كلمة الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني في المؤتمر الوطني للحوار في 15 أكتوبر 2012
كلمة الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني
في المؤتمر الوطني للحوار الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل.
15 أكتوبر 2012
بعد نحو سنتين من إنجاز الشعب التونسي لثورته المجيدة التي أطاحت برؤوس الاستبداد والفساد، وبعد سنة من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي فتح الطريق لبناء نظام سياسي يقطع مع العهد البائد ويحقق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بين الأفراد والجهات، ويمنح التونسيين، وفي مقدمتهم الشباب، آمالا في مستقبل أفضل، يحلّ موعد 23 أكتوبر، الذكرى الأولى لتلك الانتخابات وفي نفس الوقت الموعد المُفترض لانتهاء أعمال المجلس وسط حسبما التزمت به أحزاب عديدة من بينها من يشارك في الحكم، حين وقعت على وثيقة الانتقال الديمقراطي قبل الانتخابات، يحلّ هذا الموعد وسط جدال سياسي حادّ وتوتّر غير مسبوق في أوساط النخبة، وأوضاع اجتماعية وأمنية متفجّرة في مناطق مختلفة من البلاد وفي قطاعات متعدّدة، وغموض وحيرة لدى أغلب المواطنين.
وبعيدا عن خطابات التشكيك والتهويل، أو التجاهل لحقيقة الوضع وإظهار الطمأنينة الزائفة، نرى في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بالدعوة إلى هذا المؤتمر الوطني للحوار فرصة ثمينة لتقييم مسار المرحلة الانتقالية خلال السنة المنقضية، ولتعميق النظر حول قضايا بالغة الأهمية لم تعد تحتمل التأجيل، وفي مقدمتها التساؤل عن المخاطر التي تتهدد الثورة في ظل التنازع حول الشرعية بعد انتخابات تعدديّة وشفافة؟ والبحث خاصة في الشروط الضرورية لبناء التوافق الوطني وتصحيح ما بدا انحرافا عن مسار الثورة والالتزام بتحقيق أهدافها، ومن أجل التوصل إلى أجندا وطنية دقيقة تزيل الغموض وتبعث الطمأنينة مجدّدا وتجعل مختلف الأطراف المعنية بالانتخابات القادمة تعمل في إطار من الوضوح.
ونحن في حزب الإصلاح والتنمية إذ نقدّر عاليا دعوة الاتحاد لنا للمشاركة في هذا المؤتمر، ونعدّ مبادرته خطوة هامة لتأكيد الدور الوطني لهذه المنظمة العتيدة، التي يحاول البعض من داخلها أو من خارجها، دفعها باتجاه تموقع سياسي معارض لا ينسجم مع طبيعتها ومهامها. كما ننظر إلى الاتحاد على أنه فاعل رئيسي في إنجاح الثورة المجيدة، وكذلك يجب أن يكون شريكا فاعلا في البناء الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة في الكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية على وجه الخصوص. ومع ذلك فإننا نظل نفضّل أن تتحمل الأحزاب مسؤولياتها وأن تضطلع بالدور الرئيسي في المبادرات السياسية ولا تترك قيادتها من طرف المجتمع المدني الذي نقدّر جيدا دوره في مجال اختصاصه. كما أننا لبّينا الدعوة بالمشاركة دون أن تتضح لدينا الصورة عن طبيعة هذا المؤتمر ومكوّناته ومدّته وصيغ بلورة توصياته المتفق عليها، ناهيك أن حزبنا لم يشارك في أية أعمال تحضيرية تساعد على ذلك. وفي كل الأحوال نرى أيّة مبادرة تساهم في تحقيق التوافق خارج المجلس التأسيسي، عملا مهما ومطلوبا لتسريع عمل المجلس الوطني التأسيسي وحسم القرارات داخله باعتباره السلطة الشرعية الأصلية.
ويهمنا بهذه المناسبة أن نذكّر برؤيتنا للمرحلة التأسيسية التي أكدنها مرارا في بيانات حزبنا وتدخلات مسؤوليه، والتي نوجزها في اعتبارنا استقطاب المشهد السياسي بين حكومة ومعارضة غير صحّي في المرحلة التأسيسية. إذ الحكومة مهما كانت شرعيّتها، لا يمكن أن تستأثر بالمرحلة الحالية. ولا تستطيع القول أنها المسؤولة الوحيدة على تأمين تحقيق أهداف الثورة. ولا يمكنها الحكم بمنطق الأغلبية. ولذلك نعدّ تعبير “الصفر فاصل” تعبيرا خاطئا ومُضلّلا. ونرى في الرسائل السلبية للترويكا منذ الانتخابات، وخاصة رسالة الهيمنة، سببا في توتير الوضع السياسي.
كما أن الأطراف السياسية التي اختارت المعارضة مبكّرا وصنعت حاجزا بينها وبين الحكومة، تتحمل جانبا من المسؤولية في دفع المشهد إلى الاستقطاب. فمن كان شريكا في الثورة، عليه أن يدافع عن حظوظه في المشاركة السياسية ويواصل إسهامه في إنجاح المرحلة وتحقيق أهداف الثورة. فالديمقراطية تكليف ومراقبة وليس تفويضا مطلقا. والتوازن ضروري للمجتمع في كل الأحوال. وعليه فإن الوضع الإستقطابي (سلطة/معارضة) بهذه الحدّة لم يعد مقبولا. وحق المعارضة لا يحجب واجب الإقرار بشرعية السلطة وتوخّي الصيغ الديمقراطية المشروعة في الصراع السياسي.
كما يبدو من المهم أيضا أن نوضح أننا نرى أن المكسب السياسي المؤكّد الذي حققناه بعد الثورة، قد يكمن في الانتخابات الحرة والنزيهة التي قمنا بها لأوّل مرة في تاريخنا المعاصر وكان فيها المواطن هو صاحب الشرعية الأصلية سواء أخطأ أو أصاب في اختيار من يحكمه. لأن الانتخابات النزيهة والشفافة تبقى المكسب الذي يمكّنه من التدارك في صورة الخطأ. وعليه فإننا نعتبر الشرعية الانتخابية قاعدة ديمقراطية لا يجوز المساس بها، لأن أي تشكيك في هذه الشرعية قد يدفع بالبلاد إلى منزلقات خطيرة. ، إذ ليس هناك صيغة معبرة عن إرادة الشعب أكثر من الانتخابات.
ومع كل ذلك تبقى الشرعية الانتخابية وحدها غير كافية لممارسة السلطة ، خاصّة في مرحلة انتقالية تأسيسية وفي ظل أزمة ثقة حادة، فيها تركة ثقيلة من نظام استبداد، وفي غياب دستور وعقد اجتماعي،وفي ظروف تداعيات الثورة. كما أن مرحلة التأسيس هي مرحلة شراكة سياسية بامتياز، شراكة لا تطمس التعددية وحق الاختلاف. ولذلك نعتقد أن شرعية السلطة الحالية لم تمنحها القوة السياسية المطلوبة للحكم وفرض التقيّد بالقانون. مما شجّع على الانفلات الأمني واستفحال الجريمة بأنواعها وتهديد الممتلكات الخاصة والعامة وتهديد الحريات والعجز عن التحكم في الارتفاع المشط للأسعار واستمرار الاحتجاجات الاجتماعية وعدم نشاط الاستثمار الداخلي والخارجي بالنسق المطلوب. ولذلك نادينا بعد مواجهات أحداث 09 افريل الماضي بمبادرة سياسية لخفض التشنج وبناء الشرعية. وعملنا في هذا الاتجاه ولم نجد التجاوب الكافي.
وعلى أساس ما تقدم نقدّر اليوم أن بيان “الترويكا” الصادر مساء السبت 13 أكتوبر الجاري والمتضمن لما رأته مقترحات حول القضايا المستعجلة في هذه المرحلة، مساهمة منها في الحوار الوطني المطلوب، قد أخطأ الهدف مرة أخرى شكلا ومضمونا. بل نعدّه سوء تقدير للـأزمة التي تمر بها بلادنا واستمرار في نفس نهج المغالبة والهيمنة والاستحواذ على المشهد الذي ساهم في خلق الأزمة. فهو استجابة مستعجلة للضغط الذي مارسته مختلف الأطراف خارج الائتلاف الحاكم من أجل توضيح الخارطة الوطنية وخاصة تحديد موعد الانتخابات القادمة، لكنه تجاهل لحقيقة الأزمة في علاقة الائتلاف ببقية الأطراف الوطنية التي لم يُحاورها فعليا، لا داخل المجلس التأسيسي ولا خارجه، وبأسلوب حكم هذا الائتلاف وأخطائه المتراكمة وسياساته غير الموفقة على أكثر من صعيد.
محمد القوماني