أيّة مصداقية للبلاغات الرسمية؟
أيّة مصداقية للبلاغات الرسمية؟
افتتاحية جريدة “الموقف” بتاريخ 09 جوان 2006
حين أدانت جمعيات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة بتونس وهيئات حقوقية بالخارج الاعتداءات بالعنف من قبل أعوان الأمن التي استهدفت المحامين يوم 23 ماي الماضي، سارعت السلطة إلى نفي وقوع تلك الاعتداءات وقال السيد وزير العدل وحقوق الإنسان أن مزاعم الاعتداء لا يعتدّ بها ما لم يثبتها القضاء.
وحين أدانت نفس الجهات بعد مدة قصيرة ، وانضافت إليها هيئات أخرى وحتى أطراف دولية رسمية ، الاعتداءات بالعنف المادي و اللفظي التي استهدفت الرابطيين وقيادات الأحزاب والجمعيات الوطنية و ضيوف الرابطة من دبلوماسيين ومن نشطاء حقوق الإنسان بالخارج وذلك بمناسبة منع انعقاد مؤتمر الربطة يوم 27 ماي الماضي ، سارع مصدر رسمي بالخارجية التونسية إلى نفي حصول تلك الاعتداءات وأكد أن تونس لا تتلقى دروسا في حقوق الإنسان من أحد.
وخلال الأسبوع الأخير واثر ما أشار إليه بيان لفرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت وما تناقلته عنه بعض المصادر الإعلامية والفضائيات من حصول حالة تعذيب لسجين سياسي و تدنيس المصحف الشريف، سارت السلطة إلى الإعلان في بلاغ رسمي أن النيابة العمومية أذنت ” بفتح تحقيق قضائي حول الملابسات المتعلقة بهذه المزاعم و تحديد المسؤوليات. و تبين من البحث المجرى في الغرض مع مختلف ألأطراف المعنية أن هذه المزاعم مختلقة و لا أساس لها من الصحة ” وتبعا لذلك تمت إحالة السيد علي بن سالم رئيس فرع بنزرت بتهمة ” نشر أخبار زائفة و ثلب أعوان السلط العمومية” . و قد قرر حاكم التحقيق تأجيل استنطاقه بطلب من الدفاع و الإبقاء عليه في حالة سراح نظرا لظروفه الصحية.
هذه العينات الثلاثة من تعاطي السلطة إعلاميا مع ابرز الأحداث الوطنية خلال الفترة الأخيرة في علاقة بالتجاوزات الأمنية في حق المواطنين والنشطاء منهم بصفة خاصة، تؤشر على دلالات نوجز أهمها في الملاحظات التالية:
1 ـ أن السلطة تخلت عن سياسة الصمت و عدم التعليق على البيانات التي توجه إ ليها اتهامات و صارت سريعة التفاعل معها من خلال بلاغات رسمية أو حتى تصريحات أعضاء من الحكومة، بما يؤكد أن لتلك البيانات وقعها و تأثيراتها التي حاولت السلطة إبداء عدم الاكتراث بها في الماضي.
2ـ أن السلطة تواجه كل ادعاء بالنفي والإنكار وهي عادة ما تنشر هذا النفي في الصحافة المحلية التي لا تنشر في الغالب فحوى ما يتم الرد عليه، بما يجعل المواطنين في تساؤل عن أصل الخبر و علة الردّ الحكومي.
3 ـ أن إعلان السلطة مؤخرا فتح تحقيق قضائي حول” مزاعم بيان السيد علي بن سالم و تحديد المسؤوليات ” يعد تطورا نوعيا في التعاطي مع بيانات هيئات حقوق الإنسان، مع استغراب الاستمرار في نفي تلك المزاعم ونعتها بالمختلقة، في حين أن البحث لم يكتمل والتحقيق القضائي مع المتهم تمّ تأجيله.
هذه الملاحظات بدورها تقودنا إلى مجموعة من التساؤلات لعلّ أبرزها ما جدوى استمرار السلطة في التعاطي الإعلامي المحلي و الخارجي بأسلوب عقيم لم يزد سوى في اهتزاز مصداقية البلاغات الرسمية ولا يقنع في الغالب حتى ” مروّجيها ” ؟ ولماذا التسرع كل مرة في نفي أي اتهام و إنكار أي انتهاك يشار إليه حتى لو تضافرت الأدلة عليه ؟ و لماذا تأكيد النفي قبل إجراء أي تحريات أو انتظار نتائج التحقيق والحكم القضائي؟ ولماذا لا تحمّل السلطة الأفراد أو الجهات المعنية مسؤولية أفعالهم إذا ثبت تجاوزهم للقانون؟ ولماذا تعتبر الإقرار بأي تجاوز أو خطإ مهما كان نيلا من الدولة، مع أن التجاوزات قد تحصل في كل زمان أو مكان ؟ وإذا كان إعلان فتح تحقيق قضائي في أي ادعاءات كما حصل في الحالة الأخيرة أفضل من التمادي في المسارعة بالإنكار والنفي ، فإن الأفضل منه والأهمّ ضمان استقلال القضاء حتى تكون للتحقيقات مصداقيتها، وتعزيز التحقيق القضائي بتشكيل لجنة وطنية لتقصي الحقائق تحظى بالمصداقية، تتولّى القضايا الخطيرة والحساسة كالتعذيب والمسّ بحرمة المصحف الشريف .
محمد القوماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “الموقف” (أسبوعية تونسية) ، العدد363 بتاريخ 09 جوان 2006