مأزق سياسي في الأفق.. هل تصمد حكومة الشاهد؟

 

جريدة الرأي العام، العدد13، تونس في  06 جويلية 2017.

في الوقت الذي تبدو فيه البلاد في حاجة ماسّة إلى الاستقرار السياسي لإعطاء الزّخم اللازم للحرب المعلنة على الفساد التي تتواصل وتلقى استحسانا شعبيا ودعما معلنا متزايدا من الأحزاب والمجتمع المدني، وللمضيّ في الإصلاحات الاقتصادية الكبرى ودعم المؤشرات الايجابية المسجلة خلال الثلاثية الأولى من العام، وتهيئة الأجواء للاستحقاق الوطني الهام المتّصل بالانتخابات المحلية لأوّل مرّة  بعد أقلّ من ستة أشهر، في هذا الوقت تجتمع مؤشرات عديدة خلال الفترة الأخيرة تحيل على بوادر مأزق سياسي في الأفق قد يجعل حكومة السيد يوسف الشاهد في عين العاصفة. فما هي أهمّ تلك المؤشرات ودلالاتها؟ وكيف يبدو مستقبل حكومة الشاهد في ضوء الأزمة السياسية المحتملة؟

تستمرّ أزمة نداء تونس، الحزب الأول الفائز في الانتخابات وتتراجع تمثيليته بالبرلمان، بما يخلّ بتوازنات الحكم الحالي ويؤثر عليه سلبيّا.  وتزداد الأمور تعقيدا ببوادر توتّر لم يعد خاف بينه وبين السيد يوسف الشاهد، الذي رشّحه   قبل ذلك لرئاسة الحكومة وتمّ اقتراح رئاسته للحزب في وقت لاحق، وهذا ما يستشفّ من خلال تصريحات وتلميحات متصاعدة لبعض قيادات النداء في انتقاد الشاهد إلى حدّ اتّهامه باستهداف الحزب أو الانحياز ضدّه. كما تتأكّد علامات التفكّك في الائتلاف الحاكم بعد إقالة عدد من الوزراء وتقديم قضية في حقّ آخر، ومن خلال ما يحصل بين بعض مكوّناته، على غرار انتقاد حادّ لحزب آفاق تونس للسيد المهدي بن غربية أحد وزراء الحكومة الوطنية واتهامه بالفساد والمطالبة باستقالته، وفي نفس الوقت انتقاد التنسيق بين حزبي النداء والنهضة والبيان المشترك بين كتلتيهما والتشكيك في أهدافه. كما تتعالى الأصوات من أطراف وثيقة قرطج من أحزاب ومنظمات، بالمطالبة بتعديل عاجل في تركيبة الحكومة وتتكثّف الضغوط  في هذا الاتجاه. يضاف إلى ذلك استمرار الاحتجاجات الاجتماعية في الجهات من أجل التشغيل والتنمية وتحسين الخدمات ويرتفع سقف المطالب والضغط على الحكومة قياسا على ما حصل مع معتصمي الكامور  بتطاوين. كما تدلّ التوتّرات غير المسبوقة بالبرلمان وما يحصل ببعض الكتل النيابية على حالة من التشظّي وتغيّر موازين القوى، بما لا يستبعد  صعوبات كبرى في استكمال مهام متأكدة على المجلس قبل عطلته السنوية، وربما الوصول إلى وضعية من التعطيل أو اللاّحكم أصلا. وتتغذّى هذه الأوضاع غير المطمئنة من التداعيات السلبية لما يحصل دوليا وإقليميا، لتؤشّر في مجملها وفي التفاعل بينها، على بوادر مأزق سياسيّ محتمل قد تعرفه البلاد خلال الأسابيع القليلة القادمة، سيلقي بظلاله سلبيّا على المناخ العام بالبلاد وقد يضع حكومة يوسف الشاهد في امتحان عسير بالتزامن مع نهاية عمرها الافتراضي المقدّر بسنة تقريبا مقارنة بالحكومات السابقة بعد الثورة.

ما أشبه اليوم بالأمس. فخلال الصائفة الماضية بدأ الحديث عن تحوير وزاري متأكّد في حكومة السيد الحبيب الصيد، انتهى فيه الحوار بعد مسار عسير إلى رحيل الصيد وحكومته وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الشاهد. وفي هذه الصائفة يتكثّف الحديث في الأوساط السياسية والمنابر الإعلامية عن تحوير وزاري مرتقب، يضيق أو يتّسع بحسب الأجندات، ويعود الحديث عن الكفاءات والمتحزبين والمستقلين، وعن الحزام المطلوب لدعم الحكومة، وعن الأغلبية المطلوبة في البرلمان. ولم يعد سرّا استهداف  الشاهد وحكومته في بعض الأجندات، ومحاولة إنهاء التحالف بين حركتي النداء والنهضة في أخرى، والسعي المحموم للتموقع الشخصي أو الأيديولوجي أو الحزبي للبعض الآخر والعمل على استبعاد بعض الأطراف من الحكم تنفيذا لأجندات أجنبية أحيانا. وإذا كان التحوير من ناحية الصلاحيات الدستورية يعود لرئيس الحكومة وحده، فإنّ ذلك لن يعفه من المشاورات اللاّزمة مع الكتل الكبرى في البرلمان والشركاء في الحكومة، والخضوع لبعض طلباتهم  من أجل ضمان تزكية التحوير وتمرير القوانين المقترحة من الحكومة لاحقا . لذلك يرى بعض المتابعين في دعوة حزب نداء تونس على سبيل المثال إلى التغيير الحكومي أنواعا من الضغوط التي تمارس على الشاهد. ويرى آخرون في ضعف تشاور رئيس الحكومة مع أحزاب الائتلاف الحاكم لاسيما في الخيارات الحاسمة والقرارات ذات الأثر الاجتماعي أو السياسي المباشر، نوعا من الانفراد والإخلال بمقتضيات الحكم في نظام شبه برلماني. فرئيس الحكومة ليس منتخبا مباشرة من الشعب مثل رئيس الجمهورية وهو مقترح ومزكّى من أحزاب بعينها، ولذلك لا يصحّ منه القول على غرار رئيس الجمهورية بأنّه يقف على الحياد وبنفس المسافة من جميع الأحزاب في الحكم أو المعارضة.

وإذا أضفنا إلى رهانات التغيير الحكومي كما بيّنا بعضها، تداعيات الصعوبات الاقتصادية لا سيما توازنات المالية العمومية، وتداعيات المطلبية الاجتماعية من جهة التي لن تفلح الحكومة في ترضية الجميع مهما اجتهدت، وتداعيات الحرب على الفساد من جهة أخرى التي لها كلفتها السياسية والاجتماعية أيضا، ندرك ما عنيناه بالمأزق السياسي الذي يلوح  في الأفق، والذي دلّت التجربة على أنّ تأثيرة أشدّ على البلاد والعباد. وإذا كان مطلب محاربة الفساد في أولويات وثيقة قرطاج للائتلاف الحاكم، وأحد استحقاقات الثورة، وأحد شروط الدول والجهات المالية المساعدة لتونس، باعتبار خطر هذا السرطان على مستقبل استمرار الدولة أصلا، فإنّ أسهم السيد يوسف الشاهد تبدو في صعود داخليا وخارجيا، إكبارا لشجاعته في إطلاق هذه الحرب التي تأخّرت، واتّخاذ إجراءات ضدّ بعض الحيتان الكبيرة، بما يعطيه تأييدا سياسيا لا يستهان به ويعزّز رصيده في نجاحات وإنجازات سابقة ويقوّي حظوظه في الحكم مستقبلا. وهذه عناصر ايجابية ترجّح صمود حكومة الشاهد وترشّحها مع التعديلات التي لا غنى عنها، لمواجهة التحدّيات المختلفة وتجاوز مصاعب المرحلة. لكنّها عناصر غير كافية بمفردها وتحتاج إلى تفاهمات سياسية مع أحزاب الكتل البرلمانية الكبرى خاصة، وهو أمر ليس بالعزيز رغم ما ألمحنا إليه من توتّرات مع أو في الائتلاف الحكومي الحاليّ.

لقد جرّبنا خلال ستّ سنوات ونيف بعد الثورة تغيير الحكومات باستمرار، لكن تبيّن أن تغيير الحكومات لم يغيّر المسارات ولا النتائج ولم يفض إلى الحلول المرجوّة للمشكلات. لأنّ كثرة التغيير أعطى الانطباع بعدم الاستقرار السياسي. ومن ناحية أخرى فإنّ بعض دعوات التغيير تعبّر عن استخفاف بمقتضيات الديمقراطية التي نرسي دعائمها بصعوبة، وستكون لها تداعياتها السلبية على المستقبل. ففي كل مرة نجري انتخابات نقرّ بنتائجها ثم نسارع بالانقلاب عليها عمليا بمنع من تمّ انتخابهم من الحكم تحت مسوّغات لا أساس ديمقراطيّ لها، وإفساح المجال  لحكم من لم تفرزهم صناديق الاقتراع ولا تعويل لهم على ذلك. وهنا تتمّ المغالطة بالخلط المتعمّد بين مقتضيات مرحلة انتقالية لم يكن بها دستور وسادها التنازع بعد 2011 وبين مرحلة مستقرة محكومة بآجال وآليات ينظّمها دستور الثورة بعد 2014.

فهل تتعقّل مختلف الأطراف لتسوّى الخلافات ويتحسّن الأداء ونضمن منافع حكومة وطنية لم يكن من السهل تشكيلها واستقرار سياسي ثمين، أو تغلب المطامع والحسابات الشخصية فيكون أمر آخر يصعب توقّع تداعياته؟.

L’image contient peut-être : 3 personnes

مشاركة
    0 Comments

    No Comment.

    %d مدونون معجبون بهذه: