الانتخابات البلدية والبوصلة السياسية

مقدمة
تشكّل الانتخابات البلدية المقرّرة ليوم 6 ماي 2018 بوصلة السياسة في تونس في هذه المرحلة، فهي محطّة سياسية هامّة لرصد تطوّر الوضع السياسي والمجتمعي ومعالم الخارطة الحزبية، وستكون الأرقام والمعطيات المتصلة بها تحت مجهر المتابعين للشأن التونسي للتعرّف على التوجهات الجديدة للرأي العام، إذ أنّ نتائجها ستكون حاسمة في هندسة المشهد السياسي المستقبلي ومؤثرة في الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية نهاية 2019. لكن البلديات التي تشدّ الاهتمام لن تحجب بقية جوانب المشهد، لا سيما الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يظلّ التحدي الرئيسي لحكومات ما بعد الثورة، والأوضاع المتفجرة في التعليم خلال الفترة الأخيرة.

الحكم المحلّي بين إغواء المركزية وجاذبية اللاّمركزية

تبدو تونس مُقبلة على تغييرات جوهرية في تنظيمها السياسي والإداري بإنجاز الانتخابات البلدية في 06 ماي 2018 كبداية لتفعيل الباب السابع من الدستور المتعلّق بالحكم المحلّي، المتكوّن من بلديات وجهات وأقاليم. ومن اللاّفت مع اقتراب موعد هذا الاستحقاق، أنّ الاهتمام ينصرف جزئيا إلى الانتخابات ومتطلباتها ورهاناتها، ولا تتناول الحوارات بوسائل الإعلام أو فضاءات الحوار الأخرى، أهميّة تطوير نظامنا السياسي والإداري، وانتظاراتنا من مجلة الجماعات المحليّة التي أنهت اللجنة بالبرلمان مناقشتها وإقرارها قبل عرضها للمصادقة بالجلسة العامة قريبا. ومن الضروري نشر قانون الجماعات المحلية بالرائد الرسمي قبل الانتخابات البلدية، حتّى لا تكون المجالس المنتخبة بلا هوية ولا فاعلية، ولتجنّب الخلافات والتمطيط لاحقا في إرساء الهياكل المرتبطة باللاّمركزية وإعادة توزيع المسؤوليات، وهي المسائل الّتي تشكّل كنه السلطة المحلية المنشودة. بل إنّ إقرار القانون المجسد لمقاصد الدستور، سيكون كسبا لنصف المعركة بقطع النظر عن نتائج الانتخابات. ولا تخفى على المتابع ما تثيره بعض التصريحات أحيانا من تباينات كبيرة بهذا الخصوص وما يواجهه إرساء الحكم المحلي من صعوبات التأرجح بين جاذبية المركزية وغواية اللامركزية في أوساط النخب التونسية.

