ما بعد العلمنة والأسلمة”: تصنيفات منتهية
شوقي بن حسن – 30 مارس 2016
في كتابه “ما بعد العلمنة والأسلمة” الذي صدر عن “منشورات ورقة” (تونس، 2016)، يقدّم الكاتب والسياسي التونسي محمد القوماني مقاربات حول تجاوز عوائق التغيير التي ارتطم بها “الربيع العربي” ذاهباً للحفر في ما هو أبعد من الصراع السياسي الظاهر.
لعل مشروع الكتاب تلخصه هذه العبارة “ضرورة تجاوز تيه سلفيّة العلمنة والأسلمة وعذاباتهما” (من مقدمة المفكر الإسلامي التونسي احميدة النيفر للعمل) حيث إن العقود الأخيرة أثبتت أن هذا الصراع حال دون التقدّم إلى الأمام، منذ مشاريع النهضة العربية الأولى في القرن 19 وصولاً إلى الانتفاضات والثورات العربية الأخيرة.
يعتبر القوماني أنه بات من الضروري أن نعتبر أن “الحداثة الغربية أيضاً مكوّن من مكوّنات هويّتنا الجديدة”، داعياً إلى “الانتقال من ذهنية الرفض والقطيعة، أو الاستهلاك السلبي والتبعية إلى ذهنية الاستيعاب والنقد والتجاوز”.
يتساءل العمل: هل المنشود من تغيير الحُكّام وراثة الحكم أم تغييره؟
هذا الإطار يضع القارئ على عتبة “الربيع العربي”، باعتباره مثّل فرصة للخروج من حالة “الاستثناء” التي مثلها العرب، باستعصاء دخولهم في الديمقراطية، حيث كانت الانتفاضات الشعبية مخرجاً من دائرة الغلبة العسكرية في تغيير السلطة، لكن بعد سنتين ظهرت خيبة الأمل من جديد.يحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان “سرديّة الثورة: الفرص المهدورة والمواطنة المتعثرة”. ينطلق الكاتب من صراعات الثنائيات “غرب وإسلام” أو “تجديد وتقليد” أو “الحداثة والهوية” وغيرها، تلك التي ضخّت المجال السياسي بتهم التخوين والتكفير والعنف ما أوصل إلى “ضرب من الحرب الأهلية” أدّت إلى “تفقير الممارسة النظرية واعتماد الانقلابات العسكرية طريقاً للغلبة”، لكي يُنتج هذا الفضاء العربي في النهاية مفارقتيْ “الاستبداد الحداثي” و”الإرهاب الإسلامي” رغم تناقض الحداثة مع الاستبداد وبراءة الإسلام من الإرهاب.
هنا، يُسائل القوماني النخب السياسية: هل المنشود من تغيير الحُكّام وراثة الحكم أم تغييره؟ ليتعرّض إلى مسارات هذه النخب في السنوات الأخيرة، والتي تبدو وكأنها فضّلت الوراثة على التغيير.
يدعو هنا الكاتب إلى مقاربة جديدة للتغيير، حيث ينبغي أن يُبنى من القاعدة، ليصل إلى فكرته بـ “تفعيل المواطنة” مبيّناً “كلفة ضمور” مشاركة المواطنين في الحياة العامة وانكفاء دورهم، ما يترتّب عنه ضعف انتمائهم للوطن وتفشي اللامبالاة وعدم الحرص على الصالح العام، ليتسرّب الفساد إلى المجتمع إلى جانب تفشي التسلطية في مؤسسات الحكم فتجهض كل محاولة إصلاحية.
إلى جانب “سردية الثورة”، يقدّم الكتاب في فصول موالية ما يمكن أن نسمّيه بسردية موازية عن التاريخ الإسلامي، بالعودة إلى مفاهيم تُستخدم في واقعنا السياسي ذات مرجعيات تراثية.
يشير القوماني إلى أن رؤية هذا التاريخ تتيح لنا اكتشاف أن ما جرى إقراره من نظم للحكم تمّ نقضها داخل هذا التراث نفسه (معتزلة، شيعة، سنة، خوراج… إلخ) ما يعتبره أنه يفضي إلى القول إن مسألة الحكم اجتهادية بحتة في الإسلام يمكن تطويعها حسب المتغيّر التاريخي.