حوار جريدة الخبير: قريبا الكشف عن تحالفات الحزب واستعداداته للانتخابات
حوار جريدة الخبير في 13 مارس 2014
حاورته زينة العزابي
يعقد حزب الإصلاح والتنمية مؤتمره الوطني الأوّل يومي 22 و23 مارس الجاري، وفي هذا الإطار التقت “الخبير” الأمين العام الأستاذ محمد القوماني الذي تحدّث عن مساره الشخصي وعن حزب الإصلاح والتنمية كما لم يفعل من قبل وكشف عن أهم رهانات هذا المؤتمر.
- ـ السيد محمد القوماني ، هل تحدّثنا بإيجاز كيف جئتم إلى عالم السياسية؟
تزامنت المرحلة الثانية من تعليمي الثانوي ـ حسب النظام القديم ـ مع مجموعة أحداث سياسية بارزة، أذكر منها خاصة اشتداد الصراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة التي كان أوجها في أحداث 26 جانفي 1978، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979 و تصاعد حضور الاتجاه الإسلامي بالمعاهد وبالجامعة، وكنت آنذاك في سن المراهقة ومن بين التلاميذ “المتدينين” كما يُوصفون، وكان التديّن الحركي بداية انشغالي بالحياة العامة، وكانت أنشطتي البارزة بالمعهد واتهامي بالتحريض على الإضرابات تفاعلا مع ما سمّي آنذاك “أحداث قفصة”، سببا في طردي نهائيا من الدراسة بالمعاهد العمومية سنة 1980، فاضطررت إلى الانتقال من باجة إلى العاصمة لمواصلة دراستي بمعهد خاص، ومكنني وضعي الجديد من الاحتكاك أكثر بالطلبة والتردد على المركب الجامعي خاصة ومواكبة الحوارات السياسية، مما سهل عليّ في أول سنة لي بالجامعة ، التي جاءت إثر اعتقال أو فرار قيادات الاتجاه الإسلامي(1981)، أن أكون من المتحدثين في حلقات النقاش والاجتماعات العامة، لأصبح بسرعة أحد المتحدثين باسم الاتجاه الإسلامي بكلية الآداب بمنوبة، ثم رئيسا لبعض التجمعات العامة بالمركب الجامعي وأحد قيادات الحركة الطلابية. ولا شك أن هذه البدايات والمسارات قد ألقت بي بقوة في معترك العمل السياسي والفكري أيضا، الذي استمر بعد الجامعة.
- ـ إذن كنتم من المؤسسين للتيار الإسلامي في تونس ؟
لم أكن من جيل المؤسسين للتيار الإسلامي بتونس، بل الأصحّ أنني انتميت إلى ما كان يُعرف بالاتجاه الإسلامي في مراحله الأولى وفي فترة مبكّرة من عمري حين كنت تلميذا في أوّل سنوات التعليم الثانوي كما أسلفت، وأنا معتز بذلك الانتماء الذي ساهم بقوة في تنمية شخصيّتى وفي إكسابي وعيا مبكرا بقضايا الشأن العام والانخراط فيها من مواقع متقدّمة دفاعا عن المبادئ وإسهاما في تغيير الواقع نحو الأفضل. وقد غادرت صفوف الاتجاه الإسلامي بالمعنى التنظيمي للمصطلح في مرحلتي الجامعية.
- ما الذي جعلك تغادر هذا التنظيم الحزبي وأنت من بين قياداته؟
كنت بالتوازي مع العمل الحركي شغوفا بالمطالعات الفكرية، وفي الوسط الطلابي تدعّم احتكاكنا بالأفكار المغايرة من الأيديولوجيات المختلقة، وتزامن ذلك مع غياب القيادة التاريخية للاتجاه الإسلامي التي كانت بالسجون أو بالخارج، وربما ساهمت تلك العوامل في انفتاحي على الكتابات العربية المعاصرة، خاصة منها تلك التي اتخذت منحى نقديا في أعقاب هزيمة 1967 والمراجعات التي تلتها، وتأثرت بما قرأت لا سيما بكتابات حسن حنفي ومحمد عابد الجابري وياسين الحافظ ومنير شفيق وبرهان غليون وعلي شريعتي ومحمد باقر الصدر وآخرين، وهكذا توسعت دائرة اهتماماتي وبدأت أدرك القصور في الأدبيات “الإخوانية” والإسلامية عموما وصرت نقديا تجاهها. كما بدت عليّ علامات النضج الفكري فصرت نقديا تجاه المشهد الطلابي الذي يغلب عليه التطاحن الأيديولوجي والعنف اللفظي والمادي، ولم يكن جاهزا للتنظّم النقابي المهني الجامع. وهكذا بتّ أقرب إلى الاهتمام الفكري والثقافي، بل أرى الثورة الثقافية مقدمة عن العمل السياسي. فكتبت دراسة تقييمية فكرية وتنظيمية لتجربة الاتجاه الإسلامي، ساعدتني النقاشات مع من يشاركونني الرأي على تطويرها، وكان قرار استقالتي من الاتجاه الإسلامي. لأعمل بعض الوقت تحت مسمى “الإسلاميين المستقلين” وأشارك في المراجعات الفكرية الجماعية للحركة الإسلامية بتونس، وأبحث عن آفاق جديدة، وفي هذا السياق تبنّيت فكر “اليسار الإسلامي”. ثم كان انضمامي إلى تجربة “الإسلاميين التقدميين” التي ساهمت في إنضاج بعض أفكارها وفي انتقالها من ردّ فعل تنظيمي وأيديولوجي على “الاتجاه الإسلامي” إلى تعبيرة نقدية في الفكر العربي المعاصر الباحث عن آفاق وحلول خارج الأنساق الأيديولوجية المغلقة والتنظيمات الحزبية. ثم كان لاحقا قرار إنهاء التجربة التنظيمية للإسلاميين التقدميين في نهاية الثمانينات والعمل في إطار مجلة 15/12 للفكر الإسلامي المستقبلي ثم تأسيس جمعية “منتدى الجاحظ” الثقافية، من أجل تنوير عربي إسلامي، سنة 1990 والتي تحملت فيها الكتابة العامة إلى غاية 2010.
وكان لانخراطي في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وسط الثمانينات وتحملّي لمسؤولية قيادية بهيئتها المديرة الوطنية من 1994 إلى 2010 وكذلك لمساهمتي في تأسيس الحزب الديمقراطي التقدمي ولتحمل مسؤولية قيادية به والإشراف والتحرير بجريدة الموقف من سنة 2000 إلى غاية 2009 أثرا كبيرا في تكويني وتجربتي ومساري الفكري والسياسي.
- ـ هل مازلت تحتفظ بخلفية إسلامية ؟ وكيف تُموقع نفسك الآن؟
نعم يمكن القول أنني مازلت إلى الآن أصدر عن خلفية إسلامية لكنني أرى نفسي في ذات الوقت ذا توجهات حداثية وتقدمية. بل إني لا أرى تناقضا بين الهوية والحداثة، وبهذا المعنى أرفض التصنيف النمطي القائم على أسس أيديولوجية مُفوّتة. وقد كتبت مقالا بعد الثورة أتطلع فيه إلى ما أسميته “ديمقراطية ما بعد العلمنة والأسلمة”. فأنا من الذين لا تستوعبهم التصنيفات “منتهية الصلوحية”.
وبعد هذا القوس النظري أستطيع أن أؤكد أنني أصدر عن خلفية تجديدية تنويرية تحرّرية تعتبر أن الانطلاق من البيئة الثقافية المحلية شرط أساسي لنجاح محاولات التحديث. ولي بكل تواضع إسهامات نظرية على هذا الصعيد أنشرها في مقالات فكرية وسياسية منذ عقود. وهذه الخلفية تبدو متميّزة بوضوح عمّن ما يزالون يصنفون أنفسهم ضمن ما ما يُعرف بحركات “الإسلام السياسي” التي تبدو بالنسبة لنا سلفية بدرجات متفاوتة. كما يتميز عن التيارات التي تصنف نفسها في خانة ما تُوصف بالتيارات “العلمانية” سواء كانت ليبرالية أو يسارية والتي تعاني حسب رأينا من توتر غير خاف مع الإسلام والثقافة المحلية. كما أن هذه الخلفية تعتبر الإسلام عنصر وحدة واعتزاز ومعطى ايجابيا وتعتمد خطابا يغتني من قيم الإسلام الخالدة وتعاليمه السمحة ومن تجدّد معاني كلمات القرآن العظيم، وينفتح على ثقافة العصر، في بناء الإنسان وكسب مختلف التحديات المطروحة. وهي تتواصل مع المرجعية الإصلاحية الحديثة في الانخراط في الحداثة من موقع الإبداع لا الإتباع.
- ـ لماذا اخترتم تسمية الإصلاح والتنمية في تجربتكم الحالية ؟
يمكن القول أن حزب الإصلاح والتنمية يعود تشكّله في نواته الأولى إلى الانتخابات التشريعية لسنة 2009 التي كانت مجرد مناسبة لإعلان ميلاد التيار. فقد تقدمنا آنذاك في قائمات مستقلة متعدّدة تحت تسمية واحدة وهي «الإصلاح والتنمية» وضمّت حينها كوادر سياسية واجتماعية ممن سبق انسحابهم من قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي. وكانت تلك المشاركة اختبارا لمدى تقبّل السّلط آنذاك لتنظّمنا القانوني. وقد فهمنا الجواب من خلال منع توزيع بياننا الانتخابي وحتى صور المترشحين بتعلاّت واهية ومخالفة للقانون، رغم السماح لنا بالمشاركة، وكان ذلك التعامل خاصا بقائمات الإصلاح والتنمية.
واصل المشاركون في تلك القائمات أنشطتهم السياسية باسم “تيار الإصلاح والتنمية” وبعد ثورة 14 جانفي ارتفع منسوب الاستعداد للعمل السياسي بين التونسيين وأصبحت حرية التنظيم ممكنة، فتوسعت المجموعة وتحاورت فيما بينها لتشكيل الحزب الجديد.
تحصّل حزب الإصلاح والتنمية على التأشيرة القانونية في 19 أفريل 2011، وكان أغلب مؤسسيه ممّن كانت لهم إسهامات في الحياة العامة من مواقع مختلفة، وإن يشاركوا في تجربة “التقدمي”. وقد حافظنا على تسمية الإصلاح والتنمية، التي اخترناها قبل زحمة التسميات وتشابهها بعد الثورة، لأنّ التسمية تختزل مشروعنا في اعتبار التنمية الشاملة والعادلة غاية واختيار الإصلاح الجذري والمتدرّج منهجا.
- ـ وكيف تقدّم للقراء توجّهات هذا الحزب؟
انطلاقا من خلفيته العروبية الإسلامية المستنيرة ونزعته الحداثية التحرّرية، يتبنى حزبنا توجّها اجتماعيا ديمقراطيا. فهو ينحاز إلى المستضعفين من شعبنا ويتطلع إلى التعبير عن الكادحين والمُهمّشين، ويستحضر دوافع ثورات الربيع العربي وأهدافها، ويناهض الثراء الفاحش والخيارات الليبرالية الظالمة، ويعمل على تحقيق الرفاه وضمان العدالة الاجتماعية، باعتماد منظومة اقتصادية واجتماعية تحرر المبادرة الفردية وتتحمل فيها الدولة مسؤولية دفع الاستثمار في القطاعات الإستراتيجية وضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لثمرات النماء على الأفراد والجهات وتكريس واجب التضامن وحماية المهمَشين. وباعتماد إستراتيجية تنموية غايتها الإنسان. تُحل قيم العمل والإتقان والابتكار والتضامن مرتبة عالية وتفعّل الروح الوطنية وتحاصر الفساد، وترفع من منسوب كفاءة الأفراد وقدراتهم الإبداعية وسعادتهم في آن. وببناء اقتصاد وطني متفتح يراهن على المعرفة وتتعايش فيه القطاعات الاقتصادية المختلفة، ويستفيد من خصوصيات كل جهة في دعم تنميتها المستقلة. كما يستند حزبنا إلى مبدأ المواطنة وقيم الديمقراطية والجمهورية وحقوق الإنسان ويعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وضمان استقلال البلاد ودعم مقوّمات دولة مدنية متصالحة مع بيئتها الثقافية والحضارية.
وقد حاولنا جمع هذه المعاني المتقدمة في الكلمات الثلاثة التي تكون شعار الحزب، وهي الحرية والمواطنة والعدالة. وجعلنا رمز الحزب امرأة ورجلا يشكّلان جذع شجرة التنمية، للتأكيد على مبادئ المساواة والتكامل والتضامن في نظرتنا للعلاقة بين الجنسين.
ويحرص حزب الإصلاح والتنمية على تأكيد انحيازه لثورة الحرية والكرامة وهو ينكبّ على مشاغلنا التونسية القطرية دون عزلها عن أفقها المغاربي والعربي والإسلامي المخصوص، بعد أن فشل التناول القطري المقيت لها، وبعد أن ثبتت ثورات الربيع العربي قوّة روابط العروبة لغة وثقافة ومصالح ومشاعر. وهو يتطلع إلى جعل ثورات الربيع العربي دعما وتواصلا مع خط الممانعة والمقاومة، الذي أعاد لأمتنا بعض كرامتها وأثبت صلابته وجدواه في مواجهة مخططات التقسيم والهيمنة والتبعية، والذي يتخذ من تحرير فلسطين واستعادة مقدساتنا بوصلة له ومحرارا، وكانت ثورات الربيع العربي إحدى ثماره. كما يحرص حزبنا على تثبيت خيار وطني مستقل، يحسن قراءة المعطيات الدولية والإقليمية ويحسن التعامل معها بواقعية، ويعمل على قطع الطريق على أي تدخل أجنبي مهما كان في شؤوننا الداخلية.
- ـ هل لك أن تختزل لنا أهمّ رهانات مؤتمركم الوطني المزمع عقده خلال الأيام القادمة؟
بعد حوالي ثلاث سنوات من الحالة الانتقالية التأسيسية، على غرار الوضع العام بالبلاد، نعتقد أن الوقت قد حان لعقد المؤتمر الوطني الأول لحزبنا وسيكون ذلك إن شاء الله تعالى يومي 22 و23 مارس الجاري. ونعمل على أن يكون المؤتمر حدثا سياسيا وطنيا بارزا من خلال الجلسة الافتتاحية بنزل أفريكا بالعاصمة التي سندعو لها قيادات الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات وبعض الدبلوماسيين والشخصيات الوطنية والأصدقاء والإعلاميين وسنعرّف خلالها بمسار حزب الإصلاح والتنمية وتوجهاته الكبرى وقراءته للمشهد الوطني وتموقعه السياسي في ضوء استحقاقات المرحلة. وستتواصل الأشغال بمدينة سوسة حيث ينكبّ حوالي 200 مؤتمر من مختلف الولايات على مناقشة وإقرار الأرضية الفكرية والسياسية العامة التي استقر عليها أعضاء الحزب وعلى وضع قانون أساسي ونظام داخلي للبناء المؤسساتي الديمقراطي للحزب ولاختيار قيادة له حسب ذلك، تتولى أمور الحزب إلى حين عقد المؤتمر القادم.
وسيكون موضوع تحالفات الحزب واستعداداته للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمين من أهم مداولات المؤتمرين. وآمالنا عريضة في أن يكون حزب الإصلاح والتنمية أحد التعبيرات الحزبية الهامة في المشهد الوطني وأحد المساهمين بفعاليّة في إنجاح المسار الديمقراطي وتحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة وبناء غد أفضل لتونس وللتونسيات وللتونسيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة الخبير (أسبوعية تونسية) العدد 48 من 13 إلى 19 مارس 2014