التداول والاقتراح رهانا “الديمقراطي التقدّمي” في مؤتمره الرابع

التداول والاقتراح

رهانا  “الديمقراطي التقدّمي”  في مؤتمره الرابع

 

* جريدة الموقف  بتاريخ  24 نوفمبر 2006

تجري الاستعدادات حثيثة داخل الحزب الديمقراطي التقدمي من اجل عقد مؤتمره الوطني الرابع أيّام 22 و 23 و24 من الشهر المقبل. و تتطلّع قيادة الحزب و سائر مناضليه إلى أن يجعلوا من هذا الاستحقاق التنظيمي حدثا وطنيا  يقدم الإضافة في الساحة السياسية . فما هي أهمّ رهانات هذا المؤتمر من هذه الزاوية ؟

1 ـ التداول و التنافس

أعلن الأمين العام الحالي للحزب الأستاذ أحمد نجيب الشابّي منذ فترة طويلة قراره بعدم الترشّح لهذا المنصب  في المؤتمر القادم . و كرّر هذا القرار في مناسبات حزبية عديدة  و في وسائل الإعلام. ولا يُخفي الأمين العام أن الدافع لهذا القرار أخلاقي بالأساس. إذ يأتي في  سنّ مازلت تؤهّله للعطاء و في سياق سير عادي للحياة الحزبية وفي مرحلة مازال الحزب محتاجا له فيها بهذا الموقع، وبذلك يعطي  المثال في التداول على المسؤولية و يتناغم مع رفع الحزب لهذا المطلب في الحكم و في المجتمع. اهتمّ الإعلام الداخلي و إلى حدّ ما الخارجي بهذا القرار وردّد أسماء من المكتب السياسي قد تكون مُرشّحة لخلافة الأستاذ نجيب. ولأن التداول على أهميته لا يكتسب دلالته و لا يحقق هدفه إلا إذا اقترن بالمنافسة الديمقراطية، فان الانتظارات تٌشدُّ داخل الحزب و خارجه إلى موعد المؤتمر الرابع لاختبار مدى جدية و قدرة هذه التجربة السياسية التي لم يمض على تأسيسها  سوى خمس سنوات  على تكريس التداول و التنافس. ناهيك أن تقاليد المعارضة ـ فضلا عن السلطة ـ  ضعيفة أو معدومة على هذا المستوى. وأنّ بعض التعليقات الصحفية شككت في اصل الموضوع وفي مدى جدّية هذا التمشّي، وربما ذهبت التخمينات إلى إسقاط الأمثلة العربية السيّئة و السيناريوهات الرديئة في التداول المزعوم والتنافس الديكوري والديمقراطية المغشوشة، على ما يتطلّع إليه  الحزب الديمقراطي التقدمي. وأحسب أن هذا ممّا يضاعف الرهان على هذا الصعيد في المؤتمر القادم.

2 ـ تعزيز المصداقية بقوة الاقتراح

استطاع الحزب الديمقراطي التقدمي  خلال السنوات الأخيرة بفضل جرأته و حضوره اللافت  ومواقفه المتميّزة في التفاعل مع أهمّ الأحداث الوطنية و القومية و الدولية، ومن خلال الدور الذي تلعبه جريدة الموقف، أن يكتسب مصداقية عالية  لدى النخب التونسية والجماهير الواسعة وأن يحظى بالاحترام و التقدير من قبل المتابعين. غير أن هذه المصداقية التي كسبها الحزب رغم الحصار الإعلامي و المالي والمعاملة الاستثنائية التي تقابله بها السلطة، تحتاج خلال الفترة القادمة إلى التعزيز، بتنمية قدرته على الاقتراح، وذلك من خلال إنضاج رؤيته السياسية و اهتمامه بقضايا الناس والإستجابة لتطلعاتهم  وخروجه من مربّع الاهتمام بالحريات والاحتجاج على الانتهاكات فقط، إلى الانفتاح على مختلف قضايا المجتمع و فئاته. ولعل المؤتمر فرصة مناسبة لتقويم المسار و تعميق البرامج وبلورة المقترحات العملية التي يتقدّم بها الديمقراطي التقدمي للتونسيين والتونسيات.

3 ـ من التعدد إلى الانصهار

تأسس الحزب الديمقراطي التقدمي سنة 2001 على تجربة سياسية  طريفة في الساحة التونسية  قوامها اجتماع أطراف سياسية وحساسيات فكرية من تجارب ومشارب مختلفة في حزب واحد، يحفظ للأفراد و حتى للمجموعات خلفياتهم الايديولوجبية  المتعددة       و يوحّدهم على أساس البرنامج السياسي الذي يضع العمل على تحقيق الديمقراطية في أولوياته. راهن المؤسسون على نضجهم السياسي و الاستفادة من التجارب السابقة وتعاهدوا على حفظ التنوع واحترام الرأي المخالف والتعايش البناء بين الأفكار المتباينة باعتبارها إثراء للحياة الحزبية طالما ظلّت الثقة متبادلة بين الأطراف وتمّ الاحتكام للآليات الديمقراطية المعتمدة في حسم الخلافات. كانت التجربة ثرية و موفّقة  بعد خمس سنوات و إن اعترضتها بعض الصعوبات. نجح الحزب في تجنّب أو معالجة بعض الأزمات الداخلية و حافظ على وحدته و تنوعه ووفّر هامشا للتعبير الحر داخل هياكله ، تفتقده أحزاب أخرى، وبذلك نجحت التجربة و لم ينفجر ” برميل البارود” كما توقعت بعض التنبؤات السوداوية. وأحسب انه بعد مرحلة التأسيس و مضي  خمس سنوات على تجربة الديمقراطي التقدمي دخل خلالها من دخل، وخرج من خرج ، تظلّ أبواب الحزب مُشرعة أمام العزائم الصادقة دون إقصاء. غير انه يكون من المفيد للحزب في المرحلة القادمة أن يتجاوز التركيز على التنوع و التعددية داخله إلى التركيز على حيوية الانصهار و الوحدة الكفاحية.

فالاختلاف اصل في الحياة، والتنوع داخل الحزب السياسي صورة للتنوع داخل المجتمع، ولا خلاف على ذلك ، إلا انه قد يصبح من المضر، ويكون مخالفا للواقع، الاستمرار في التركيز على وجود تيارات ايديولوجية و مجموعات مختلفة داخل الديمقراطي التقدمي، وعدم تناول الاختلاف إلا من هذه الزاوية التي عفا عنها الزمن فيما اعتقد. فلم تعد التقسيمات التقليدية من يمين و يسار ، أو إسلامي و علماني، أو إصلاحي و ثوري، أو قومي و قطري أو غيرها من مصطلحات مرحلة ما قبل نهاية الحرب الباردة ، تستوعب طبيعة التنوع والاختلاف داخل الحزب. و قد بينت تجربة السنوات الأخيرة أن الاختلافات داخل الحزب  في تقدير المواقف السياسية لم تكن محكومة البتة بالانتماءات السابقة أو الخلفيات الأيديولوجية. ولذلك  يكون من رهانات المؤتمر الرابع التطلع إلى مزيد الانصهار والتوحد حتى يصير الانتماء إلى الحزب الديمقراطي التقدمي  بالنسبة لسائر المنخرطين، مقدّما على غيره من الانتماءات القائمة أو المحتملة. لا فضل لأحدهم على الآخر في الترشح للمسؤوليات القيادية المختلفة  و كسب ثقة المؤتمرين، إلا بالكفاءة و الاقتدار و العمل و التضحية.ولا امتياز لأحدهم في التعبير عن هوية الحزب إلا بقدر استيعابه للاتفاقات الحاصلة و الالتزام بها و القدرة على تبليغها.

تلك بعض الرهانات التي نقدّر أهميتها البالغة في مؤتمرنا القادم، و لا نعدّها الوحيدة، ونحسب أن النجاح في كسبها، كسب للحزب وللحركة السياسية ولبلادنا عموما .

 

محمد القوماني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* جريدة الموقف (أسبوعية تونسية) العدد 382 بتاريخ  24 نوفمبر 2006

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: