مشروع جنان مجردة: لماذا لا يكون قاطرة للتنمية بولاية باجة؟

 

انتظم يوم السبت 10 نوفمبر 2018 بمدرسة المهندسين بمجاز الباب وبدعوة من والي باجة سليم التيساوي،  يوم إعلامي حول “التهيئة الترابية والتنمية الجهوية: مشروع جنان مجردة نموذجا”. حضر اللقاء وزير التجارة عمر الباهي وممثلو المنظمات الوطنية بوعلي المباركي وسمير ماجول والناصر العمدوني وضيوف مرموقون من بينهم الخبير الاقتصادي جلول عياد. ونجح المنظمون  في جمع أكثر من 300 مشارك من أبناء الجهة غصّت بهم القاعة، من أعضاء مجلس نواب الشعب بالولاية ورؤساء البلديات وممثلي الجمعيات والإطارات الجهوية والشخصيات الاعتبارية ونشطاء المجتمع المدني. فما حقيقة مشروع جنان مجردة؟ ولماذا في باجة؟ وماذا تحقق منه؟ وهل يكون قاطرة للتنمية بالولاية وبالشمال الغربي عموما؟ وماهي الصعوبات التي تحول دون ذلك؟

حلم جهوي تحوّل إلى مشروع

بات من ثوابت الخطاب السياسي المتفائل الاعتراف بأنّ النجاح السياسي  النسبي في التجربة التونسية على المستوى السياسي، يقابله إخفاق  كبير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. أما المتشائمون فيرون فيما حصل تحريفا لمسار ثورة كانت أهدافها اجتماعية بالأساس، من أجل التنمية والتشغيل ورفع الحيف عن الجهات المهمشة. وتلك أهداف صارت أبعد وأعسر.

وأمام تعاقب الحكومات دون تفسير مقنع للإخفاق المسجّل ودون مصداقية للوعود المطلقة اقتصاديا واجتماعيا، ودون رؤية مقنعة لمستقبل ما بعد الثورة، تطالعنا أحيانا أفكار ومقترحات من الخبراء والمجتمع المدني، على درجة عالية من الأهمية والنضج، ولا نجد في الغالب أجوبة مقنعة لعدم تبنّيها من الحكومة وتحقيقها في الواقع. ومن أمثلة ذلك “مشروع جنان مجردة”.

“جنان مجردة” ، مشروع تنمية محلية وجهوية مقترح من طرف  المجتمع المدنــــــــــي بباجة ومدعوم من رجال أعمال خواصّ. فكّر أصحابه في  إقامة قطب نموذجي للتنمية الشاملة على ضفاف سدّ سيدي سالم بوادي الزرقاء من معتمدية تستور. رأوا في مدينة لوفان لانوف ببلجيكا مثالا مرجعيا للفكرة وفي عقد شركة البحيرة بتونس مثالا تطبيقيا. فباجة ولاية محرومة ومهمشة تستحق أن تستفيد من خصائصها الطبيعية لتحقيق مطلبها في التنمية.

فهو نمط تنموي متعدد الاختصاصات مستوحى من فكره الأقطاب التنافسية الناجحة عالميا. تعمل مكوناته على جلب مستثمرين مختارين لإنجاز مشاريع طموحة بمنطقة مهيأة. وهو منوال جديد للتنمية الجهوية يدعم التطور الاجتماعـــــــــــــــي والاقتصادي، ويعتمد على مجهود تشاركي بين الإدارة والمستثمرين والفلاحين والشبان أصحاب المشاريع لتثمين الموارد المتوفرة بالجهة وبقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويعمل لاحقا على نقل مثال منظومة جنان مجردة وأنشطتها الناجحة إلى مناطق أخرى  من الشمال الغربي لتمكين صغار الفلاحين والإطارات الشابة من الانخراط في حركية التنمية المنطلقة من قطب وادي الزرقاء وما حوله.

بدأت الفكرة تتبلور في وهج ثورة الحرية والكرامة سنة 2012 بين مكونات من المجتمع المدني،  ولمّا نضجت الرؤية  تأسست “شركة جنان مجردة” برئاسة ابن الجهة المستثمر بلقاسم المازني، لتكون باعثا للقطب والطرف المخاطب لكافة الشركاء والمسؤول عن  مراقبة إنجاز كراسات الشروط من طرف كافة الباعثين  وإقامة مختلف مكونات المشروع.

مفارقة جهة باجة والشمال الغربي

لا نحتاج إلى عناء للبرهنة على مفارقة خصائص الشمال الغربي وواقعه.  فهو جهة  فلاحية تضمّ أحسن الأراضي الخصبة بتونس. وهو أهم مخزون مائي بالبلاد. وكانت باجة تُلقب بمطمور روما. وهو يضم مخزونا من الغابات الحمائية والنباتات العطرية والثروات الطبيعية الأخرى. إضافة إلى أن مدنه قريبة من تونس العاصمة من جهة،  وهي طريق للسوق الجزائرية القريبة منها أيضا. لما تتوفر عليه الجهة من بنية تحتية أهمها الطريق السيارة وخط السكك الحديدية الذي يربطها بعاصمتي تونــــــس والجزائر. وفي مقابل ذلك يعرف الشمال الغربي وضعا اقتصاديا واجتماعيا متدهورا. فمعتمدياته التسعة المتجاورة غير مفتوحة على بعضها وهو عنوان الفقر والبطالة والتهميش التنموي والسياسي أيضا.

ولهذه الأسباب الرئيسية وغيرها يتطلّع “مشروع جنان مجردة” إلى إقامة قطب تنموي متعدّد القطاعات يوفر نحو 24000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في غضون 15 إلى 20 سنة. ويشمل  ستة مكوّنات  وهي:

ـ المكوّن المعرفي (جامعة تكنولوجية متعددة الاختصاصات تتوفر على مخابر متطورة وتتسع لنحو 10000 طالب وتستهدف إدخال التكنولوجيات الحديثة في مجال الفلاحة)

ـ مكوّن الزراعة والغابات (يراهن على الزراعات ذات القيمة المضافة العالية وتربية الماشية.)

ـ مكوّن سياحي (تطوير السياحة الاستكشافية  وتنمية منتجات محلية من الخشب والخفاف والطين والرخام بدعم وحدات صناعية عائلية صغيرة وتوفير فضاءات للبيع إضافة إلى أنشطة جبلية وأخرى في بحيرة سدّ سيدي سالم وجزرها)

ـ مكوّن الصناعات النظيفة (يعتمد صناعات نظيفة ذات قيمة مضافة عالية في مجال الألبان والفواكه والخضروات والعسل وزيت الزيتون والزيوت الغذائية والعلاجية والعطور…ويستخدم التكنولوجيا الحديثة  في تنظيم الإنتاج والتحويل والترويج)

ـ مكوّن الطاقة الخضراء (إنتاج الطاقة الشمسية المتأتية من خلايا ضوئية عائمة ببحيرة سيدي سالم والتي تعدّ أعلى إنتاجية مما هو عليه  بالمناطق الصحراوية)

ـ مكوّن المدينة الذكية ( إنشاء مدينة ذكية وخضراء  لنحو 10000 نسمة من سكان وادي الزرقاء باعتماد شبكات ذكية للنقل والتواصل وإحداث مركب تجاري  نموذجي.)

