغلبة انتقل من الحكم إلى المعارضة، ومن السلطة إلى المجتمع.
ففي غياب التعددية السياسية وانسداد أبواب المشاركة واستحالة تغيير الأوضاع بالآليات المتاحة، انصب تفكير المعارضين “المتمرّدين “على امتلاك عناصر الغلبة لقلب الأوضاع . ولم تساعد ظروف العمل السياسي السري ومغالبة السلطة، على التفكير في أساليب التوعية بالمواطنة ومضامينها ونشر ثقافة الديمقراطية وتعزيز قدرات المجتمع المدني في مواجهة تغوّل الدولة. وربما صارت الغلبة ثقافة، فتحدث المصلحون عن قهر الحاكم للرجل و قهر الرجل للمرأة وانتشرت أدبيات في تحليل انتشار الاستبداد في ألياف المجتمع المختلفة )الأسرة ، المدرسة، ومؤسسة العمل…). ولم تستطع جهود المعارضة، رغم التضحيات الجسيمة، أن تغيير المعادلة وتفتح أفقا مغايرا للمجتمع.
وفي ظل حكم الغلبة انكفأ المواطن على نفسه وضعف انتماؤه للوطن، فتفشت اللامبالاة وعزف أغلب الناس عن المشاركة في الحياة العامة واستسلموا إلى ضرب من القدرية وفقدوا كل أمل في تغيير الأوضاع وسكنهم الإحباط. فالسياسة شأن لا يعنيهم، بل هي خطر يجب الحذر منه، والصراع بين الحكم والمعارضة، “صراع على الكراسي” ومن أجل مصالح شخصية لا ناقة لهم فيه ولا جمل. والديمقراطية والانتخابات والمشاركة والمواطنة…كلمات جميلة تثير ضحكهم، وهي أقرب للشعارات الرنّانة، وإن كان لها صلة بالواقع، ففي ربوع غير ربوعهم.
أولوية تفعيل المواطنة
شكلت التحولات العالمية وخاصة الثورة الاتصالية، والتغيّر في الموقف الدولي من أنظمة الاستبداد، عناصر ضغط موضوعية إضافية، أسهمت إلى جانب عوامل ذاتية أهمها استخلاصات عقود من الصراع  المرير بين الحكم والمعارضة في ربوعنا، وتمادي الأنظمة في غيّها وتجاهلها للنقد وللمطالب المتزايدة في الإصلاح والديمقراطية والتذمّر من التهميش والبطالة وضنك العيش، شكلت جميعها أرضية مناسبة لاندلاع انتفاضة شعبية عارمة في تونس، سرعان ما تحولت إلى ثورة شعبية نادت بإسقاط نظام الاستبداد والفساد، ونجحت في الإطاحة برأس السلطة، وكانت فتيل ثورات عربية تلتها بسرعة، لتصنع الربيع العربي.

 

في ظل هذا الوضع الجديد، صار الحديث عن الإصلاح والديمقراطية ودولة الحقوق والمؤسسات، من ثوابت الخطاب السياسي ومن المشتركات بين الفرقاء. وكان من المُفترض في هذا السياق التشديد على حيويّة تفعيل المواطنة، بما يضعنا على طريق الحكم الرشيد الذي يعدّ من شروط المناعة والبقاء والنجاح في مواجهة التحديات المستقبلية لعالمنا المليء بالتقلبات. فإذا ضاع هذا الهدف وتبدّدت الجهود في المُغالبة وإدارة الملفات الظرفية، نخشى أن يستمر منطق حكم الغلبة على حساب ذهنية المواطنة ودولة المؤسسات، فنخسر رهانات الحاضر والمستقبل. وإذا كان من المشروع والمهم أن تنشغل السلطة والأحزاب السياسية بالاستحقاقات العاجلة وبالانتخابات، فإنه كان من باب أولى أن يُعيروا الاهتمام اللازم للمستقبل المنظور والبعيد للأجيال.
إن أيّ تعبئة للمواطنين في رفع  مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية وفي تحقيق أيّ إصلاح سياسي، لن تتيسر إلاّ بتسهيل دخول المواطن معترك الحياة العامة والارتقاء به إلى مستوى المواطنة بما تحمله من معاني المشاركة الفاعلة والتمتع بالحقوق والقيام بالواجبات والتعبير عن الرأي في صياغة القرار ونقاشه. ولن نستطيع في كل الأحوال، معالجة المشاكل ودرء المخاطر مع إبقاء المواطن في وضع سلبي فاقد للاهتمام بالشأن العام، مُنسحِبا ومُستقيلا كلّيا، نافر ا من العمل الاجتماعي ومشكّكا في أيّ تجربة وفي مؤسسات الدولة، فاقدا للثقة في الحكومة وفي خصومها، متّهما الجميع بشتّى التّهم، ومكتفيا بعلاقته زبونية ومتخلّيا عن مواطنته ومسؤوليّته. فلكي تبرز الديمقراطية التي ننشدها جميعا، بديلا جذّابا عن عهود الاستبداد والفساد، لا بد أن تكون المواطنة ثقافة اجتماعية وموضوع اهتمام جماعي وعنوانا لعصر جديد.

