قراءة نقدية في الرؤية الفكرية لحركة النهضة
قراءة في
الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي
لحركة النهضة بتونسi
محمد القوماني
تجتمع عوامل مختلفة لتخلق صعوبات منهجية عديدة في تحديد الخصائص الفكرية للحركة الإسلامية بتونس واتجاهات خطابها، نرى من المهم الوقوف عليها في مطلع هذه الورقة، لتوضيح دواعي ما ذهبنا إليه من اعتماد ” الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي بتونس ” وثيقة أساسية في التعريف بفكر حركة الاتجاه الإسلامي سابقا وحركة النهضة حاليا.
فالمؤسسون كانوا عموما شبابا حديثي التخرج من الجامعة، أو طلابا بها بعد، ولم تكن لهم أدبيات منشورة تحدد مرجعيتهم الفكرية. كما أن الحركة لمدة حوالي عقدين، من انطلاقها في نهاية الستينات إلى حدود نهاية الثمانينات، لم يبرز بين صفوفها كتاب أو أصحاب إنتاج فكري، عدا حالات محتشمة للشيخ راشد الغنوشي وللدكتور عبد المجيد النجار، تدعّمت خلال الفترة الأخيرة بصورة لافتة.1 كما لم تصدر عن الحركة (التنظيم) أدبيات فكرية ذات بال. وهذا ما يخلق صعوبة في اعتماد مراجع معينة لتحديد الخصائص الفكرية للحركة. من جهة ثانية، فإنه من الناحية الحركية، خاضت النواة المؤسسة تجارب مختلفة2 عكست حالة من التردد والبحث عن الطريق. فقد عملت هذه النواة في سنواتها الأولى ضمن “جماعة التبليغ والدعوة” ذات الأصول الباكستانية،3 كما عملت لفترة أخرى ضمن “جمعية المحافظة على القرآن الكريم“،4 وحاولت لاحقا استنساخ تجربة “الإخوان المسلمون” بمصر، ثم كان التأثر خلال العشرية الثانية، بالثورة الإسلامية في إيران وبتجارب اليسار التونسي بالجامعة.
إن غياب مرجعية فكرية أو حركية مُحدّدة مسبقا، وتعدّد الرموز المؤسسين واختلاف تكوينهم وعدم وجود “مشائخ علم“, كانت عوامل مساعدة على اتسام الحركة بدرجة لا بأس بها من التحرر الفكري وتعدّد الاجتهادات وتنوع الخطابات، خاصة في صفوف العناصر الجامعية. لكن هذه العوامل ذاتها تجعل من الصعوبة تحديد الخصائص الفكرية للحركة بناء على خطاب جامع أو أدبيات مُلزمة.
من جهة أخرى يبدو أن قرار الجماعة الانضمام إلى ” التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” كان مبكرا ولم يُبن على دراسة معمقة لتجربة هذه الحركة. إذ تعامل المؤسسون مع “الإخوان” من موقع الانبهار والاستهلاك وليس من موقع النقد والاستئناس.5 وقد شكلت كتابات أعلام الإخوان المسلمين وخاصة الشهيد سيد قطب وشقيقه محمد قطب ومؤلفات الشهيد عبد القادر عودة والأستاذ فتحي يكن، مادة أساسية في تكوين الجيل الأول من المنتمين للحركة الإسلامية تونس. لذلك كان نقد الفكر الإخواني في مقدمة مواضيع الخلاف الذي عرفته الجماعة مبكرا وأدى إلى تصدع تنظيمي تأسس بمقتضاه “الإسلاميون التقدميون“.6 وكان الأستاذ احميدة النيفر وهو أحد مؤسسي الحركة الإسلامية أول من بدأ بنقد الإخوان المسلمين على اثر لقاء تعرف خلاله على الأستاذ محمد قطب مباشرة في زيارة لمكة، قبل سفره إلى القاهرة لاحقا للتعرف على حركة الإخوان من قريب، ثم إطلاعه على بعض الكتابات الناقدة للإخوان.7
ولعل النقد الذي باشره “الإسلاميون التقدميون” بشكل واسع، لأدبيات الإخوان المسلمين، كان له أثره الواضح داخل الحركة الأمّ وخاصة في صفوف الاتجاه الإسلامي بالجامعة. و قد عزز انتصار الثورة الإسلامية في إيران والإطلاع على بعض أدبيات أعلامها هذا المنحى النقدي، وفتح المجال لبدائل مخلفة، حتى أن الشيخ راشد الغنوشي يصف فكر الإخوان في تلك المرحلة “بالتقليدي” إذ يذكر في سيرته الذاتية أنه “جاءت الثورة الإيرانية في وقت مهم بالنسبة إلينا، إذ كنا بصدد التمرّد على الفكر الإسلامي التقليدي الوافد من المشرق والذي يختصر الصراع في المجتمع في بعد واحد“8. وكان نقد الإخوان أو “الفكر الوافد من المشرق” كما وصفه الشيخ الغنوشي بداية اكتشاف الحركة الإسلامية بتونس لانبتاتها عن الواقع الذي نشأت فيه وتريد تغييره.
فلم تؤصل الحركة فكرها في حركة الإصلاح التي عرفتها تونس منذ القرن التاسع عشر. كما لم يكن لجامع لزيتونة ولأعلامه من المصلحين خاصة، من أمثال الشيخ سالم بوحاجب والشيخ الطاهر بن عاشور أي أثر على الحركة، إذ “لم تكن الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس من ثمار جامع الزيتونة بل لم يكن للجامع دور يذكر في نشأتها“.9 وربما عملت الحركة على تلافي هذا الانقطاع أو الاغتراب عن البيئة المحلية وحاولت وصل نفسها بإرث البلاد وخاصة جامع الزيتونة بداية من نهاية الثمانينات، من خلال بعض البحوث الجامعية لطلاب الحركة أو من خلال مؤلفات بعض قادتها خاصة النجار والغنوشي. بل يمكن القول أن الإسلاميين في أغلبهم لم تكن لهم ثقافة محلية تربطهم بتاريخ تونس وبأعلامها وخاصة بمؤلفات التونسيين من الجيل الحديث.10 ولعل الموقف الحادّ الذي اتخذته الحركة من الرئيس الحبيب بورقيبة ومن النخبة الحاكمة التي وصفت ب” المتغرّبة” و” المعادية للإسلام” زادت في تغذية هذا الانقطاع عن البيئة المحلية.
إن التصدّع التنظيمي الذي عرفته الجماعة في نهاية عقدها الأول والضغط الذي مارسه “الإسلاميون التقدميون” والانسحابات المتلاحقة لكوادر من الحركة خلال الثمانينات، إضافة إلى عوامل أخرى أهمها تأثيرات الثورة الإسلامية بإيران، والتجربة السياسية البراغماتية للحركة الإسلامية بالسودان بقيادة الدكتور حسن الترابي وبعض أفكاره النقدية، والصراع الاجتماعي بين النقابيين والسلطة بتونس منذ نهاية السبعينات، والضغوطات التي مارسها اليسار التونسي على الإسلاميين بالجامعة وإحراجهم بنقد تجربة الإخوان المسلمين أو في دفعهم إلى الإفصاح غن خياراتهم الاقتصادية والاجتماعية وتحليلهم للوضع الدولي والإقليمي، وانفتاح الشباب الإسلامي على الكتابات النقدية في الفكر العربي المعاصر، وفترة الفراغ السياسي والفكري التي عرفها الاتجاه الإسلامي بعد اعتقال قياداته أو فرارها إلى الخارج مطلع الثمانينات، وتوسع عدد المنتسبين أو المتعاطفين مع الحركة وانضمام كوادر مختلفة التكوين والتطلعات، هذه العناصر مجتمعة شكلت ضغطا قويا على قيادة الحركة لبلورة فكرها، وخاصة لتوضيح بعض المسائل الأساسية، حتى لا يحصل انحراف في الاتجاه، أو ينسب إلى الحركة ما ليس من صميم فكرها، سواء بدافع الرغبة في التطوير ومواجهة التحديات أم بدافع النيل منها وتشويهها.
وربما كانت العناصر الأكثر تقليدية والأشد تأثيرا في التنظيم، أحرص على صياغة وثيقة جامعة تكون مرجعية فكرية للحركة. وهي الوثيقة التي أقرها المؤتمر العام للحركة في ديسمبر 1986، أي بعد سنتين من خروج القيادة من السجن، واكتملت صياغتها في مطلع 1987 ونشرت لاحقا تحت عنوان ” الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي بتونس“.11
هذه الوثيقة الرسمية الوحيدة تقريبا، التي أقرها مؤتمر وتم نشرها للعموم، أعدت أصلا لتكون منطلقا لمن يريد الوقوف على الخصائص الفكرية والخلفيات النظرية لهذه الحركة، اجتنابا لأي تشويه متعمد لمواقفها بتقويلها ما لم تقل. وهو ما تؤكده مقدمتها التي جاء فيها “نرسم في ما يلي الأسس العقائدية والأصولية لحركتنا حتى تكون معالم نلتقي حولها ونجعلها منطلقا نبني عليه عقيدتنا ونتفاعل به مع الواقع فكرا وممارسة (…) ونحن نقدر أن هذه الأسس العقائدية والأصولية، حقيقة بأن تستنهض همم الكافة للتفاعل معها بكل رشد وإيجابية وللتعامل من خلالها معنا ككيان واضح الأسس محدد المعالم“.12
ولئن لم تحظ هذه الوثيقة بالاهتمام اللازم، لا داخل الحركة ولا من قبل المتابعين، نتيجة حالة الصدام بين الحركة والسلطة، التي بدأت في نهاية العهد البورقيبي وامتدت على كامل فترة حكم الرئيس بن علي، فإن مما يعزّز اختيارنا اعتمادها كمادة أساسية في تحديد الخصائص الفكرية للحركة، هو أن المؤتمر الأخير لحركة النهضة المنعقد في جوان 2007 بالخارج، جدّد التمسك بها وأشار إليها. إذ جاء في البيان الختامي أنه “جدّد المؤتمرون التزام حركة النهضة بالهوية التي حددتها وثائقها السابقة، والتي تعني الاعتماد على المرجعية الإسلامية وما يعنيه من تقيّد في جميع تصوراتها ومواقفها بما هو معلوم من الدين بالضرورة مُضمنَّا في النصوص الشرعية القطعية مع التوسع في غيرها من الظنيات بالاجتهاد بشروطه المعتبرة“.13 وتأتي هذه الإشارة في علاقة غير خافية بما أثارته النصوص الفكرية حول المساواة بين الجنسين وحول حرية المعتقد الصادرة عن “هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بتونس” والتي تُعدّ حركة النهضة أحد مكوناتها، من انتقادات من قبل بعض كوادر حركة النهضة الرافضين لمنحى هذه النصوص ولما رأوا فيها من تنازلات تحت ضغط بقية المكونات، وهو ما عدّه البعض نوعا من الملاحقة الفكرية التي تُمارس على الحركة من طرف اليسار، بعد الملاحقة الأمنية التي تعرضت لها من طرف السلطة.14
لهذه الاعتبارات جميعها، نودّ أن نكون مُوفّقين في اختيار هذه الوثيقة مادة لهذه الدراسة.
عرض موجز للوثيقة
احتوت الوثيقة على 34 صفحة من الحجم المتوسط، فيها مقدمة في صفحتين .أما جوهر الموضوع فقسم إلى محورين : محور عقائدي وآخر أصولي منهجي.
المحور العقائدي: وفيه بيان لأهمية العقيدة في تصور الاتجاه الإسلامي. ثم استعراض لأركان العقيدة الستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، مع فقرات قصيرة توضح كل ركن. ويختم المحور بتلخيص مقتضب لخصائص العقيدة الإسلامية التي هي “أساس العمل“. مع التأكيد على أن العقيدة في التصور الإسلامي ليست مجرد معرفة تجريدية. بل نظام كامل متناسق في حياة الإنسان والكون “تقضي على كل العوائق القائمة على تجميد طاقات الإنسان وإهدار إمكانياته وكرامته وتركز معاني المسؤولية للنهوض بأعباء الأمانة في ممارسة دور الخلافة عبادة لله تعالى“. وقد حاز هذا المحور العقائدي ربع الوثيقة تقريبا.
أما المحور الأصولي المنهجي: الذي جاء في بقية الصفحات فتعرض لقضية العقل والنص التي “يجب أن توضع في سياق التأصيل المنهجي والعقدي والمعرفي حتى لا تطرح ببساطة وانبتات” لذلك وقع التقديم لهذا المحور بمدخل عن “منزلة الإنسان في العقيدة الإسلامية” فقسم الوجود إلى طرفين: “الأول هو الله جل جلاله والثاني ما سواه من عناصر الكون جميعا. والإنسان كائن ينتمي إلى الوجود العالمي ضمن الطرف الثاني“. وبعد استعراض مميزات الإنسان عن بقية عناصر الوجود العالمي، خلصت الوثيقة إلى أن “كل ذلك يعتبر إطارا مساعدا لأداء الإنسان وظيفته كما ارتضاها الله خالقه سبحانه وتعالى وهي الخلافة في الأرض“. ومنهج تحقيق هذه الخلافة هي العبادة “وهذا المدلول للعبادة يندرج فيه كل السلوك الإنساني، فهو عبادة إذا كان مستجيبا للأمر الإلهي“. ولما كان العقل أساس التكليف بالخلافة، ختم هذا المدخل بسؤال عن كيفية تعامل العقل مع الوحي؟
وللإجابة تقسم الوثيقة الفكر الإسلامي في هذه القضية إلى قطبين : قطب نصي وقطب عقلي. وترى أنه “لمعالجة هذه المسألة ينبغي التعرض لحقيقة وخصائص كل من الوحي والعقل” قبل تفصيل القول في تصور الاتجاه الإسلامي لمنهج فهم الوحي ومنهج تطبيق الوحي بالصفحات الموالية.
قراءة في المضمون والدلالات
المحور العقائدي : تنص الوثيقة على أن العقيدة هي ” الأساس الذي تنساب منه بقية التصورات والأفكار والأحكام” وأن ذلك يقتضي ” أبناؤها على اليقين الذي لا يرتقي إليه احتمال ولا يداخله ظن” هذه العقيدة ” نستقي أركانها من القرآن الكريم والسنة المتواترة و نستقي فروعها من ظواهر الكتاب المعضدة بما صح من أحاديث نبوية مجتمعة“. لكن كيف يمكن أن تكون العقيدة يقينية “لا يرتقي إليها احتمال” وهي مجرد استقاء من نصوص، أي تأويل وترجيح وترتيب واجتهاد؟ وكيف اليقين في ظواهر الكتاب وفي أحاديث تبقى ظنية الثبوت مهما كانت المقاييس؟ وأخيرا ما هي النتائج العملية في السياسة والمجتمع المترتبة عن فكر يعتقد أنه ” يقين ” وحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!؟
هذه الأسئلة التمهيدية العامة تتضح دلالاتها النظرية والعملية أكثر، بالتوقف عند بعض أركان العقيدة الستة حسب الوثيقة.
فالإيمان بالله يقتضي أن “لا يبقى في العقل أقل شبهة أو ريبة في وجود الله” وأن ” لا يوصف بما توصف به المخلوقات” وأن “وجوده مُباين تمام المباينة للوجود الكوني ذاتا ووضعا” وأن نؤمن “بما وصف به نفسه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه“. وعليه” فإن ألفاظ النصوص المفيدة للتشبيه لا تفهم على ظواهرها بل نضعها في إطار التنزيه المطلق“. وفي شرح هذا الركن أفكار وتعابير مبهمة وأخرى نعترض عليها . فماذا يعني ألاّ يكون في عقل المؤمن ” أقل شبهة أو ريبة” وماذا لو يشك المؤمن ويراجع أفكاره باستمرار؟ وقد آمن إبراهيم عليه السلام قبل أن يطمئن قلبه. بل إن المؤمن يهدم ويبني مرات في اليوم كلما نطق بالشهادة ” لا إله إلا الله“. و كيف لا نصف الله بما توصف به المخلوقات وهو حكيم، سميع، بصير، عدل الخ من الصفات التي تنسبت لله على وجه الكمال، وتنسب للإنسان على وجه النسبية، ربما من باب قياس الغائب (الله) على الشاهد(الإنسان)؟ وكيف يكون الله” مباينا تمام المباينة للوجود الكوني ذاتا ووضعا” وأصحاب الوثيقة لا يقولون بالتكييف ولا التمثيل ولا التشبيه؟ وماذا ينجرّ عن هدا الفصل والثنائية في النظرة العقائدية/الوجودية؟ أفلا يكون إخراج الله من الكون في مستوى التصور إخراجا له في مستوى الممارسة؟ فيطارد الإيمان في الشوارع والمصانع والحقول وساحات النضال والحياة اليومية، ويحاصر بالمساجد( بيوت الله) والقلوب (موضع الإيمان) وبعض المناسبات (المآتم مثالا)15. ثم أليس فصل الله عن العالم عجزا عن إدراكه وتحقيقه داخله؟ وما هي الجدوى العملية لهذا الاعتقاد في المباينة ونحن نخوض حربا تحريرية ضد كيان/عدو تربط عقائده بين الله وفلسطين” فمن يقيم خارج أرض إسرائيل هو مثل إنسان بدون اله” كما جاء في العهد القديم؟
وبعد ذلك يمكن التساؤل عن جدوى كل هذه التفاصيل العقيدية في وثيقة لحزب سياسي؟ ربما يكون الجواب فيما أشار إليه الناشر في تقديمه حين ذكر أن الوثيقة تقرر “عقيدة أهل السنة والجماعة“. لكن ما الجديد وما الإضافة في هذا التقرير لعقيدة معلومة في تراثنا؟ وإذا كان القصد ذلك، فإن المتأمل في المضمون يقف على خلافه. ففي بعض الأحيان يتم الجمع أو التوفيق بين “الحنابلة” و” الأشاعرة“، وبين المذهبين اختلاف واضح، خاصة في تصور علاقة الذات بالصفات16. فالحنابلة على خلاف الأشاعرة لا يؤولون الصفات. فهم يؤمنون بالصفات الواردة في النصوص “من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها عن ظاهرها ولا تفويض“.17 و يرون مثالا أن ” الوجه واليدين والعينين والساق والأصابع فقد ثبتت في النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة وقال بها أهل السنة والجماعة وأثبتوها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه، ولا يعلم كيفية هذه الصفات إلا هو سبحانه“.18 فالحنابلة الموصولون بابن تيمية وصولا إلى محمد بن عبد الوهاب حديثا، يقرّون كل معاني الصفات ويرفضون الكيفية ويسكتون على ما لا تذكره النصوص” ولفظ الجسم والتركيب والأعضاء والحواس لم يرد في كتاب الله وسنة رسوله نفيه ولا إثباته. ونحن نثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفي عن نفسه ونمسك عما عدا ذلك“.19 فالخلاف واضح إذن بين المذهبين، لذلك ينكر الحنابلة أن يكون الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، “لا شك انه ضل بسبب الخلاف في العقيدة فرق كثيرة كالمعتزلة والجهمية والرافضة والقدرية …وغيرهم، أيضا الأشاعرة ضلوا فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة وما عليه خيار هذه الأمة من أئمة الهدى(….) فيما تأولوه من أسماء الله وصفاته على غير تأويله، وأبو الحسن الأشعري رحمه الله ليس من الأشاعرة، وإن انتسبوا إليه لكونه رجع على مذهبهم واعتنق مذهب أهل السنة“.20 فما تقول به الوثيقة من أن ” ألفاظ النصوص المفيدة للتشبيه لا تفهم على ظواهرها” يعدّ تأويلا مخالفا عند بعضهم لرأي أهل السنة والجماعة. بل أكثر من ذلك” من أوّل الصفات عن مدلولها إلى غير معانيها فهو قال كما قال تعالى “ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ” ومن الإلحاد فيها صرفها عما دلت عليه وهذا إخلال“.21
وفي الركن الخامس ماذا يفيد التفصيل في الإيمان باليوم الآخر والحجج في ذلك لن تكون إلا ظنية. فماذا لو آمن المسلم باليوم الآخر دون الإيمان بالصراط والميزان وعذاب القبر كما تنص على ذلك الوثيقة؟ وماذا عن هذا الصراط “الأحدّ من السيف والأدقّ من الشعرة” كما وصفته بعض كتب أصول الدين؟ وماذا لو آمنا بالجنة والنار وقلنا بفنائهما حتى يعود الله واحدا كما بدأ لا شيء معه ؟ وقد قال الجهم بن صفوان وبعض المعتزلة بفناء الجنة والنار، وأن الخلود يعني طول المدة فقط؟ وهل الإيمان بالساعة يشترط القطع بأشراطها؟ وما هي تلك الأشراط؟ وهل الإيمان بالشفاعة مقطوع بثبوته؟ وماذا تعني الشفاعة أصلا؟ وكيف تتوافق مع الإيمان بالعدل الإلهي؟ ومن الناحية العملية، هل من وجاهة في القول بالشفاعة والتأكيد عليها في مجتمع تنتشر فيه الرشوة وتسود فيه الوساطة ويُقصّر فيه الناس في أداء واجباتهم الدينية ويتساهلون في الحرام اعتقادا في الشفاعة؟22
أما الركن الأخير فهو الإيمان بالقضاء والقدر. وفيه تتم الإشارة إلى أن الله تعالى” قد يخرق القوانين والأسباب المألوفة بما تقتضيه حكمته وعدله“. وهنا أيضا نتساءل عن جدوى التأكيد على خرق السنن الإلهية في مجتمع تسود فيه الخرافة ويلجأ فيه الناس إلى المشعوذين لقضاء حاجاتهم ويتغلب فيه اللاّمعقول .
هذه الملاحظات والأسئلة حول القسم العقائدي، والتي جمعنا فيها بين الإشارة إلى ظنية النصوص، أو ذكر آراء أخرى في نفس المسألة أو التساؤل عن الجدوى العملية للاعتقاد في علاقته بالواقع العملي، لأن العقيدة أساس العمل كما جاء بالوثيقة. لكن الذي يبدو غير واضح وربما مخيفا وغير مقنع، هو القول بأنه “لا يقبل عمل إذا لم تكن وراءه هذه العقيدة كدافع للعمل وواقعا حسبما تقتضيه هذه العقيدة، فإذا اختلت العقيدة أو فسدت أو كانت باطلة أو لم تتضمن أصولها، كان العمل فاسدا أو غير مقبول.” وهذا الاشتراط لقبول العمل في الآخرة، مع أنه يخالف صريح القرآن الذي أثنى عل أعمال أناس لا يحملون هذه العقيدة، بل ربما ليسوا مسلمين أصلا، كان مقدمة لاستنتاج خطير خُتم به القسم
العقائدي وجاء فيه “وعليه، فإننا لا نكفّر مسلما أقر بالشهادتين وتوابعها مما سبق ذكره، وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض برأي أو معصية، إلا أن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل لا يحتمل تأويلا غير الكفر.”
فهذه النزعة التكفيرية الواضحة، والتي يعبر عنها من طرف الحركة لأول مرة، هو أهم ما يجب التوقف عنده في هذا القسم. إذ “توابع الشهادتين مما سبق ذكره” في الوثيقة، لا ندري هل هي من الأصول أو من الفروع؟ وماذا لو اعترضنا على بعضها؟ أو رأينا فيها رأيا آخر كما ألمحنا في مواضع عديدة مما سبق؟ هذا إضافة إلى بقية الأسئلة التي يمكن أن تطرح حول ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ أو بصريح القرآن وأساليب اللغة؟ أو تأويل الأفعال على أنها كفر؟ ولأن نزعات التكفير لا تخفى نتائجها المدمرة في تاريخنا القديم والحديث، فإن اشتراط الإسلام بصيغة محددة من أيّ جهة، هو ضرب من التكفير المرفوض. وهو سلاح مشطوب، قد يصادر قضايا الاختلاف لكنه لا يتقدم بأجوبتها. فضلا على أن هذه النزعة في الحكم على عقائد الآخرين ـ من المسلمين خاصة ـ لا تتناسب أصلا مع طبيعة الحركة بصفتها حزبا سياسيا. فالتنصيص على عدم تكفير صنف هو تكفير لصنف آخر.
وقد يكون من المهم في نهاية هذا المحور الإشارة إلى أن علم أصول الدين كما صيغ في القرون الأولى، لم تُجمع فيه الفرق الإسلامية الكبرى على الأركان الستة التي تناولتها الوثيقة، باعتبارها أصول العقيدة. فللمعتزلة أصولهم الخمسة المشهورة وللشيعة صياغتهم المختلفة لأصول الدين. ومن ناحية ثانية قد يكون من المهم إعادة صياغة العقائد وتقديمها بمصطلحات جديدة وفي علاقة بوجدان عصرنا وتحدياته. مثل إبراز أهمية الوعي التاريخي من خلال عقيدة النبوة ودراسة تعاقب الرسالات، وتأصيل المواطنة و مبدأ تحمل المسؤولية وثقافة حقوق الإنسان، من خلال عقيدة الاستخلاف وعقيدة المعاد…فالعقيدة ليست قوالب جاهزة ولا محفوظات تكرر ولا أفهاما محنطة، بل العقيدة منهج في النظر ورؤية للعالم وللعلاقات وبواعث على العمل بما يحقق مجتمع الصلاح والعدل بحسب ظروف الزمان والمكان.
المحور الأصولي المنهجي
نعضّد قراءتنا لهذا المحور بالرجوع إلى كتاب23 رأينا أنه يساعدنا على وضوح أكبر في عرض الفكرة ومناقشتها. صدر لأحد قيادي حركة الاتجاه الإسلامي، في نفس الفترة وأثار فيه نفس الموضوعات، بنفس المنهجية والترتيب والأفكار. حتى لكأنّه شرح للوثيقة التي نحن بصددها، أو لكأن الوثيقة تلخيص له، وهو الأرجح. وإن اكتفى الكتاب بالمحور الأصولي دون العقدي على خلاف الوثيقة.
يتقدم هذا المحور عنصر في بيان “منزلة الإنسان في العقيدة الإسلامية” فيقسم الوجود إلى طرفين : “الأول هو الله والثاني ما سواه من عناصر الكون جميعا“. وبعد بيان العناصر المشتركة بين الكون والإنسان، يتم استعراض الخصائص المميزة للإنسان، وهي الرفعة في “التكريم والتسخير“. ومن دلالتهما “القدرة على استيعاب العالم الخارجي استيعابا معرفيا يسهل له الإشراف عليه” و“حرية الإرادة والاختيار، فقد خلق الإنسان مزودا بملكات واستعدادات يميز بها بين الحق والباطل في العقائد, وبين الخير والشر في الأفعال, وبين الصدق والكذب في الأقوال“. ويتبع هذه الحرية مسؤولية تحمل الأعمال “فيكون الحساب في اليوم الآخر حسب تلك الأعمال وهو مقتضى العدل الإلهي“.
و“يظهر تميز الإنسان في هذا الوجود تميز رفعة عن بقية عناصر الكون بتسخيرها له بما يخول له توظيفها في مصلحته“. وهذه المعاني العقائدية لها أبعادها الأخلاقية “إذ يؤدي الاعتقاد بوحدة الإنسان والكون إلى تحقيق الشعور بالقربى منه وينفي مشاعر الخوف والعداء له “. وهذا أمر ايجابي، لكن لماذا لا يُقضي مرة واحدة على الثنائية في التصور كمقدمة لتوحيد أبعاد الشخصية, ويصبح الله قريبا منا “ونحن أقرب إليه من حبل الوريد” حبيبا إلينا. وذلك أهم وأنفع من التأكيد على المباينة والمفارقة. فالربط بين الله والعالم جائز بل مطلوب مادامت المسالة مجرّد تصور. إذ كيفية الوضع الإلهي في الوجود تبقى في الأخير ” داخلة في مجال غير المعقول من حقيقة الألوهية“24.
بعد هذه المقدمة تتعرض الوثيقة لعلاقة العقل بالوحي، فيقسم الفكر الإسلامي إلى “قطب نصي” و“قطب عقلي“. وتبين حقيقة وخصائص كل من العقل والوحي. فتشير إلى “أن مصدر الوحي هو الله ولا دخل لذات النبي فيه” وهو يشمل القرآن والحديث القدسي والحديث الشريف. و“خطاب الوحي كلّي عام للناس كافة إلا ما جاء دليل بتخصيصه” و“خطاب الوحي شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا” و“حقائق الوحي مطلقة” ولذلك “فهي غير خاضعة للتعقيب الإنساني في ذاتها. سوى العمل العقلي لاستجلاء الأحكام” و“حقائق الوحي لا تنافى حقائق العقل ومبادئه” و“أحكام الوحي راجعة غالبا إلى الحكم على أجناس الأفعال(…) وبالنظر العقلي يتم إلحاق أفراد الأفعال بأجناسها حسب الزمان والمكان“.
و“إن الوحي إذا كان في مجال العقيدة والعبادة فإنه يحدد مبادئ وأحكام تفصيلية نهائية لا مجال لتغييرها ” وأما في المجال الاجتماعي والسياسي (المعاملات) “فانه عدا بعض الاستثناءات المحددة يكتفي بوضع أصول كلية ورسم قواعد عامة” والعقل يحوّلها إلى تشريعات تفصيلية. وتنبه الوثيقة إلى أن “الوحي لا يقدم مبادئ التشريعية للحياة بوصفها علاجا مؤقتا أو تنظيما مرحليا يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من أشكال التنظيم, ولكن يقدمها دائما باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور، والقادرة على التكيف وفقا لظروف مختلفة. وعلى هذا الأساس ترك الوحي منطقة فراغ في الصورة التشريعية التي نظم بها الحياة، لتعكس العنصر المتحرك وتواكب تطور العلاقات وتدرأ الأخطار التي تنجم عن هذا التطور المتنامي على مر الزمن. إن منطقة الفراغ تعبر عن قدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة“. وضمن إبراز خصائص الوحي تقسم النصوص على الطريقة التقليدية إلى “قطعية الورود” وهي القرآن والحديث المتواتر و“ظنية الورود” وهي أحاديث الآحاد. وإلى نصوص” قطعية الدلالة ” وأخرى “ظنية الدلالة.
وهذا التفصيل لخصائص الوحي الذي حاز على ثلاث صفحات من الوثيقة يقابله اختزال لخصائص العقل التي لم تحز إلا على صفحة واحدة. فذُكر “أنه وسيلة بوسعها إدراك الحقيقة إذا التزمت بالموضوع والمنهج” وأن له دورا هاما في إثبات العقيدة بالنظر في الآيات الكونية, وفي استيعاب الوحي وتفصيل ما تركه عاما، والنظر في منهج تطبيقه على الواقع, والعقل “لا يصل إلى الحقيقة مباشرة “بل على مراحل” و في هذه المراحل من الأخطار ما يهدد بإعاقته عن إصابة الحق ” فالإنسان خلق “عجولا” وركب على نزعات من “الهوى” وهو مشدود إلى “موروث الواقع والعادة مما قد يؤدي به إلى الغفلة عن مراحل النظر“.
ويتضح من خلال هذه الخصائص لكل من الوحي والعقل أن الآلية النظرية لهذا التصور لا تخرج عن إطار “العقل الإسلامي الكلاسيكي” في نزعته الأكثر محافظة وجمودا، والتي لا ترى للعقل من دور سوى أن يكون تابعا للنص, ليس له من وظيفة سوى تبرير العقائد و تفصيل الأحكام. وفي إلحاق العقل بالنص إلغاء لكل أبعاد الإبداع والتأسيس فيه “وليس للعقل أن يوجب شيئا بذلك المعنى على وجه الاستقلال“، في حين تقر الوثيقة أن “العقل أساس التكليف” وأنه “مزود بملكات التمييز بين الحق والباطل والخير، والشر، والصدق والكذب“. ومن قبل اعتبر المعتزلة أن الإنسان مكلف بالعقل قبل ورود السمع(الوحي)، وليس الوحي إلا لطفا من الله. واعتبر الفلاسفة المسلمون أن العقل والوحي كلاهما يصدران عن نفس المشكاة، ويصلان إلى نفس الحقيقة، لكن بطرق مغايرة، فالحق لا يُضادّ الحق.
إن هذه النزعة التبريرية في وظيفة العقل، تأتي على المقدمات السابقة في تصور أسس خلافة الإنسان لله في الأرض. فلا تكون الخلافة نيابة حقيقة وكاملة لله في الأرض،أساسها الحرية والمسؤولية، وقوامها إدارة الأرض وإعمارها، وعاقبتها الحساب والجزاء25، بل تصبح نيابة صورية يختزل فيها دور الإنسان في“رساليّة مُجنّحة” تقتصر على انجاز حرفي لتعاليم الوحي ضمن ما أسمته الوثيقة “منهج العبادة” و“هذا المدلول للعبادة يندرج فيه كل السلوك الإنساني، فهو عبادة إذا كان مستجيبا للأمر الإلهي“، ذلك أن “وظيفة الخلافة تقتضي القيام على شريعة الله في الأرض“.
ورغم إقرار الوثيقة بأن الرسالات السماوية جاءت “تتابع الواقع الإنساني في تقلباته وتطوراته” يتم التأكيد على أن النبوة الخاتمة جاءت “تحدد المنهاج النهائي للخلافة ليكون الموجة الأبدي للإنسان” دون تفصيل أو تفريق بين المنهج والمنهاج. بل بما يجعل “المنهاج” طريقة حرفية في فهم النصوص وتطبيقها، وليس منهاجا نابعا من واقع الناس ومتأثرا بظروف عصرهم ومتطلباته المتجددة نوعيّا وليس كميا فقط، حسبما يمكن فهمه من تجدد الوحي عبر التاريخ، و تناسخ الرسالات وختم النبوة. وهو المعنى المستفاد ممّا ورد بسورة المائدة من قوله تعالى: “وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة“26
فهما وتطبيقا
نأتي هنا إلى خُلاصات المنهج الأصولي للاتجاه الإسلامي في تعامله مع الوحي انطلاقا من المقدمات التي بينّاها سابقا، وهو ذو مرحلتين: مرحلة فهم الوحي ومرحلة التطبيق الواقعي.
في النقطة الأولى تذكر الوثيقة “أن موضوع مرحلة الفهم هو البحث عن مراد الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه في نصوص الوحي“. وهنا مرة أخرى يتم إلحاق العقل بالنص والانتقال من مشكلة تغيير الواقع إلى مشكلة تأويل النصوص، وبهذا تنقل المعارك الفعلية في الواقع إلى معارك ذهنية في النص ويغيب العقل المصلحي ويجد كل طرف مبرراته في النص.27
ويعتمد منهج فهم الوحي كما جاء في الوثيقة على خمسة أسس. ففي الأساس اللغوي إشارة إلى أن فهم نصوص الوحي يكون “طبقا لمنطق اللغة العربية وقواعدها وأساليب استعمالها وصيغ تراكيبها في البيان وقت التنزيل“ وفي الأساس المقاصدي تتم الإشارة إلى “أن هذه المقاصد ليست بمعان خارجة من نصوص الوحي حتى نطلب إدراكها من جهة غير جهة تلك النصوص“. ومعنى ذلك على سبيل المثال كما يبين الدكتور النجار، أن مقصد الله في حفظ المال يقتضي قطع يد السارق وعلى هذا لأساس لا يبقى مجال بعد ذلك لان يقال “أن هذا النص يمكن أن يفهم منه الكف عن قطع يد السارق، لأنه يؤدي إلى ضرر يلحق الإنسان المقطوعة يده، وهو ما يخالف حفظ النفس. لأن هذا الفهم يجعل أوامر الله عاطلة (…) فمقصد الوحي لا يجب فصله عن وسيلة تحقيقه حسب ما يبين الوحي (…) أما إذا عُين مقصد من خارج محتوى النص ثم أُجري عليه فهم ذلك النص فان الفهم سيكون حتما حائدا عن المراد الإلهي“28 مثل القول أن جلد الزاني يتناقض مع مقصد حفظ كرامة الإنسان. لذلك يتم التنصيص في الوثيقة ضمن هذا الأساس على أن للمصلحة ضوابط وهي: اندراجها في مقاصد الشريعة وعدم معارضتها للكتاب أو السنة أو القياس وعدم تفويتها مصلحة أهم منها “. وتلك تحديدات نصية لا صلة لها بتطور حياة الناس.
وفي الأساس الظرفي إشارة إلى ضرورة معرفة مناسبات النزول في فهم مراد النصوص.أما الأساس التكاملي فيعني تكامل نصوص الشريعة لأن التناقض فيها محال.
وفي الأساس العقلي، وهو الأخير، يتم التأكيد على أن “النصوص القطعية وُرودا ودلالة ينحصر عمل العقل في فهمها في إدراك المعاني التي تدل عليها واستيعابها وتمثلها كتمثل الحدود والكفّارات“. أما النصوص الظنية، فان كانت ظنية الورود “كان من عمل العقل التحقق في نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بطرق من النقد معروفة في علم الحديث سندا ومتنا“. ولا ندري ما الإضافة في هذا التحقق ما دامت الطرق قديمة ومعروفة. وإذا كانت النصوص ظنية الدلالة يتم “ترجيح إحداها بقرينة معتبرة شرعا” وهكذا يضل الشرع هو المحدد للأفهام والاحتمالات وليس الواقع.
ولأن “للتأويل شروط تحفظه من الزيغ” فانه بعد الإشارة إلى بعض تلك الشروط، جاء التساؤل عن القيد الزمني للأفهام العقلية؟ فتم تقسيمها إلى نوعين:
ـ الأفهام القابلة للتغير وهي المتعلقة بنصوص ظنية في ثبوتها أو دلالتها “ما لم يرد فيها إجماع من الصحابة“. فقد يؤدي النظر العقلي إلى العدول عن أدلة الترجيح وقرائنه القديمة إلى أدلة وقرائن أخرى ترجح احتمالا آخر، فينشأ فهم جديد.
ـ الأفهام التي تتصف بالإطلاق الزمني وهي على ضربين: “الأفهام الناشئة من النظر في نصوص ظنية ولكنها حظيت بإجماع الصحابة عليها، فهذا الإجماع من الصحابة يسبغ على فهم النص الظني ديمومة زمنية“. وكذلك “الأفهام الناشئة من النظر في النصوص القطعية، فهذه النصوص لما كانت الدلالة فيها منحصرة في وجه واحد من المعاني، كان الفهم فيها منحصرا في ذلك الوجه دون أن يناله التغيير على مر الزمان“.
كما يتم التأكيد على أن الحركة “تؤمن بعمومية الخطاب التشريعي ولا ترى اختصاص النص بظروف نزوله وأسبابه (…) و نحن نرى أن الأوضاع السائدة بقيمها ومفاهيمها لا تحدد أوجه الفهم في النصوص القطعية ( كالتعدد في الزواج والحدود ومنع الربا…) فلا يتأسس عندنا الفهم العقلي على معطيات الواقع الإنساني فحسب“. ويُختم هذا العنصر المتعلق بمنهج فهم الوحي بالتنبيه إلى أن “أدلّة الأحكام بمعنى أصول التشريع ومصادره ليست كلها في مرتبة واحدة، بل هي متفاوتة المراتب في الاستدلال بها(…) فكتاب الله هو أصل الأصول ومصدر المصادر وهو الحكم في كل شيء. ثم يجيء بعد الكتاب والسنة.. الإجماع، إن تحقق ونقل نقلا صحيحا، ثم الرأي والاجتهاد الذي يتنوع إلى أنواع“.
وهنا تطرح أسئلة عديدة تتصل بما سبق عرضه من منهج فهم الوحي، يضيق المجال بالتفصيل فيها. فهل تكفي الضوابط القديمة للغة لتحديد ما هو قطعي وما هو ظني، في ضل ما توصلت إليه الدراسات الألسنية الحديثة والمعاصرة والفكر اللغوي ومناهج التأويل المختلفة؟ وهل يكفي الاتفاق على قطعيّة النص ليكون الفهم مُوحّدا وغير قابل للتغيّر، من زاوية النظرة التاريخية للنصوص التي تعد من أهم إضافات الفكر الحديث؟ وما معنى الإجماع؟ وما هي إمكانية تحقّقه؟ فالنصوص القطعية الدلالة يُفترض أن تكون واضحة بذاتها لا تحتاج إلى إجماع. أما الظنية الدلالة فإن الإجماع فيها مستحيل. لأن الظنّ مجال الاختلاف.
وإضافة إلى هذه الأسئلة التي اكتفينا بأهمها، تجدر الإشارة إلى أن التفاصيل المتعلقة بالأساس المقاصدي والأساس الظرفي والأساس العقلي بدت ضرورية في الوثيقة، لأنها موجهة إلى معارضة وجهة نظر أخرى عبر عنها “الإسلاميون التقدميون“. وتلك إحدى البواعث الأساسية على صياغة الوثيقة. وهذا ما يبدو واضحا أكثر في كتاب الدكتور عبد المجيد النجار الذي ضرب فيه أمثلة في نقد ما وصفه بأنه “دعوة للتغيير فيما هو ثابت” واستشهد بفقرات للدكتور احميدة النيفر وأخرى للدكتور حسن حنفي.29 لينتهي إلى أن هذا الفهم يفصل المقاصد عن أساليب تحقيقها ويعطل تلك المقاصد. بل يذهب إلى أن “الأمر يؤول إلى محظور عظيم كفيل بأن يعرض منهاج الخلافة بأكمله إلى الانقضاض“.30
ولا ندري كيف وصل الدكتور النجار إلى هذا الاستنتاج والحال أن القرآن غيّر بعض أحكامه خلال ثلاث وعشرين سنة من نزوله، ونسخت آياته بعضها تفاعلا مع تطور المجتمع وتجربة الجماعة المؤمنة آنذاك، دون أن تُلغى الآيات المنسوخة أحكامها من المصحف، وتلك أمثلة عن تفاعل التشريع مع الواقع في تطوره. فالتفريق بين ما جاء من أجله الوحي من مقاصد وما جاء به الشرع من أحكام، ليس جائزا فقط بل شرطا لفهم الوحي. وأن ما يقع فيه الفكر التقليدي في هذا المستوى ناتج عن نظرة لا تاريخية للإنسان وللوحي. ذلك أن التاريخ ليس مجرد تعاقب للأيام والسنين والقرون وتراكما كميا في التجربة الإنسانية. بل تاريخ الإنسان أيضا صيرورة و تبدّلات نوعية. فالفتوحات المعرفية الكبرى غيرت من نظرتنا للكون ولأنفسنا، وعليه فان فهم الوحي لا تكفي فيه معرفة أسباب النزول، بل يتطلب تنزيلا تاريخيا لتلك النصوص حتى نكتشف كيف كان الوحي تعقّلا للواقع ودفعا له نحو الأفضل. فالرسالات السماوية كما ورد بالوثيقة جاءت “تتابع الواقع الإنساني في تطوراته وتقلباته“. ولا يمكن آن يكون الإسلام صالحا لكل زمان ومكان بشريعة جامدة أو بأفهام غير قابلة للمراجعة وإن كانت أفهام الصحابة.
ولعل أخطر ما ينتهي إليه الدكتور النجار في مناقشة ما أسماه “دعوة للتغيير فيما هو ثابت“، هو اعتباره أن قول هؤلاء بظرفية النصوص المتعلقة بالحدود وتعدد الزوجات على سبيل المثال “يقتضي المنطق أن تتعدى لتشمل كافة النصوص القطعية المماثلة لها، وحينئذ تصبح تلك النصوص المكلفة بالإيمان بالله والنبوة والبعث آيلة إلى أن يعقد الأمر فيها بظروف الإنسان حال نزولها“. ثم يخلص إلى أن هذا الإلزام المنطقي “يؤدي إلى نقض الدين من أساسه، ولا يبقى إذن من مجال لأن يُتناول الأمر على أنه اجتهاد في الفهم. بل يخرج أصلا من دائرة الإيمان بالوحي (…) وذلك موقف آل إليه كثير من أصحاب هذه الوجهة، لكن قصرت بهم الجرأة عن إعلانه“31. وهذا التكفير المُبطّن في المسائل الأصولية يبدو من جنس ما أشرنا إليه فيما سبق من تكفير في المسائل العقائدية.
وفي النقطة الثانية المتصلة بمرحلة تطبيق الوحي تنبّه الوثيقة إلى “أن تطبيق أحكام الوحي تطبيقا آليا بدون وعي بمقاصدها وطبيعة الواقع المنزلة فيه قد يؤدي إلى فوات مصلحة أو إلحاق ضرر بالناس من حيث قصد الشارع تحقيق النفع لهم، ولذلك فإننا نقيم منهج تطبيق الوحي على أساسين رئيسيين هما: العلم بعلل الأحكام، والعلم بالواقع المنزلة عليه الأحكام“. وعبر هذين الأساسين “ينطلق العمل الاجتهادي بهدف الملاءمة بين التكاليف الواردة في الأوامر والنواهي، وبين المقاصد الشرعية وبين صور وأشكال عملية لأفعال الناس(…) وهذا يقتضي أن يحدد النظر الاجتهادي في كل وضع واقعي جديد، سواء تمثل في حالات فردية أو في مظاهر عامة(…) وبناء على هذا يتحدد منهج الحركة في تصور التراث. فهي تعتبر ماضي الأمة متشابكا مع حاضرها. فالفكر الإسلامي إنما ينمو ويتكامل بإضافة اللاحقين إلى ما بناه السابقون لا بهدمه أو تركه جملة.”
ويشير الدكتور النجار إلى أن خلط البعض بين مرحلة فهم الوحي ومرحلة التطبيق (التنزيل) يؤدي إلى “تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا آليا” ثم يضيف “لا تتوجه ملاحظتنا هذه في هذا الموطن وفيما يأتي من المواطن، إلى مبدأ المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة كاملة، فذلك ما ينشده كل مسلم مخلص لتطبيق الأحكام الشرعية، بل إلى ما عبرنا عنه بالتطبيق الآلي“.32 فالحركة في ما يُستخلص مما ساقه الدكتور النجار، تضع تطبيق الشريعة ضمن برنامجها، وإن لم يرد ذلك بوثائقها الرسمية، لكنها لا ترى أن ذلك يتحقق بصفة آلية، إذ “واقع المسلمين اليوم تغير عما كان عليه بالأمس وأصبح من الجدة والتعقيد عل درجة لم تكن تخطر على بال الأسلاف“.33 لكن تطبيق الشريعة بحسب ظروف الواقع، أفلا يفسح المجال للاجتهاد في صيغ التطبيق؟ والحال أن القرآن كما ذكر الشهرستاني وغيره قديما، قد أخذ بكثير من التشريعات والتطبيقات التي كانت في الجاهلية، كما بينت أبحاث ميشيل فوكو حديثا أن مفهوم العقاب وصيغه تغيرت عبر التاريخ، وأن لكل عصر وسائله في العقاب. ومن جهة ثانية كيف سيتم تنزيل بعض الأحكام في واقعنا الجديد، كتلك المتعلقة بكفّارة تحرير رقبة، أو تأديب المرأة بالضرب، أو القبول بالمرأة قاضية واعتبار شهادتها نصف شهادة الرجل في نفس الوقت، أو المتعلقة بأحكام الردة وبأحكام الجهاد في علاقتها بمسائل حرية المعتقد والمواطنة والديمقراطية…؟ ثم هل نستوفي القرآن حقه حين ننظر إليه كنص تشريعي بالأساس؟ ولا نرى دلالة لصلاح الإسلام لكل زمان ومكان إلاّ بالتأكيد على صلاح ما ورد به من أحكام؟ أشارت الوثيقة وكتاب الدكتور النجار إلى جدلية النص والعقل والواقع، لكن ما تبيناه في هذه القراءة هو طغيان النص ومحاصرة العقل وضمور الواقع.
ملاحظات ختامية
إن صدور وثيقة فكرية باسم “حركة الاتجاه الإسلامي” سابقا و“حركة النهضة” حاليا، تعد خطوة ايجابية ولا شك. نتمنى أن تُتبع بنصوص أخرى في قضايا حيوية عديدة ما زالت تسائلها.
وإذا كان الوضوح الفكري استجابت لحاجة داخلية، بعد أن اتسعت قاعدة الحركة وتصلب عودها في الواقع، فان هذا الوضوح كان أيضا استجابة لتحديات فكرية خارجية، فتفاعلت الوثيقة مع ما أثاره “الإسلاميون التقدميون” من مراجعات في الفكر الإسلامي، غير أنها لم تلب بعدا آخر للتحدي، فيما يتصل بالتيارات “غير الإسلامية” وبالقارئ العادي عموما. ذلك أن أسلوب صياغة الوثيقة وموضوعاتها يجعلانها قاصرة على أن تكون رؤية فكرية. فالوثيقة في محوريها العقائدي والأصولي تفتقد لحد الأدنى من العقلانية بما هي برهنة على جدوى الموضوعات وصحة المقاربات، وبما هي أسلوب للتواصل مع الآخرين قصد محاورتهم ومحاولة إقناعهم بوجاهة الأفكار وصواب الفهم. فليست غاية الفكر أن يبني حصونا من حوله، بل أن يقيم جسورا مع الآخرين، قصد إقناعهم أو تقريبهم منه على الأقل، خدمة لقضايا الواقع المشترك ومساهمة في البحث عن أنجع السبل لتحقيق مطالب الناس في التغيير والتقدم نحو الأفضل. فأسلوب هذه الوثيقة وموضوعاتها ونزعتها الإيمانية المحافظة، تجعلها موجهة إلى الداخل أكثر من الخارج، ولا تلبي الحاجة إلى وثيقة فكرية لحزب سياسي.
ورغم ما سبق ذكره من إشارة إلى تمسّك الحركة بهذه الوثيقة التي مضى على إقرارها أكثر من عشرين سنة، فإن المتابع للحراك الفكري داخل الإسلاميين بتونس، بالداخل وبالمهجر، والمُطّلع على مؤلفات ومقالات بعض رموز حركة النهضة، وأخص بالذكر ما ينشر للدكتور عبد المجيد النجار والشيح راشد الغنوشي، يقف على تطورات فكرية مهمة، تُرجّح تجاوز كثير مما نعتبره هنات أو طابع تقليدي في هذه الوثيقة، وتحتم إعادة صياغتها أو استبدالها.
وفي المقابل فإن ما عرفته الساحة الإسلامية التونسية خلال الفترة الأخيرة خاصة، من انتشار للفكر السلفي الوهابي، الذي ينتقد فكر حركة النهضة ويتهمها ب“الانحراف عن عقيدة السلف” و “العلمانية“، و… يجعلنا نحتمل، على الأقل، مزيدا من المحافظة في حركة النهضة في تنافسها على الساحة الإسلامية مع التيار السلفي الوهابي.
تونس في 20 جانفي/يناير 2009
1 ـ صدر لكل منهما عدد هام من الكتب خلال العقدين الأخيرين أثناء إقامتهما بالخارج بصفة لاجئين سياسيين منذ نهاية الثمانينات.
2 ـ انظر صلاح الدين الجورشي، الإسلاميون التقدميون في تونس، ص27، مركز القاهرة لحقوق الإنسان، القاهرة، 2000
3 ـ جماعة أسسها أحد الدعاة الباكستانيين، تعتمد الوعظ والدعوة المباشرة للناس في أماكن وجودهم المختلفة وتتجنب الخوض في المسائل السياسية والخلافية.
4 ـ جمعية تونسية معترف بها، تعمل داخل المساجد، لا تتجاوز أهدافها ما تدل عليه تسميتها.
5 ـ الإسلاميون التقدميون في تونس، ص28، (مرجع مذكور سابقا).
6 ـ انظر تفاصيلا عن هذه التجربة التي توقفت منذ 1989 بالمرجع السابق.
7 ـ الإسلاميون التقدميون في تونس، ص ص 29ـ33 وص44.
8 ـ السيرة الذاتية، الغنوشي وأطوار من نشأة الحركة الإسلامية بتونس، موقع الشيخ راشد الغنوشي ، على الانترنيت.
9 ـ راشد الغنوشي، السيرة الذاتية (مرجع مذكور سابقا).
10 ـ انظر مقالنا “المشروع الثقافي للإسلاميين: اغتراب الخطاب وشكلا نية التحول“، مجلة 15/21، العدد12، تونس 1985
11 ـ نشرها السيد محمد الهاشمي الحامدي وقدم لها، دار الصحوة للطباعة والنشر، ط1، لندن، نوفمبر 1987.
12 ـ نكتفي بوضع ما نقتطفه من الوثيقة بين ضفرين، دون الإشارة إلى الصفحة، نظرا لكثرة الشواهد.
13 ـ انظر نص البيان عل موقع حركة النهضة بالانترنيت.
14 ـ انظر ورقتنا بعنوان “حركة 18 أكتوبر: نجح الإضراب وتعثرت الحركة“، بورشة العمل التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يومي 19 و 20 ماي/أيار 2007 بعنوان ” أيّ مستقبل لحركات التغيير الديمقراطي في العالم العربي؟“. منشورات المركز 2008
15ـ انظر مقالنا “قراءة في وعي وخطاب: من الإيمان الميت إلى الوعي التاريخي والاجتماعي“، مجلة 15/21 عدد18، تونس، فيفري 1989
16 ـ انظر شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف محمد خليل هواس وعبد الرزاق عفيفي، ص ص 20ـ 34 الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية1403ه ـ1983م
17 ـ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وصالح بن فوزان القرزان، التنبيهات في الرد على من تأول الصفات، ص18، الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية1405ه
18 ـ نفس المرجع السابق ص21
19 ـ نفس المرجع السابق ص6
20 ـ نفس المرجع السابق ص6
21 ـ نفس المرجع السابق ص73
22 ـ انظر مقالنا “قراءة في وعي وخطاب: من الإيمان الميت إلى الوعي التاريخي والاجتماعي“، مجلة 15/21 عدد18، تونس، فيفري 1989
23 ـ عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، بحث في جدلية العقل والنص والواقع، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1987.
24 ـ المرجع السابق ص25.
25 ـ انظر مقالنا “نحو لاهوت أفقي مستنير“، مجلة 15/21 عدد14، تونس1987
26 ـ سورة المائدة، الآية48.
27 ـ انظر مقالنا “قراءة في وعي وخطاب: من الإيمان الميت إلى الوعي التاريخي والاجتماعي“، مجلة 15/21 عدد18، تونس، فيفري 1989
28ـ عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، بحث في جدلية العقل والنص والواقع، ص84، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1987.
29ـ عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، بحث في جدلية العقل والنص والواقع، ص ص93ـ96، (مرجع مذكور سابقا).
30 ـ نفس المرجع، ص100
31ـ نفس المرجع، ص103
32ـ نفس المرجع، ص76.
33 ـ نفس المرجع، ص121.
iدراسة منشورة ضمن كتاب “من قبضة بن علي إلى ثورة الياسمين: الإسلام السياسي في تونس“، مركز المسبار للدراسات والبحوث، ط1 فيفري 2011، دبي، الإمارات العربية المتحدة ووقد نشر مركز المسبار النص أول مرة سنة 2008.