لماذا يتعثرالإنجاز؟

عهدت ّشركة جنان مجردة” إلى مركز الدراسات “إيرام” إعداد دراسة أوّلية للمشروع وقد أنجز المطلوب وقدم ممثله عرضا عن”التهيئة الترابية والتنمية الجهوية. كما تم التعاقد لتجسيم دراسة الجدوى مع مؤسستي “أرنيست يونغ” و”ألسات”  المشهود لهما في الغرض، بعد مناقصة عالمية، وتم ذلك أيضا. وقدما للمشاركين عرضا عن تقدم الدراسة. وقد منح الصندوق العربي للتنمية الاجتماعية “فاداس” منذ سنة 2015 هبة للدولة التونسية بمليون دولار لإنجاز دراسة جدوى المشروع. وتنص اتفاقية الهبة  على الاعتراف ب”شركة جنان مجردة” كطرف ثالث للإشراف على الدراسة. كما تمّ البدء في التفاوض مع جامعة “اسبري” من ناحية وجامعة أروبية من ناحية أخرى، فيما يتصل بهما من المشروع. وكذلك  يتم التفاوض مع جمعيات المجتمع المدني حول برنامج تشاركي لإنجاح توسعة الأنشطة. كما تم ضبط قائمة المشاركين لإنجاز استثمارات تقدّر بــــحوالي  2 مليار دينار على مدى 20 سنة.

وبعد كل هذه الخطوات الهامة المقطوعة يبدو المشروع معطّلا منذ 2017. إذ يتوقف الإنجاز في جانب هام منه  على الموافقة المبدئية للدولة على إمكانية إسناد الأراضي المطلوبة ( نحو 900 هكتار) والحصول على مقادير المياه اللازمة للمشروع.، والتكفل باستثمارات البنية الأساسية (سكك حديدية، محطة أرتال…) والموافقة المبدئية عل ما ستسفر عنه الدراسات من نتائج.

وفي هذا الصدد تحفظت وزارة التنمية والاستثمار على نقاط في المشروع خاصة في إدارته وموقعه. كما تحفظت وزارة الفلاحة على بعض الاراضي التي يشملها السد ّحسب الدراسة الأولية أو هي أراضي خصبة جدا لا يمكن تغيير صبغتها الفلاحية.

وقد عبر وزير الاستثمار والتعاون الدولي عن تعهده بالإسراع في خلاص القسط الأول من مستحقات مكتب الدراسات في جوابه عن سؤال شفوي بمجلس نواب الشعب بتاريخ 24 فيفر 2018. كما أعطى رئيس الحكومة يوم 15 أوت 2018 تطمينات حول مستقبل المشروع. لكن الأمور مع ذلك لم تتقدم ميدانيا.

باجة الموحّدة

بدت مواقف “الباجية” المشاركين في اليوم الإعلامي موحّدة في تبني  “مشروع جنان مجردة” والتأكيد على جديته وفوائده على الجهة والاستعداد للضغط من أجل رفع العراقيل التي تعطّل إنجازه. كما عبر الضيوف من مسؤولي اتحادات العمال والأعراف والفلاحين  على مساندتهم القوية ودعمهم. وكان وزير التجارة الذي تربطه أواصر بالجهة واضحا في تبني المشروع ودعمه أيضا، داعيا المعنيين إلى مرونة أكبر في تحديد الموقع والعمل على رفع العراقيل. وقد قدم السيد فوزي الدريسي مثالا عمليا في تقدّم إنجاز “مشروع جندوبة 2050” وحشد الدعم لإنجازه.

وبذلك حقّق اليوم الإعلامي أغراضه بامتياز وسيكون انطلاقة جديدة لن تتوقف لإنجاز “مشروع جنان مجردة”، عساه يكون قاطرة تنمية حقيقية لولاية باجة والشمال الغربي المغبون عموما.

 

محمد القوماني

*منشور بجريدة الرأي العام، العدد 82، تونس في 15 نوفمبر 2018.

https://scontent.ftun7-1.fna.fbcdn.net/v/t1.0-9/46155653_2190511930972579_1536097020509421568_n.jpg?_nc_cat=100&_nc_ht=scontent.ftun7-1.fna&oh=379824ac952abef15c47143ef0b2e104&oe=5C76810C

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: