أزمة نداء تونس تستفحل .. والنهضة تُستهدف.. والمشهد السياسي بتونس يتعقّد

خلافا لما يتمّ الترويج له منذ مدّة من محاولات جمع صفوف الندائيين وترميم شقوق الحزب والاستفادة من أخطاء المرحلة السابقة ونتائجها الوخيمة على الجميع، استعدادا للاستحقاق الانتخابي الهام سنة 2019، يبدو أنّ الأمور في الواقع تسير في الاتجاه المعاكس، نحو مزيد من التشظّي والمواجهات وحرب التصريحات والمواقع. ويبدو الصراع المفتوح بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قائد السبسي عنوانا للانقسامات والتكتلات الجديدة. وهو خلاف يتجاوز الأزمة المزمنة في حزب النداء، ليمتدّ إلى أجهزة الدولة وليخلّف ارتباكا كبيرا في الوضع العام بالبلاد ويزيد الأزمة السياسية تعقيدا ويلقي بظلال سلبية على مستقبل نظام الحكم والمسار السياسي عموما. وفي الوقت الذي رأى فيه متابعون بريق أمل لزحزحة الأزمة  السياسية من خلال بلاغ حركة النهضة حول اللقاء الذي تمّ مساء السبت 7 جويلية 2018 بين رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي، جاءت العملية الإرهابية بغار الدماء يوم الأحد 8 جويلية 2018 التي استشهد خلالها ستة من بواسل الحرس الوطني وجرح ثلاثة آخرون، وما تلاها من توظيف سياسي، لتزيد المشهد إرباكا وغموضا وتعقيدا.

نقلت مواقع إعلامية مساء الاثنين 9 جويلية 2018  أنّ الهيئة السياسية لحركة نداء تونس اجتمعت بأحد النزل بالبحيرة في غياب حافظ قائد السبسي. وأنّ الاجتماع  الذي ترأسه سفيان طوبال رئيس كتلة النداء بالبرلمان والمكلف بالهياكل  أكّد على دعم “الاستقرار السياسي ضمانا لدحر الإرهاب”. كما تناول اللقاء موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب ومسائل أخرى سيواصل النظر فيها. وقيل أن المدير التنفيذي للنداء رفض حضور اللقاء وأرسل عدل تنفيذ لمعاينة مخالفته للقانون. وذهب البعض إلى حدّ الترويج إلى أنّ  “جناح حركة النهضة داخل نداء تونس” انطلق في تحرّك سريع يهدف إلى “الاستيلاء على الحزب المثخن بالجراح بعد الانتخابات البلدية في مسعى لتتويج الشاهد رئيسا للحزب عوض حافظ قائد السبسي، الذي أعلن القطيعة مع النهضة واسقط التوافق، في محاولة لفرض واقع سياسي جديد في البلاد.” فقد حُمل تصريح طوبال على أنّه التقاء مع موقف حركة النهضة الرافض لتغيير الشاهد.

وكان بلاغ إعلامي لحركة النهضة  صدر مساء السبت  7 جويلية 2018 قد أعلن أنّ لقاء  جمع بالاستراحة الرئاسية بالحمامات بين رئيس الجمهورية ورئيس حركة النهضة، جرى في جوّ من التفاهم وتناول أوضاع البلاد السياسية والاجتماعية. “وقد أكد رئيس الدولة ضرورة أن تتحمّل كلّ الأطراف مسؤولياتها في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بينما أكّد رئيس الحركة على أهمية سياسة التوافق وخاصة بين النداء والنهضة وهي السياسة التي قادها رئيس الجمهورية وصنعت الاستثناء التونسي” وأضاف “أنّ الصيف فرصة لاستئناف الحوار على كل المستويات من أجل التوصل إلى توافقات في الخيارات السياسية والاجتماعية والثقافية واعتبار أن لا بديل عن التوافق من أجل حماية التجربة الديمقراطية الفتية بعيدًا عن القطيعة والاستقطاب” حسبما ورد بالبلاغ.

وسارع المتحدّث باسم نداء تونس منجي الحرباوي صباح الثلاثاء 10 جويلية  إلى التصريح بأنّ ” لقاء بعض أعضاء الكتلة النيابية عن حركة نداء تونس وهم كل من سفيان طوبال ومحمد صوف وأنس الحطاب ورمزي خميس وخنساء بن حراث وزهرة إدريس والمنصف السلامي واكرام وملاهي وأحمد الزقلاوي أحد قيادات الحركة عن جهة سوسة،  بأحد النزل بالبحيرة الاثنين 9 جويلية 2018 لا يعدّ اجتماعا رسميا ولا قانونيا للهيئة السياسية” واعتبر أنّ ”ما صدر عنهم من تصريحات ليست إلا أراء شخصية لا تلزم إلا أصحابها وخاصة المسائل الوطنية الكبرى المتعلقة بالحكومة والاستقرار الحكومي.” مشيرا إلى أنّ حركة نداء تونس ما تزال متمسكة بموقفها بخصوص تغيير الشاهد.