كان التنظيم الإداري للجمهورية التونسية الأولى المحتكم لدستور 1959، امتدادا للتنظيم الإداري الفرنسي ومواءمة له، وتجسيدا لفكرة “الدولة القوية والنظام السياسي المستقرّ” الحاضرة بقوة في نقاشات المجلس القومي التأسيسي. وكان في نفس الوقت تكريسا لهيمنة نخب العاصمة من خرّيجي الصادقية أساسا والزيتونة بدرجة ثانية. ولا نبالغ إذا حمّلنا ذلك النظام الإداري المركزي، رغم تعديلات اللامحورية وجرعة اللامركزية، جانبا مهمّا من مسؤولية التفاوت الجهوي وتهميش المناطق الداخلية للبلاد. فقد كانت السلطة والإدارة تحت هيمنة العاصمة والساحل أساسا، وكان حظّ أغلب الجهات من التنمية بقدر حظها في الحكم ومراكز القرار في الإدارات المركزية. وكان التنكّر واضحا لخصوصيات الجهات ولحاجياتها التنموية، بل تمّ حرمانها من معطياتها الطبيعية وانتهاج التمييز بينها سواء في توزيع الثروات أو في مجهود التنمية والبنى التحتية. ومن هذه الزاوية تعدّ ثورة 17 دسسمبر 2010/ 14 جانفي 2011 ثورة ضدّ الاستبداد والفساد لحكم بن علي أوّلا، ولكن ثورة ضدّ مركزية السلطة والثروة والتنمية وتهميش الجهات والفئات، وبالتالي ثورة ضدّ منظومة حكم الجمهورية الأولى ثانيا.
لذلك بدت النخب السياسية التونسية المؤثّرة في مسار تونس ما بعد الثورة، كارهة إلى حدّ الحساسيّة، لكلّ ما كان يُنظر إليه على أنّه من ركائز منظومة الاستبداد والفساد والظلم. وحرصت من خلال المجلس الوطني التأسيسي على إقرار خيارات جديدة تدلّ على تغيّر نمط الحكم. فقد جاء دستور الثورة 2014 ليرسي نظاما سياسيا يوّزع السلطة المركزية بين ثلاثة مراكز (باردو والقصبة وقرطاج) ويجعل للمعارضة موقعا في القرار داخل البرلمان، لإنهاء النظام الرئاسي والاستبداد. ومن جهة أخرى أقرّ الدستور أيضا سلطات محليّة وجهويّة تحدّ من المركزيّة وتؤشّر على خيار جديد في الحكم، لإنهاء هيمنة المركز على الجهات وما سبّبه من تهميش ولا توازن. لذلك لا نبالغ إذا قلنا أنّ الباب السّابع من دستور تونس ما بعد الثورة كان من أهمّ الإضافات والمكاسب.
ويتّضح من مجمل فصول الباب السابع أنّنا إزاء حكم محليّ لأوّل مرّة في تونس بعد الاستقلال. وأنّ أمام المواطنين فرصا جديّة لخدمة مناطقهم وتحسين الخدمات وظروف العيش. فقد أقرّ الفصل 141من الدستور أنّ “المجلس الأعلى للجماعات المحلية هيكل تمثيلي لمجالس الجماعات المحلية مقرّه خارج العاصمة.” وهو ينظر “في المسائل المتعلقة بالتنمية والتوازن بين الجهات، ويبدي الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالتخطيط والميزانية والمالية المحلية، ويمكن دعوة رئيسه لحضور مداولات مجلس الشعب.” وعلى هذا الأساس يمكن أن يتحوّل هذا المجلس فعليّا إلى غرفة برلمانية ثانية، يكون فيها تمثيل الجهات متساويا مهما كان عدد السكان، يناقش قضايا التنمية العادلة ويكون صوت الجهات ويعبّر عن مشاغلها فعليا، لأنّ الممثلين هنا ناطقون باسم الجهات وليس باسم الشعب كما في البرلمان. فالشراكة في التنمية لا تتحقّق إلاّ عبر الشراكة في السلطة والقرار.

لكن الحكم المحليّ الذي سيدشّن بانتخابات بلدية صارت تغطّي كامل تراب الجمهورية والتي ستفرز 350 مجلسا لسبعة آلاف مستشار بلدي، لن ينه النظام المركزي وآثاره بمجرّد حصول الانتخابات البلدية أو حتى الجهوية لاحقا، بل ستكون تلك الانتخابات بداية لمشوار جديد من الصراع. فالنظام الإداري المركزي مازال مستحكما في التشريع والممارسة، وهو نظام يعكس مصالح ورؤى للحكم والمجتمع، ولا تزال له جاذبية محافظة لن يكون من اليسير التغلب عليها، رغم الجاذبية النظرية للحكم المحلي اللامركزي في الدستور الجديد. لذلك سيكون التجاذب حول الحكم المحلي المنشود أحد العناوين البارزة للحملة الانتخابية البلدية.

هل تصحّح الانتخابات البلدية الصورة الحزبية؟

رغم طابعها المحلّي، تتأكّد أكثر فأكثر التداعيات الوطنية للانتخابات البلدية. لا يتعلق الأمر فقط بتجربة جديدة في الحكم المحلّي والحوكمة التشاركية أقرّها دستور الثورة، ولا بتأثير نتائج استحقاق بلديات ماي 2018 على استحقاقي التشريعية والرئاسية في 2019، بل بدأت بعد تلك التداعيات بمؤشرات الترشحات للبلدية على إعادة تشكيل الخارطة الحزبية لما بعد الثورة وصورة الأحزاب. فخلافا لتوقعات المشكّكين في مسار الانتقال الديمقراطي والمتشائمين بمستقبل الثورة، انطلقت المرحلة الانتخابية لبلديات ماي 2018 بمؤشرات ايجابية. فقد تجاوز عدد القائمات المترشحة 2000 بعد إعلان هيئة الانتخابات رسميا عن القبول النهائي للقائمات في انتظار الطعون. وسيكون التنافس على 350 دائرة بلدية، يقترب فيها عدد القائمات المستقلة من الحزبية. تجاوز عدد المترشخين 50.000، يكاد يكون نصفهم من الشباب، فضلا عن الحضور النسائي بالتناصف بمقتضى القانون. وهذه الأرقام مبدئيا تجيب لوحدها عن ترويج البعض منذ مدة لاستحالة التنافس في بعض البلديات أو عدم التقدم أصلا بقائمات في بعض الدوائر، لصعوبة شروط الترشح من جهة وللعزوف عن المشاركة من جهة ثانية.
ولم تكن التوازنات الحزبية مفاجئة من خلال الترشّحات. فقد اقتصر الحضور في جميع الدوائر الانتخابية على حزب والنهضة ب350 قائمة يليها حزب النداء ب345، بفارق كبير مع بقية التشكيلات الحزبية التي تنزل إلى ما دون 70 قائمة. ولئن بدّد حزب النداء، تشكيكات خصومه من المنسلخين منه خاصة، حول عافيته وقدرته على التعبئة، فإنّ أهمّ ما كشفت عنه القائمات المترشحة هو هشاشة الخارطة الحزبية لما بعد الثورة. فمن بين أكثر من 200 حزب على القائمة الرسمية، تقدّم عدد محدود جدا من الأحزاب بقائمات حزبية، وأخفت بعض الأحزاب ضعفها الذاتي بالمشاركة في قائمات ائتلافية، لم تبلغ الأربعين بالنسبة للاتحاد المدني (34) وفاقت الثلث بصعوبة بالنسبة للجبهة الشعبية (169). أمّا عشرات الأحزاب الأخرى، بما فيها ذات السبق قيل الثورة، فلا حضور لها أصلا في المشهد، فقد اندثرت أو في طريقها إلى ذلك. وبات مطلوبا أن تكون للقائمين على تلك الأحزاب الشجاعة الأدبية والمسؤولية السياسية، في حلّ تلك الأحزاب وإنهاء وجودها القانوني، رفعا للبس وتوضيحا للصورة. فقد تصحّح الانتخابات البلدية فوضى الخارطة الحزبية، إذ أنّ وضع كثرة الأحزاب الذي أتاحه مناخ حرية التنظّم بعد الثورة وعدم معرفة الأطراف ببعضها وعدم تقدير الصعوبات والمتطلبات، آن الأوان لوضع حدّ له بإعادة تشكيل المشهد الحزبي بما يعطي للتعدّدية معناها وفعاليتها. ومن المُفترض أن يساعد القانون المزمع للأحزاب على ذلك.
ويبدو من خلال حجم الترشّحات والاستعدادات لهذا الاستحقاق الانتخابي أنّ التنافس سيكون أساسا بين حزبي النداء والنهضة، دون إسقاط فرضية المفاجآت، فللانتخابات أسرارها التي تحتفظ بها الصناديق. ولن يتوقّف إحراج بقية الأحزاب عند عدد قائماتها التي لا ترشّحها للمنافسة وخاصة لطرح نفسها بديلا، بل سيكون الإحراج أشدّ يوم النتائج. وكيف لمن وجد صعوبات في جمع العدد المطلوب من المترشّحين في مختلف الدوائر، أن يتطلّع إلى جمع أصوات الناخبين المطلوبة للفوز بمقاعد؟ كما يبدو أنّ عدد القائمات المستقلة الذي بلغ 859 يخفي كما أسلفنا خطّة بعض الأطراف الحزبية في المناورة والدخول في الربح وعدم تحمل الخسارة. فقد أفادت بعض التصريحات لقيادات حزبية أنهم يدعمون قائمات مستقلة على غرار الجبهة الشعبية والجمهوري والتيار الديمقراطي والبديل والوطني الحر والإرادة… وجاء في بيان الاتحاد المدني أنه يدعم 190 قائمة مستقلة، إضافة إلى قائماته الائتلافية والحزبية، بما يجعل الحاصل (382) يفوق عدد الدوائر البلدية في تناقض سريالي حواه البيان. أما دعم النداء لبعض القائمات المستقلة كما أفاد تصريح السيد سفيان طوبال فهو لمآرب أخرى لا تخفى.
من جهة أخرى أثار ترشيح حركة النهضة لمواطن يهودي بإحدى قائماتها جدلا واسعا داخليا وخارجيا. ومرّة أخرى تُبين حركة النهضة على قدرتها على تسريع نسق التحديث بتونس وخلق الحدث. فقد كان هذا الترشيح تكريسا لمعنى المواطنة والتزاما بمقتضى أحكام الدستور والقانون وخروج النهضة عن الصورة النمطية التي يحرص خصومها على إلصاقها بها. فترشيح سيمون سلامة الذي أُعلن عنه في أسبوع تقديم الترشّحات، جاء مفاجئا ومُحرجا لخصوم النهضة الذين تلعثموا في التعليق عليه. كما كانت حركة النهضة وفيّة في تشكيل قائماتها للتناصف الأفقي في رئاسة القائمات بين النساء والرجال، ولم تسجّل عليها هيئة الانتخابات سوى مخالفة واحدة تمّ تداركها، في حين كانت مخالفات منافسيها فاضحة، لا سيما الجبهة الشعبية التي قدمت 86 رجلا على رأس قاماتها مقابل 46 امرأة، مسجّلة 20 مخالفة تداركت أغلبها، وأسقطت الهيئة بعضها. واضطرت قائمات أخرى ائتلافية أو حزبية إلى تغيير صبغتها إلى مستقلة، تحيّلا على القانون، هروبا من استحقاق التناوب الأفقي في رئاسة القائمات. وكانت ألأغلبية الساحقة لرئاسة الرجال في القائمات المستقلة، لغياب الإلزام القانوني. في حين رشّحت النهضة امرأة على رأس قائمة تونس، ذات الدلالة الرمزية والسكانية، كما وضعت أكثر من 50 شابّة وشابّ على رأس قائماتها. وتلك مؤشرات مهمّة في كسر الصورة النمطية عن الأحزاب في انتظار الحملة الانتخابية.

مشكل بنيوي في الأحزاب

لا يعود هذا المشهد الحزبي إلى تعقيدات القانون الانتخابي وشروط الترشّح التي سبق أن تناولتاها، وما تسببه من صداع في البحث عن مترشّحين أو ترتيبهم، بل يعود المشهد إلى سبب بنيوي يتعلّق بضعف المشهد الحزبي نفسه. فقد بات واضحا بعد سبع سنوات من الثورة وإطلاق حرية التنظّم، أنّ بلادنا لم تشهد تشكّل أحزاب سياسية وازنة وذات تمثيلية اجتماعية واضحة، رغم عدد الأحزاب الذي تعدّى المائتين. فباستثناء النهضة والنداء، مع بعض التحفّظ، لا يصحّ الحديث عن تشكيلات حزبية شعبية قادرة على المنافسة الانتخابية. فحزب حركة النهضة يتغذى من رصيد أكثر من أربعة عقود من النضال السرّي، ويحاول التأقلم مع الوضع الجديد الذي أتاحته الثورة ومقتضيات المشاركة العلنية والشفافة في العملية السياسية وفي الحكم، ويجتهد في تطوير نفسه فكريا وسياسيا وهيكليا، ليعيد بناءه الحزبي ويضطلع بدوره الجديد، ولا تخفى صعوبات هذا التحوّل وتداعياته. وحزب حركة نداء تونس الذي تشكّل في سياق مخصوص لخلق التوازن المفقود مع النهضة بعد فوزها في انتخابات 2011، استفاد من رصيد حزب التجمع الدستوري المنحل، وتغذى من عقود من احتكاره للساحة السياسية وارتباطه بالدولة، وضمّ المناوئين لحكم النهضة من روافد مختلفة نقابية ويسارية وليبرالية ونسوية، واستطاع أن يكسب الانتخابات في 2014 ويتقدم على حركة النهضة، قبل أن يعقد مؤتمره التأسيسي، وليدخل لاحقا في أزمة داخلية حادة ويشهد انشقاقات مدوّية، ولا يزال يفكّ ألغاما ويجتهد في ضمان مستقبله. أمّا بقية الأحزاب، سواء التي يعود وجودها القانوني أو السرّي، إلى ما قبل الثورة، أو تلك التي نشأت في سياق الانتقال الديمقراطي، فلا يخفى ما تعانيه من ضعف مادي وانحسار جماهيري، وانقسامات وصراعات على الزعامة وصعوبات الالتقاء والتوحّد والاندماج.
ليست مشكلة المشهد السياسي ببلادنا، في وجود الأحزاب وتنافسها وحتى فيما بينها من تجاذبات غير مبرّرة أحيانا وغير مفيدة، بل المشكلة في ضعف الأحزاب أو لنقل في عدم تشكّل مشهد حزبي متعدّد ومتوازن ومتنافس، وهذا أحد شروط تأمين الديمقراطية. فحين يتمّ استبعاد المتحزّبين من المواقع لفائدة المستقلّين، بما في ذلك في تشكيل الحكومات أحيانا، فإنّ ذلك لا يشجّع على الانخراط في الأحزاب ولا يخدم تطوير المشهد الحزبي. وحين يستمرّ بعد سبع سنوات العمل بمرسوم لتنظيم الأحزاب وُضع على عجل بعد الثورة، ولا توجد إرادة واضحة لدى الحكومات المتعاقبة في التنمية السياسية المفقودة على مدى عقود، وفي وضع قانون يساعد على تطوير المشهد الحزبي ويضبط تمويل الأحزاب، ويضفي عليها الشفافية والنجاعة، نفهم أحد أسباب ضعف الأحزاب. وحين لا تعي قيادات الأحزاب متطلّبات الوضع الجديد، ولا تميّز بين النضال السياسي ضدّ الدكتاتورية، والطابع الاحتجاجي لعملها قبل الثورة، وبين المشاركة السياسية في الوضع الديمقراطي والتنافس على برامج لخدمة المشروع الوطني الجامع في هذه المرحلة، فإنها تضيع البوصلة ولا تساعد بدورها على تطوير المشهد الحزبي. وحين تظلّ الأحزاب حبيسة الأيديولجيات “المُفوّتة” كما وصفها الراحل ياسين الحافظ منذ عقود، ولا تنجح في التأقلم والانفتاح على الأجيال الجديدة، ولا تطوّر وسائل اتصالها ولا أسليب خطابها ولا مضامينه، فإنّه من الطبيعي أن تشيخ تلك الأحزاب ويفتر عزمها، وتصير على هامش الأحداث وليست في قلبها كما يُفترض.

خاتمة
نجحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بامتياز في الالتزام بالروزنامة وتطبيق القانون الانتخابي وتيسير عمل المترشحين في هيئاتها الفرعية. وقد ساهم هذا النجاح بدوره في تبديد المخاوف حول أداء الهيئة بعد ما عاشته من أزمات خلال الفترة المنقضية. وفي انتظار الإعلان عن القبول النهائي للقائمات المترشحة، وبدء مسار الحملة الانتخابية وبقية مراحل العملية الانتخابية، يبدو الجميع مطمئنين لأداء الهيئة وهذا مهمّ جدّا في القبول بالنتائج لاحقا. وقد زادت تصريحات رئيس الحكومة الأخيرة في دعم المسار الانتخابي في إشاعة الاطمئنان.
ومهما ارتفعت حرارة الأجواء الانتخابية بسبب صُداع تشكيل القائمات أو الصّراع على ترتيب أعضائها، أو الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، فإنّ ذلك لا يجب أن ينال من سمعة الانتخابات والآمال المعلّقة على الحكم المحلّي، فالمُؤمّل أن يزيد ذلك في الاهتمام باستحقاق انتخابات حكم محلّي تدشّنه تونس لأوّل مرّة. وهذا يتطلّب من الأحزاب الكبيرة خاصّة، بعث رسائل إيجابية للناخبين ومقاومة أجواء الإحباط وطمأنة المواطنين على تغيير المجالس المنتخبة لأوضاعهم إيجابيا، وضمان مناخات انتخابية سليمة، يحضر فيها التنافس على خدمة الناس ولا يغيب فيها التوافق على مصلحة الوطن ولا ينجرّ إلصراع فيها إلى العداوة والتنافي بأيّ حال.

محمد القوماني

تقدير موقف أنجز لفائدة مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: