هل تسقط حماس مشروع الاصلاح الامريكي؟
هل تسقط حماس مشروع الاصلاح الامريكي؟
الموقف بتاريخ 24 فيفري 2006
خلافا لما تدّعيه الإدارة الأمريكية و لما يروّج له أنصار المشاريع الأمريكية في المنطقة، يبدو واضحا أن السياسيات الأمريكية أضرّت أيّما إضرار بمطالب الديمقراطية و حقوق الإنسان في البلدان العربية و الإسلامية . و قد تكون للحملة الأخيرة التي تقودها الإدارة الأمريكية ضد تولي حركة حماس زمام السلطة بفلسطين الآثار الحاسمة على مستقبل ما تزعمه الولايات المتحدة من مشاريع إصلاح بالمنطقة .
فمنذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة و التي فازت حركة حماس بأغلبية المقاعد فيها اثر انتخابات حرة و نزيهة بشهادة جميع المراقبين و في مقدمتهم الأمريكيين . سارعت الخارجية الأمريكية إلى التهديد بقطع المساعدات المالية للفلسطينيين و كثفت ضغوطها و حركت أذيالها في المنطقة من أجل ابتزاز حركة حماس و إجبارها على التخلي عن مبادئها و تغيير برنامجها السياسي الذي انتخبها الشعب الفلسطيني من أجله . و ها هي وزيرة الخارجية رايس تلقي بثقلها و تأتي بنفسها إلى المنطقة بعد تكليف حركة حماس رسميا بتشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة .
فالإدارة الأمريكية التي طالما تذرّعت في دعماها لربيبتها إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة و زكت جميع الأعمال العدوانية لحكوماتها على أنها سياسات تصدر عن حكومة شرعية منتخبة ، و التي زكّت و رعت و دعمت محاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات داخل المقاطعة و أشهرت في و جهه شعار الفساد و طالبته بإصلاح السلطة الفلسطينية كشرط لتكون طرفا كفؤا في المفاوضات . ها هي الإدارة الأمريكية نفسها تتنكر لنتائج الانتخابات الفلسطينية الحرة التي زكّت قائمات الإصلاح و ترفض الحوار مع حكومة ممثلة . و تشهر شعار الإرهاب للانقلاب على الديمقراطية في الحاضر، بعد أن اعترف الرئيس الأمريكي الحالي بوش الابن بخطأ دعم الإدارات الأمريكية التي سبقته للاستبداد في منطقتنا في الماضي لنحو 60 عاما .
و إذا استحضرنا خصوصية الحالة الفلسطينية و آثارها المباشرة على المنطقة بأسرها أمكننا أن ندرك التداعيات الهامة للسياسية الأمريكية في التعامل مع فوز حركة حماس، على مستقبل الديمقراطية في البلدان العربية و الإسلامية . بل أمكننا القول بأن حماس في السلطة قد تقسم ظهر السياسة الأمريكية في المنطقة بعد أن قسمت حماس ظهر إسرائيل بالمقاومة . فأية مصداقية للخطاب الأمريكي مستقبلا حول الإصلاح السياسي و الانتخابات الحرة و الديمقراطية بعد تزعّمها لانقلاب مفضوح على الديمقراطية الفلسطينية ؟ و أية مصداقية للخطاب الأمريكي حول حقوق الإنسان بعد فظاعات سجن أبو غريب و معتقل قوانتنامو و الرعب و التخريب اللذين تزرعهما الآلة العسكرية الأمريكية بالعراق و أفغانستان المحتلين ؟ و أي إعلام حر تشجعه أمريكا بعد استهداف الصحفيين في أفغانستان و العراق و التفكير بمهاجمة مقر قناة الجزيرة بقطر ؟ و أي مثال تعطيه الولايات المتحدة للأنظمة العربية في احترام الديمقراطية و حقوق الإنسان ؟
إن كشف الغطاء عن طبيعة الادعاءات الأمريكية الزائفة و فضح مكاييلها المزدوجة قد يتلوه السقوط المدوّي للمشروع الأمريكي للإصلاح و لوهم الديمقراطية القادمة من الخارج . لكن ذلك لن ينهي المشكل و إن ساعد على حله .
فالديمقراطية و حقوق الإنسان تظلان على رأس مطالب الإصلاح المتأكد في البلدان العربية قاطبة . و كلما تأخر الإصلاح ارتفعت التكلفة الباهظة للاستبداد و تأخرت أحلامنا في التنمية والعدل و الرفاه و الوحدة و تحرير أرضنا المحتلة و تحسين موقعنا بين شعوب العالم .
و نحن إذا سلمنا بأن الإصلاح الحقيقي هو الذي ننجزه بتضحياتنا و عقولنا و برامجنا و أعمالنا ، تظل أسئلة محيرة تغالبنا في القضية التي بين أيدينا أكتفي هنا بإثارة أخطرها .
إن انتصار حماس بوصولها إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، لم تعترض عليه أمريكا و إسرائيل و حكومات غربية عديدة فحسب بل تعالت أصوات عربية مؤثرة ـ على قلتها ـ في ذات الاتجاه . و لا يمكن بآية حال إنكار المخاطر الحقيقية التي تتهدد هذه التجربة العربية الأولى و المؤامرات الداخلية ـ أعني العربية ـ التي تحدق بها ، خاصة أن الآثار المدمرة و التداعيات المريرة التي خلفها الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية بالجزائر اثر فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية مازالت نارها لم تخمد بعد ! فمشاركة الإسلاميين في العمل السياسي القانوني فضلا عن وصولهم إلى السلطة من المواضيع التي لم تحسم بعد بين النخب العربية ، و هذا ما يساعد الحكام على اتخاذ الإسلاميين ” فزّاعة” لدوام حكمهم ، و ذلك بتخويف النخب من غير الإسلاميين منهم و استعداء الحكومات الغربية عليهم . فالإسلاميون في أغلب الأقطار العربية ممنوعون من التنظم السياسي الحر . و هم مرفوضون في السلطة سواء أوصلتهم الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية أو صناديق الاقتراع أيضا . لكن الإسلاميين يظلون في الواقع قوة شعبية و رقما صعبا في المعادلات السياسية لا يمكن إسقاطه . و إن أي مشروع للإصلاح السياسي لا يأخذ مشاركة الإسلاميين بعين الاعتبار و لا يحاورهم من أجل الوصول إلى توافقات سياسية معهم تضمن قيام الديمقراطية و دوامها لن يكون له الأثر الايجابي المطلوب ، و لن يكسب شعوبنا في هذه المرحلة إلا مزيدا من الإخفاقات و العطالة . و إن بداية نهاية الخطوط الحمراء الخارجية على بلداننا لن تكون إلا بأخذ ناصيتنا بأيدينا و التوفّق رغم كل التعقيدات و المخاوف إلى توافقات داخلية تؤمّن مستقبلنا دون إقصاء أو استقواء .
محمد القوماني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جريدة الموقف (أسبوعية تونسية) العدد 348 بتاريخ 24 فيفري 2006