 

هل تؤسس الثورات العربية ديمقراطية ما بعد العَلمنة والأَسلمة؟
                      حين عمّـــت الديمقراطيــــة أغلب بلـــدان العالــم خلال العقود الأخيرة، ظل العالم العربي يُوصف بالاستثناء، وكان الجدال حادّا والتباينات غير خافيــة في تعليل هذا الاستثناء، لا سيّما ما يتصل بعلاقة الإسلام بالديمقراطية. فهل أنهت الثورات العربيــــة التـــــي أطاحت بكثيــــر مــــن رؤوس الدكتاتوريـــة هذا الاستثناء؟ وهل فتحت الانتخابات الحرة والتعددية  التي قادت حركــــات إسلاميــــة إلــــى الحكـــم عقــــب تلك الثورات، عصر الديمقراطية العربية الإسلامية؟ لعل إجابة عميقة على مثل هذه الأسئلة تستوجب توقّفا عند أهم تحولات الفكر والسياسة في تاريخنا الحديث والمعاصر الممهدة للربيع العربي الحالي.

 

الديمقراطية في قلب اهتمامات روّاد النهضة

 

شكل عصر الأنوار في أوروبا مرحلة نوعية بجعل المواطنة حقا إنسانيا يتمتع به الجميع على قدم المساواة، حين أسّس روّاد التنوير الاجتماع السياسي على فكرة التعاقد وجعلوا المواطن عضوا في الدولة تربطه بها علاقة حقوق وواجبات . وجعلت الثورة الفرنسية المواطنة حقا قانونيا بإعلانها حقوق الإنسان والمواطنة، وترسّخت هذه المواطنة في أوروبا وأمريكا عبر الأجيال، بتطوير منظومة حقوق الإنسان وتغيير القوانين باطراد، باتجاه مزيد من الديمقراطية. وحين انتبه روّاد النهضة العربية الإسلامية في القرن التاسع عشر إلى الفارق الحضاري المخيف الذي بات يفصل مجتمعاتهم عن الغرب الحديث وطرحوا أسئلتهم حول أسباب تأخر المسلمين وبلوروا أجوبتهم في أقوم المسالك لمواكبة التحولات العالمية واكتساب مقومات التمدن والتقدم، لم تغب في اهتماماتهم قضية الديمقراطية بتعبيرات جيلهم، بل كانت في قلب مشاغلهم، فتناولوا قضايا الحرية والعدل والاستبداد وتقييد سلطة الحاكم بقانون والفصل بين السلطات وعلاقة الدين بالدولة كما هو معروف في أدبيات الطهطاوي وخير الدين والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وشبلي الشميل وفرح أنطون وغيـــرهم. وكان الاستبداد أهم خصم لروّاد النهضة وأهم عائق لها.

 

وقد بذل هؤلاء الرواد، من ذوي الأصول الإسلامية خاصة، جهودا نظرية هامة في الدعوة إلى الاقتباس من الغرب وفي إثبات عدم التعارض بين الإسلام والمدنية والحرية. لكن هذا المنحى التوفيقي لدى الرواد سرعان ما تراجع خلال القرن العشرين ليفسح المجال تدريجيا إلى حالة من الانقسام في الوعي والمواجهة الفكرية المفتوحة وربما المصادمات الدامية، بين مثقفين عرب منادين بالعلمانية ومدافعين عنها ومحاولين فرضها قسريا من خلال أدوات الحكم من جهة، وبين تيار آخر من المثقفيـــن تأسس على رفض هذا المنحى والعمل على مهاجمته فكريا وإن لزم الأمر التصادم معه ومقاومته بالعنف.