وهكذا تتسارع الأحداث وتتوالى التصريحات المتضادّة باسم نداء تونس. فمنذ فترة قريبة اجتمعت لجنة من كتلة النداء بالشاهد مكلّفة بتقييم عمل الحكومة وأكّد رئيسها دعمهم لاستمرار الشاهد على رأس الحكومة. وكالعادة لم يتأخر التكذيب لتلك التصريحات ونفي أيّ صبغة رسمية عنها. وتتعدّد الأمثلة شبه اليومية عن هذه الفوضى الإعلامية التي تدلّ بلا تحامل عن تفكّك واضح في الحزب الفائز في انتخابات 2014 وغياب قيادة جامعة، وعجز عن رسم خريطة طريق للخروج من الأزمة الخانقة. وزادت المفاوضات والتحالفات في تشكيل المجالس البلدية وانتخاب رؤساء البلديات خاصة، الأمور تعكّرا ولم تتوقّف الاتهامات وتعارض التعليمات. وحتّى اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية ومؤسس حزب نداء تونس مع قيادات منسلخة عنه مثل محسن مرزوق ورضا بلحاج لم تأت برسائل إيجابية. إذ لا يزال البعض مصرّا على إبعاد حافظ كشرط للحلّ على خلاف آخرين الذين يصطفون إلى جانبه في مواجهة ما يعتقدون أنها مناورات تحاك ضدّه. وبين التبشير بقرب إقالة الشاهد وقرار إبعاد حافظ تنتعش المواقع الإعلامية.

وسرعان ما ترتدّ الأزمة في حزب النداء إلى أروقة الحكم. كيف لا وخصم المدير التنفيذي للحزب هو رئيس الحكومة نفسه. ولذلك يؤثّر انقسام نواب النداء ومشتقاته وحلفاؤه  بين حافظ والشاهد على أداء البرلمان ومستقبل الحكومة. فخلال المدّة الأخيرة تمّ بالبرلمان إسقاط طلب للحكومة للحصول على قرض يعدّ مساعدة من البنك الإفريقي. ورئيس الحكومة الذي أقال وزير الداخلية ويعتزم إجراء تعديل حكومي يؤجل الأمر خشية عدم نيل حكومته الثقة من البرلمان. وحزب النداء والراغبون في إقالة الشاهد بما في ذلك رئيس الجمهورية، يتردّدون في استعمال الصيغ الدستورية خشية التوازنات البرلمانية. وهكذا تُفتقد الأغلبية لأيّ طرف ويحصل الانسداد. وهذا عنوان بارز للازمة السياسية. ومن جهة أخرى ينخرط الشاهد أكثر فأكثر في الصراع الحزبي والسياسي، وهو المدعوّ في أفق 2019 للتفرغ مع حكومته للاشتغال على الملفات الاقتصادية والاجتماعية أساسا وللعمل الحكومي، وإلغاء أجندته السياسية الشخصية مؤقتا كما تُجمع على ذلك أطراف وثيقة قرطاج2.

على هامش التجاذبات في حزب النداء، تحصل تجاذبات في أحزاب أخرى على غرار الحراك والمشروع والمسار وآفاق…ولم تكن العملية الإرهابية الأخيرة دافعا للوحدة الوطنية، بل سارعت بعض الأطراف وأذرعها الإعلامية، إلى الاستثمار في دماء الشهداء رحمهم الله تعالى قبل أن تجفّ، لإدانة الحكومة ونقد سياستها في التعيينات وتحميلها مسؤولية الجريمة والمطالبة بالإسراع برحيلها. وفي مشهد سريالي مرّة أخرى، يتم استهداف حزب النهضة المتّهم دوما، والناجي إلى حدّ الآن من الوضع المرضي للأحزاب، فتنصبّ عليه الاتهامات الباطلة وتُحمل عليه جميع الأخطاء والمشاكل. فالنهضة التي تحرص على النأي بنفسها في معركة النداء الداخلية، تُتّهم بدعم حافظ ضدّ خصومه في السابق ودعم الشاهد ضدّه اليوم. والنهضة الفائزة في البلديات مؤخرا والمرشحة للفوز في 2019 تتهم بإرباك المسار السياسي وصناعة الإرهاب أو الأكل من ريعه. والنهضة المتّهمة بالوقوف وراء الشاهد والانفراد بالحكم بعد تصدّع التوافق، تتّهم بصناعة عملية إرهابية ضدّ حكومتها أو الوقوف وراء تعيينات تخلّ بالأمن، والنهضة والنهضة…الغائب الحاضر في خطابات صداع الرأس، يتداول محترفو الأراجيف وصنّاع الفتنة ممّن انكشف أمر اغلبهم، في استهدافها وشيطنتها قي مساعي واضحة لإفراغ الساحة من أيّة قوّة حزبية وازنة، ونيل مكاسب سياسية بالإعلام لم يسمح بها الانتخاب.

هل تسير تونس إلى قطع طريقها نحو الانتقال الديمقراطي الناجز وتتحطّم على أرضها المؤامرات جميعا؟ أم علينا أن نتهيأ لعملية سياسية جديدة؟ ذلك ما تخبئه الأسابيع أو الأشهر القادمة ونعود عليه في الإبّان. حفظ الله بلادنا وأهللنا.

 

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 65، تونس في 12  جويلية 2018.

*الصورة المرافقة من الجريدة اليومية التونسية “المغرب”

https://scontent.ftun3-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/37013212_1734734619935404_7873392807027671040_n.jpg?_nc_cat=0&oh=bb5c9bce968a52228a37e8cd37b32b74&oe=5BD5E0CB

 

 

 

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: