و الآن حرب تجويع الشعب الفلسطيني
و الآن حرب تجويع الشعب الفلسطيني
افتتاحية جريدة “الموقف” بتاريخ 21 أفريل 2006
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي بشكل متزامن تجميد المساعدات المالية المباشرة المقدمة للسلطة الفلسطينية وتحويل المعونات الإنسانية إما عن طريق الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية. و يشمل هذا التجميد المساعدات المباشرة المقدمة بعنوان رواتب الموظفين من خلال البنك الدولي. وترافقت هذه القرارات التي تم التهديد بها قبيل و بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي فازت فيها حماس بأغلبية المقاعد، ترافقت مع صمت أمريكي و أوروبي على التصعيد العسكري الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة الذي استهدف القيادات والنشطاء واستأنف القصف العشوائي و التقتيل في صفوف الفلسطينيين رغم الهدنة المعلنة.
أقدمت الإدارة الأمريكية و حكومات أوروبا على قرار تجويع الشعب الفلسطيني رغم التحذيرات المختلفة من جهات عديدة من العواقب الكارثية لمثل تلك الخطوة، إمعانا في الانحياز اللاّمشروط لإسرائيل و معاقبة للشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي بتزكية حكومة تشكلها حركة حماس.
إن الحكومات الغربية التي اتخذت هذا القرار يبدو أنها لم تستخلص الدرس من تدهور صورتها لدى العرب و المسلمين ومن عواقب سياساتها الظالمة تجاه القضايا العربية و في مقدمتها الحقوق الوطنية الفلسطينية، و ما تسببه تلك السياسات من تغذية للإحباط والعنف، بما يتعارض جوهريا مع ادّعاءات تلك الحكومات مقاومة “الإرهاب” و القضاء على أسبابه. كما يزيد هذا القرار في تعميق أزمة الثقة لدى الشعوب بما تدّعيه الحكومات الغربية من مشاريع للإصلاح و يطعن فيما تدعو إليه من انتخابات حرة و قضاء على الفساد. وهو الشعار الذي طالما رفعته في وجه الرئيس الفلسطيني الراحل رحمه الله. هذا إضافة إلى أن هذا القرار يشكل إخلالا غير مبرر بالتزامات تلك الحكومات تجاه السلطة الفلسطينية بقيادة رئيسها أبو مازن ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية التي أمضت مختلف اتفاقيات السلام بقطع النظر عن الطرف الذي يشكل الحكومة . وهي بذلك تضرب المثل في خرق المعاهدات و تسقط ورقة التوت التي تتخفى وراءها و لا يبقى من معنى لدعوتها مختلف الأطراف إلى الوفاء بتعهداتها.
إن قطع رواتب حوالي 140 ألف موظف و رفع نسبة البطالة بين الفلسطينيين إلى نحو60% ووضع العمل الد يبلوماسي في حالة عجز كامل، و ما قد يتلو ذلك من تداعيات سياسية و اقتصادية و إنسانية بهدف تعجيز الحكومة الجديدة و تركيع الشعب الفلسطيني،إن هذا المشهد الدرامي يضع الضمير العالمي أمام أزمة حقيقية كما يضع المنطقة برمتها على كفّ عفريت كمل يقال.
وإذا كان قرار الحكومة الأمريكية و حكومات الإتحاد الأوروبي مدان و مستنكر و مرفوض، فإن موقف الحكومات العربية و الإسلامية أولى بالإدانة و الاستنكار كما أ إن الجماهير العربية و الإسلامية و أنصار الحرية و العدالة في العالم يجدون أنفسهم أمام تحدّ خطير يقتضي منهم جمع التبرعات و مؤازرة الشعب الفلسطيني في هذه المحنة بكل ما أوتوا من وسائل.
محمد القوماني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
افتتاحية جريدة “الموقف” (أسبوعية تونسية) ، العدد356 بتاريخ 21 أفريل 2006