 

من المنحى التوفيقي إلى انقسام الوعي

 

لعل بداية ذلك الانقسام  يمكن رصده من خلال استعراض عناوين الضجة في مصر على سبيل المثال خلال النصف الأول من القرن الماضي، مثل كتاب “الإسلام وأصول الحكم”  للشيخ الأزهـــري علي عبد الرازق الذي نشره سنة 1925 والذي حاول الاستـــدلال من خلاله على أن نظام الخلافة لا أصل له في الإسلام، وأن زعامة النبي صلى الله عليه وسلم زعامـــــة روحيـــة وليست سياسيـــــة. ودعا إلى إقامة نظام الحكم على أحدث ما أنجته العقول البشريــة. وقد تسببت هذه الآراء التي لا تخفى دوافعها السياسية في علاقة بتداعيات إلغاء نظام الخلافة بتركيا سنة 1924، في مصادرة الكتاب ومحاكمة صاحبه من طرف مؤسسة الأزهر. ومن بعده جاء كتاب الأديب طه حسين سنة 1926 بعنوان “في الشعـــر الجاهلـــي” الذي استعمل فيه منهج الشك الديكارتي في التحقيق في الشعر العربي، ورأى فيه خصومه محاولة للتشكيك في القرآن والسنــــــة مما تسبب في مصادرة الكتاب ثم تعديله من صاحبه. ومن بعد عشر سنوات أصدر طه حسين سنة 1938 “مستقبل الثقافة في مصر” ليؤكد أن هذا المستقبل مرهون بالأخذ بالثقافة الغربية “خيرها وشرها وحلوها ومرّها”.

 

ومــــع تبلــــور التيـــــارات الأيديولوجيـــة  خاصة الليبراليــــة والماركسية، وانتشار أدبيات جيل جديد من المثقفين الذين حسمـــوا أمرهــــم في الانحياز الكامل للثقافة الجديدة والقطع مع الماضي من أمثال سلامة موسى وزكي نجيب محمود، كانت العلاقة بالثقافة الإسلامية تزداد توترا، ومع المثقفين الماركسيين المتأثرين بانتصار الثورة البلشفية في روسيا بلغ  التصادم حدوده القصوى حين كان ينظر للتراث الذي يشكل الإسلام مقومه الأساسي أنه يمثل استلابا للطبقات الفقيرة وصدى للفكر الاقطاعي وأن الثورة الثقافية المنشودة من أجل التحديث والتحرّر والتقـــدم ستكـــون معركــــة ضد التراث وضد الفكر الدّيني.

 

وعموما يمكن القول بأن الجامع بين المثقفين المصنفين بالعلمانيين من تيارات مختلفة، هو التسليم بكونية المنجزات الثقافية والاجتماعية والسياسية الغربية، وأن العقلانية تعني العمل بمقتضى العقل مقابل الوحي وأن الحرية وبناء الدولة الحديثة يقتضيان الفصل الكامل بين الدّيــــن وبيــــن المجــــال العــــام. وربما في الوقت الذي بدا فيه هذا التوجه  يوشك أن يحقق الانعطاف الحاسم في مجرى الفكر والمجتمع باتجاه علمنة الدولة والمجتمع، ربما كانت في ذلك الوقت بداية انحداره وفسح المجال تدريجيا لنوع آخر من التفكير المناقض له تقريبا.

 

من انقسام الوعي إلى المواجهات الدامية

 

بداية من ثلاثينات القرن العشرين وتواصلا مع ما بدأه الشيخ رشيد رضا المتوفى سنة 1925 والذي بدا أكثر محافظة قياسا بأستاذه الشيخ محمد عبده، بدأ يتبلور تيار فكري وسياسي جديد في مواجهة التيار العلماني، ونعني به التيار المصنف اليوم بالإســـلام السياســـي أو الإسلاميين.  ففي سنة 1928 أسس الشهيد حسن البنا “جماعة الإخوان المسلمين”  وكان مما حدده لها من أهداف كما جاء في رسائله “أن تقف في وجه هذه الموجة الطاغية من مدنية الغرب، وحضارة المتع والشهوات التي جرفت الشعوب الإسلامية فأبعدتهــا عن زعامة النبي صلى الله عليه وسلم وهداية القرآن وحرمها من أنوار هداها”. ومن بعد حسن البنا ازداد تفكير الإخوان تجذّرا في مواجهة الفكر الغربي والتوجهات العلمانية، حين وصف الشهيد سيد قطب  الحضارة الحديثة وواقع المسلمين عموما بما سمـــاه “جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم” كما جاء في كتابه الشهير “معالم في الطريــــق”. وكان تفكير سيد قطب و خاصة دعوته إلى “الحاكمية الالهية” التي أخذها عن أبي الأعلى المودودي، بداية تفرّع جماعات مـــن الإســــلام السياســي المختلفــة مع الإخوان المسلمين والأكثر تشددا فــــي الفكـــر وفي مناهج التغيير.

 

ويمكن إيجاز أطروحة الإسلام السياسي في السياق الذي نحن بصدده بأنها صراع ضد العلمانية باعتبارها إسقاط غربــــي وقيـــــــاس غير صحيح للإســــلام على المسيحية. ومن هنا تبلور شعار “الإسلام دين ودولة وعقيدة وشريعة ومصحف وسيف” جوابـــا على دعوة فصل الدين عن الدولة والحياة العامـــــة. كما كان الإسلام السياسي صراعا مع “الإسلام الشعبي” و”الرسمي” الذي يكاد يحصر الإســــــلام في الشعائر  وقضايا الآخرة ومن هنا كان شعار “الإسلام منهج أو نظام  حياة”. والإسلام السياسي أيضا صراع مع الأنظمة الحاكمة التي تمثل في نظره امتدادا للاستعمار وتطبيقا لحلول مستوردة. وفي هذا السياق يتنزل شعار الحاكمية لله ويأتي مطلب تطبيق الشريعة وإقامة النظام الإسلامي.

 

وفي سياق هذا التقابل الحادّ بين الغرب وبين الإسلام وبين الحداثة والهوية وبين دعاة الجاهلية ودعاة الماضوية…نفهم الصراع المحتدم في الفكر العربي الحديث والمعاصر الذي تحول إلى سجالات أيديولوجية  لم تختلف كثيرا في المنهج  وإلى اتهامات متبادلـــــة في التخوين والتكفيـــر والعنــــــف، آلت  إلى “اغتيال العقل” بتعبير الدكتور برهان غليون.  وكان ذلك الصراع ضربا من الحرب الأهلية غير المعلنة على مدى عقود خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين مع تشكل ” الدولة الوطنية” ومع حصول تغييرات في الأنظمـــــة السياسيــــة لكثير من البلدان العربية أخذت في أغلبها طابعا أيديولوجيا غير خاف. ولعل من أسوإ تبعات هذا الصراع تفقير الممارسة النظرية ونشوء أحزاب أو تيارات قائمة على الولاء للزعيم الفرد واعتماد الانقلابات العسكرية طريقا للغلبة وتحقيق الأهداف وانتهاج الاقصاء والتصفية للمخالفين. وتفويت الفرص عن أي امكانية لبناء المواطنة أو تحقيق التنمية أو الدخول في العالمية.

 

من الانقسام والمواجهة إلى الوعي النقدي

 

في هذا الواقع المتفجّر وعلى وقع هزيمة 1967 المُدوّية، بدأت تتبلور في الفكر العربي المعاصر نزعات نقد ومراجعة جذرية، ربما بدأت بنقد الجيش لتشمل نقد الأيديولوجية المهزومة بتعبير ياسين الحافظ ولتمتد بعد ذلك إلى نقد الثقافة ونقد المجتمع بمختلف بناه ولتنتهي إلى مراجعة شاملة لمسار النهضة الحديثة التي كانت مجرد حلم وممكنا ذهنيا لم يتحقق. وكان من أبرز نتائج هذا المسار النقدي في الفكر العربي المعاصر، تبلور مشاريع فكرية ضخمة على غرار ما اقترحه الطيب التيزيني في التراث والثورة من مشروع رِؤية جديدة للفكر العربي أو محمد أركون في نقد العقل الإسلامي أو محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي أو حسن حنفي في اليسار الإسلامي وإعادة بناء العلوم القديمة أو التراث والتجديد. وفي ظل هذا المنحى النقدي والمشاريع الجديدة كان خفض التشنج ملحوظا في تناول مسائل الإسلام والحداثة خاصة، وعاد الخطاب النهضوي الذي يجمع بين التراث والعصر وكان البحث عن المشتركات والاعتراف بمشروعية مختلف الأطروحات والتوقف على الآليات الذهنية التي تعوق التقدم باتجاه الأهداف المعلنة والتي يمكن التوافق عليها وكيفية تجاوزها.

 

من خلال محاولة هذا التتبع الموجز لتحولات الفكـــر والسياســـة علـــى مـــدى قرنيـــن من تاريخنـــا الحديـــث، من المنحى التوفيقي مع الرواد إلى انقسام الوعي مع تلاميذهــم إلـــى الصـــراع الدامـــي بين ما يمكن ان نعبر عنه في مفارقة “الاستبداد الحداثي” و”الإرهاب الإسلامي” ـ مع تبرئة الحداثة من الاستبداد وتبرئة الإسلام من أي عنف أو إرهاب ـ  إلى المنحى النقدي ومحاولات الجمع الايجابي وتجاوز الانقســـام والتعطــــل الحضــــاري، نحاول أن نفهم الربيع العربي الحالي، لننزّل الثورات في سياقها فنفهم الأحداث في تراكمها وتحولها النوعي وليس في صيغتها الفجئية، وحتى ننظر إلى صعود الإسلاميين باعتباره تتويجا لمسار يفتـــــح على آفاق جديدة من التعايش وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الجمة التي ينوء بحملها تيار أيديولوجي أو سياســـي بمفــــرده والتي تستوجب مقاربات مختلفة تماما عمّا سبق وترتيب مختلف للأولويات وتصنيفات فكرية وسياسية لا تستوعبها القوالب الحالية التي عفا عنها الزمن وتجاوزتها ثورات الربيع العربي.

 

الثورات العربية تدشّن عصرا جديدا

 

لا نجانب الصواب حين نقول بأن فشلنا على مدى قرنين في إنهاء الاستبداد رغم المحاولات العديدة والتضحيات الكبيرة، كان عنوان فشلنا في تحقيق النهضة والإصلاح. وعليه فإن الثورات العربية الأخيرة التي أطاحت بكثير من رؤوس الدكتاتورية  وأدخلتنا مرحلة ما بعد الاستبداد، إنما تفتح عصرا عربيا جديدا ستتحدّد ملامحه بقدر توفّقنا في الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية والصمود في وجه المؤامرات التي تستهدفها من الداخل والخارج. ولا نبالـــغ إذا قلنا أن هذه الثورات توّجت نضالات شرسة تكثّفت خلال العقود الأخيرة واتخذت من مقاومة الدكتاتورية عنوانا وأولويــــة. ولا يبدو تقدّم الإسلاميين عن باقي التيارات الفكرية والسياسية التي ساهمت بدورها في تلك النضالات مُصادفة، في أول انتخابات حرة وتعددية بعد تلك الثورات،  بل يأتي منطقيــــــا ويتوج مسارا مخصوصا لهذا التيار.

 

فالإسلاميون عموما شكلوا كبرى الحركات الشعبية خلال العقود الأخيرة وكانوا مطاردين في الداخل والخارج وعُرضة للإقصاء والسجن والتصفية الجسدية والهجرة القسريّة. كما تصدروا المشهد السياسي الوطني والعالمي. وكانوا عنوان مواجهات للحكام بالداخل وعنوان مواجهات لقوى الاستعمار والهيمنة الخارجية. فهم التيار الأبرز الذي يقدم نفسه بديلا عن  التجارب الفاشلة من ليبراليية وماركسية وقومية. وهم التيار الأبرز في الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية وفي قيادة المقاومة ضد العدو الصهيوني وضد جميع محاولات الهيمنة الخارجية وخاصة الامريكية منها. وقد حققوا بطولات وانتصارات هامة على جميع الأصعدة رغم الأخطاء الفادحة  وتورطهم في العنف والإرهاب أحيانا، وكسبوا تأييدا شعبيا متعاظما رغم حملات الدعاية المضادة لهم. فكان انتخابهم اعترافا لهم، وجنيا لحضور لافت لهم، وتعاطفا مع مِحنهم من جهة، وكان أيضا انتصارا واضحا لتيار الهوية العربية الإسلامية في مواجهة نزعات العلمنة القسرية واضطهاد “المتدينين” والتضييق عليهم في الحياة العامة  من جهة ثانية. ويمكن اعتبار هذا التقــــــدم أيضــــا إنهـــاء لمرحلــــة من الصراع الايديولوجي وإتاحة الفرصة لتجربة الإسلام السياسي الذي ظل مقصيا بعد أن جُربت بقية الأيديولوجيات. ولن يكون حكم الإسلاميين بهذا المعنى سوى مرحلة مثل المراحل السابقة.

 

انهزم “الحداثيون” في الانتخابات التي تلت الثورات، لكن  الحداثة انتصـرت. فقيـــــم الحداثــــة  السياسيــــة من مدنية ومواطنة وديمقراطية وحقوق إنسان وغيرها اخترقـــت التيــــار الإسلامـــي المنتصـــر، على مستوى الخطاب على الأقل. بما يعني أن الأغلبية صوتت للتمسك بالهوية وللوعي بمتطلبات الحداثة أيضا. بما يجعل المصالحة التاريخية على هذا الصعيد ممكنة جدا. مصالحة لا تستند إلى مقاربات  وتصنيفات منتهية الصلوحيــــــة، بل  يستند إلى معجم جديـــــد في الانتقــــــال الديمقراطـــــــي. معجم يؤسس لمرحلة جديدة لما بعد الصراع المحموم بين محاولات العَلمنة والأَسلمــــة. مرحلة يكون فيها الإسلام الثقافي إطارا جامعــــــا، لا تتنازع حولــــــه  الأحزاب السياسيــــــــة والتيـــــارات الفكريــــــة ولا يحتكره طرف دون الآخرين.

 

ديمقراطية ما بعد العلمنة والأسلمة

 

لئن بدا تقدّم الإسلاميبن بقية الأحزاب في أول انتخابات حرة وتعددية وشفافة بعد الثورات مستحقا كما أسلفنا، فإن صعودهـــم إلى الحكم في أكثر من عاصمة عربية، يأتي وسط مخاوف قطاعات واسعة من النخب المخالفة لهم وفي سياق أزمة ثقة حادة ومُخلفات عقود من الصراع والمواجهات الدامية أحيانا. لذلك نقول أن مرحلة ما بعد الاستبداد التي دشنتها ثورات الربيع العربي، لا تعني تأسيس عصر الديمقراطية. فكسب رهان الديمقراطية الناجزة ما زال يواجه تحديات جمّة على أكثر من صعيد.

 

فالربيع العربي لم تكتمل حلقاته ولم تُثبّت أركانه، وما زال في إطار الممكن الذهني وليس في الواقع المتحقق. ولئن تعدّدت دوافع الثورات وامتزج فيها الاجتماعي والاقتصادي بالسياسي، ولئن تصدّرت مطالب التشغيل والكرامة والعدالة في التنمية وتحسين مستوى العيش وحماية الحريات الفردية والعامة وتأمين حياة الناس وممتلكاتهم، هذه الثورات أثناء اندلاعها وبعد انتصارهــــا، فإننـــا في ظل صعوبات الانتقال وتعقيدات الواقع الداخلي والخارجي  وإزاء ما يُحاك من مؤامرات ضدّ الثورات وأمام المخلفات المدمّرة للعهد البائد والتنازع حول الشرعية الجديدة، في ظل هذه التحديات جميعا، نحتاج إلى ترتيب للأولويات نتوافق عليه ويكون بوصلة لرفع مختلف التحديات وتأسيس عصر جديد. ولا أتردّد في هذا السيـــــاق في التأكيد على أن المحافظة على مكسب الانتخابات الحرة والقبول بمقتضياتها وتثبيت المسار الديمقراطي هو البوابة لتحقيق بقية الأهداف ورفع سائر التحديات تدريجيّا.

 

فالديمقراطية التي دشّنّاها بانتخابات حرة وتعددية وشفافة تشكّل مبدئيا ضمانة أساسية لتكريس سلطة الشعب وجعله المرجع لأيّة شرعية سياسية والحكم في تقييم الأفكار والمقترحات والبدائل. فطالما استمرت تلك الانتخابات قائمة، ظل التداول على الحكم مضمونا وظل المتنافسون على الحكم يستحضرون كلمة الناخبين ويعملون تحت مراقبتهم ويجتهدون في التفاعل مع مطالبهم وتطلّعاتهم. وبذلك تكون الديمقراطية بوّابة لولوج بقية القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها ومعالجتها. والخطر كل الخطـــر في مرحلة ما بعد الاستبداد، أن يتنكّر بعض الفاعلين لنتائج الانتخابات، فيعمدون إلى محاولة إبعاد الإسلاميين من السلطة بطرق غير مشروعة، مهما حُبكت سيناريوهاتها. كما الخطر كل الخطـــر في أن ينقلب الإسلاميون على الديمقراطية التــــي جــــاءت بهــــم إلى الحكم، على غرار تجارب عربية مرّة في هــــذا السيـــاق. وبذلك تكون الثورات قد غيّرت الحاكمين ولم تغيّر الحكم.

 

إن تعزيزا للديمقراطية الناشئة في ربوعنا، وتأمينا لإنجاح المسار الانتقالي، يتطلبان إضافة إلى تثبيت مكسب الانتخابات، تضافر جهود جميع الأطراف من أجل تكريس مسارات يتم التوافق عليها، نكتفي بإثارة ثلاثة منها.

 

المسار الأول هو التوافق على أن الإسلام أصيل في بيئتنا ومقوم أساسي لثقافتنا وحضارتنا، وأن مجتمعنا لا يحتاج إلى مشاريع لأسلمته، بقدر ما يحتاج إلى مشاريع تجديد ثقافي. وان التحديث المنشود للدولة والمجتمع، لا يتم بالقفز علــــى ثقافتنـــا الوطنيــة أو محاولة استبدالها بثقافة غيرها، بل يتحقق التحديث بقدر نجاحنا في مهمة تجديد ثقافتنا والارتقاء بها إلى العالمية. وبذلك نعمـــل على إنهاء التنازع حول الإسلام وإخراجه من دائرة الصراع الحزبي، بعدم تفويت مختلف الأطراف الاستفادة منه في دعم الوحدة الوطنية وأيضا في البناء ورفع التحديات وتحقيق الأهداف. فقد بينت التجربة أن التوفّق إلى حل تاريخي لمسألة  الإسلام في مجتمعاتنا العربية، لا يقل أهمية عن التوفّق في رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

 

المسار الثاني هو  تجاوز ثنائية العلمنة والأسلمـــة بين النخب، وإفساح المجال لخطاب عروبي إسلامي اجتماعي مستنير، يغتني من قيم الإسلام الخالدة وتعاليمه السمحة ومن تجدّد معاني كلمات القرآن العظيم. خطاب يتناول قضايانا في سياقها العربي المخصوص بعد أن فشل التناول القطري المقيت لها، وبعد أن ثبتت قوة روابط العروبة لغة وثقافة ومصالح ومشاعـــــــر كمــــا بينت ثورات الربيــــع العربــــي.  وينفتــــــح على ثقافة العصر وينشد العالمية من موقع الإبداع لا الاتّباع. خطاب ينصت لآلام المستضعفيـــن في مجتمعنا، ويستحضر دوافع ثورات الربيع العربــــي وأهدافها، ويطوّر مشروعــــــا حضاريــــا يستفيـــد من إخفاقاتنا في الماضي، ويرفع تحدّيات الحاضر والمستقبل في العزة والكرامة والحرية والتحرّر والتنمية العادلة والشاملة .

 

المسار الثالث هو التوحّد على خيار وطني، يحسن قراءة المعطيات الدولية والإقليمية ويحسن التعامل معها بواقعية، ويحــــرص علـــــى قطــــع الطريـــــق على أي تدخل أجنبي مهما كان في شؤوننا الداخلية، بقدر ما يحرص على الوصل بين خطّ المقاومة والممانعة الذي أعاد لأمتنا بعض كرامتها وأثبت صلابته وجدواه في مواجهة مخططات التقسيم والهيمنة والتبعية وبين وهج ثورات الربيع العربـــــي و تطلعاتها والتي كانت إحدى ثمار هذا الخط في المقاومة والممانعة. ويبقى هدف تحرير أرضنا المحتلة وفي مقدمتها تحرير فلسطين واستعادة مقدساتنا بوصلة هذا الخط  ومحراره.

 

هذه محاولة في وصل الماضي بالحاضر، رغبة في تعميق الفهم وإضاءة دروب المستقبل، ويقيني أنه مهما كان في هذه المحاولة من تقصير أو اختزال مُخلّ أو إغفال ليعض الجوانب الهامة، فإننا نظل بحاجة إلى مثل هذه المحاولات، حتى نفهم ثورات الربيع العربي في سياقها ومسارها ولا نراها حدثا منقطعا، نتّخذ من عنصر المفاجأة فيه وغياب القيادة الثورية والبرنامج الثوري ذريعة لتمييع هذه الثورات أو الانقلاب عليها.

 منشور بمجلة الإصلاح العدد 11 – 2012/08/24

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: